|
ليس في الأمر لعبة سريالية، سوى اننا نتحدث عن كاتب ومشروع مفكر يدعى ربيع خليل. غادر بعد انهاء مكالمته على الارجح،
أحمد سليمان
الحوار المتمدن-العدد: 826 - 2004 / 5 / 6 - 07:29
المحور:
الادب والفن
19 سبتمبر 2000، ليس لهذا اليوم دلالة أو أي معنى حتى، لولا فضول احد النزلاء، في واحدة من حجرات الأجانب، وسط العاصمة بكين، ذلك المشهد يستدعي ان يكون فيلما، كتلك التي لخصها الصحافي الذي شغل الوسط الاعلامي الاجنبي العامل في الصين، وأحد هذه التساؤلات التي طرأت هناك، هو لماذا يأتي صحافي عربي في هذه الفترة، وما الذي جاء ليفعله في بلد المليار نسمة؟ أما الاجابة فليست عندنا اذ لم تكن عابرة سوى اننا نقرأ عن ابن الثالثة والاربعين، وجد ممداً وبقربه سماعة هاتف ينبض بدلاً من دقات قلبه الذي توقف.
ليس في هذا التقديم لعبة سريالية، سوى اننا نتحدث عن كاتب ومشروع مفكر يدعى ربيع خليل. غادر بعد انهاء مكالمته على الارجح، ربما كان يستعد للقاء عاجل او انه كان يحادث مكتب الطيران الذي سيقله الى مدينته التي تعيش اقصى الحياة ببيروت.
وربيع خليل جاء الى الكتابة بعد مخاض مستديم مع السياسة، حيث الانهيارات المتوالية للقيم، والنزيف المجتمعي الذي طاول كل شيء وصولاً الى انحسار الأفكار التي آمن بها، من هنا يبدأ ربيع خليل تفرغه للنقد السياسي وما تلاه من مناقشات في الفكر والتحديث والفلسفات، اذ طالما السياسة تحول الكائن الى فنان يحدس الامور فتبدو امامه دمى واحجار وخديعة، ان السياسة وفق هذا الشكل ستكون واحدة من فنون المكاسرة للارادة، حيث تمادى ربيع خليل على الدرس السياسي، مفلسفا ادواتها وآفاقها، باحثاً ودارساً للفلسفة في ميادينها الرحبة.
يصدر روايته الأولى «سفر الضجر» سنة 1996، بعد ان كتب مجموعة سيناريوهات وحيث اعد مسلسلات اذاعية الى جانب عدد من الافلام الوثائقية وسواها.
ولأن ربيع خليل، لم يسع لاستعطاف احد كان مصير اغلب انجازاته في الميادين المذكورة اسيرة الادراج.
يحط به الرحال ويهم للسفر الى البلاد التي فكر ان يتابع فيها ابحاثه وعلومه، فكانت الصين، قلعته حيث كتب وراسل مجموعة صحف ودوريات عربية اضافة الى انه اختص بالشأن الصيني ومن ثم اصبح ضيفاً ومعلقاً ثم مراسلاً في كل من المحطات الفضائية دبي وأبوظبي والتلفزيون السعودي.
ولكن حلم ربيع ووعيه يفوق ما هو عليه، لذا فكر بإنشاء مكتب اعلامي يهدف الى محاكاة الحضارتين العربية والصينية. لم يختم مشروعه، لكن كتاباته ونصوصه التي عادت بالحقيبة الدبلوماسية شاهدة عليه، حيث آثرت مخلصاً لاحياء تراثه الأدبي والفكري والنقدي الى حين اصدارها مطلع شهر ابريل 2001 وهي وفق العناوين التالية: خارج النعش، كتب في بكين، قراءات في المشهد الصيني المعاصر ومعاودة اصدار روايته الأولى «سفر الضجر» الصادرة سنة 1996.
أما اليوم، نؤكد أن الأمس لم يطو صفحاته، وان التكريم الذي حظي فيه ربيع خليل بعد وفاته لم يستوف شروطه التي سعينا من اجلها، فكانت مجرد مناسبة لصدور اعماله الكاملة، في حين ان هذا الكتاب يستحق اهتماماً غير ذلك، إذ لم نلاحظ أية مبادرة من الهيئات والمؤسسات الثقافية الأهلية أو سواها.
في هذا الصدد اننا نقدر عالياً كلمة وزير الثقافة اللبناني الدكتور غسان سلامة بمناسبة تكريم ربيع خليل في قصر الاونسكو.
لا بل سررنا حين تحدث عن مشروع انشاء المكتبات في المناطق اللبنانية، لكن، هل لنا ان نسأل سلامة فيما لو انه ادرج ضمن مشروع الوزارة شيئاً يخص ربيع خليل؟ مثلا ان يقلد وساماً رمزياً، أو تخصيص قاعة تحمل اسم ربيع خليل في واحدة من المكتبات؟ انها مجرد تساؤلات ويا ليتها لا تبقى كذلك.
في هذا الملف يشارك اصدقاء وكتّاب عرفوا ربيع في حياته، اضافة الى حوار لم ينشر في صحيفة من قبل، وهو كتابة عن محتويات كاسيت تمت اذاعته في راديو الشرق من باريس, حاوره الصحافي اللبناني يقظان التقي، قمنا بتفريغه وعرضه للمحاور، حيث وضع مقدمته، فكان ضمن هذا الملف.
احمد سليمان
نهم كبير للفلسفة
كان دائماً يرفض السائد والمعهود، الأليف والمألوف، كان أكثرنا تمرداً ورفضاً وأقدرنا على قول كلمة لا... قال لا لكل ما يعتقد انه خطأ، وانه ضيم وظلم. لا لكل ما هو مفروض بقوة وسلطة او بقرار من فوق. كان يرفض خصوصاً ما يُعرف بالبديهيات والمسلمات والطريق السهل، كان يعشق العناء والمغامرة بحثاً عن الحقيقة. وقد كلفه ذلك الكثير. مات وهو يفتش عليها من هنا وحتى الصين. ذهب ليفتش عنها هناك بعدما عجز عن ملامستها في الوطن الذي أحبه بكل جوارحه وقدم له دمه مرة ومرتين وأبداً.
أمين قمورية
صحافي
عشنا معاً في بكين
ودعت ربيع في مطار بكين على أمل العودة في اكتوبر المقبل كان ذلك في العام الماضي ولم يكن عندي أدنى شك بأن من ودعته هو الصديق الذي سأقرأ اسمه بأهم الصحف.
لم يكن ربيع عادياً .. كان كتلة من الطاقة والطموح ما لبثت ان انتهت بعد انطلاقتها بقليل!! عاش مع تفاصيل المجتمع الصيني بكل ثقة وامتدت خيوطه إلى ما لم يصل إليه غيره، وصار ربيع الصحافي العربي الأول المقيم في الصين.. يتلقى الدعوات لحضور مناسبات سياسية.. اجتماعية.. أو غيرها وكنت معه.. ولكن لا يزال معي..
في بكين حيث عشنا معاً، في بيت واحد وهموم مشتركة، لم تفارق أنامله القلم ولا عيونه الورق، دائم التمعن والتحليل لما يسمع ويرى، «حضر حالك يا حمزة بعد الظهر عندنا موعد في جامعة بكين وبعد غد في وزارة الخارجية» هذا همه، وكأني به يخاطب القيود والغلال التي اتحفه بها الوطن العزيز.
خسرناك يا ربيع، أهلك.. أحبابك.. أصدقاؤك.. العرب كلهم خسروك حيث انه لم يعد للعرب من صحافي مقيم في الصين، وحيث نتذكرك هذه اللحظة.
حمزة نصر الله
سينمائي
رسول في بلاد الصين
لا أعلم ما شدني إليه عندما زارني لأول مرة في مكتبي هناك في بكين «رأيت فيه رجلاً سكوته يتكلم» كما قالت حبوبة حداد عن جبران عندما رأته لأول مرة في أميركا.
ثم أدركت بعد انقضاء بعض الوقت على اقامته في الصين، بأن يراعه كان ينتج أبلغ الكلام وكلامه يحمل الثورة على المجتمع والنظام والتقاليد وإن كانت غايته فوق الحس وأبعد من الواقع فانطلق يندد ويؤنب ويكتب، حيث انشأ أول مكتب إعلامي عربي في الصين.
قدر لبنان ان يخسر عظماءه وهم في قمة العطاء و«ربيعنا» هو واحد من أولئك الذين لو قدر لهم ان يحيوا اكثر لأدهشوا العالم بعطاءاتهم.
قرأت له ثلاثة من كتبه «رسول في بلاد الصين » فأدهشني ما كتبه عن الأدب والفكر والسياسة و«سفر الضجر» حيث يتبلور مزاجه المردد و«رسول في بلاد الصين » حيث شعوره التشاؤمي عبر نصوصه التي يتضمنها الكتاب منها: «تحت شمس ناعسة» و«الزمن الصفر» و«كآبة الغابة» و «الدم المتيبس» منتهيا إلى «الذي تجاوزته ولم أعد أخافه/الموت» فكأني بالعزيز ربيع عندما كتب هذه الصفحة الأخيرة، كان يصارع الموت نفسيا فأنهاها بهذه الكلمات .. وهكذا بدوت متصلباً متمدداً بلا حراك، لا يهزني شيء، جمود ما بعده جمود هذا يعني لم أعد مضطراً للنهوض» بكين عام 2000.
فريد سماحة
سفير لبنان السابق في الصين
الرواية، تحاكم نظام القيم التي تحكم الامكنة:
في هذه المقاطع من حوار لم ينشر من قبل لربيع خليل نحاول الاقتراب من مناخات هذا المبدع وأجواء أعماله وتجاربه الابداعية حيث يقول عن روايته «سفر الضجر» يتحدث النص عن الاشلاء التي صارت خاضعة لنظام قيم زائف. العالم اصبح مدينة كبيرة لا تحتوي على التنوع الذي ينتج الفن والتفرد، اذ هناك رأي واحد، لا بل قوة تتحكم بصناعة القرار في اي مدينة في العالم وتحديدا في العالم الثالث، من خلال هذا النمط الحياتي الذي فرض علينا والحال اننا نعاني من ازمة حياله، فلنا بالاساس هويتنا وخصوصيتنا، نلاحظ تباعا انها تغرق وتذوب ونستلهم طبعا عبر الآخر كما احدد ذلك في النص نستلهم قيما مختلفة هناك شريحة واسعة تعيش بعيدة عنها بل غريبة، تعمدت في نص «سفر الضجر» استخدام شخصية واحدة، وزمن قصير، اذا تمت مقارنته في فن روائي او سردي الخصه في 24 ساعة من حياة هذه الشخصية.
يقول ربيع خليل عن تجربته الروائية:
هذه الفترة الزمنية تمثل حياة انسان انهكه الروتين اليومي، لا يطرأ على نمط حياته تبدل مهم وبالتالي تكون الـ 24 ساعة هي كل عمره وكفى.
انه نتاج يلخص غياب التنوع الذي ذكرته قبل قليل، غياب الرأي الآخر، الزمن الذي يمكن ان ينتج هذا التناقض والذي يمكن ان ينتج الآراء والشخصيات الاخرى الشغف الدائم بالآخر، لاننا نتعاطى كآلات نشعر بغربة حيال الزمان والمكان نصبح مدفوعين كآلات، لاننا نتعاطى بدون حب بدون شغف حقيقي شبه انسان وثني.
لقد تعمدت ان يكون فيها نوع من التباس وايحاء الى حد ما، ان القاريء حالم يبدأ وسيظن انها هكذا: ثلاثة اشخاص ذاهبون برحلة، ومجرد ان نصل الى منتصف الصفحة الثانية، يصبح الامر مختلفا وقد نقلته الى مناخ آخر، ثم ما ان ينتهي الكابوس اعمل الايحاء الثاني يعني تعمدت اولا الى حد ما بداية ساذجة تجعل الواحد يفكر انه موضوع انشاء، وان هذا شيء شائع يحكى بشكل ما.. تعمدت هذا الايحاء لاعمل نوعا من الصدمة هذا اتصور له علاقة بتقنية السرد والاسلوب.
من خلال الجولة على المدينة كنت ارمي الى عدة امور متداخلة، ان اتحدث عن مظاهر المدينة التي تتجه بدورها من خلال رؤية نشاهدها بمعزل عن هذا الشخص، في الوقت الذي يتبناها هذا الشخص في الرواية، ولكنه يحاكم نظام القيم التي تحكم الامكنة، لا بل يشعر بغربته، كما كان يشعر بغربته في بيته في الاماكن الحميمة التي كان ينتمي اليها، اصبح يشعر بنفسه غريبا عنها، وعن تحولاتها السريعة ومتغيراتها اي قوتها.
اعداد وتقديم : احمد سليمان
[email protected]
اشارة :
«خارج النعش» و«سفر الضجر» و«كتب في بكين» و«قراءات في المشهد الصيني المعاصر»عناوين كتب ربيع خليل حررها واعدها وأصدرها احمد سليمان عن مركز الآن, تكريما له في قصر الأونيسكو
#أحمد_سليمان (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
حوارات استشرافية: الخروج على لعبة الإمام السياسي -جاهلية الع
...
-
حوارات استشرافية: حوار مع الدكتور عبد الله تركماني عن الأحزا
...
-
نحو تشكلات تؤسس لحق التعارض والإختلاف
-
غبار وبايب وخسائر
-
حوارات استشرافية د. ميشيل كيلو في مراجعة المفاهيم والمحددا
...
المزيد.....
-
-ثقوب-.. الفكرة وحدها لا تكفي لصنع فيلم سينمائي
-
-قصتنا من دون تشفير-.. رحلة رونالدو في فيلم وثائقي
-
مصر.. وفاة الفنان عادل الفار والكشف عن لحظات حياته الأخيرة
-
فيلم -سلمى- يوجه تحية للراحل عبداللطيف عبدالحميد من القاهرة
...
-
جيل -زد- والأدب.. كاتب مغربي يتحدث عن تجربته في تيك توك وفيس
...
-
أدبه ما زال حاضرا.. 51 عاما على رحيل تيسير السبول
-
طالبان تحظر هذه الأعمال الأدبية..وتلاحق صور الكائنات الحية
-
ظاهرة الدروس الخصوصية.. ترسيخ للفوارق الاجتماعية والثقافية ف
...
-
24ساعه افلام.. تردد روتانا سينما الجديد 2024 على النايل سات
...
-
معجب يفاجئ نجما مصريا بطلب غريب في الشارع (فيديو)
المزيد.....
-
مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة
/ د. أمل درويش
-
التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب
...
/ حسين علوان حسين
-
التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا
...
/ نواف يونس وآخرون
-
دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و
...
/ نادية سعدوني
-
المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين
/ د. راندا حلمى السعيد
-
سراب مختلف ألوانه
/ خالد علي سليفاني
-
جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد
...
/ أمال قندوز - فاطنة بوكركب
-
السيد حافظ أيقونة دراما الطفل
/ د. أحمد محمود أحمد سعيد
-
اللغة الشعرية فى مسرح الطفل عند السيد حافظ
/ صبرينة نصري نجود نصري
-
ببليوغرافيا الكاتب السيد الحافظ وأهم أعماله في المسرح والرو
...
/ السيد حافظ
المزيد.....
|