أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - فاطمة ناعوت - الخروجُ من مرعى الخليل تركي عامر، ألن يعود إلى المرعى؟














المزيد.....

الخروجُ من مرعى الخليل تركي عامر، ألن يعود إلى المرعى؟


فاطمة ناعوت

الحوار المتمدن-العدد: 826 - 2004 / 5 / 6 - 06:45
المحور: الادب والفن
    


هذا شاعرٌ يحملُ قضيةً، مثل معظمِ شعراء فلسطين. غير أنّي أظنُّ أن ترحالَه الكثير، وولعه بالأسفار عبر الجغرافيا وعبر الأنثروبولوجيا، فتح مخروطَ قضيّته من حيّز القوميّة إلـى رحابةِ الوجود. لم تغبْ عن ناظريه محنةُ بلاده، كخلجةٍ تنبضُ داخل قفصٍ من حديد، مثلما لم تغب عنّا نحن الشّعراء العرب جميعًا، غير أنّها، فـي كثير من الأحيان، غدتْ منطلقًا ونقطة بدءٍ لتفجّر صرخةٍ كامنةٍ تخرج من صدرِ عربيٍّ فـي وجه الوجودِ بأسره؛ الوجود الّذي بخلَ على كوكبنا الطّيّب بحلمٍ بديهيٍّ وبسيطٍ ومنطقيّ.
استطاع تركي عامر، فـي قصيدة "البداية"، تلخيص مأساة العروبة وبداية محنة فلسطين عام 48، وذلك عبر سردٍ قصّيٍّ رمزيّ لا يخلو من مسحةِ سخرية. السّخرية الهادئة الـمقنّعة بالحياد والّتي تغدو صفعتُها أشدَّ ثِقلاً على وجه الطاغوت من الزعيقِ الـمدوّي.
والـمدهشُ أن جاءت هذه "البداية" كقصيدة نثر، مخالفةً للتّوقّع، حيث درجنا أن يخرجَ الشّعرُ الغنائيُّ الّذي يحمل طاقةَ وجدانٍ عالية "مفعلنًا"، إذ تساعد غنائيّة التّفعيلة واتساقُ هارمونيّتها على تكثيف صوت النّشيد وشجوه. لكنّ مضمون القصيدة وطبيعة بنائها فرضا شكلها الشّعريّ، لأنّها تحكي، على نحوٍ سرديٍّ أيرونيٍّ، قصّة دخول صهيون بيتنا العربيّ ذا الكرم الحاتميّ (نسبة إلى حاتم الطّائيّ) وكيف أزاحَنا منه رويدًا رويدًا حتّى غدونا أغرابًا. بساطة الحكي والتّخفّف من إبداء وجهة النّظر، وكأنّ عينًا راصدةً تقرّر أمرًا، فرضا طبيعة الشّكل الّذي يحمل الـمضمون، وهذه هي اللّعبة الفنّيّة الصّحّيّة للشّاعر، أعنى عدم الفصل بين الشّكل والـمضمون.
بعد عهد طويل من الكتابة العموديّة والتّفعيليّة، منذ عام 72 وحتّى آخر ديوان له بالفصحى عام 96، وهو "من حواضر الروح"، والّذي تلاه ديوانٌ بالعامّيّة الشّاميّة عام 97، هو "سطر الجمر"، إضافةً إلـى دواوين أخرى وكتابات نقديّة وفكريّة، يجيء "لن أعود إلـى الـمرعى". بعد رحلته الشّعريّة الطّويلة تلك، لم يتخلَّ تركي عامر عن ولائه للخليل بن أحمد الفراهيديّ إلا قليلاً. ويخرج هذا الديوان الجديد "لن أعود إلـى الـمرعى"، والذي اختار له أن يصدره فـي مصر، عن دار "كاف نون"، ليجاور فيه بين قصيدة التّفعيلة وقصيدة النثر.
تركي عامر، إذا، لم يعد من ذلك النّمط من الـمبدعين الّذين ينتهجون مسارًا وحيدًا ويرون أن الحيدة عنه لونٌ من العبث وهدمٌ لـمعبد الجمال، بل على العكس، ساعدته ثقافته المتنوعة على الأصعدة السّياسيّة والحدوديّة والإنسانيّة والألسنيّة على إدراك أنّ للفنّ منابعَ أكثر ثراءً مما نتيح لأنفسنا. مكّنته لغته الإنجليزيّة السّليمة من النّهل من آدابِ الغرب مباشرةً بغير الحاجةِ إلـى وسيط يبتسرُ من طاقة الـمادّة الـمقروءة، فآمنَ أنّ للشّعر دروبًا لم يدرجها الخليلُ فـي جدولِه، فكان التّحوّل الشّعريّ من العمود والتّفعيلة إلـى قصيدة النّثر، أو إلـى الشعر الحرِّ كما أميل إلـى تسميتها.
وكانت قصيدة "لن أعود إلـى الـمرعى"، الّتي اقتربت كثيرًا من عوالم قصيدة النّثر، وإن ظلّت ظلالُ التّفعيلة تحوِّمُ في أجوائها على نحوٍ رهيف، لا فـي صورة الوزن والـموسيقا، لكن فـي طرائق ارتياد الصّياغات والجنوح قليلاً نحو التّجريد.
وأنا هنا لا أنفي الشّعريّةَ عن التّجريد، وما زلت أرتاده كشاعرةٍ بين حين وآخر، بل وأراه منبعًا للشّعر ثريًّا. فآليّةُ التّفكير البشريّ ـ خاصّة عند الـمثقّفِ المحلّل ـ تنبع من التّجريد ثم تمشي صوب العينيّ لتطبق التّجريد عليه، ثمّ تعود مجدّدًا إلـى التّجريد فـي صورة تنظير فلسفيٍّ. وأظنّ أنّ الشّاعرَ يحاول دومًا اقتناصَ لحظاتٍ بعينها فـي مراحلَ مفصليةٍ من هذا التّحوّل فيكون الشّعر.
وأزعم أن قصيدة النّثر تقف عند الـمرحلة الوسطى هذه، فهي تحاول أن تجذبَ المجرّدَ من فضاءِ الهيوليّ إلـى ساحةِ الـملموس، وهي عمليّة ليست باليسيرة. وفـي هذا ردٌّ على الذّاهبين أن قصيدة النّثر استسهالٌ فـي كتابة الشّعر. هؤلاء يظنّون ـ حقًّا أو ادّعاءً ـ أنّها إنّما تحرّرت من الوزن الخليليّ والمجاز الـمستهَلك وحسب، لكنّ الشّاهدَ أن قصيدة النّثر (الحقيقية) لونٌ كتابيٌّ مغاير شكلاً ومضمونًا ومنهجًا وفلسفةً.
عبارة "لن أعودَ إلـى الـمرعى"، عنوان الدّيوان وعنوان إحدى قصائد النّثر فيه، يجب الوقوف عندها والنّظر فيها. فخروج تركي عامر من أسرِ الخليل إلـى فضاء الشّعر الرّحب، واختياره الطّريق الأصعبَ فـي الكتابة أمرٌ محمود بطبيعة الحال، لأنّه يشي بالإنصات إلـى العالم الحقيقيّ ويؤكّد إيمانه بأنّ الشّكل والـمضمون كلٌّ متجادل يفرز بعضُه بعضًا.
فشكلُ الفنِّ، فـي كلِّ عصرٍ، يجبُ ألاّ ينفصم عن طبيعة الحياة والبيئة فـي العصر ذاته على الصُّعُدِ السّياسيّة والاجتماعيّة والإنسانيّة والفكريّة، وإلاّ غدا الفنُّ هروبًا وعزلةً واعتكافًا فـي برجٍ عالٍ يقترب من السّماء ويبتعد عن الأرض، ويغدو الـمبدع كائنًا منقسمًا يرى الكون من منظارٍ متعالٍ لا يشتجّر مع مفردات الحياة ولا يعبأ بها.
عنوان الدّيوان، "لن أعود إلـى الـمرعى"، يثير تساؤلات حول طبيعة الألوان الشّعريّة ومآلها. ولأنّ السّؤال عادةً ما يقترحُ إجاباتٍ عليه، سأطرح ما استطعتُ رصدِه من رؤى استفساريّة حول هذه الـموضوعة:
هل ثمّة جزمٌ وحدودٌ فاصلةٌ حاسمة بين الألوان الشّعريّة، أو أسوارٌ تفصل بين مراعٍ متجاورة متباعدة؟ هل تتواجه الاتّجاهاتُ الشّعريّة فـي صراعٍ إزاحيٍّ ينفي بعضها؟ أم تتجاور فـي توازٍ دون أن تنظر إحداها إلـى الأخرى، إمّا إنكارًا أو استنكارًا، فـي سلامٍ أشبه بالحروب الباردة؟ أم تتجاور فـي تجادليّةٍ متحاورة ثريّة مثريةٍ للشّعر غير منتقصةٍ منه؟ هل بوسعنا أن نوسّع فضاءَ الـمرعى، ندخله ونخرج منه ونعود إليه، نهدمه ونعيد بناءه ونضيف إلـى جغرافيّته وفضائه شعرًا وفكرًا وفلسفةً فـي السّياق الّذي يخدم نصَّنا الأحدثَ والأقربَ إلـى الـمعاصرة؟
هل هجرَ تركي عامر الـمرعى نهائيًّا؟ أم سيزورُه بين الحين والآخر؟ أم هل سيهدم أسوارَه الحاجبةَ ليطلقَ مساحتَه على الـمدى الأرحب؟



#فاطمة_ناعوت (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- جابر عصفور يعتنق النقدَ ... في محبة الأدب
- راصدًا متتاليةَ القمع في الثقافة العربية في القرن العشرين حل ...


المزيد.....




- الكوفية: حكاية قماش نسجت الهوية الفلسطينية منذ الثورة الكبرى ...
- رحيل الكوميدي المصري عادل الفار بعد صراع مع المرض
- -ثقوب-.. الفكرة وحدها لا تكفي لصنع فيلم سينمائي
- -قصتنا من دون تشفير-.. رحلة رونالدو في فيلم وثائقي
- مصر.. وفاة الفنان عادل الفار والكشف عن لحظات حياته الأخيرة
- فيلم -سلمى- يوجه تحية للراحل عبداللطيف عبدالحميد من القاهرة ...
- جيل -زد- والأدب.. كاتب مغربي يتحدث عن تجربته في تيك توك وفيس ...
- أدبه ما زال حاضرا.. 51 عاما على رحيل تيسير السبول
- طالبان تحظر هذه الأعمال الأدبية..وتلاحق صور الكائنات الحية
- ظاهرة الدروس الخصوصية.. ترسيخ للفوارق الاجتماعية والثقافية ف ...


المزيد.....

- مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة / د. أمل درويش
- التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب ... / حسين علوان حسين
- التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا ... / نواف يونس وآخرون
- دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و ... / نادية سعدوني
- المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين / د. راندا حلمى السعيد
- سراب مختلف ألوانه / خالد علي سليفاني
- جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد ... / أمال قندوز - فاطنة بوكركب
- السيد حافظ أيقونة دراما الطفل / د. أحمد محمود أحمد سعيد
- اللغة الشعرية فى مسرح الطفل عند السيد حافظ / صبرينة نصري نجود نصري
- ببليوغرافيا الكاتب السيد الحافظ وأهم أعماله في المسرح والرو ... / السيد حافظ


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - فاطمة ناعوت - الخروجُ من مرعى الخليل تركي عامر، ألن يعود إلى المرعى؟