آرام كربيت
الحوار المتمدن-العدد: 2703 - 2009 / 7 / 10 - 10:43
المحور:
الادب والفن
ـ الأن سنبدأ من الأول. كنت تبحث عن المرحاض...
بدأت التحقيق. علينا أن نبدأ من الأول. قرأت ما كتبته في الليلة السابقة. لم يكن الحدث إلا البارحة؟ أما هذه الليلة بالنسبة لياسرفقد كان دهراً, واقع مختلف. في هذه الليلة التقى بالشرطية الشابة التي منحته الدفئ والود, اعطته من وقتها وجهدها وسمعتها الكثير ووقفت إلى جانبه في الظروف الصعبة التي يمربها وقدمت له الطعام والمبيت دون أن تفكرفي مقابل ذلك شيئاً. أنها إنسانة في كل ما في الكلمة من معنى لاهتمامها الكبير فيه, في القطط, كلمات الترحيب التي قوبل بها منذ دخول باب البيت, سماحها له أن يتصرف في البيت كأنه في بيته, يصنع لها القهوة المقطرة, ذهابها معه إلى المستشفى في سيارتها الخاصة ورغبتها في التعرف على اهتمامات أخته دياميلا وقصة حبها لجمع القطط. للأسباب السابقة, مجتمعة, من الصعب أن يكذب المرء على إنسان يحبه. لم يسبق لياسرأن كذب أوأجاد أسلوب الكذب, لكن كما يقول المثل للضرورة أحكام, يكذب عندما يجد أن قول الحقيقة مكلفاً وفاتورتها غالية. لكنه يملك ملكة الإبداع, خلق القصص الشيقة للأطفال.
ـ لا يبدوأن وقوفك في الكراج في الليلة السابقة مقنعاً وفيه مصداقية تخولني أن اقتنع بها. قلتَ إنك كنت وحيداً, لم يكن معك أي إنسان بالقرب من السيارة, أليس كذلك؟
فكرياسر أن يغيررأيه, أن يقول لها الحقيقة من البداية إلى النهاية, لماذا هناك, وما هي الدوافع التي جعلته يبحث عن أنتي وفرريد, لماذا قبل أن يساعدهم في عملية السطو. لديه الأسباب التي تجعله أن يصمت على قول الحقيقة, لربما تفهم عليه وتعذره.
ـ ساعدنا يا ياسر. لدي أعمال أخرى, يجب علي القيام بها. وستحدثنا أيضاً عن عمك سعيد.
عمي سعيد! حتى هذا تريد أن تعرف كل شيئ عنه, لماذا؟ ربما هذا شيئ ممتع لها؟
ـ هل أنت قسيسة؟
ـ المعذرة, ماذا, ماذا قلت؟
ـ هل أنت قسيسة؟ لم يسبق لي أن عرفت قسيساً عن قرب لكني شاهدت الكثيرمن الناس في برامج التلفزيون يقفون أمام القساوسة يعترفون لهم بخطاياهم وأسرارهم. القس يصون السرويحفظه في قلبه. هل هذا الأمرينطبق على الشرطة أيضاً؟
ـ لا.. لا الوضع مختلف تماماً. يجب علينا أن نكتب تقريراً عن كل ما نسمعه ونرأه. مع الأسف, هذا الموضوع لا ينطق على ذاك:
ـ ما هوالشيئ الذي تود أن تتحدث عنه؟ ولا ترغب أن نشيئ به لأحد؟
ـ لكنك فعلت ذلك. لقد بدأت في كتابة تقريرك. هذا لا يصح.
نعم, عليها أن تصبح قسيسة, هذا ما يبدوعليها طوال الوقت.
ـ بحق السماء يا ياسر, أفهم علي, يجب عليك أن تحكي لنا ماذا كنت تفعل في الكراج. عملي يتطلب مني أن أحقق بهذا الموضوع, لأنه يمس ممتلكات شخص آخر. لا يمكنك أن تطلب مني أن أرمي هذا الموضوع جانباً....
ـ أنتِ لا تعرف شيئاً؟ صرخ ياسر في وجهها, صوته العالي ملأ فضاء غرفتها الصغيرة ضجيجاً. ربما سمع أحدهم صراخه من خارج غرفتها, وجاء حتى يمسكه ويحمي إيكا.
ـ لا تصرخ! اسمعك جيداً عندما تتكلم معي بشكل طبيعي, لا ضرورة للصوت العالي. ما هوالشيئ الذي لا أعرفه بنظرك؟ يصعب علي أن أعرف شيئاً لم تقله لي سابقاً.
ـ بلى, لقد قلت لك.... أنتِ تعرِفي عن وضع والدي وماذا حدث له في المتجر.
ـ لكنك لم تتحدث عن عملية السطو.
ـ بلى.
نظرت إيكا إليه بتأمل عميق, حانية ظهرها على مسند المقعد, تنفست بعمق, طالبة منه أن يتكلم. ترجوه أن يتكلم من البدء, أن يقول. تريد أن تسمع, أن تفهم. وإلاضاع عليها الموضوع برمته, لن تعرف أي شيئ عن وضع هؤلاء الصبية التي تربطهم صلة بياسر, توفا, شيكيز, تاز, الذين بالتاكيد علموا ما يحدث له الأن. لكن توفا سافرت قبل أربعة أسابيع إلى الولايات المتحدة الأمريكية, شيكيزفي فرنسا في زيارة لأقرباءه منذ مدة, وتازيجول في أرجاء أوربا مع والدته في سيارتها. لهذا لم يبق إلا ياسر, في صدره مفتاح السر, لا يقوله!
ـ ياسر؟
هم ياسربالحديث. لكن رنين هاتف إيكا جعلها تخرج من الغرفة كي ترد على المكالمة, وتسأل عن أحدهم. ثم عادت وجلست بالطريقة ذاتها, تحاول سماع ما يقوله. طرحت عدة أسئلة حتى تفهم جيداً, على نحو سليم.
ـ لكن ماذا تعني في أقوالك, أنك شاهدت دراجة نارية صغيرة والصبية؟ كيف يمكنك أن تكون على يقين بأنك رأيت تلك الدراجة والشاب خارج المتجر؟ ما هو لون الثياب الذي كان يرتديها الشاب. بعدها, تواجد على الأقل شابان مع درجتان ناريتان صغيرتان, هذا ما قاله الشهود.
ـ على أية حال, كان صوت الدراجة النارية الصغيرة هادئاً, مشابهاً لتلك, لم أكن أعرف ذلك من قبل. أما ذلك الشاب, فقد كان يرتدي السروال ذاته, الواسع جداً, لأن الجوكان حارجداً في هذا مثل الوقت من السنة. أما أنا فلا يمكنني أن ارتدي هذا النوع من السراويل. اعتقد إنني فكرت بذلك عندما رأيت السروال. لقد لمحتهم عندما كنت عادئاً حاملاً في حضني بعض علب الكرتون, يذهبون بعيداً.
ـ لكنك قلت هذا للشرطة؟
ـ الشرطة... المعذرة يا إيكا, أنت على صواب. الشرطة لم تبال, قالوا انهم عصابة أشرارأو شيئ من هذا القبيل, هذه هي النتيجة مع الشعرالأسود...
ـ كف عن هذا, لا يوجد من يقول مثل هذا الكلام عنكم, على الأقل, لا أحد منا يمكنه أن يتكلم عنكم ذلك. بصدق, ما رأيك فينا؟ قلتَ, ربما عثرنا عليهم سابقاً.
بقي ياسرصامتاً برهة قصيرة. هل هذه هي النتيجة؟ هل خرب كل شيئ الأن؟
ـ حسناً, استمرت إيكا, رأيت الدراجة النارية الصغيرة مرة ثانية. والصبية يتكلمون مع الشاب الذين لم يسبق لهم أن عرفوه في المدرسة من قبل. سعيت جاهداً أن تكون صديقاً لهؤلاء الشباب, حتى تعلم من هو الكبيربينهم, وأولئك الشباب....
ـ الذين قاموا بعملية السطوهما أنتي وفرريد.
ـ هل أنت متأكد؟
ـ كنتُ معهم.
غضبت إيكا من صمت ياسروعدم قدرته على فهم ما يدورحوله من ملابسات حول هذه القضية الشائكة وبقاءه على الغموض الذي لف المشكلة من كل جانب. لقد وضعت إيكا هذه القضية على عاتقها, أن تعرف كل شيئ لأن القصة برمتها لا تتعلق بالمال والسرقة والنقود وأنما بأشياء أخرى قام بها ياسر. لقد فعل كل شيئ من أجل أن يحوزعلى أعتراف الأخرين به كفرد منهم, أن يثقوا به, أن يكون واحداً منهم. بقاء ياسرعلى كتمانه وعدم قوله الحقيقة الكاملة عطل معرفة إيكا لقضية ياسروالسطو.
ـ واحداً منهم؟
ـ الخنازير, حليقي الرؤوس. هؤلاء يحلقون رؤوسهم, ليس جميعهم, لكن أغلبهم. وهؤلاء لا يحبون الأجانب, الرأس الأسود.
ـ ولكن كيف؟
ـ تقولين كيف فعلتُ؟ انتظري علي قليلاً حتى ازيح عن صدرك هذا الهم الذي يرزح تحته وأرجومنك أن لا تقاطعيني. ذهبت إلى البيت وسرقت مفاتيح المتجرمن سروال والدي المعلق على المشجب في البيت, ثم فتحت المحل وأخرجت صناديق مملوءة بعلب البيرة وكروزات من علب الدخان ووضعتهم في سيارة وسرت بهم إلى الساحة العامة. وقفت هناك في وسط الساحة الرئيسية للمدينة ومعي تلك الأشياء التي ذكرتها وتظاهرت أمام الناس والمارة إنني انتظرأحد أصدقائي. لقد وقفت في المكان الذي يتواجد فيه هؤلاء الشباب الذي أبحث عنهم. لم يخب ظني. جاؤوا إلي وسألوا عن تلك الأشياء الممنوعة, قلت لهم إنني سرقتها ويمكنهم أن يأخذوا الكمية التي يرغبون بها.
ـ ورغبوا؟
ـ بالتأكيد. وقفنا هناك مع بعضنا نضحك ونمرح, نتكلم قليلاً ونشرب وندخن أكثر. في الحقيقة, أنا لا أحب البيرة, مذاقها مقرف, ولكن حدث ما حدث.
ـ وو؟
ـ سألوا عن اسمي, قلت لهم أن اسمي هو ياسي. لقد أخذت هذا الاسم من أحد أصدقاء الدراسة اسمه ياسبير. طالب مجتهد ونشيط ومحبوب, نطلق عليه اسم ياسي تحبباً بدلاً من اسمه الطويل. من وراء هذه الاسم سميت نفسي ياسي.
ـ عندئذ أصبحت سويدياً؟
ـ الحقيقة صدقوا ذلك. لقد ظنوا إنني سويدي. قلت لهم إننا جئنا إلى هذه المدينة الربيع الفائت ووالدي يعمل في شركة الفولفو في الكويت, وأن لون وجهي ضارب إلى السمرة من شدة حرارة الشمس وقسوتها هناك. لقد صدقوا الخدعة.
ـ طبعاً فعلوا ذلك, أحبوا ياسي, الذي قدم لهم عرضاً مغرياً, بيرة وسجائر, جلبها ياسرمن متجره والده الذي يقيم في الكويت وأماكن أخرى, ذلك الشاب الذي يكره العرب.
ـ اتفقوا معي عندما قلت لهم أن الكويت بلد رائع, وفيها الكثيرالعرب. راحوا يصغوا للقصة بشوق, كلهم أذانٍ صاغية, كأنني أقول أوأحكي قصة من ألف ليلة وليلة أوطرفة جميلة أو نكتة حلوة.
ـ حسناً, أصبحتم زملاء بعد ذلك وتلتقي مع كبيرهم صاحب الدراجة النارية؟ وأرغمت على المشاركة في حادثة السطو؟
ـ انتظري قليلاً. التقينا عدة مرات مع بعضنا, قالوا أنهم بحاجة إلى شاب آخرحتى يفي بالغرض, للقيام بالمهمة على خير وجه.
ـ مهمة؟
ـ ظننت أن ذلك الشاب هورئيس العصابة. تنتابني رغبة داخلية في مقابلته.
ـ لماذا؟
ـ حتى أعرف لماذا أطلق النارعلى والدي.
ـ من شأن الله يا ياسركف عن هذا الأعمال المتهورة التي لن تجلب لك إلا وجع الرأس. مهمتنا هو القبض على هؤلاء الصبية حتى نعرف ما هي الدوافع وراء أعمالهم. أنها وظيفة الشرطة. ضع في اعتبارك أنك لا تعرف إن كانوا هم وراء الجريمة أو غيرهم. لذا أتمنى منك أن تلتزم مكانك وتتركنا نقوم في واجبنا.
ـ اصبري علي قليلاً, انتظري بعض الوقت! دعيني أسرد لك ما حدث معي عندما قالوا عن موضوع السرقة, نويت أن أقول, لكن.. لا.. لا أستطيع أن أقوم بهذه المهمة, لست لصاً! في ذلك الحين, قالوا أن رووف معتاد على حمل السلاح لكنه لم يستخدمه, هل فهمت؟ لقد كان بصحبة شاب آخروقت وقوع الجريمة, لقد فعلوها معاً, لكن ما هي الدوافع وراء إطلاق الرصاص على والدي, هل هو المال أم لأن والدي من الرأس الأسود, أجنبي. لكن سرعان ما غيرياسرمجريات الحديث عندما رأى التكشيرة العميقة مرسومة على وجه إيكا. لهذا أراد أن ينهي الحديث, هل فهمت علي؟ أريد أن أعرف!
ـ من أجل؟
ـ لأن الوضع أسوأ.
ـ أسوأ؟
ـ اللعنة على السرقة, اللعنة على من أطلق النار. لو ثبت أن أطلاق النارعلى أبي جاء على خلفية عنصرية, لكونه أجنبياً ستبقى مجريات الأمورتسيرنحو الأسوأ. أنت لا تفهمين علي؟ أنت لا تفهمين علي؟
ـ نعم, لقد فهمت.
لدى إيكا رغبة جارفة في معرفة مجريات الأحداث, أن تصغي السمع إلى أقوال ياسركلها حتى يتسنى لها تقديم نصحية مفيدة له مثلها مثل ذلك القسيس في المحراب. لكن المشكلة تكمن في كونها شرطية وعليها التزامات حقيقية تفرض عليها وتلزمها كتابة تقريرعن الحادثة.
ـ لا أعرف, ردت عليه بعد فترة صمت قصيرة. لا أعرف كيف يمكنني أن اتصرف! ماذا أفعل في هذا الذي بين يدي. يجب أن أكتب تقريراً عن حادثة السطو. المشكلة أنك تأتي كل دقيقة بفكرة جديدة, لا أعرف من أين أبدأ معك. الأن تطرح إنك ذاهب في مهمة استطلاع وعمليات تسلل, لتتعرف على صبية جدد لا أعرف اصلهم من فصلهم. لنتحدث خطوة خطوة, هناك حادثة سطو, كنت معهم, حسناً, يمكن للمرء أن يتابع الأمرووصف الموضوع من كل جوانبه لكونك لا تعرف شيئاً وليس لديك معلومات عن أي شيئ ولا تدرك أبعاد ما يدورحولك. أوف, لا أعرف, تهتُ, ضعتُ, هناك على أية حال إدارة الخدمات الاجتماعية سنتصل معها حتى تتولى تحمل مسؤوليتك الكاملة والفعلية لأنك ما زلت تحت السن القانوينة, ما زلت في الخامسة عشرة من العمر. لم تتفادى الحادثة, يجب أن أكتب تقريراً أنك كنت معهم وقبضنا عليك متلبساً.
ـ يمكنك أن تكتبي في تقريرك إنني كنت أبحث عن المرحاض.
ـ لقد فهمت منك للتو, إنك واحد منهم.
ـ أعرف ذلك, صرخ ياسرمرة ثانية, أعرف ذلك! لقد أصبحت واشٍ الأن! اعتقد أنك تفهمي علي!
ـ يجب علي أن أكتب تقريراً, صرخت هي الأخرى, هل تظن أن في وسعي أن أكذب عندما أكتب تقريراً؟ حقاً, ما رأيك في عملنا؟
بعد ذلك جلسا, كلاهما كان صامتاً, يحدق أحدهما في الأخر, من الصعب أن يعرف المرء من منهما كان أكثر تجهماً من الأخر.
ـ هل يمكنك أن تنسي أنك شرطية؟ قال ياسرهذا الكلام بشكل أقرب إلى التضرع والرجاء منه إلى الأمرأوالطلب. هل لك أن تسمحي لي أن اقبض على رووف؟ لا بد أن التقي به, يمكن أن يأتي ويتحدث عن السرقة والسطو, هذا ما أنا متأكد منه, من فضلك يا إيكا!
ـ من فضلك أنت, ما هذا الذي تقوله! الأسوأ هو أنك تفعل ما يحلو لك. في الحقيقة لا توجد جريمة بدون مشاركة أولئك الشباب, حتى لو كانوا مجرمين. لم نقبض عليهم لأننا لم نضبطهم في حالة تلبس. أما الأن, لدينا شهادتك. الأن يمكننا أن نقبض عليهم.
شاهد! معنى هذا سأكون واشياً! ليست مشكلة كبيرة, أنتي وفرريد ليسوا سوى خنازيرقذرة يستحقوا أن ينتهي بهم المطاف في مخافرالشرطة ليتم استجوابهم. المشكلة أن إيكا تفسد خطتي وتسيطرعلى مجريات أحداثها. سيكونون في الطريق لمعرفة أنني واشٍ, سينكرون كل شيئ وعندئذ سيبحثون عني ويشوهون جلدي ووجهي. أما إذا التقيت مع رووف كيف سيتصرف, هل ينسى هذا الأخيرالسبب وراء مأساته.
ـ ماذا تفعلين في التقرير, ما هو جديده؟ سأل ياسرفجأة, وأفكارعديدة تمربسرعة عالية في دماغه. يجب أن يكون هناك حلاً.
ـ لقد حررت التقرير, ستضع توقيعك تحته كشاهد حقيقي.
ـ وبعد ذلك يمكنك أن تقبضي عليهم.
ـ هذا صحيح تماماً.
ثم طرح ياسرفكرة رائعة أفضل من أي وقت مضى.
ـ أنها خدعة!
ـ ماذا؟
ـ أنها خدعة. لا يوجد أي إنسان بأسم أنتي وفرريد. أنا الذي ابتدع هذه الأسماء. حتى أرى إن كانت تنطلي عليك القصة أم لا؟
ـ بالتأكيد يوجد بعضاً منهم! كان يوجد على الأقل أثنان منهم بجانب السيارات, واضح هذا من أثرالأقدام.
ـ ربما, لكن لا أعرف من هم أولئك الأشخاص. كنت محصور, أردت التبول, هذا قلته لكم سابقاً, ثم جئتم. لكن لا أعرف المزيد.
ـ وروف؟ وخطتك التي كشفتها له؟
ـ لقد ابتدعت كل شيئ.
حدقت إيكا فيه طويلاً ثم هزت رأسها كما لوأنها لا تصدق عينيها. تألم ياسروهو ينظرإليها, يرى مظاهرالحزن والألم في عينيها. تلك النظرات التي قالت له فيما سبق أنها لا تثق به, حتى قبل أن يبتدع قصته الأخيرة. يحس في قرارة نفسه الحزن والإهانة التي سببها لها عندما خدعها وكذب عليها. لكن ماذا عليه أن يفعل غير ذلك. فرضت عليه أن يصل إلى هذه النتيجة. لقد أرغمته على ذلك.
ـ لن أستطيع أن أحرر هذا التقرير, لأنها مجرد خدعة. ببساطة ووفقاً لذلك, أنت كاذب, ابتدعت كل شيئ؟
ـ كل شيئ.
ـ لكنك لم تبتدع قصة والدك, أليس كذلك؟ ولا الحزن والأسى والحسرة لوالدتك؟ ولا حب دياميلا لجمع القطط؟ ولا قصة عمك سعيد؟ أو؟ كيف ابتدعت قصة عمك سعيد وحب أختك دياميلا لجمع أعداد كبيرة من القطط؟
يكون رائعاً عندما يبتدع, يطرح أفكاراً بارعة. أما الأن فمن الصعب أن يتابع هذه اللعبة الصعبة. اختنق الصوت في حنجرة إيكا, وراحت تعض على شفتها السفلى من الغيض. بلمحة سريعة, رأى ياسرعينيهاا مغرورقتان بالدمع. أحس نفسه إنه إنسان شريروغبي. شعربالخجل من عينيها, من الحزن الساكن فيهما, من خيالاته الجامحة التي جعلها تبكي من الحرقة والألم. لم يحس نفسه مرتبكاً كما هو عليه الأن. آه.. لوكان أصدقاءه إلى جانبه في هذه الظروف! توفا, شيكيز, تاز! أحس بالوحدة والفراغ والضياع. لقد تصرف على نحو خاطئ مرة ثانية. ما أن يخرج من مطب حتى يقع في آخر.
ـ إيكا... المعذرة. أي... اللعنة, لا أحب أن أراك تبكين, انتظري, أي.. ابتدعت....
ـ اخرس! صرخت وخبطت يدها على الطاولة فوقعت سماعة التلفون على الأرض لكنه ظلت معلقة بالسلك الكهربائي. يجب على ياسرأن يعالج المشكلة ثانية لأنه السبب لكل ما حدث لها. أنه يكره مشاهدة الناس الباكية, خاصة الأمهات والفتيات, لكن الأسوأ أن تكون الناس غاضبة. لكن غضب الفتيات في نظره أقل حدة من الشبان. لقد سبب لها أذى كبير, وأحس نفسه مذنب بحقها.
ـ لا أريد أن اسمع كلمة واحدة منك, أنت مجرد مبتدع! لهذا السبب بكيت, إذا كنت تريد أن تعرف. وقبل أن تتابع حديثها مسحت دموعها بسرعة بطارف ظهر يدها. اللعنة على الجميع, أختك, القطط, عمك الشرير. أنا أكره أولئك الناس الذين يكذبون. عملي يسعى للوصول إلى الحقيقة, الحقيقة فقط, نقطة أنتهى.
بعد ذلك لم تقل شيئاً آخر, إلا أن أصابعها راحت تتحرك بسرعة وتوترعلى لوحة المفاتيح. بعد قليل شغلت الآلة الطابعة وحررت بضعة صفحات.
ـ هنا. أكتب أسمك تحتها. لقد أنتهينا.
ـ لكن.
ـ لكن لا شيئ. لقد وضعت كل ما قلته سابقاً في التقرير, تغييرشهادتك, أقولك, الحيل والبدع. شهادتك, لماذا كنت هناك تلك الليلة. فيما إذا لم نعثرعليهم متلبسين, من المحتمل نسقط القضية, هذه هي العادة. إدارة الخدمات الاجتماعية ستأخذ نسخة عن التقريرلأنك وجدت بالقرب من مكان السطو.
أصبحت نبرة إيكا سلطوية, مختلفاة عما سبق, ربما لأنه جرحها كثيراً. دون أن يفهم إنه السبب في تغييرموقفها منه.
ـ اللعنة على الشرطة! لا يمكن للمرء أن يكون بسلام معكم!
ـ ضع توقيعك, قبل أن تذهب.
وهكذا فعل ياسر. وضع توقيعه على التقريركما أشارت. شعر في هذه اللحظة أن كتلة كبيرة من الصخورجثمت على قلبه, بين ضلوعه. شعرأنه خائن, لقد خذلها كثيراً؟ وقف مرتبكاً للحظات يلتفت إليها خجلاً, نادم على كل شيئ. يتمنى أن يرأها مبتسمة ثانية, أن يعود ذلك الوميض الجميل إلى عينيها. لم يكن يريد أن يجرحها على الأطلاق. كيف أمكنه أن يفعل كل هذا؟
خرج ياسرعن صمته مرغماً.
ـ أنت السبب في الخطأ يا إيكا, لا أستطيع أن أشهد ضدهم, هل تفهمين؟
ـ ضد منْ؟ ردت عليه ببرود. كان هذا كاف أن يصمت ويخرج من الغرفة. لا تريد أن تسمع المزيد. هذا أفضل لها وله. حتى يأخذ بعضه ويذهب.
عندما خرج من الغرفة لم يغلق الباب وراءه. نهضت إيكا من على مقعدها واتجهت نحو الباب وأغلقته بعنف ثم رمت نفسها بقوة على الأريكة الحمراء الصغيرة. مرت عشرة دقائق وهي في مكانها لا تتحرك. الدموع تنحدرمن عينيها وتسيل على خدها. أنفها يسيل, دموعها تسيل, الوقت يمر. لايوجد أي اسم أوعنوان لحزنها وألمها. ماذا تفعل بهذا الهم الذي غزاها. تملكها كم هائل من الحزن, من الغضب, من الوحدة, من خيبة الأمل؟ تتمنى أن تعود طفلة صغيرة تنادي والدها, بابا. أن يواسيها ويحمل عنها الهم والحزن ويبعد الكرب عن قلبها. لا تريد أن تسمع من أحدهم أنها أخطأت, لا تريد شيئاً سوى السلوى والمواساة. تعلم أنها ارتكبت خطئاً فادحاً عندما أخذته إلى بيتها وسمحت له أن يأخذ مساحة واسعة من حياتها. لماذا فعلت ذلك؟ كان مفضلاً لو أنها فتحت باب البيت وتركت القطط أن يخرجوا كما كانت تفعل من قبل.
يا للحماقة, همهمت في سرها, ثم ضربت رأسها براحة يدها, يا للغضب الأحمق,هل تعتقدين أنك تستطيعين إنقاذ الناس؟ هل تعتقدين أنهم يفتحون قلوبهم لك لمجرد أنك تمنحيهم القليل من الدفئ والثقة. هنري على حق, هذه ليست حكمة, كم سيضحك ويسخرعندما يعلم بما حدث.
أبو إيكا ليس معها في البيت. أنه في استراليا يسوح على دراجته الهوائية.
هي الفتاة الكبيرفي الأسرة.
ما معنى أن تكون الفتاة كبيرة وبالغة, تدرس القانون وتتدرب في كلية الشرطة, تجيد إصابة الهدف إصابة دقيقة جداً, تحس بالمسؤولية الكاملة ليس أقله الانضباط, أن لاتجلس على الأريكة الحمراء وتبكي مثل طفل صغيرلا يقوى على حمل نفسه, أن لا تنادي على والدها الذي يسوح على دراجته الهوائية في الجزء الجنوبي من العالم, أن لا تقول له تعال وأمسح الدموع عن عيني. أم أن المرء في حالات الحزن الدفين والوحدة يحتاج إلى من يواسيه, أن يخفف عنه عندما لا يجد بديلاً عن ذلك؟
#آرام_كربيت (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟