أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - ياسين الحاج صالح - في بئري الدين والدولة














المزيد.....


في بئري الدين والدولة


ياسين الحاج صالح

الحوار المتمدن-العدد: 2703 - 2009 / 7 / 10 - 10:06
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


لا تكاد مشكلات الدولة تكون مرئية في منظار المثقفين والناشطين السوريين الذين يتركز اهتمامهم حول قضايا الدين. بالمقابل، لا تكاد المشكلات الدينية تكون مرئيا من قبل المثقفين والناشطين الذين يكرسون جل اهتمامهم للمسائل السياسية. هذا بينما الدين والدولة هما محورا الاستقطاب الأبرز في أوساط عموم المهتمين بالشأن العام في سورية. فكأننا نتوزع على قعري بئرين مختلفين، يمتنع أن نرى البئر الآخر من موقعنا في قعر بئرنا. وبالفعل الاختلاط نادر بين سكان أي من البئرين، وحرج دوما، والثقة بينهما معدومة. وحده الخروج من البئر، إن بنينا على هذه الاستعارة، يتيح لنا رؤية البئرين معا، والحيز الذي يندرجان فيه. وإذا طورنا أدواتنا وأمكننا تحليل مياههما، فقد نتبين المنابع العميقة التي تغذيهما معا أو التي ترفع منسوب الماء في واحدهما أو الآخر.
والحال لا يبدو أن هناك من هو مستعد للخروج من بئره لرؤية البئر الآخر والبئرين معا. ثمة مثقفون سوريون لا تتمحور اهتماماتهم حول الدين ولا حول الدولة، لكن من ينشغل بمشكلات أحدهما قلما يجد ما يقوله بمشكلات الآخر. يسعنا القول، تاليا، إن الدين والدولة، أو الموقف من هذه أو ذاك، هما عنوانا الانقسام الأعمق في أوساط النخبة السورية المستقلة.
و"الدين" المقصود هو الإسلام السني أساسا، لكونه أكثرياً ويحتكر "سلطة تعريف الإسلام" (هو أكثري لأنه محتكر لهذه السلطة)، وما يرافقها من تطلع للهيمنة الثقافية والرمزية والسيطرة السياسية. و"الدولة" المقصودة هي النظام الحالي، معرفا باحتكار السلطة العمومية وبقدر من الحريات الاجتماعية قياسا إلى النموذج الإسلامي المتصور.
وليس توزع الاهتمامات على هذه الصورة أمراً تخصصيا أو مسألة معرفية حصرا. إنه صيغة تدخل في الشأن العام تتضمن تحديدا لما هي المشكلة الأساسية في أوضاعنا الراهنة، وتقديرا لجبهة الصراع الرئيسية، ورؤية للحل الفعال للمشكلة. من يعتقد منا أن المشكلة في الدين أو ربما هي الدين ذاته، فسيقوده هذا التحديد إلى النضال ضد "الأصولية" وتجلياتها ومنابعها المفترضة، وسيطور تصورا للحل يتمثل في "العلمانية" و"الحداثة" وما شابه. أما من يعتقد أن المشكلة في الدولة فسيمضي إلى الكفاح ضد الاستبداد والدكتاتورية ونظام الاستثناء..، وستكون الديمقراطية هي العنوان العام لنشاطه السياسي والثقافي. وبقدر ما يعنى "العلمانيون" بالاستبداد فإنهم أميل إلى اشتقاقه من الدين، فيما يتمثل الميل العام لدى الديمقراطيين في اعتبار الاستبداد والنظم السياسية المغلقة عنصرا تفسيريا في صعود التطرف الإسلامي.
في العمق، توزيع المواقف هذا توزيع سياسي، لا يفهم إلا ضمن الحقل السياسي السوري العياني في العقدين الأخيرين. العلمانية والديمقراطية موقفان سياسيان أولاً وقبل كل شيء. الإلحاح على هذه النقطة البديهية ليس مهما إلا لأن هناك من ينكرها من بين منسوبي "العلمانية"، واضعا نفسه خارج السياسة وفوقها. في واقع الأمر، يتحدد انحيازنا لهذا الموقف أو ذاك بمواقعنا ضمن الحقل المشار إليه، بوصفه حقل مجتمع منقوص الاندماج، تعرض استقطاباته الإيديولوجية مساحة تقاطع واسعة مع تشققاته الأهلية، أو بالعكس تشكل التمايزات الأهلية قواعد طلب اجتماعي مضمونة على ما قد يتاح فيه من عروض إيديولوجية. ضمن هذا الإطار العام، يميل الموقف من الدين إلى أن يشتمل موقفا من الدولة، والعكس بالعكس.
نشعر أن لا جديد في كل ما قلنا. بل نميل إلى ترجيح أنه موضع إدراك واسع. ما لا نجده مقبولا هو الركون إلى الاستقطاب وسط المشتغلين بالشأن العام، الصدور عنه والاندراج فيه، الأمر الذي يقلل محصولهم القليل أصلا. لا نجد مقنعا القول إن حل مشكلة الدين أو الدولة يتضمن من تلقاء ذاته حلا لمشكلة الدولة أو الدين. ثمة مشكلتان مختلفتان (وليستا الوحيدتين). ونحتاج إلى التفكير بهما معا والاشتغال عليهما معا، لكن دون التعويل على ثمار عملية قريبة. التعويل هذا مصدر لبعض أسوأ خرافاتنا السياسية. من جهة يقضي على المعرفة في مهدها. ومن جهة أخرى يُحِلَُ الرغبة والهوى ونفاد الصبر محل عمل التاريخ الهادئ والعنيد. وفي الجلبة السياسية الدائمة التي تنجم عن أولوية العمل تبحث التحزبات العمياء والصراعات الأشد وحشية والتطرفات الممزقة عن مسوغات لها. وتعثر عليها غالبا.
من شأن العمل على الخروج من آبارنا والتدرب على رؤيتها ضمن إطارها العام واستكشاف ينابيع المياه التحتية التي تغذيها أن تمكننا من تحكم أفضل بها جميعا. هذا ما تخفق في تحقيقه إشكاليتا الديمقراطية والعلمانية كما نعرفهما اليوم. بل إن المثابرة على أي منهما تفضي أكثر وأكثر إلى نتائج سلبية تجمع بين العقم الفكري والفشل السياسي وتغذية التمزق الاجتماعي والثقافي. أن يظهر مثقفون سوريون، يعيشون على سطح الأرض ويتجولون فيها، مؤشر صالح على نضج فكري وإنساني و..سياسي يزداد إلحاحا. وعلى إرادة لتجاوز الانقسام البنيوي السوري وفتح آفاق وطنية أكثر توحدا وحرية.





#ياسين_الحاج_صالح (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- في شأن الديمقراطية والإصلاح السياسي... سيرة استهلاك إيديولوج ...
- الطائفية والأحوال الشخصية في سورية
- عالم السادة الرجال -المسلمين- وما وراءه
- بحثا عن توازنات جديدة.. إيران تتحرك!
- تساؤلات بصدد السياق السياسي والمؤسسي لمشروع قانون الأحوال ال ...
- نتنياهو، كيف حصلنا عليه؟ وأي سلم يتحصل منه؟
- ما معنى البقاء في السلطة إلى الأبد؟
- الكثير الذي فات خطابك يا أخ أوباما!
- هذه أو هذه وإلا فتلك: عقائد الحتمية في السياسة السورية
- نظرات في اللوحة الإيديولوجية العربية السائدة
- العلمانية والقومية والامبريالية.. أسئلة مفتوحة
- نظريتان في الطائفية.. بلا نظر
- الكتابة العمومية كسياسة كتابة
- نظرية الحتمية الثقافية في الثقافة السورية مقالة ضد العناد
- الفكرة القومية العربية (والإسلامية) كإيديولوجيتي حرب أهلية
- مسار حرج لتطور الوضع الكردي السوري
- في ذهنية المنفعة ونقد الثقافة
- العلم والفتوى و..الفوضى
- كيف نتقدم؟ أبالثقافة أولا؟
- مفهوم سيادة الدولة كأساس لحرية الاعتقاد الديني


المزيد.....




- إسبانيا.. العثور على 270 ألف خرزة في قبر واحد يقدر عمرها بـ5 ...
- روسيا.. انتهاء الاختبارات ما قبل السريرية للقاح الشخصي المضا ...
- الجيش الإسرائيلي يعلن مقتل مسلح أطلق النار على موقع عسكري با ...
- خمسة وزراء خارجية عرب في رسالة لواشنطن: لا لتهجير الفلسطينيي ...
- الهند ضاعفت عدد نمورِها خلال عشر سنوات.. لكن كيف؟
- البيت الأبيض ينشر قائمة -مثيرة للدهشة- بنفقات الوكالة الأمري ...
- الصين تخطط لإرسال مسبار جديد إلى القمر عام 2026
- عصابات المخدرات المكسيكية تهدد الجيش الأمريكي
- طهران: لم يطرأ أي تغيير على وضع إدارة الملف النووي
- في اليوم العالمي لمكافحة للسرطان.. إليكم بعض أعراضه الخفية! ...


المزيد.....

- الخروج للنهار (كتاب الموتى) / شريف الصيفي
- قراءة في الحال والأداء الوطني خلال العدوان الإسرائيلي وحرب ا ... / صلاح محمد عبد العاطي
- لبنان: أزمة غذاء في ظل الحرب والاستغلال الرأسمالي / غسان مكارم
- إرادة الشعوب ستسقط مشروع الشرق الأوسط الجديد الصهيو- أمريكي- ... / محمد حسن خليل
- المجلد العشرون - دراسات ومقالات- منشورة بين عامي 2023 و 2024 / غازي الصوراني
- المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021 / غازي الصوراني
- المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020 / غازي الصوراني
- المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و ... / غازي الصوراني
- دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد ... / غازي الصوراني
- تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ / غنية ولهي- - - سمية حملاوي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - ياسين الحاج صالح - في بئري الدين والدولة