|
قراءة تحليلية لديوان -عندما تصمت طيور الوطن- جديد الشاعر والمربي سهيل عيساوي من كفر مندا
سهيل عيساوي
الحوار المتمدن-العدد: 2700 - 2009 / 7 / 7 - 08:35
المحور:
الادب والفن
************* - أطل علينا الشاعر والمربي سهبل عيساوي بإصداره الجديد الذي اجتهد أن يحمل له بصمة واضحة إلى عالم الأدب والإبداع . - وقد حاول سهيل أن لا يشبه أحدا في مجموعته الشعرية هذه، وقد أفلح، برأيي المتواضع - لم يحوّل هذا الإصدار سهيل عيساوي إلى شاعر فحل، ولكنه ؛ وبكل تأكيد؛ قدّمه كشاعر يسعى إلى التميّز، مع إصرار وسعي حثيث لأن تكون له سماته الخاصة في التعبير ولإبداع، وبصمته الخاصة في أفق الشعري المحلي. - لم يبتعد سهيل في مجموعته هذه عن أسلوبه المألوف والمتمثل بالواقعية الإيحائية، بل ظل كعادته يرصد الواقع، يذوّته، يصقله في بوتقة روحه وفكره، ومن ثم يحوله إلى لغة إيحائية وشيفرات فكرية يسكبها في قوالب تعبيرية راقية تتمثل بعدة أساليب : أ- أسلوب الكلاشيهات الموحية ، وذات الدلالات العالية والواسعة ، فهو لا يهتم كثيرا باختيار الصور والتشبيهات والاستعارات ... بل يكاد لا يلقي بالا للمحسنات التعبيرية، وبالمقابل : نجده يصب كل اهتمامه بالقوالب الفكرية، فيتعمد صياغة أفكاره بشكل جمل مكثفة تحمل كثافة فكرية ودلالية عالية تحمل شكل (الكلاشيهات أو المانشيستات) الموحية ، فكأنما يقول للقارئ: إليك الخطوط العريضة، والعناوين، أما المادة، أما الحشوة، فعندك. فيخيل لك كقارئ وأنت تتجول بين قصائده؛ أنه إنما يزوّدك بطروحات ولمحات فكرية ، يفتح من خلالها فكرك وناظريك على الواقع الذي يدور حولك . وأفضل مثال على هذا الأسلوب؛ قصيدة : "الفتنة المذهبية" ص25 " تنام الفتنة ألف عام في كهف الظلمات تتسلل أصابع خشنة تهز سريرها الخشبي يخرج المارد من قمقمه تشتعل المدن حقدا ودما تلتهم الأمعاء أطرافها تطفئ العين أختها يحل على الكون ظلام دامس " وهي كما ترون، ومضات فكرية مترابطة بوحدة الفكرة المتسلسلة تسلسلا منطقيا واقعيا تحمل إلى فكر القارئ شحنات شعورية وفكرية تثير كل حس وفكر واع يقظ... فأسلوب (المانشيستات) الموحية بهذا الشكل؛ تحمل القارئ على أن يكون شريكا حتميا في النص من خلال تذويته للمادة، وتفاعله القسري وجدانيا وفكريا معها .. وقد تبدو الصورة أكثر وضوحا في قصيدة "العيد" القصيرة أيضا ص 35 : " أقبل العيد باسطا ذراعيه ليعانق الفرح المفروش في عيوننا شظايا الأمل في قلوبنا طفولة مرصّعة ببراءة الفردوس طعم الحلوى مرّ يا جدّي ينسحب العيد من العيد ويكفكف مقلة تجمّدت في مآقي الأيام معلّقة بين الأرض والسّماء" كثافة فكرية وحسيّة ووجدانية عالية ، مستمدة من الواقع ، حيث لا مكان للعيد في القلوب والنفوس، وإن أقبل فاتحا ذراعيه، ولا بدّ والحال كذلك ؛ أن ينسحب العيد من العيد عندما يعاين الواقع المرّ؛ ليتحول طعم الحلوى المر إلى واقع يحمل دلالة مكثفة وإيحاء بليغ المعاني ، خاصة وقد أتبعه الشاعر؛ بل قرنه بالمآقي المتجمدة والمتعلقة بين السماء والأرض حزنا وتطلعا ودعاء. ب- أسلوب الوتر الحساس: أو بمعنى أدق: دغدغة المشاعر ، حيث يلجأ الشاعر إلى استخدام تعابير تلامس الحس والوجدان، وتحرّك المشاعر، وبنفس أسلوب الجمل المكثفة (المانشيستات) محملا الجملة بعدا شعوريا عميقا مؤثرا وموحيا، إضافة إلى بعدها الوقعي الفكري والثقافي ... مما يثير الفكر والحس معا : كقوله في قصيدة: "أغنية للقدس" ص46 " القدس يا أجمل لحنٍ للوجود يا ثوب التاريخ المزركش بفرح البدايات وطهر العرائس " ج- أسلوب التّنصيص واستحضار رموز التاريخ وأجمل مثال على هذا قصيدة : "يقف المنصور على أبواب بغداد" ص47. والمقصود أبو جعفر المنصور باني بغداد، يتساءل الشاعر: لو وقف على باب بغداد اليوم؛ فماذا عساه يرى؟ بماذا عساه يشعر؟ ماذا عساه يقول؟ ماذا عساه يفعل؟؟؟ تساؤلات كهذه وأكثر يثيرها في ذهن القارئ مجرد التأمل قليلا في العنوان. ولكن لا يمهلنا الشاعر كثيرا حتى يأتينا بالأجوبة عبر جمله المكثفة والموحية، تختزل الواقع المرّ، وتحبل بأمواج من التداعيات االتي تلح على الفكر وتستطق الحس والشعور، وتحمل القارئ قسرا على ان يكون له رأيه ، بل أن يدس أنفه وفكره في النص ليكون شريكا طواعيا في صياغة اجواء النص الحسيّة وغير المكتوبة على الورق: "يعتصر القلبَ سيفُ المنصور أبواب بغداد الأربعة: باب خراسان تحرسه جحافل الروم وباب الكوفة بيعَ للغلمان وباب الشّام أغلقته أعاصير النّسيان وباب البصرة لا يبصر غروب الشّمس خلف الرّمال يد دار السّلام مغلولة بقيود صدئة ومياه دجلة تنقل جرار العسل للغربان " ص48 عناوين كبيرة تقتحم نفس وفكر وروح كل قارئ لتجد ما تعصره، وتثيره وتحركه وتشعله... داخل كل نفس واعية ريثما تصل إلة قوله : "تمزّقت بردة الإسلام وعباءة العروبة المثقوبة تغطي شعاع الشّمس بغداد تشكو للرب / وحشة الدّرب" ص49 أو إلى قوله: "بغداد تبيع ضفائرها / لتطعم صغارها" ص49 كل جملة يمكنها ان تكون عنوانا لموضوع كبير ولنقاش طويل ، او محرّك لحوار وجداني ذاتي في كل نفس قارئ يقرأ بوعي وإحساس . د- أسلوب التساؤل الذكي (الحكيم): حيث يصوغ الفكرة بشكل سؤال يضع القارئ في مواجهة مع نفسه، مع قيمه وفكره وشعوره ووجدانه... ترغمه على محاسبة النّفس لأنها تضعه مباشرة في أتون الواقع الذي هو جزء منه، وعنصر من عناصره.. كقوله في قصيدة: "أنا لا أشتهي رائحة الموت" ص50 وما أبلغ ما يحمل هذا العنوان من دلالات : أنا لا أشتهي الموت، أنا لا أطلب الموت، لا أسعى للموت ، لا أحب من يصنع الموت، ولا أريد أبدا ان أكونه... فلماذا أتيتم يا صنّاع الموت بالموت الى بلادي؟ وليضعهم أما التحدي الذاتي ... أمام أنفسهم الخجلى من دواخلهم وبواطنهم يهتف في وجوههم متسائلا: " من منكم يشتهي رائحة الدّم؟ من منكم يفرّ من نداء الحياة؟؟ من منكم يُصفِّق بلا يدَين؟! " ص51 تساؤلات كبيرة تحتضن عناوين لمواضيع اكبر، لا يجيب عنها الا القادر على تعرية نفسه أمام نفسه؛ وبصدق. هـ- أسلوب المعادلة : بمعنى انه يأخذ الأمور كمعادلة ذات حدين ، أو طرفين، يعرض طرفا من اطرافها، ويترك للقارئ ان يكمل الطرف الآخر. والكائن أو المختزن في واقعنا وحسنا ووعينا... وأجمل مثال على هذا الأسلوب وجدته في قصيدة : "عندما يموت الفقراء" ص68 العنوان يحملك مباشرة إلى التساؤل:وهل يختلف الموت، هل للموت صور وألوان وانواع وطبقات ومراتب ودرجات...؟ وماذا عندما يموت غير الفقراء؟ ومن هم غير الفقراء في العالم العربي خاصة؟ وعندما تصل في قراءتك إلى قوله: "عندما يموت الفقراء تنام العيون ملء جفونها تندَسُّ إلى أحلام هاربة إلى ثنايا الوجع المكتوم بين ليلة وشقيقتها" ص68 ستجد نفسك قسرا تقارن بوعيك وخيالك وحسك... بين هذا الموت، وموت من نوع آخر! موت غني، موت مسؤول، موت وجيه... وعندما تصل الى قوله: " تُسحق الحياة تُدفن الأرواح بلا غطاء تُركل الكرامة بحذاءٍ مُعتِم ويعجز صابر القروي، صاحب الجسد الهزيل عن دحرجة صخرة تجثم على صدر طفله الرّضيع" ص69 تجد نفسك كقارئ واع تستحضر ومن مخزون عقلك ، بوعيه ولا وعيه... إلى عقلك الذي يصر الآن ان يكون واعيا، وفقط واعيا- صورة جنازة مهيبة، تتقدمها الورود ، أو صورة استنفار كبير وضخم وعاجل ومهيب لكل القوى... حين يخدش أحد لا ينتمي لخانة الفقراء!! وختاما: وجدنا أن سهيل عيساوي لا يهتم كثيرا بطول القصيدة أو حتى طول الجملة... ولا يهتم بتنميق الكلام، فمعظم قصائده قصيرة مكثفة، ولكنها تحتضن عوالم من الفكر والحس ، باسلوب مثير للفكر ، مستفزّ للشعور والوجدان، أسلوب أراده الشاعر أن يكون مميزا وخاصا ... وأظنه قد نجح ...
#سهيل_عيساوي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
صدر كتاب ; عندما تصمت طيور الوطن للشاعر سهيل عيساوي
المزيد.....
-
-الهوية الوطنية الإماراتية: بين ثوابت الماضي ومعايير الحاضر-
...
-
بعد سقوط الأسد.. نقابة الفنانين السوريين تعيد -الزملاء المفص
...
-
عــرض مسلسل البراعم الحمراء الحلقة 31 مترجمة قصة عشق
-
بالتزامن مع اختيار بغداد عاصمة للسياحة العربية.. العراق يقرر
...
-
كيف غيّر التيك توك شكل السينما في العالم؟ ريتا تجيب
-
المتحف الوطني بسلطنة عمان يستضيف فعاليات ثقافية لنشر اللغة ا
...
-
الكاتب والشاعر عيسى الشيخ حسن.. الرواية لعبة انتقال ولهذا جا
...
-
“تعالوا شوفوا سوسو أم المشاكل” استقبل الآن تردد قناة كراميش
...
-
بإشارة قوية الأفلام الأجنبية والهندية الآن على تردد قناة برو
...
-
سوريا.. فنانون ومنتجون يدعون إلى وقف العمل بقوانين نقابة الف
...
المزيد.....
-
تجربة الميج 21 الأولي لفاطمة ياسين
/ محمد دوير
-
مذكرات -آل پاتشينو- عن -العرّاب-
/ جلال نعيم
-
التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ
/ عبد الكريم برشيد
-
مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة
/ د. أمل درويش
-
التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب
...
/ حسين علوان حسين
-
التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا
...
/ نواف يونس وآخرون
-
دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و
...
/ نادية سعدوني
-
المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين
/ د. راندا حلمى السعيد
-
سراب مختلف ألوانه
/ خالد علي سليفاني
-
جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد
...
/ أمال قندوز - فاطنة بوكركب
المزيد.....
|