|
حَرَكةُ التاريخ
ييلماز جاويد
(Yelimaz Jawid)
الحوار المتمدن-العدد: 2709 - 2009 / 7 / 16 - 08:46
المحور:
دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات
باتت العقولُ في حيرة لتفسير أسباب عدم تقدم مسيرة العراق رغم مرور ستة أعوام على التغيير .
لا تحدث التغييرات في أيّ بلد بناءً على رغبة قائد أو زعيم ، ولا حسب ما يدعو إليه حزبٌ أو حركة سياسية ، إنما تعتمد حركة التأريخ على التوازنات التي تحكم بين طبقات الشعب ، وحدّة الصراع الطبقي بينها . إن مدى التطوّر الإقتصادي وتنوّعه وما يعكسه على المجتمع يحددان طبيعة المرحلة التأريخية لهذ البلد أو غيره ، وأي عمل سياسي لا يأخذ هذا المعيار بنظر الإعتبار لا يؤدّي إلاّ إلى تأخير عجلة الزمن في سيرها إلى أمام .
كان العراق في العهد الملكي محسوباً من الدول الزراعية ، قبل أن تصبح واردات النفط مصدراً رئيسيّاً لتمويل الآلة الإقتصادية . كان العراق من الدول المصدرة للحبوب والفواكه والخضر في ظل نظام شبه إقطاعي تتكوّن غالبية شعبه من طبقة الفلاحين ، وشريحة صغيرة من طبقة عاملة تعمل في شركات النفط والميناء والسكك الحديدية وبعض المعامل الصغيرة التي كانت تملكها طبقة برجوازية صغيرة . في هذه المرحلة إتصف المجتمع بنوع من الإستقرار لعدم توفر أسباب الصراع الطبقي بحدّة ؛ لإنعدام الوعي الطبقي لدى الطبقة الفلاحية التي كانت تمثل أوسع طبقة إجتماعية من جهة ولضعف الطبقتين العاملة والبرجوازية لصغر حجمهما وإنعدام تأثيرهما نسبياً من جهة أخرى .
إنّ الظروف الدولية التي سادت بعد الحرب العالمية الثانية ، وإنطلاق موجات التوعية بحقوق الإنسان والديمقراطية قد ولّد تغييرات حقيقية في البنية الإجتماعية . فتكوّنت الأحزاب و الحركات السياسية وأخذت تنشر مبادئ الحرية والمساواة وضرورة الصراع من أجل تحسين أحوال الطبقات المحرومة في المجتمع مما أدّى إلى نضوج بذرة الثورة التي إستغلها الضباط الأحرار فنجحت حركتهم في الرابع عشر من تموز لقلب النظام الملكي وإعلان الجمهورية .
مخاض ستين عاماً ، بما تضمنته من إنقلابات وتغييرات في نظام الحكم ، وحروب راحت ضحيتها آلاف الضحايا البشرية وتدمير البنية التحتية ودخول واردات النفط في عنق زجاجة ما سمّي بالبند السابع ، لم يتقدّم فيها العراق قيد أنملة وذلك بسبب السياسة الرعناء التي إنتهجتها حكومات تلك الحقبة ، يبنون ويطبّلون لما بنوا ثم يهدمون ما بنوا . لا تختلف التوازنات التي تحكم بين طبقات الشعب الآن كثيراً عن ما كانت عليه في العهد الملكي . طبقة فلاحية واسعة محرومة من جميع الحقوق لا حول لها ولا قوة لأنها مخدرة بأفيون جديد وسطوة رجال الدين بدل السركال حينذاك . طبقة عمالية ضعيفة وصغيرة الحجم ليس لها قيادة سياسية توجّهها ، وطبقة برجوازية إمتهنت سرقة المال العام سواء بالإختلاسات أو بالمتاجرة بالنفط المهرّب .
إن الصراع الحقيقي في الوقت الحاضر هو بين الشرائح المختلفة من طبقة البرجوازية . هو ليس صراعاً قومياً عنصرياً و لا هو دينيٌّ أومذهبي . الصراع الحقيقي هو من أجل السلطة التي تمنح الحاكم حصة أكبر في الغنيمة . صراع للإستحواذ على المواقع تمكّن المحسوب على هذه الجهة أو تلك أن يجني أكثر . ومن هنا فإنّ ما يفكر به إبن الشعب من المصلحة الوطنية العليا والمصالحة والوحدة الوطنية كلها لا تعني شيئاً في نظر المتصارعين . فلا غرابة أن ترى هذه الجهة تمدّ يدها لعدوتها " بإسم المصالحة " قبل أن تمد يدها إلى الأحزاب والحركات السياسية الوطنية الشريفة ، لكون توافقها مع عدوتها يحفظ لها حقوقها في السلطة و النهب ، بينما تحالفها مع القوى الشريفة يسقط حقها في النهب على أقل تقدير . و لذلك لا عجب في ما نرى ونسمع .
#ييلماز_جاويد (هاشتاغ)
Yelimaz_Jawid#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
الكاتب-ة لايسمح
بالتعليق على هذا
الموضوع
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
دروسُ الحياة
-
الحسابُ
-
مُكافحة السُّبات
-
رأسُ الشليلة
-
ثورةٌ فكريّةٌ .. مطلوبة
-
وحدة القوى التقدمية
-
في ذكرى سقوط الصنم
-
الحركة الكردية والمنطق السياسي
-
حُقوقُ الشّعبِ
-
درس المعلم الأول
-
دروسٌ ... للفائدة
-
صناعةُ المستقبل
-
المثقّفُ مسؤولٌ
-
التقدّميةُ هيَ الأصل
-
العملُ السياسيّ رسالةٌ
-
سَرَقوا العيدَ
-
صَرحُ الوحدةِ الوطنيةَ
-
في الوحدةِ الوطنيةِ
-
بِناءُ الوحدةِ الوطنية
-
الإنتقائيةُ في الدينِ كُفرٌ
المزيد.....
-
ترحيب فاتر بالملك تشارلز في أستراليا بأول جولة خارجية له منذ
...
-
استخبارات كوريا الجنوبية: بيونغ يانغ ترسل 1500 جندي لمساعدة
...
-
جواد العلي يعود إلى مسارح السعودية بعد غياب طويل.. افتتح حفل
...
-
روسيا تسلم أوكرانيا جثث أكثر من 500 جندي من قوات كييف
-
الحوثيون يتوعدون إسرائيل -بتصعيد عسكري مؤلم- ثأرا للسنوار
-
صافرات الإنذار تدوي في عكا وخليج حيفا
-
مصر ترفع أسعار البنزين للمرة الثالثة.. فهل ستواصل الأسعار ال
...
-
ما قصة التوغل الجيش الإسرائيلي في سوريا؟
-
يحيى السنوار.. ما قصة المسدس الذي وجده الإسرائيليون بحوزته و
...
-
-ماذا بعد مقتل عدوّ إسرائيل اللدود، يحيى السنوار؟- جيروزاليم
...
المزيد.....
-
الانسان في فجر الحضارة
/ مالك ابوعليا
-
مسألة أصل ثقافات العصر الحجري في شمال القسم الأوروبي من الات
...
/ مالك ابوعليا
-
مسرح الطفل وفنتازيا التكوين المعرفي بين الخيال الاسترجاعي وا
...
/ أبو الحسن سلام
-
تاريخ البشرية القديم
/ مالك ابوعليا
-
تراث بحزاني النسخة الاخيرة
/ ممتاز حسين خلو
-
فى الأسطورة العرقية اليهودية
/ سعيد العليمى
-
غورباتشوف والانهيار السوفيتي
/ دلير زنكنة
-
الكيمياء الصوفيّة وصناعة الدُّعاة
/ نايف سلوم
-
الشعر البدوي في مصر قراءة تأويلية
/ زينب محمد عبد الرحيم
-
عبد الله العروي.. المفكر العربي المعاصر
/ أحمد رباص
المزيد.....
|