|
زمن ال - ما بعد -
فتحى سيد فرج
الحوار المتمدن-العدد: 2706 - 2009 / 7 / 13 - 07:56
المحور:
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
يتحفنا الدكتور السيد نصر الدين بكتبه التي تصدر تباعا في إطار رؤيته العقلانية ذات المرجعية المصرية والتي تستهدف نشر التنوير وبث روح النهوض الوطني لتبوء مصر المكان اللائق بحضارتها وحثها على الدخول لحضارة الألف الثالثة . فمنذ كتابه الأول عن "القومية المصرية1991" الذي تساءل فيه من نحن ؟ بإعتباره سؤال عن المحنة .. بل هو المحنة في سؤال : فقد سلب من بين ضلوعنا الوطن وفقدنا الانتماء فاضحى غريبا هو عنا، واضحينا فيه غرباء، لذا كان هذا الكتاب دعوة ..لجولة في جنبات الذات لدحض فقه الاحباط .. لتفنيد فلسفة الهزيمة وكشف منطق الانكسار، إنه كلمة عن وضوح البداهة ودفاع عن مصرية المصريين .. ودعوة لمواجهة فكر الضلالة وللتصدي لإستلاب الوعي وتعتيم الضمير . وكتابه إطلالات على الزمن الآتي 1996"الذي أوضح فيه "جسامة الهوة التي لم تكف عن الإتساع بين أحوال الناس، هنا، في بلدي مصر وأحوال الآخرين، هناك، في أمم قطعت، وتقطع، في مسيرة التقدم أشواطا وأشواط . إلى كتابه "التنوير الغائب 2006" والذي قدم فيه رؤية غير مسبوقة لمبادئ التنوير بهدف تحرير فكر وضمير وإرادة الإنسان المصري من كل ما يعوق إنطلاقه نحو التقدم . وكتابه الجديد "زمن الـ "ما بعد" 2009" الذي يعرض فيه أحدث الاتجاهات الفكرية التي تميز حضارة الألف الثالثة من خلال حكايات "مجتمع المابعد" . يدور هذا الكتاب الجديد حول المستقبل الامحدود والتطورات الديناميكية للعلم والتكنولوجيا التي أخذت تتكشف أمام أعيننا في الفترة الأخيرة من الزمن، فمنذ ظهور الإنسان العاقل Homo Sapiens قبل 120.000 سنة وحتى مطلع القرن الواحد والعشرين، لم يشهد تاريخ الجنس البشري فترة احتشدت فيها التغيرات الكبرى والنقلات الجوهرية كتلك التي تميزت بها السنوات الخمسون الآخيرة، فلقد شهدت هذه الفترة "ثلاث ثورات تكنولوجية كبرى" وكذلك "انفجارا معرفيا" أحدثت في تفاعلها وتشابكاتها تغيرات جذرية على المجتمع الإنساني . أول هذه الثورات وأسرعها تطورا وأكثرها تغلغلا وتأثيرا في حياة الإنسان هي ثورة "تكنولوجيا المعلومات" حيث كانت بدايتها سنة 1951 بظهور أول كمبيوتر يستخدم لأغراض غير علمية أو حربية، والذى استخدمه مكتب الإحصاء الفدرالي للولايات المتحدة الأمريكية . وقد شهدت هذه الثورة مرحلتين فارقتين في تطورها، مرحلة الـ "رقمنة" وذلك بتمثيل أي شيء يقابله الإنسان ويهتم به على هيئة رقمية بما يجعله قادرا على التخزين في ذاكرة الكمبيوتر، وهكذا تشكل داخل الكمبيوتر " واقعا رقميا" موازيا للواقع الفعلي الذي يعيش فيه الإنسان، ثم جاءت مرحلة دعم "التواصل" الإنساني بدمج تكنولوجيا الكمبيوتر مع تكنولوجيا الاتصالات في منظومة "تكنولوجيا المعلومات والاتصالات" والتي مكنت البشر من التواصل بدون حدود زمانية أو مكانية . أما الثورة الثانية فهي ثورة "التكنولوجيا الحيوية" أو "الهندسة الوراثية" التي منحت الإنسان القدرة على تغيير الصفات الوراثية للمادة الحية، وكانت نقطة الانطلاق لهذه الثورة في اكتشاف أسرار المادة الوراثية بالتوصل لتركيب جزيء "DNA" عام 1953 وبانكشاف هذه الأسرار أصبح بمقدور الإنسان تخليق كائنات حية جديدة أو تعديل خصائص ما هو موجود منها، وإذا كانت تكنولوجيا المعلومات قد غيرت مما يقوم الإنسان بـ "فعله" فإن التكنولوجيا الحيوية قد منحته القدرة على تغيير "طبيعة" المخلوقات بما فيها طبيعته هو نفسه . وأخيرا نأتي للثورة الثالثة وهي ثورة "التكنولوجيا النانووية" التي لا تزال في مرحلتها الجنينية، مرحلة البحوث والتطوير، وإذا كان هدف التكنولوجيا الحيوية هو تغيير المكونات الأساسية للمادة الحية، فإن هدف التكنولوجيا النانووية هو تغيير المكونات الأساسية للمادة غير الحية، الذرات والجزيئات، وكانت بدية هذه الثورة في الكلمة التي ألقاها - عالم الفيزياء الأمريكي ريتشارد فينمان Richard Feynman الحائز على جائزة نوبل – أمام الجمعية الفيزيائية الأمريكية 29 ديسمبر 1959 والذي بين أنه " لا يوجد في قوانين الفيزياء ما يمنعنا من التعامل مع الذرات كل على حدة أي ذرة ذرة، ومن ثمإمكانية استخدامها لإنشاء بنى مادية جديدة غير تلك الموجودة في الطبيعة" . والشيء الأكثر أهمية هو تداخل هذه التكنولوجيات بعضها مع البعض لتتفاعل تفاعلا خلاقا، فعلى سبيل المثال قدمت التكنولوجيا النانووية لتكنولوجيا المعلومات "أسطوانة الكربون النانووية" كمكون يدخل في تركيب الدوائر الخاصة بأجهزة الكمبيوتر ليجعله صغير الحجم فائق القدرة، كما وفرت التكنولوجيا الحيوية للتكنولوجيا النانووية المعرفة والتقنيات الخاصة بـ "DNA " مما مكنها من بناء " كائنات نانووية" وفي المقابل قدمت التكنولوجيا النانووية للتكنولوجيا الحيوية "الكائنات النانووية" كوسيلة ممكنة للقضاء على الخلايا السرطانية مع عدم الإضرار بالخلايا السليمة، أما تكنواوجيا المعلومات فقد وفرت لكل من التكنولوجيا الحيوية والنانووية البرمجيات القادرة على محاكات كل من العمليات الحيوية والنانووية وعلى تقديم "تصورات مرئية" لهما . كم شهدت هذه الفترة "انفجارا معرفيا" غير مسبوق في تاريخ الإنسانية عمل عل مضاعفة الرصيد المعرفي للجنس البشري، ويمكن تصور ذلك من رسم صورة لمدى التطور في الرصيد المعرفي، ففي الفترة من ميلاد المسيح حتى 1850 تمت مضاعفة هذا الرصيد مرة واحدة، بينما حدث في الـ 150 سنة التالية مضاعفة هذا الحجم مرة أخرى، وتناقصت الفترة التالية لتصل إلى 50 سنة، واليوم يتضاعف الرصيد كل 8 سنوات، أي أن حجم المعرفة التي أنتجها العقل البشري في الـ 30 سنة الأخيرة يفوق كل ما أنتجه الإنسان في الـ 5000 الأخيرة من حضارة الإنسان . ولم يكن وقع هذه الثورات التكنولوجية وكذلك الانفجار المعرفي بالأمر الهين، إذ انعكست آثارها على البنى التقليدية للمجتمعات الإنسانية، وعلى العلاقات بداخلها وفيما بينها، فخلقت هوة تزداد اتساعا بين من يعرفون ومن لا يعرفون سواء كانوا أفرادا أو أمما، وهكذا لم يجد المهتمون بشئون المجتمع الإنساني كلمة قادرة على وصف ما حدث من كلمة الـ "ما بعد" كلمة لوصف كل جديد يظهر في حياتهم من بنى وعلاقات اجتماعية جديدة لا تزال ملامحها تتشكل، أو لوصف مفاهيم جديدة لا تزال في مرحلة التغلغل والانتشار . حكايات الـ "ما بعد" يعكس الآستخدام المتكرر لسابقة الـ "ما بعد" إحساس المهتمين بعلوم الإنسان أن المجتمعات أخذت تمر بمرحلة انتقالية من وضع استقرت عليه إلى أوضاع جديدة مازالت ملامحها في دور التشكل والتكوين . ما بعد الفوردية : بالرغم من أن عصر "مجتمع الصناعة" بدأ ما بين 1650 و 1750 وذلك بظهور ألآلة التي تسير بالطاقة المولدة من احتراق الوقود، إلا أنه لم يبلغ قمة نضجه إلا في الفترة من 1914 وحتى 1973 وذلك بظهور "الفوردية" نسبة لمؤسسها رجل الصناعة الأمريكي الشهير هنري فورد، كفلسفة وأسلوب لإدارة عملية الإنتاج الصناعي، تقوم على فكرتين " الإنتاج واسع النطاق" و"الاستهلاك واسع النطاق" كأساس لأي عملية نمو اقتصادي دائم، ويتطلب تحقيق ذلك "تقييس (أو تنميط)" مواصفات كل مكونات وعمليات تصنيع أي سلعة، ليسهل عملية تجزئة عمليات التصنيع وتحويلها لمهام بسيطة يمكن للعمالة غير الماهرة القيام بها، وهكذا نشأت فكرة "خط التجميع" . وقد مثلت الفوردية أول التحولات الهامة في عصر حضارة الصناعة وتجسيدا لمجاز الآلة والتقسيم الدقيق للعمل، ومركزية اتخاذ القرار، والفصل بين الملكية والإدارة، ولم يكن العامل في هذا النظام إلا ترسا في آلة كبيرة، هي المصنع الذي يعمل فيه، وقد شهدت سبعينيات القرن العشرين بداية سقوط الفوردية وذلك لعدة أسباب : • التصلب الناشئ عن التقسيم الدقيق للعمل الذي لا يوفر للعاملين فرصة تغيير مهمتهم أو إعادة تأهيلهم لأداء عمل آخر، إضافة إلى الاعتماد المفرط على مركزية اتخاذ الفرار . • فشل الفوردية في توفير رعاية اجتماعية . • ملل المستهلكين من السلع المتشابهة، وعدم تلبية التنوع في الأزواق المتباينة . وهكذا جاءت "ما بعد الفرودية" لتجاوز أوجه النقص من خلال " منظومة الإنتاج المرنة" ذات الأوجه الثلاثة • مرونة العاملين : بانتهاء قاعدة التوظيف الدائم مدى الحياة، وظهور مفهوم التعلم مدى الحياة لتغيير مجال الأعمال من آن لآخر . • مرونة الإنتاج : من خلال العمل على تحقيق الجودة الشاملة، بمشاركة المنتجين في عملية صنع القرار . • مرونة الاستهلاك : من خلال مفهوم "المواءمة واسعة النطاق" والذي يقصد به زيادة التنوع في مواصفات السلع لتلبية الأزواق المختلفة . ما بعد الماركسية : قامت الفلسفة الماركسية على مجموعة أفكار كان من أبرزها : • المادية التاريخية : والتي تعنى أن كافة أشكال وعي الإنسان من آداب وفنون وأفكار ومؤسسات اجتماعية تشكل " البنية الفوقية" وهي ليست سوى تجليات وانعكاس "للبنية التحتية (أي الاقتصادية)" السائدة في المجتمع، وهذه البنية الاقتصادية تتشكل من مكونين رئيسيين : "قوى الإنتاج" أي وسائل الإنتاج بالإضافة إلى القوى العاملة، و"علاقات ألإنتاج" والتي تشمل كل ما ينظم ملكية وسائل الإنتاج، والعلاقة بين طبقات المجتمع . • النموذج المرحلي لتطور المجتمع : انطلاقا من مفاهيم المادية التاريخية يمكن تقسيم مراحل تطور المجتمع إلى خمس مراحل هي : 1. مرحلة " الشيوعية البدائية" تنحصر فيه الأنشطة الاقتصادية على الصيد وجمع الغذاء، وتنعدم الملكية الخاصة . 2. مرحلة " المجتمع العبودي" الذي يمتلك فيه عدد محدود كل قوى الإنتاج من الأرض والعاملين فيها من العبيد الذين لا حق لهم في امتلاك أي شيء . 3. مرحلة "المجتمع الاقطاعي" حيث يحل الأقنان محل العبيد في عملية الإنتاج، وللقن الحق في كسب قدر قليل من المال كمقابل لعائد عمله . 4. مرحلة "المجتمع الرأسمالي" تتصدر فيه السلع المصنعة وأدوات إنتاجها كمصدر للثروة والسلطة، والعمالة مدفوعة الأجر وإن كان الأجر لا يوازي عائد جهدهم الذي يستولى عليه الرأسماليون فيما يسمى بفائض القيمة . 5. مرحلة "المجتمع الشيوعي" التي تعتبر نهاية التاريخ في النظرية الماركسية، حيث تصبح ملكية أدوات الإنتاج ملكية عامة، وتنتهي الطبقات والاستغلال ويتمتع الجميع بعائد عملهم . • صراع الطبقات : يتكون المجتمع البشري من طبقات تتحدد هويتها عبر علاقتها مع وسائل الإنتاج، ويؤدي الصراع بينها إلى انتقال المجتمع من مرحلة إلى آخري . وقد أدت التغيرات الهائلة التي شهدتها المجتمعات الرأسمالية بدءأ من سبعينيات القرن العشرين وتفكك الاتحاد السوفيتي إلى انهيار الماركسية كفلسفة سياسية واقتصادية، مما دفع العديد من المفكرين الماركسيين إلى مراجعة الكثير من أفكارهم التقليدية، فقد خضعت فكرة صراع الطبقات كقوة دافعة لتطور المجتمعات، وفكرة " البرولتاريا كطبقة قائدة للتغيير" للمراجعة، كما لم تعد فكرة الحتم الاقتصاديأو العلاقة وحيدة الاتجاه بين "البنى التحتية" و "البنى الفوقية" مقبولة، وتشكل مفهوم جديد يقوم على العلاقة التبادلية من خلال الثأثي والتأثر بينهما . وهكذا ولدت من رحم الماركسية التقليدية حركة فكرية جديدة عرفت بـ "ما بعد الماركسية" من أهم ملامحها تعدد الرؤى حتى وإن تناقضت، ويعتبر كل من إرنستو لاكو Ernesto Laclau وشانتال موفي Chantal Mouffe من أبرز مفكرى هذه الحركة التي تبنت منهجا نقديا لتحليل الفكر الماركسي التقليدي وبيان عدم قدرته على تفسير الظواهر الاجتماعية المعاصرة أو التنبؤ بسلوكها، ومن ثم ضرورة تبني فكر جديدلا يختلف مع أهداف الماركسية الساعية إلى تحرير الإنسان من الاستغلال، ولكنه يعيد صياغتها لتتواءم مع مستجدات الواقع المعاصر . ما بعد التاريخ : انقسم الفلاسفة والمفكرين في الإجابة عن سؤال : هل يعيد التاريخ نفسه، فريق كانت إجابته بـ "نعم" فالمستقبل ليس إلا إعادة إنتاج للماضي، والإنسان خاضع للمكتوب، وفريق كانت إجابته بـ "لا" فالتاريخ في حالة حراك دائم والنموذج الماركسي كان مثالا لهذا النموذج . إلا أن عالم السياسة الأمريكي فرنسس فوكوما أثار جدلا واسعا بإعلانه أننا نشهد الآن "نهاية التاريخ" بمعنى نهاية التطور الأيديولوجي العقائدي، ورفضه النظرة التقليدية التي تعتبر التاريخ مجرد تعاقب للأحداث، فالتاريخ من منظوره هو عملية تطور شاملة ليست بدون نهاية، ولكن تستمر إلى أن يصل المجتمع البشري إلى الصيغة النهائية التي يعتبرها المثلى ويرتضيها إدارة شئونه وعندها ينتهى صراع الأيديولوجيات، وهذه الصيغة هي "الليبرالية" بشقيها الاقتصادي والسياسي، استنادا على فلسفة هيجل التي تقوم على مبدأ "الديالكتيك" كمحرك لعملية التطور . وقد دلل فوكوياما على صدق نظريته بتبني عدد متزايد من الدول للنموذج الليبرالي في الفترة الأخيرة على الرغم من تباين ثقافاتها وأديانها . ما بعد (حدود القدرات) الإنسانية : حدثتنا الأساطير عن محدودية قدرات جسد الإنسان، هذا الجسد الذي تشكل نتيجة عمليات التطور خلال أكثر من خمسة ملايين سنة مثله في ذلك مثل جميع الكائنات الحية، ولكن تميز تطور الإنسان بسبب الدور الذي تلعبه "المعرفة" في تعديل مسار وتسريع هذا التطور والوعى بأبعاد هذا الدور والعمل على تعظيمه، وذلك بهدف تحرير الإنسان من محدودية عملية التطور البيولوجي بإيقاعها بالغ البطء، وهذا ما تجسده حركة "ما بعد حدود القدرات الإنسانية" . فعملية "التطور الذاتي" أصبحت أحد أهداف هذا العصر، فأحلام الشعراء ومؤلفي قصص الخيال العلمي في أطلاق قدرات الإنسان وتسريع إيقاع تطوره بحيث يتمتع الإنسان العادي بقدرات عقلية تفوق عباقرة علماء اليوم، ويكون قادرا على مقاومة الأمراض ويسيطر على الشيخوخة ليتمتع بشبلب دائم، بالإضافة إلى قدرته الفائقة في السيطرة على غرائزه وأمزجته، وتزايد قدرته على الاستمتاع بكافة أطايب الحياة، لقد أخذ العلماء في تسريع إيقاع التطور انطلاقا من علمهم بخصائص الإنسان البيولوجية، ومن معرفتهم بإمكانيات التكنولوجيا في تزويد قدرات الإنسان وذلك بمجموعة أسس منها : 1. إطاللة عمر الإنسان : فلا يوجد سبب يمنع زيادة متوسط عمره من 70 سنة إلى 200 سنة، وحاليا يوجد عدد متزايد من البحوث العلمية التي تؤكد إمكانية ذلك، والشواهد التاريخية تؤكد هذا ففي الـ 160 سنة الأخيرة ازداد متوسط عمر الإنسان من 45 سنة إلى 85 سنة، كما أن تحطيم الأرقام القياسية في الألعاب الأوليمبية من خلال تحسين الأداء الحركي والذهني للإنسان يؤك ذلك أيضا . 2. التجاوز التقني : وهو استخدام التكنولوجيا للتغلب على تجاوز حدود قدرات الجسد الإنساني في صورته الفيزيائية والعقلية، فإذا كان استخدام الأشياء المصنعة، كالأرجل الخشبية والنظارات والأسنان الصناعية سابقا كأشياء ميتة تفتقد القدرة على الالتحام بالجسم البشري والاستجابة لإشارات عقله، إلا أن التقدم غير المسبوق بدأ في تغيير هذا الوضع، فهناك أبحاث لتطوير "عضلات صناعية" قادرة على تحويل طاقة الجسم الكيميائية إلى طاقة حركية تفوق إمكانيات عضلات الإنسان الطبيعية، وصناعة تليفون خلوي يمكن زراعته في جسم الإنسان ويمكنه من التخاطر/ والتخاطب عن بعد، وكذلك تطوير الصفات الوراثية لإنتاج "كبيمو عصبية" تضم "المشغلات المدارة بالتفكير" بما يمكن الإنسان من تشغيل محرك سيارته بمجرد التفكير في ذلك . 3. تحميل العقل : بدأت حركة "عبر الإنسانية" تؤكد على إمكانية وضرورة ترقية أحوال الإنسان بطريقة جذرية وذلك من خلال تطوير واستخدام التكنولوجيا المتوافرة في تحسين قدرات الإنسان العقلية والجسدية والنفسية، ولعل أكثر ما طرحوه من أفكار إثاره فكرة "تحميل العقل" بمعنى نقل كل ما يحتويه من أفكار ومشاعر وخبرات وأحاسيس ووعى بالذات من داخل المخ البشري إلى وسط صناعي كالكمبيوتر، وتقوم هذه الفكرة على أساس أن خلايا المخ العصبية ذات الطبيعة المادية يمكن تحويل محتوياتها إلى طاقة كهرومغناطيسية وبالتالي يسهل نقلها وتخزينها . ما بعد الحداثة : كان ميلاد عصر الحداثة نتيجة طبيعية لحركة "التنوير" التي ظهرت في أوروبا منذ 1650 واستمرت إلى 1800م، ولم يكن التنوي إلا امتدادا لحركة الـ "رنيسانس" التي بدأت في إيطاليا اعتمادا على " المذهب الإنساني" الذي أعاد للإنسان حقه الطبيعي في تقرير مصيره بنفسه، وكان كل ذلك انعكاس لأفكار عدد من الفلاسفة منهم فرانسس بيكون (1561-1626م) الذي أكد أن "المعرفة قوة" وأسس المذهب التجريبي . وكان ميلاد عصر التنوير عقب الحروب الدينية بين أنصار المذهب البروتستانتي وأنصار المذهب الكاثوليكي التي استمرت ثلاثين سنة من 1618- 1648 وانتهت بتوقيع معاهدت سلام وستفاليا، وقد ساهم في بروز عصر التنوير ثورتين فكريتين، الأولي كانت ثورة في مجال الفلسفة قادها الفيلسوف الفرنسي رينه ديكارت (1596- 1650م) الذي فتح المجال لقدرة الإنسان على التفكير العقلاني المستقل وعلى التوصل للمعرفة اليقينية، وذلك بالبدأ في الشك في صحة كل ماهو موجود إلى أن يثبت العكس، وهكذا أعلت هذه الفلسفة من شأن عقل الإنسان ودوره في إنتاج المعرفة وحررته من أية وصاية خارجية على عمله أيا كان مصدرها، أما الثورة الثانية فكانت ثورة علمية كان بطلها العالم الإنجليزي إسحق نيوتن (1642-1727م) الذي صاغ قوانين على هيئة معادلات رياضية تمكن العقل البشري من التنبؤ الدقيق بحركة الكيانات الطبيعية . وقد قام فكر الحداثة على عدة فروض إبستيمولوجية / بمعنى معرفية من أهمها : • قدرة العقل البشري المستقل على التوصل إلى "المعرفة" المتعلقة بذاته وبالكون الذي يعيش فيه . • تتميز هذه المعرفة بكونها "مؤكدة" ( فقد حلت مرجعية الواقع مكان مرجعية النص ) "موضوعية" ( صحتها تتأكد بالتجارب العلمية وليس بالرأى الشخصي) "عامة" ( صالحة للتطبيق في أي زمان وفي كل مكان ) و "مفيدة" ( تساهم في تحسين أحوال الإنسان ) . وقد أدت هذه الفروض إلى أنفجار معرفي كان وراءه رغبة الإنسان في الكشف عن أسرار الكون من خلال السعي لزيادة الرصيد المعرفي، وتميزت نظرة الحداثيين لمستقبل البشرية بالتفاؤل وبحتمية "التقدم" استندا على فائدة المعرفة ومنظومة التعليم الجيد، وكان همهم الأكبر هو البحث عن "المشترك" والسعي لمعرفة "العموميات" وأعلاء ما يوحد على المتفرقات لقناعتهم بأننا نعيش في "عالم وحيد" ولقد أحثت هذه المنظومة الفكرية ثورة غير مسبوقة في تاريخ الإنسان، فلأول مرة منذ ظهوره على الأرض أصبح الإنسان طسيد مصيره" و"مهندسا لواقعه"و"مسئولا أمام نفسه عن نتائج أفعاله" إنها حقا ثورة "تمكين الإنسان" .
#فتحى_سيد_فرج (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
دفاعا عن المنظمة التي تدافع عن حقوق الإنسان
-
على طريق الهند
-
بدر الدين أبو غازي ... الناقد والرسالة
-
نظرية اللعب في دراما الأطفال
-
الحكومات العسكرية في العالم العربي
-
ثقافة النخبة المصرية ودورها في التنمية (كامل)
-
ثقافة النخبة المصرية ودورها في التنمية 3 من 3
-
ثقافة النخبة المصرية ودورها في التنمية 2 من 3
-
ثقافة النخبة المصرية ودورها في التنمية 1 من 3
-
دور منظمات المجتمع المدني في مواجهة مشكلات التعليم3-3
-
دور منظمات المجتمع المدني في مواجهة مشكلات التعليم 2-3
-
دور منظمات المجتمع المدني في مواجهة مشكلات التعليم 1-3
-
الحكومة أم المجتمع المدني .. من أقدر على مكافحة الفساد
-
رؤى مستقبلية
-
البلطة والسنبلة ، مصر والعرب
-
البلطة والسنبلة إطلالة على تحولات المصريين
-
الثقافة والتنمية
-
شواهد العجز عن الإصلاح في العالم العربي
-
العجز العربي عن مسيرة الإصلاح مرصد الإصلاح نموذجا
-
الليبرالية الجديدة : هل يمكن المصالحة بين الوضعية المنطقية و
...
المزيد.....
-
بعد وصفه بـ-عابر للقارات-.. أمريكا تكشف نوع الصاروخ الذي أُط
...
-
بوتين يُعلن نوع الصاروخ الذي أطلقته روسيا على دنيبرو الأوكرا
...
-
مستشار رئيس غينيا بيساو أم محتال.. هل تعرضت حكومة شرق ليبيا
...
-
كارثة في فلاديفوستوك: حافلة تسقط من من ارتفاع 12 متراً وتخلف
...
-
ماذا تعرف عن الصاروخ الباليستي العابر للقارات؟ كييف تقول إن
...
-
معظمها ليست عربية.. ما الدول الـ 124 التي تضع نتنياهو وغالان
...
-
المؤتمر الأربعون لجمعية الصيارفة الآسيويين يلتئم في تايوان..
...
-
إطلاق نبيذ -بوجوليه نوفو- وسط احتفالات كبيرة في فرنسا وخارجه
...
-
في ظل تزايد العنف في هاييتي.. روسيا والصين تعارضان تحويل جنو
...
-
السعودية.. سقوط سيارة من أعلى جسر في الرياض و-المرور- يصدر ب
...
المزيد.....
-
كتاب رينيه ديكارت، خطاب حول المنهج
/ زهير الخويلدي
-
معالجة القضايا الاجتماعية بواسطة المقاربات العلمية
/ زهير الخويلدي
-
الثقافة تحجب المعنى أومعضلة الترجمة في البلاد العربية الإسلا
...
/ قاسم المحبشي
-
الفلسفة القديمة وفلسفة العصور الوسطى ( الاقطاعية )والفلسفة ا
...
/ غازي الصوراني
-
حقوق الإنسان من سقراط إلى ماركس
/ محمد الهلالي
-
حقوق الإنسان من منظور نقدي
/ محمد الهلالي وخديجة رياضي
-
فلسفات تسائل حياتنا
/ محمد الهلالي
-
المُعاناة، المَعنى، العِناية/ مقالة ضد تبرير الشر
/ ياسين الحاج صالح
-
الحلم جنين الواقع -الجزء التاسع
/ كريمة سلام
-
سيغموند فرويد ، يهودية الأنوار : وفاء - مبهم - و - جوهري -
/ الحسن علاج
المزيد.....
|