أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عبدالعزيز المقالح - المنصف الوهايبي شاعر ذاكرة المكان














المزيد.....

المنصف الوهايبي شاعر ذاكرة المكان


عبدالعزيز المقالح

الحوار المتمدن-العدد: 2707 - 2009 / 7 / 14 - 07:22
المحور: الادب والفن
    



الأحد, 12 يوليو 2009
< الشعر الحقيقي ليس كلاماً ولا لغة، ولا يمكن الإمساك به في شكل معنى أو صورة، إنه ضرب من الإلهام الخاطف والمباغت يتجاوز الحرف والكلمة والعبارة ليتحقق في ذاته وبذاته، وحين نتصور الشعر لغة فإن ذلك يقودنا إلى التسليم بأنه أداة لشيء ما أو إلى شيء ما، وهو ليس كذلك، إنه تعبير خالص، ولغة قائمة بذاتها، لغة داخل اللغة، وله كيانه المستقل والمنفصل عنها بدلالاته والبعيد عن قواميسها الكثيرة المليئة بالألفاظ والعبارات ذات المعاني المحددة. إنه شيء لا يمكن الحديث عنه بعيداً عن الدهشة والخيال كالغيوم والأنهار والغابات، كقوس قزح، كالقرى المعلقة في سفوح الجبال لحظة الشروق أو في لحظة الغروب.

وعندما نقف مع الشاعر التونسي المنصف الوهايبي فإننا نقف مع ظاهرة شعرية تعكس أبعاد ما نراه شعراً حقيقياً يتجاوز في قراءته وتأويله الكثير من السائد اللاشعري، ويقدم نصاً قادراً على الإمساك بما هو صعب وقصي مما يبحث عنه الشعر ويسعى إلى التقاطه. وما أراه مبالغاً وهو يقدم نفسه إلى القارئ في أحدث أعماله الشعرية: «ميتا فيزيقيا وردة الرمل» على هذا النحو: «مِ البدء كنت أبي وأمي/ كانت الأشياء خرساً كلها/ فشققتُ من صمتي/ لها أسماءها / -وأنا الذي سميت نفسي دونها-/ ونطقت بي وبها/ وكنتُ لسانها/ حتى أتى الأغراب من شعرائها/ فتعاوروا كلماتها زمنا/ وقد لبسوا عليّ ضياءها/ باسمى أداروها على كل الذي شاءوا لها/ إلاَّ على أسمائها! (ص1)

ومنذ شق المنصف أول طريق له إلى الشعر مع زميله الشاعر محمد الغزي في ديوانهما المشترك «ألواح» وهو يسير نحو أفق شعري دائم التحول والتغيير وعلى رغم نضج تجربته وإيغالها في المنعرجات المأهولة بكل ما هو جديد فما يزال يستحضر الإيقاع ولا يراه نقيصة أو زائدة لا شعرية ينبغي التخلص منها، فالمعادلة الأصعب في الشعر ليست في كتابته موقعاً أو خالياً من الإيقاع وإنما في الاهتداء إلى الطريقة المثلى الهادفة إلى فك الاشتباك بين النثر العادي في كثير من القصائد المنظومة، وبين الشعر العادي في القصائد النثرية. والشعر كما يرى المنصف الوهايبي «يجري في الشعر مثلما يجري في النثر ويغيب في هذا مثلما يغيب في ذاك» وربما أفصحت القصيدة القصيرة الآتية عن مقاصد الوهايبي الذي يشير إلى بئر الشعر المعطلة التي كانت ولا تزال تنتظر نوعاً من الشعراء الخلاَّقين الذين يعيدون إليها ماءها الشعري تحت أي شكل بما يشكلونه من صور وإيقاعات ودلالات تجعل من الشعر شعراً ومن النثر شعراً:

«هي بئر معطلة../ كلما دارت الريح../ دارت قواديسها الخاويه!/ غير أني نزلت بها../ وصعدت../ ولي من غنائمها../ حجر الزاويه»! (ص112)

الشعر ذاكرة المستقبل، هكذا يرى منصف الوهايبي مضيفاً إلى ذلك أن «القصيدة الناشئة في زمن ما لا يمكن إلاَّ أن تتواصل فيها مع سائر الأزمنة.. وإذا كتب الشاعر «أتذكر» فإن قوله لا يحيل إلى أشياء الماضي فحسب، وإنما على أشياء لم تقع أو هي ما تزال في المستقبل» (أبناء قوس قزح: المتخيّر من الشعر التونسي، ص20) ، ولا بد أن هذا القول ينطبق عليه كما ينطبق على الشعراء الكبار الذين مهما تجاذبتهم الأزمنة يظلون أكثر انجذاباً إلى المستقبل وأكثر حضوراً فيه. وقصائد «ميتافيزيقيا وردة الرمل» ترسم عبر مغامرة تخييلية صوراً متنوعة لعشرات الأماكن تتقدمها إيقاعات أو بالأحرى إهداءات إلى عدد من أصدقاء الشاعر أغلبهم إن لم يكونوا جميعاً من الشعراء الذين أثبتوا أنهم يكتبون ذاكرة المستقبل، يستوي في ذلك الأحياء منهم والأموات:

وكما أن الشعر ذاكرة المستقبل فهو ذاكرة المكان والزمان أيضاً. ومن هذين العنصرين يتكون أجمل وأعذب ما في شعرنا القديم والحديث. ويبدأ منصف الوهايبي استذكاراته تلك عن الأماكن ذات الأثر العميق في نفسه وفي وعيه الشعري بهذا المقطع من قصيدة بعنوان «وردة الرمل»:

«في لحاف المرأة الأخضر/ استذكر أشيائي/ أرى البحر الذي يبدأ من حَلْمتها الضوء الذي/ يصحو على أطرافها/ لي طرقٌ تبدأ مني/ خطأٌ أدخل أحوالي منه». (ص3)

من بين الأماكن التي يتذكرها الشاعر مدن شهيرة وأخرى أقل شهرة: دمشق والقيروان، وصور، والقاهرة، وصنعاء، وأصيلة، وطنجة، ومرسيه، وتمبكتو. ومن بين الأشخاص الذين أهدى إليهم قصائده: أبو العلاء المعري، المتنبي، عمر الخيام، كفافي، بيكاسو، وتوما. ومن الصور الثلاث التي رسمها لمدينة القيروان هذا الجزء من اللوحة الثانية: «هذي المدينة لم تكن لي منزلاً!/ فتحت لنا أبوابها يوماً/ فقلنا علّها م البدء كانت دونما أبوابها../ طفقت يد منها تشير لنا/ بأصبعها اليتيمة../ غير أنا كلما قلنا وصلناها اختفت!/ كانت لصرختنا جذور/ في سهوب الملح.. وهي بملحنا اغتسلت../ ومن وهمٍ رأينا الثلج../ فوق السور أزرق ثم أبيض/ قلت: أجنحة السماء!/ وقلت: ريش طفولة بيضاء». (ص74)

وكما نقرأ الشعر خلف واجهة المكان، نقرأه كذلك خلف واجهة الأشخاص الذين تناولتهم المجموعة أو بالأحرى حاولت أن ترسم لهم صوراً مختلسة من حياتهم أو من الأماكن التي عاشوا فيها أو من قصائد كتبوها. كما هو الحال مع هذه الصورة المرسومة بامتياز عن «توما الضائع» والمهداة إلى الشاعر محمد الغزي والتي تستخدم تقنية الحوار سبيلاً لإنجاز شعريتها: «قال: بيتي السماء/ (قلت: إن العصافير أقرب مني إليه.. إذن!)/ قال: عرشي على الماء../ (قلت: وهل سمك النهر أقرب مني إليه.. إذن)/ قال: فيكم: أنا../ والقلوب التي عميت سترى..

(قلت: كيف؟! ألستُ بريئاً أنا كالندم!)/ قال: إن لم تكن فشبيهاً به../ (قلت: إن متُ؟) / قال: لكم ملكوت السماء../ لكم كل هذا العدم! (ص121)

أضع المجموعة الشعرية جانباً، وأسأل نفسي: ماذا يكون الشعر إذا خلا من ذاكرة المكان والزمان؟ وأجيب: لا شيء!

عن االحياة اللندنية



#عبدالعزيز_المقالح (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295





- -البحث عن منفذ لخروج السيد رامبو- في دور السينما مطلع 2025
- مهرجان مراكش يكرم المخرج الكندي ديفيد كروننبرغ
- أفلام تتناول المثلية الجنسية تطغى على النقاش في مهرجان مراكش ...
- الروائي إبراهيم فرغلي: الذكاء الاصطناعي وسيلة محدودي الموهبة ...
- المخرج الصربي أمير كوستوريتسا: أشعر أنني روسي
- بوتين يعلق على فيلم -شعب المسيح في عصرنا-
- من المسرح إلى -أم كلثوم-.. رحلة منى زكي بين المغامرة والتجدي ...
- مهرجان العراق الدولي للأطفال.. رسالة أمل واستثمار في المستقب ...
- بوراك أوزجيفيت في موسكو لتصوير مسلسل روسي
- تبادل معارض للفن في فترة حكم السلالات الإمبراطورية بين روسيا ...


المزيد.....

- تجربة الميج 21 الأولي لفاطمة ياسين / محمد دوير
- مذكرات -آل پاتشينو- عن -العرّاب- / جلال نعيم
- التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ / عبد الكريم برشيد
- مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة / د. أمل درويش
- التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب ... / حسين علوان حسين
- التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا ... / نواف يونس وآخرون
- دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و ... / نادية سعدوني
- المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين / د. راندا حلمى السعيد
- سراب مختلف ألوانه / خالد علي سليفاني
- جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد ... / أمال قندوز - فاطنة بوكركب


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عبدالعزيز المقالح - المنصف الوهايبي شاعر ذاكرة المكان