|
«عن الحب وشياطين أخرى» لماركيز: القبر والشيخوخة والشعر الطويل
ابراهيم العريس
الحوار المتمدن-العدد: 2699 - 2009 / 7 / 6 - 09:51
المحور:
الادب والفن
الأحد, 05 يوليو 2009 هذا ما جاء في الرسالة الافتتاحية التي تحدث بها الكاتب الى القراء. وهو بعد ذلك، يترك هذا الأصل الواقعي جانباً، كي ينصرف الى رواية ما حدث للصبية وكيف وصلت، حقاً، الى القبر، مستنداً بصورة أولية الى الخرافة التي روتها له جدته، ولكن بعد ذلك الى ما يمكننا اعتباره تحقيقاته الخاصة. فهل يمكننا منذ الآن ان نقول ان ما في هذه الحكاية مثبت تاريخياً؟ ابداً، هنا - بالطبع - يلعب خيال المؤلف جاعلاً للصبية حياة ومأساة افتراضيتين، من دون ان يكون ثمة ما يمنع من ان تكونا حقيقيتين. كل هذا لا يعود مهماً هنا. المهم هو ان الكتاب يتحول منذ تلك اللحظة الى ما يمكننا أن نسميه «حكاية حب مستحيلة» وأكثر من هذا: «حكاية حب مستحيلة لا يمكن احداً إنكارها أو تثبيتها». لكنها هنا، بحسب نظرة ماركيز الدائمة: إنها موجودة طالما انها موجودة في الكتاب... أليس كذلك؟
> عند هذا المستوى الثالث من الكتاب - علماً أن المستوى الأول كان مقدمة المؤلف، والثاني: الحكاية كما نقلتها الجدة-، تصبح لدينا تلك الحكاية التي حدثت قبل أكثر من 200 سنة في مدينة كولومبية تقع على الساحل. مدينة كانت مزدهرة ايام العصر الكولونيالي ويقطنها كل أنواع الناس، المتدينون والثائرون، النبلاء والحثالة، العشاق والبرص، اللصوص والفنانون. وفي تلك المدينة كانت تعيش في ذلك الحين الصبية سييرفا ماريا دي تودوس لوس انخليس وهذه الصبية كانت ابنة رجل جعله انحدار طبقته العليا، غير مبال بابنته التي رباها العبيد الهجناء الذين كانوا يخدمون المنزل. فتعلمت الفتاة لغاتهم المختلطة ورقصهم وفنونهم. تعلمت منهم الحياة وكل ما يتعلق بالحياة. وهي كانت من الجمال وبهاء الشعر الأصهب، كما قلنا الى درجة انها حين كانت تتمشى في الشارع، كان الناس يقفون لينظروا إليها. أما تحررها الأخلاقي المبكر فجعل أهلها يقولون ان ليس فيها ما هو أبيض سوى جلدها. ثم كان ان عضها ذلك الكلب الرمادي اللون وجرحها في يدها اليسرى. والذي حدث يومها هو ان الكلب مات على الفور، فيما راحت سييرفا ماريا تتحول حقاً الى فتاة غريبة الأطوار. طبعاً لم يستطع أحد ان يفسر سر ما حدث لها، وإن كان كل واحد قرر لنفسه بصددها نظرة خاصة. وحتى الطبيب الذي تولى تشخيص حالتها لم يصل الى يقين. وفي نهاية الأمر قرر المطران ان الفتاة مصابة بمس ما، وأنها مستحوذة يستدعي الأمر معالجتها روحياً وهكذا قرر، بعد 39 يوماً من عضة الكلب ان يحجزها في زنزانة خاصة داخل دير سانتا كلارا. وهو إضافة الى هذا عهد بها الى الأب غايتانو ديلاورا، وهو كاهن شاب مثقف كان في ذلك الحين في السادسة والثلاثين من عمره. وهنا، عند هذه النقطة من الرواية يحدث ما كان يمكن لنا ان نتوقعه: تغرم الصبية بالكاهن.
> في البداية يبقى الأمر سراً، ولكن بعد حين يعلم المطران بما حدث فلا يكون امامه إلا ان يفرق بين طرفي الحب المستحيل هذا. ويرسل الكاهن غايتانو، الى مكان مخصص لإقامة المجذومين على ألا يعود الى هذا المكان من الدير إلا بعد ان يشفى من الحب. أما بالنسبة الى الصبية فقرر المطران، نظراً الى ان حالتها باتت مستفحلة، ان يعالجها بطريقة مختلفة: عبر جلسات تهدف الى انتزاع الشيطان من داخلها. وهكذا تعرض الفتاة لجلسات من هذا النوع، تتوالى ويتوالى معها عذابها، ولكن صمتها ايضاً. وأخيراً، بعد الجلسة الخامسة، يُعثر على سييرفا ماريا ميتة في سريرها. ويكون التشخيص واضحاً: لقد ماتت حباً.
> كتب ماركيز هذه الرواية سنة 1994، في وقت كانت سنه تناهز السبعين عاماً. وكان من الواضح ان الشيخوخة والحب والدين والطب ونظرة المجتمع الى الحب، والعلاقات العائلية والذاكرة، وما الى ذلك من مواضيع، كثيراً ما ملأت روايات ماركيز ونصوصه الأخرى، ماثلة هنا بقوة. غير ان الجديد إنما كان ذلك التشاؤم المطلق في عمل أتى مفرغاً من كل أمل وبهجة. فالدمار هنا في كل مكان. والسقوط مصير الشخصيات. والحياة والسعادة تفقدان رونقهما بسرعة. كان سؤال ماركيز الأساس في هذه الرواية: إذا كان التدهور هو المصير النهائي والحتمي، لماذا ترانا نسعى الى اي خلاص وإلى أي نجاة؟
> بالنسبة الى البعض يمكن اعتبار «عن الحب وشياطين أخرى» أقوى روايات ماركيز (المولود عام 1927) حتى وإن كانت من أقصر رواياته. غير ان آخرين اعتبروها تخرج عن سياق عمله. وفي الأحوال كافة، نعرف ان هذه الرواية احتلت بسرعة مكانتها في سياق أدب صاحب «مئة عام من العزلة» و «الحب في زمن الكوليرا»، علماً بأنه لم يكتب بعدها، وطوال الأعوام العشرة التالية سوى رواية «ذكريات عاهراتي الحزانى» (2004)، والتي لم تقل عن تلك قوة وسوداوية.
عن الحياة اللندنية
#ابراهيم_العريس (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
«رقابة صارمة» لجان جينيه: أسئلة السجن الكبير
-
-عرس الدم- للوركا: الفولكلور ويد القدر
المزيد.....
-
مش هتقدر تغمض عينيك “تردد قناة روتانا سينما الجديد 2025” ..
...
-
مش هتقدر تبطل ضحك “تردد قناة ميلودي أفلام 2025” .. تعرض أفلا
...
-
وفاة الأديب الجنوب أفريقي بريتنباخ المناهض لنظام الفصل العنص
...
-
شاهد إضاءة شجرة عيد الميلاد العملاقة في لشبونة ومليونا مصباح
...
-
فيينا تضيف معرض مشترك للفنانين سعدون والعزاوي
-
قدّم -دقوا على الخشب- وعمل مع سيد مكاوي.. رحيل الفنان السوري
...
-
افتُتح بـ-شظية-.. ليبيا تنظم أول دورة لمهرجان الفيلم الأوروب
...
-
تونس.. التراث العثماني تاريخ مشترك في المغرب العربي
-
حبس المخرج عمر زهران احتياطيا بتهمة سرقة مجوهرات زوجة خالد ي
...
-
تيك توك تعقد ورشة عمل في العراق لتعزيز الوعي الرقمي والثقافة
...
المزيد.....
-
التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ
/ عبد الكريم برشيد
-
مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة
/ د. أمل درويش
-
التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب
...
/ حسين علوان حسين
-
التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا
...
/ نواف يونس وآخرون
-
دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و
...
/ نادية سعدوني
-
المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين
/ د. راندا حلمى السعيد
-
سراب مختلف ألوانه
/ خالد علي سليفاني
-
جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد
...
/ أمال قندوز - فاطنة بوكركب
-
السيد حافظ أيقونة دراما الطفل
/ د. أحمد محمود أحمد سعيد
-
اللغة الشعرية فى مسرح الطفل عند السيد حافظ
/ صبرينة نصري نجود نصري
المزيد.....
|