|
الديالكتيك المستباح (1)
يعقوب ابراهامي
الحوار المتمدن-العدد: 2710 - 2009 / 7 / 17 - 09:32
المحور:
ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية
في الحرب الضروس التي دارت رحاها (على ساحات "الحوار") بين أنصار "فناء الضدين" وأنصار "فناء الضد الواحد" ، صرف "المعلقون" أنظارهم عن المسألة الجوهرية والهامة ، وانشغلوا في صراعات جانبية حول قضايا ثانوية. إذ على الرغم من أهمية الحسم فيما إذا كان حسقيل قوجمان أو كارل ماركس هو الذي اكتشف "قانون فناء الضدين" ، فإن المسألة الأهم هي : كيف تحولت طريقة فلسفية في فهم العالم ، تفسيره وتغييره ، إلى "قوانين طبيعية" مفروضة على الأنسان ، و إلى "حلول سحرية" جاهزة. كيف استبيحت إحدى ثمرات الفكر البشري وتحولت إلى أداة بأيدي إناس سذج ، حمقى أو أشرار ؟ أين هو "المفكر الماركسي" الذي يدرس الواقع بكل تناقضاته وتعقيداته بدل أن يجد "الحل الملائم" في "القانون الديالكتي" الملائم ؟ وأين هو الماركسي-اللينيني- الستاليني الذي لم يحاول أن يسكت ضميره بتعليل "ديالكتي" متفتل من هذا اللون أو ذاك ؟
أين هو ال"جدانوف" الستاليني الذي لم "يكتشف" القانون الديالكتي المناسب في الوقت المناسب ؟ وأين هو الطاغية الستاليني الذي لم يبرر افعاله ببهلوانيات "ديالكتيكية" ؟ ( لم أجد النص الأصلي. أضطر إلى الأعتماد على الذاكرة ، آملاً أن لا تخذلني هذه المرة : عندما سئل ستالين عن اسباب تعزيز أجهزة القمع في الدولة السوفييتية ، في حين أن لينين تحدث عن "تلاشي" الدولة بعد الثورة الأشتراكية ، أجاب بما معناه : إن هذا يجري وفقاً لقانون "وحدة الأضداد" في الديالكتيك : لكي تتلاشى الدولة يجب أن تقوى أولاً. تقوية الدولة ( أي تعزيز أجهزة القمع والمخابرات السرية ) هو الطريق (الديالكتي) الوحيد لتلاشي الدولة .)
في كتابها " الماركسية وفلسفة العلم (السنوات المائة الأولى) " ، تنقل المؤلفة إيلينا شيهان عن آرثور كويستلر وصفه للخراب المعنوي الذي أنزلته "المادية الديالكتيكية" بالحياة اليومية للحزب. آرثور كويستلر كان عضواً في الحزب الشيوعي الألماني في الأيام الأخيرة لجمهورية فايمر ، بعدها شارك في إقامة "الجبهة الشعبية" في فرنسا في الثلاثينيات من القرن الماضي. يقول إنه عندما كان عضو الحزب يفاجأ بالتقلبات الحادة ، غير المرتقبة ، في سياسة الحزب ، وعندما كانت الشعارات القديمة تستبدل ، بين عشية وضحاها ، بشعارات جديدة لا تمت إلى الشعارات القديمة بصلة ، كان الجواب الذي يتلقاه عضو الحزب ، عندما كان يسأل عن فحوى ذلك ، واحداً على الدوام : " أنت لا تفكر بصورة ديالكتيكية ، أيها الرفيق ."
" شيئاً فشيئاً " ، يقول كويستلر ، " أخذت أكره التفرغ لفحص الحقائق . شيئاَ فشيئاً بدأت أنظر إلى العالم بمنظار التفسير الديالكتي فقط . كان هذا وضعاً مريحاً وممتعاً للغاية ، إذ ما أن يتقن المرء قواعد اللعبة حتى لا تعود حقائق الواقع تزعجه على الأطلاق ." شيئاً فشيئاً أخذ كويستلر يدرك إن الديالكتيك يولد لدى المرء ذهنية مستعدة لأن تتقبل ، باسم "الضرورة الديالكتيكية" ، أبشع الأمور وأقبحها : " الكذبة الضرورية ، الأفتراء الضروري ، ضرورة تخويف الجماهير ، ضرورة تصفية المعارضين والطبقات المعادية ، ضرورة تصفية جيل كامل من أجل مصالح الجيل القادم ."
عندما سئل كارل ماركس ، على يد إبنته لورا ، عن أحب شعار لديه أجاب : " التشكيك في كل شيئ " . ("De omnibus dubitandum") . كيف تحولت طريقة البحث والتحليل ، التي بناها وطورها هذا الأنسان ، إلى وسيلة لكم الأفواه ، إسكات الضمير وتبرير كل إكذوبة وحيلة ؟ كيف تحولت الفلسفة ، التي رفعت روح الأنسان إلى السماء ، إلى شعوذة ؟ أين هو "المفكر الماركسي" (الستاليني) الذي لم "يبرهن" على حتمية الثورة الأشتراكية عن طريق تحول الماء إلى بخار عندما تصل حرارة الماء إلى 100 مئوية ؟ وأين هو "الخاطئ" الذي لم يعترف أمام "محاكم التفتيش" الستالينية بأن "إنحرافه" يرجع إلى ضعف فهمه للديالكتيك ( إضافة طبعاً إلى عدم تعمقه في كتابات ستالين) ؟
كتب أحد القراء ، في تعليق ، يقول : رحمك الله يا ماركس ، كم من معارك تخاض باسمك ؟ وأنا أضيف : على أيدي إناسٍ لم يقرؤوك ولم يفهموك.
* هل هناك "قوانين ديالكتيكية" طبيعية ، مفروضة على الأنسان ، (من فرضها ؟) ، أم إن الديالكتيك هو طريقة لفهم العالم ، لتفسيره ولتغييره ؟ * هل "قوانين الديالكتيك" تسري على الطبيعة والمجتع ، على البشر والحجر ، أم إنها تفقد معناها خارج نطاق المجتمع البشري والتاريخ البشري؟ * هل هناك معنى للحديث عن "تقدم ديالكتي قي اتجاه معين" (نحو الأعلى طبعاً) لمن لا وعي له ، والأنسان ، كما هو معروف ، هو الكائن الوحيد الذي يملك الوعي ؟ * هل كان الديالكتيك في نظر ماركس عملية كونية تعمل في النجوم ، في الفضاء الخارجي ، في الطبقات الجيولوجية تحت الأرض ، في الكيمياء وفي البيولوجيا ؟ أم إن مفهومه عن الديالكتيك إنحصر كلياً في الأنسان وفي التاريخ البشري ؟ * هل اختلف كارل ماركس في هذا مع فريدريك أنجلس ، شريكه في تأسيس الفكر الماركسي ، أم إنه كان على اتفاق تام معه ؟ * وستالين (لا يمكن بدون ستالين) ما دوره ؟
كل هذا (أو بعضه على الأقل) سنحاول الحديث عنه في حلقات قادمة.
ملاحظتان: 1. طلب مني حسقيل قوجمان أن "أنور" القراء بالأسم الحقيقي الذي أطلقه كارل ماركس على الماركسية . الجواب : لم يسميها.
2. إلى الأخت "المناضلة الشيوعية المغربية " التي وصفتني بالتروتسكية : أنا في حيرة من أمري . أنا أشعر مثل ذلك الشخص ، في إحدى مسرحيات موليير ، الذي تكلم طول حياته نثراً دون أن يعرف ذلك . إكتبي لي وقولي لي ، عافاك الله ، ما هي معتقداتي الأديولوجية. (وبالمناسبة ، أنا أنتمي إلى جيل كان فيه "المنحرفون" تيتويين . متى أصبحوا تروتسكيين ؟)
#يعقوب_ابراهامي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
حسقيل قوجمان -يؤمن- بماركسية بلا كارل ماركس (أخيرة)
-
حسقيل قوجمان -يؤمن- بماركسية بلا كارل ماركس (3)
-
حسقيل قوجمان -يؤمن- بماركسية بلا كارل ماركس (2)
-
حسقيل قوجمان -يؤمن- بماركسية بلا كارل ماركس (1)
المزيد.....
-
احتفالات بتونس بذكرى فك حصار لينينغراد
-
فرنسا: رئيس الوزراء يغازل اليمين المتطرف بعد تصريحات عن -إغر
...
-
نقطة نظام النائبة البرلمانية الرفيقة نادية تهامي، باسم فريق
...
-
الرفيقة إكرام الحناوي، عضو فريق التقدم والاشتراكية بمجلس الن
...
-
رشيد حموني، رئيس فريق التقدم والاشتراكية بمجلس النواب، يوجه
...
-
من اليمين واليسار...انتقادات لبايرو بعد تصريحاته عن -إغراق-
...
-
مسؤولة كردية رفيعة تطالب تركيا بإجراءات تخص عبد الله أوجلان
...
-
ملف الهجرة: رئيس الحكومة الفرنسية -يغازل- اليمين المتطرف؟
-
غارات تركية على مواقع تابعة لحزب العمال الكردستاني قرب قصر ش
...
-
108 مليار دولار تتبخر من ثروات الأغنياء بسبب -ديبسيك-
المزيد.....
-
الذكرى 106 لاغتيال روزا لوكسمبورغ روزا لوكسمبورغ: مناضلة ثور
...
/ فرانسوا فيركامن
-
التحولات التكتونية في العلاقات العالمية تثير انفجارات بركاني
...
/ خورخي مارتن
-
آلان وودز: الفن والمجتمع والثورة
/ آلان وودز
-
اللاعقلانية الجديدة - بقلم المفكر الماركسي: جون بلامي فوستر.
...
/ بندر نوري
-
نهاية الهيمنة الغربية؟ في الطريق نحو نظام عالمي جديد
/ حامد فضل الله
-
الاقتصاد السوفياتي: كيف عمل، ولماذا فشل
/ آدم بوث
-
الإسهام الرئيسي للمادية التاريخية في علم الاجتماع باعتبارها
...
/ غازي الصوراني
-
الرؤية الشيوعية الثورية لحل القضية الفلسطينية: أي طريق للحل؟
/ محمد حسام
-
طرد المرتدّ غوباد غاندي من الحزب الشيوعي الهندي ( الماوي ) و
...
/ شادي الشماوي
-
النمو الاقتصادي السوفيتي التاريخي وكيف استفاد الشعب من ذلك ا
...
/ حسام عامر
المزيد.....
|