نعمة السوداني
الحوار المتمدن-العدد: 2706 - 2009 / 7 / 13 - 05:20
المحور:
الادب والفن
النص الادبي ونص العرض والتمرد على قوانين الفن المسرحي :
من المسلم به ان لكل نص ادبي خصائصه , قوانينه , هويته ,كذلك يمكن ان يكون خارج التجنيس ولكن لايمكن ان يكون خارج القوانين التي تحكمه بوصفه نصا ادبيا . ان القوانين والاحكام هي التي تحدد أدبية النص او دراميته , او مسرحيته , كما وان النص الادبي يبقى جامدا والحركة تكون فيه شبه مشلولة, اي انه نص صورة او نص فكر , مسجى على الورق ليس الا .
بمعنى اخر ان النص المكتوب للعمل المسرحي يكون مجسد ماديا وحركيا على خشبة المسرح وان النص الادبي الدرامي يخضع بشكل عام الى تساؤل هل يمكن ان يتحول الى نص للعرض المسرحي اي هل يحتاج الى تفعيل للسياق المسرحي ويناسب الشروط التي تنطبق عليه ؟؟ اي شروط العرض المادية ,, مثل جسد الممثل و قدرته على تجسيد الخطاب داخل الفضاء المسرحي الى اخره من الشروط التي سنتطرق اليها ضمنا في هذه النافذة .. لذلك نطرح السؤال التالي : هل كل النصوص الادبية تصبح وتصلح عروضا مسرحية ؟ وللاجابة على مثل هكذا تساؤل لابد وان نشير الى بعض الامثلة المهمة ....
فمثلا الكاتب الساخر جورج برنادشو كان عصيا على دخول المسرح بخاصة والدراما بعامة, علما كانت اعماله زاخره بالسخرية والظرافة وكذلك احمد شوقي كانت نصوصه الشعرية مليئة بالصور لكنها لاتفلح ان تكون درامية . وقد نجد الدراما في اغاني فيروز الممتعة لانها قائمة على واقع وحلم وهي أرث درامي يختزن ويختزل, و هي جملة مسافات ورؤى جميلة تحفر في الذاكرة .
ان النص المسرحي هو بطبيعة الحال نص اخر يكتسب من المخرج اضافة جديدة ومن الممثلين والمناظر وكل مايرافق العرض المسرحي من مؤثرات اضافات لاحقة .
ويعتبر النص المسرحي ليس ملكا فرديا ولا ابداعا ذاتيا مجرد ..بل انه مصنع تمتلكه جماعة تمتلك خبرة مهنية يقضه ومسؤولة عبر الحوار والحركة والاداء والتمثيل المسرحي . ونستطيع ان نقول يمكن ان نعمل على اعداد نصا جديدا في مجال (الاعداد المسرحي ) اي يمكن لتداخل الاجناس الادبية والفنية في المسرح , وباستطاعتنا ان نقول يمكن ل كل نص يمتلك المقومات والشروط ان يكون ( مسرحية ) ولكن .. ليس بوسع كل نص مسرحي ان يتحول الى نص مفتوح .
لذلك لاشئ هنا لا يستحق التمرد على قوانين الفن لخلق قوانين جديدة ومن يتمكن من اجادة حرفته بنباهة وبحذاقة الفكر واللغة , يمكنه كذلك ان ينحت لنفسه نصا يعرف أدق تفاصيله واهم معطياته ومؤثراته ..
ان فن المسرح من بين سائر الفنون له القدرة على التكييف والتلوين زمانا ومكانا ويمكنه ايضا ان يخرج من كل المعاطف التي تريد ان تحتويه وتضعه في موقع الانجماد والانصهار ...
فالمسرح كما هو معروف هو بؤرة فنون ورؤى واشراقات,, والنص اي- نص - يمكن توظيفه للمسرح , غير ان المسرح يظل اساس في توطين النصوص لصالحه , لان النص شريعة تجربة خلاقة ..
ان النص الدرامي الادبي هو عبارة عن صورة وحركة يمكن له اجتياح عوالم متعددة ( تلفازية -- مسرحية – قرائية ) جديدة . اما النص المسرحي فيعني لنا الخشبة .. يعني ارادة ( المخرج ) التي تتفاعل مع (المؤلف ) و(الممثل ) و (الجمهور ) لتحقيق عالم جديد على خشبة المسرح , ان النص عالم فذ من المعرفة والموهبة والفتنه والجمال ...
فيما نرى ان النص الادبي الدرامي هو وليد صراع يخترق الجماد سعيا وراء اختيار الحركة والصورة , ونص المسرح هو من تجتمع على مائدته ارادة الجماعة بكل ماتحمله من خبرات وتجارب وابداعات خلاقة ..
ان المسرح يشكل نقطة التلاقي بين -- الادب والفن والممارسة الاجتماعية -- فهو - كنص - جزء من الادب يخضع لمعايير التحليل الادبي وهو - كعرض - يعتبر ممارسة اجتماعية , اي هو بعبالرة اخرى احتفالية فنية زاهية بكل معنى الاحتفال كما هو يعني لنا ( لقاء واحتفال ) وكفن يقوم اساسه على ( الفرجة ) لكونه ياخذ موضع ( المكان ) وبالتالي يستعير الكثير من اجنحة هذا المكان ادواته من الفنون الاخرى ليحلق عاليا في سماء الابداع والانسانية .
وكما للنص الادبي هناك مميزات , منها انه نص مقروء يتحول لاحقا الى ملفوظ , وان جزءا من نص العرض ملفوظا من النص الادبي يقدم ( منطوقا ) لذلك يتراجع النص الادبي امام نص العرض المسرحي تراجعا كبيرا , اي امام الوليد الجديد بسبب انه يخضع لعمليات جراحية كبيرة تقوم على اساس اجراء ( عمليات هدم ثم اعادة بناء من جديد)...... كما وان دلالات النص الادبي وكذلك الوسائل المتخيلة لن تصل الى الاخر الطرف المهم في المعادلة وهو --الجمهور -- لأن النص يدخل الى مايسمى بالفلتر , اي باوساط مختلفه . وبالتالي يعتبر -- نسقا لغويا-- ثم يتحول الى-- لفظا بالعرض المسرحي-- امام الجمهور لانه يستند الى ملاحظات ( المخرج ) الذي يقدمها للمؤلف - ان كان على قيد الحياة – وهذه لا تصل الى (المتفرج ) و لان الغرض من ذلك هو تقديم ( نص مادي) والاسبقية له بالعلاقة بين فضاء النص وفضاء العرض ولا بد للاخير ان ياخذ بعين الاعتبار فضاء النص , ولان مجموعة اللغات المختلفة المستويات تقوم بارسال واستقبال اي هناك (التواصل ) مع الممثل والجمهور اي -- المرسل والمستقبل -- وهي حالة مثلى تمثل هذا التواصل الانساني وتكون حالة انتاج مزدوج بين-- الصالة والخشبة -- وايضا العمليات الاخرى التي تتم بين-- الشخصيات المتحاورة ---- من خلال مجموعة حركات انتقالية كما هي الحال في ( الميم – حركة الوجه ) , ويعتبر الملفوظ من النص الدرامي هو جزء من العرض المسرحي ..
ان الرسالة بالمسرح تحمل طابع مزدوج فهي تمثل-- النص المسرحي المكتوب -- ولها (طابع لغوي ) في حين نجدها في العرض المسرحي تكتسب طابع اخرا هو ( حواريا) - اي النص -يصبح حواريا ذات طابع ( سمعي ) تختلط فيه الموسيقى والمؤثرات الصوتية والسمعية بالاضافة الى الطابع ( البصري ) الذي يتاتى من خلال مجموعة كبيرة من منظومات حركية ولونية وضوئية تقدم وتبث امامنا من على خشبة المسرح .
كل هذه تشكل دلالات وعلامات تنظم نفسها وبالتالي تكوّن ( الرسالة ) ومن ثم يتم بثها عبر قنوات متعددة ومختلفة مثلما قلنا سابقا عبر جسد الممثل وصوته والاضاءة وما يتعلق بالسينوغرافيا ... كل هذا يشكل مجموعة من تلك اللغات المهمة والحساسة لانها تحمل مسؤولية العرض وهي و في مستوياتها المختلفة تقدم - بارسال واتصال - بشكل مباشر مع الجمهور عبر ( سينوغرافيا العرض ) بعد تحضير الجو النفسي عبر قانون ( نحن هنا الان ) .... هذا كله ياتينا عبر ( نص العرض المسرحي ) الذي نراه امامنا .
ومن جانب اخر يتعلق في ( النص الادبي ) نجد فيه ان القارئ لايبني العالم الدرامي ولا حتى الفضاء الدرامي له مثلما يفعل المتفرج في المسرح عندما يتلقى المنطوق او الحوار او الملفوظ في تتابع زمني مستمر لانه يتعامل مع مجموعة انساق علاماتية اكثر تنويعا وتخصصا عبر الحاملات المسرحية التي تشخص امامه .
ان فسحة الفنان تكون كبيرة فهو يترك ما مكتوب ثم ينطلق من محتواه مع تفاعل مهم في تحضير الجو النفسي وتقديم زمانية الحدث والمكان والموسيقى والملابس الى الجمهور , ومن الجانب الاخر في طرح المعالجات فالاشارة الى متن النص الذي يقول شيء ما , نرى انه خالق جديد في ابداع دلالات جديدة , وايضا تنحى بعض النصوص بالشكل الادبي الاصلي وتبني عليها من جديد افكار جديدة وحالات جديدة لجمل جديدة باستخدام ادوات ربط للمشهد بالعرض المسرحي , وكذلك أدوات فصل عندما يستخدم النص الجديد الذي يفكر فيه المخرج والممثل .
بقلم
نعمة السوداني
#نعمة_السوداني (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟