|
جواز سفر
سعد صالح
الحوار المتمدن-العدد: 2709 - 2009 / 7 / 16 - 09:08
المحور:
الادب والفن
بعد مشاجرة عنيفة مع حبيبته يجلس وحيدا .. هادئَ .. متأملا ..يستعيد ذكرياته معها كفيلم سينمائي طويل . التقيا صدفة .. منذ اللحظة الأولى أحس أن شيئاً ما يربطهما وكأنه يعرفها منذ زمن ، حاصرته بنظراتها الساحرة وأسرته بحضورها الروحي فأصبحت لا تفارق مخيلته وسلبته هكذا بكل بساطه عقله ، وقلبه فسقط صريعا في محراب حبها وتعددت اللقاءات فكان الغرام .. كيفما استطاعت هذه المرأة أن تختصر نساء الأرض بشخصها ؟ فأحبها حبًَ عميق ولأبعد درجات الحب العذري .. كيف استطاعت أن تختزل عالمه بطوله وعرضه ليصبح وجودها فقط عالمه كله وهو الذي عاش حياته يتنقل من حب إلى حب ومن امرأة إلى أخرى ، فكان العتيد في دروب الحب ومتاهاته فلم يعرف حدوداًَ لسفره أو مرسى لسفينته حتى التقاها فكانت إلام والأب .. الأخ والأخت .. الحبيبة والصديقة .. المرسى والشاطئ ، والمحطة الأخيرة لسفره الطويل . لكنه اليوم متمرد على سلطانها وثائر على احتوائها له ، أنها ليست المرأة المثالية يقول في نفسه .. فكيف أحبها .؟؟ أنها عنيدة ، ومتمردة ، ومتسلطة .. فكيف أحبها .؟؟ وأحب أنانيتها وغرورها وقسوتها في بعض الأحيان .؟؟ لطالما حرمه حبه لها من فرص عديدة فرص للحب والمغامرة وكم أضاع من عمره أسيرا في قفص وفائه لها وهو القادر على الطيران والتحليق بعيدا ليتمتع بنشوة الحرية والانطلاق ، لكنه اليوم قرر إن يتحرر فلا حب يقيده بعد اليوم ولا قفص يحتويه ويستعبد حريته ولا وفاءًَ يمنعه من تجارب جديدة يجدد بها شبابه وحياته ، نعم لقد قرر التمرد عليها والتخلص من حبها والتحرر من عبوديتها ، سوف ينساها ويسافر لأبعد حدود الأرض ، نعم خير طريق لنسيانها هو السفر يقول في نفسه . ينهض ويتصل بصديقه يسأله عن موعد سفره .؟ يجيبه : غداًَ طائرتي ستقلع عند السادسة صباحاًَ . يرد عليه : احجز لي مقعداًَ رجاءا ، قررت إن أسافر معك . ينهي المكالمة ويتجه نحو حقيبة السفر كم اشتاق لها يرتب ملابسه وإغراضه فيها ، يبحث عن جواز سفرة في إدراج مكتبه فلا يجده ، في خزانة ملابسه فلا يجده ، يحاول إن يتذكر أين وضعه ، أخر مره كان ذلك منذ زمن .؟؟ نعم لقد تذكر ، انه في حقيبته اليدوية يبحث عنه فيجده أخيرا. ماذا بقى بعد .؟؟ لم يبقى شي ، يسترخي بجسده المتهالك على الاريكه ويجول بنظرة إرجاء شقته وكأنه يودعها . يمسك بجواز سفره بكلتا يديه ويضعه على صدره وكأنه يقول لنفسه هذا جواز سفري إلى دنيا جديدة ، يضبط المنبه تمام السادسة صباحا ، يغلبه النعاس ، ثم .. ثم .. احد ما يقرع الباب .؟؟ من القادم في هذه الساعة المتأخرة يسأل نفسه .؟؟ ينهض ببطء ويسير باتجاه الباب وكأنه يجر إقدامه جراًَ ، يفتح الباب .. يألهي .. عينها الساحرتين .. طولها الفارع .. شعرها الفاتن .. أنها هي .. أنها هي .. لا تعطيه فرصة للسؤال ولا حتى لاستيعاب المفاجأة وببراءة طفل تقول : جئت لاعتذر .. إنا أسفه حبيبي .. احبك .. قبل إن يتدارك مشاعره ترتمي في أحضانه وتهمس له .. اشتقت إليك .. دون أن يعرف كيف ولماذا يجد نفسه يطوقها بذراعيه ويعترف .. أنت حبيبتي .. أنت وطني .. يسكت الكلام .. يتوقف الزمن .. يتلاشى المكان .. ويسقط من يده ليقع تحت قدميها جواز سفره !! .
المخرج العراقي سعــــــد صـــــالــح [email protected] [email protected]
#سعد_صالح (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
بعد جماهير بايرن ميونخ.. هجوم جديد على الخليفي بـ-اللغة العر
...
-
دراسة: الأطفال يتعلمون اللغة في وقت أبكر مما كنا نعتقد
-
-الخرطوم-..فيلم وثائقي يرصد معاناة الحرب في السودان
-
-الشارقة للفنون- تعلن الفائزين بمنحة إنتاج الأفلام القصيرة
-
فيلم -الحائط الرابع-: القوة السامية للفن في زمن الحرب
-
أول ناد غنائي للرجال فقط في تونس يعالج الضغوط بالموسيقى
-
إصدارات جديدة للكاتب العراقي مجيد الكفائي
-
الكاتبة ريم مراد تطرح رواية -إليك أنتمي- في معرض الكتاب الدو
...
-
-ما هنالك-.. الأديب إبراهيم المويلحي راويا لآخر أيام العثمان
...
-
تخطى 120 مليون جنيه.. -الحريفة 2- يدخل قائمة أعلى الأفلام ال
...
المزيد.....
-
مختارات من الشعر العربي المعاصر كتاب كامل
/ كاظم حسن سعيد
-
نظرات نقدية في تجربة السيد حافظ الإبداعية 111
/ مصطفى رمضاني
-
جحيم المعتقلات في العراق كتاب كامل
/ كاظم حسن سعيد
-
رضاب سام
/ سجاد حسن عواد
-
اللغة الشعرية في رواية كابتشينو ل السيد حافظ - 110
/ وردة عطابي - إشراق عماري
-
تجربة الميج 21 الأولي لفاطمة ياسين
/ محمد دوير
-
مذكرات -آل پاتشينو- عن -العرّاب-
/ جلال نعيم
-
التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ
/ عبد الكريم برشيد
-
مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة
/ د. أمل درويش
-
التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب
...
/ حسين علوان حسين
المزيد.....
|