|
المدلولات الحقيقية للاستفتاء على خطة فك الارتباط الشارونية بين منتسبي الليكود اليوم الأحد
احمد سعد
الحوار المتمدن-العدد: 823 - 2004 / 5 / 3 - 07:37
المحور:
القضية الفلسطينية
يتوجه اليوم الأحد الاعضاء المنتسبون الى حزب الليكود - حوالي مائتي الف منتسب - الى صناديق الاقتراع للتصويت حول خطة رئيس الحكومة، اريئيل شارون، لفك الارتباط من طرف واحد مع قطاع غزة، بـِ "نعم" أم "لا". وقد شهدت ساحة المنافسة بين المؤيدين والمعارضين خلال الايام الاخيرة "صراعًا" أشبه ما يكون بمنافسة بين عصابتي مافيا سلب ونهب على نهب بنك، يتفقان على السرقة ولكنهما يختلفان على حجم السرقة، يتفقان على ارتكاب الجريمة ولكنهما يتناقشان، من منطلق طمس معالم الجريمة - حول حدودها. فالمعارضون لخطة شارون ينضوون تحت لواء "ارض اسرائيل الكبرى" - المستوطنون ومختلف قوى العنصرية الفاشية يدعمهم حزبا الاستيطان، المفدال وهئيحود هلئومي، ويرفضون الانسحاب من أي شبر من المناطق الفلسطينية المحتلة. وقد رفعوا الشعارات الديماغوغية واليافطات التي غطت مختلف مفارق الطرق والشوارع الرئيسية في المدن والمستوطنات التي أبرزها "تصوت مع - تأخذ بيرس" ومدلول ذلك التحذير من "تنازلات" للفلسطينيين، وشعار "تصوت مع انتصار للارهاب الفلسطيني". و"نحب شارون وضد فك الارتباط".
أما شارون والمؤيدون له من الوزراء شاؤول موفاز وايهود أولمرت وغيرهما من المسؤولين والناشطين في الليكود فقد لجأوا في نشاطهم الدعائي لكسب تأييد وتصويت منتسبي الليكود الى الترويج لرسالة الضمانات الامريكية التي قدمها الرئيس جورج دبليو بوش الى شارون في "البيت الابيض" في اثناء لقائهما الأخير، والتأكيد أن خطة شارون لفك الارتباط من طرف واحد تعني منع وقطع الطريق أمام قيام دولة فلسطينية مستقلة حاضرًا ومستقبلاً، ودفن حق العودة للاجئين الفلسطينيين وضم كتل الاستيطان، أي أكثر من نصف المناطق الفلسطينية المحتلة تحت السيادة الاقليمية السياسية الاسرائيلية، "وان التصويت ضد يعني الانتصار لعرفات وحماس"، كما أنه لا يستوي شعار "نؤيد ونحب شارون وضد خطته" ولم يكتف شارون ومؤيدوه في استغلال رسالة ضمانات بوش لكسب أصوات المنتسبين الليكوديين، بل ومن خلال اللوبي الصهيوني الامريكي، جرى التأكيد في وسائل الاعلام الاسرائيلية ان الكونغرس الامريكي سيصوت داعمًا رسالة ضمانات بوش لمصادرة ثوابت الحقوق الشرعية الفلسطينية، وان على منتسبي الليكود دعم خطة شارون التصفوية للحق الفلسطيني المشروع.
أخطّ هذه الكلمات في وقت تجري فيه "المضاربات" كما تجري في سوق أسهم البورصة و"أوراق اليانصيب" حول نتائج الاستفتاء في الليكود ومَن من الطرفين سترجح النتائج كفته،هل سينجح تكتل قوى ارض اسرائيل الكبرى في حصد غالبية الاصوات ام سينجح تكتل ارض اسرائيل الكبرى المعدلة بزعامة اريئيل شارون في تمرير خطته الكارثية في داخل حزبه! إن هذه المضاربات ونتائج الاستفتاء ليست ابدًا، حسب رأيي، يجب أن تشغل بالنا فإثارة الزوبعة الاعلامية حول "دراما المنافسة" بين المؤيدين والمعارضين لخطة فك الارتباط الشارونية، تخدم في نهاية المطاف السياسة الشارونية المعادية للحق الفلسطيني المشروع، وتُستثمر لتضليل الرأي العام العالمي حول الابعاد الكارثية لخطة فك الارتباط في اطار برنامج شارون الاستراتيجي لمنع قيام دولة فلسطينية مستقلة وذات سيادة على المناطق المحتلة منذ عام سبعة وستين. كما تستثمر للتضليل عالميًا من خلال اظهار جنرال الاستيطان والمجازر، اريئيل شارون، بأنه "داعية سلام وتسوية" مقابل معارضي فك الارتباط. حتى الرئيس الامريكي، جورج دبليو بوش يشارك في هذه الحملة التضليلية، فبوقاحة سافرة يطالب بلدان العالم، الاتحاد الاوروبي والانظمة العربية والعالم الاسلامي، ان يتقدموا "بجزيل الشكر الى شارون على خطة فك الارتباط". "من يسحج للعروس غير أهلها وأقاربها ومحبيهم" كما يقول المثل، فمن يتبنى خطة شارون لفك الارتباط ويمهرها بتوقيع امبراطوري يحرم الشعب الفلسطيني من حق السيادة على جميع أراضيه المحتلة ويدوس على قراري مجلس الامن (242) و(338)، ويحرم أربعة ملايين الى ستة ملايين لاجئ فلسطيني في مختلف مواطن اللجوء القسري في دنيا الله الواسعة من حق العودة الذي تقره الشرعية الدولية، ويستبيح ارض الشعب الفلسطيني بشرعنة ضم كتل الاستيطان الكولونيالية الى اسرائيل، من يستبيح ويصادر حرية وسيادة واستقلال شعب العراق، فلا مفر من تماثله مع حليفه الاستراتيجي في العدوان والاحتلال ومصادرة حق الشعب الآخر، الشعب العربي الفلسطيني.
وفي هذا السياق لا بد من تأكيد بعض الملاحظات السياسية ومدلولاتها الأساسية: الملاحظة الاولى: إن الاستفتاء في داخل الليكود حول مصير ارض فلسطينية محتلة لا يعدو كونه اجراءًا شرعي وغير دمقراطي، فمصير شعب يرزح تحت نير الاحتلال هو التحرر من قيود الاستعباد الاجنبي، وهذا ما تجسده هيئة الشرعية الدولية والقانون الدولي وليس شريعة غاب المحتل. هذا من جهة، ومن جهة ثانية لنفرض أن أوباش المستوطنين وقوى اليمين المتطرف والعنصرية الفاشية نالت أكثرية الأصوات في الاستفتاء فهل يعني ذلك شطب الحق الفلسطيني بالتحرر؟ وهل يعني ذلك الزام الحكومة وشارون والكنيست التقيد بالنتائج ومنع تنفيذ خطة الطريق المدعومة أمريكيًا؟ ان اختزال الاستفتاء بحصره اولاً بين منتسبي الليكود يعتبر اجراء غير دمقراطي يستهتر بالرأي العام وبالهيئتين التنفيذية والتشريعية، بالحكومة والكنيست، أصحاب الصلاحية بصياغة القرارات المتعلقة بقضايا مصيرية. فالاستفتاء في داخل الليكود جاء لتدعيم موقع شارون في داخل حزبه ولتجسيد وضعية ميزان القوى بين المتنافسين على وراثة شارون في قيادة الليكود بين نتنياهو وأولمرت وشالوم وليفنات. وقد صدق وزير القضاء في حكومة الكوارث الشارونية، تومي لبيد في تأكيده انه حتى لو صوت غالبية منتسبي الليكود ضد خطة فك الارتباط من طرف واحد الشارونية فإن من لديه الصلاحية في الاقرار في نهاية المطاف هما الحكومة والكنيست.
الملاحظة الثانية: ما هو الموقف من خطة فك الارتباط من طرف واحد؟ لقد وجه لي هذا السؤال غيل سدان، المحرر في القناة الاولى من التلفزيون الاسرائيلي في مقابلة اجريت معي قبل أربعة ايام وستبث مساء اليوم الاحد. وركز على السؤال، ماذا سيكون موقف الجبهة الدمقراطية للسلام والمساواة في حالة طرح هذه القضية للتصويت في الكنيست؟ منذ ان أعلن شارون عن خطته لفك الارتباط في قطاع غزة أكدنا نحن الشيوعيين والجبهويين موقفنا بكل وضوح وبدون تأتأة. أكدنا بأنها خطة كارثية لأنها اولا جاءت لتجاوز الحل العادل المسنود بقرارات الشرعية الدولية وكبديل له وبهدف الانتقاص من الثوابت الأساسية للحقوق الوطنية الفلسطينية غير القابلة للتصرف، التنكر لحق اللاجئين بالعودة، للقدس كعاصمة للدولة الفلسطينية المستقلة. وخطة كارثية ثانيًا لانها تتجاهل صاحب القضية، الشعب الفلسطيني وقيادته الشرعية ورئيسه ياسر عرفات، وكأنه لا يوجد طرف آخر على ساحة الصراع، وانه ليس بذي شأن وليس ندًا للتفاوض. وخطة كارثية ثالثًا لأن شارون يستهدف من الانسحاب غير الكامل من قطاع غزة تعزيز الوجود الاحتلالي في الضفة الغربية وضم غالبية اراضي ومناطق الضفة بما فيها القدس الشرقية المحتلة الى اسرائيل. كما نرى في خطة فك الارتباط شكلا جديدًا من الهيمنة الاحتلالية لأن الاحتلال، ووفقًا لخطته، سيحتفظ بالسيطرة على جميع المعابر البرية والبحرية والجوية وعلى الشريط الحدودي الفاصل بين قطاع غزة ومصر، اضافة الى صلاحية قوات الاحتلال استباحة اراضي قطاع غزة "المحررة" تحت يافطة ملاحقة ومطاردة وتصفية "ارهابيين فلسطينيين". فخطة فك الارتباط ستحول قطاع غزة الى معسكر اعتقال جماعي كبير "تحرسه" من مختلف الجهات دبابات وطائرات وجنود الاحتلال الراجلة. وبالرغم من موقفنا هذا، ووجهة نظرنا هذه، فإننا نؤكد بأنه اذا طرحت للتصويت قضية الانسحاب من قطع غزة فإننا نصوت "مع"، فنحن نؤيد انسحاب المحتل من كل شبر من الارض المحتلة، ومن أي شبر من ترابها ومن أية مستوطنة يدنس المستوطنون ارضها الفلسطينية. ولكن اذا طرح شارون خطة فك الارتباط على قطاع غزة في اطار برنامجه التصفوي المتكامل - ضم كتل الاستيطان في الضفة والتنكر لحق العودة... أو طرح الموضوع لكسب او حجب الثقة على وعن حكومة شارون وسياستها، ففي الحالتين لا يمكن الا ان نصوت ضد.
وما نود أن نؤكده في السطر الأخير انه لا بديل للحل العادل نسبيًا بزوال الاحتلال الاستيطاني وجلاء المحتل من جميع المناطق الفلسطينية المحتلة منذ عام السبعة والستين وضمان الحق الفلسطيني بالدولة والقدس والعودة وفقًا لقرارات الشرعية الدولة. وأي بديل آخر لا يمكن ابدًا ان يوقف نزيف الصراع الدموي ويضمن الأمن والاستقرار والسلام.
#احمد_سعد (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
من يطالب الحزب الشيوعي (ضمنًا) التخلي عن هدفه الاستراتيجي ال
...
-
في الذكرى السادسة والخمسين لاستقلال اسرائيل: الاستقلال الحقي
...
-
على ضوء جريمة تصفية الرنتيسي الارهابية: اغتيال قيادات وطنية
...
-
رسالة بوش - التاريخية
-
أصبحت الجامعة العربية (مربط خيل) جماهيرنا العربية ومخفرها ال
...
-
عشية عيد الفصح العبري:الفقراء يصطفون في الطوابير وشارون يعال
...
-
مناورتكم التآمرية لن تستطيع طمس الدور الريادي المؤثر للنائب
...
-
بعد سنة على الحرب الاستراتيجية: احتلال العراق جزء عضوي مخطط
...
-
وطن للفاشية ولا هوية قومية محددة لها
-
ما هو المدلول الحقيقي ((لاسرائيل العظمى)) في تصدير الاسلحة؟؟
-
أمن واستقرار العراق يستدعيان وأد محاولات الفتنة وجلاء قوات ا
...
-
الخزيُ والعار للمجرمين قتلة المناضل خليل زبن
-
من ((جنين - جنين)) الى ((البعنة - البعنة))
-
لمواجهة أنياب الفاشية العنصرية المفترسة
-
هل ينجح تحالف قوى العدوان الاسرائيلي - الصهيوني - الامريكي ب
...
-
أي مخطّط تآمري ينسجه الوفد الامريكي مع حكومة شارون!
-
لِتُقرّ الكنيست اليوم موقف الاهالي بفك الدمج الكارثي
-
هل تنفجر في اسرائيل هبّة الفقراء والجياع؟
-
هل تستطيع لجان التحقيق طمس الأهداف الاستراتيجية الاساسية للح
...
-
ماذا وراء ((قنبلة)) شارون السياسة بتوصية وفرضية اخلاء المستو
...
المزيد.....
-
تفجير جسم مشبوه بالقرب من السفارة الأمريكية في لندن.. ماذا ي
...
-
الرئيس الصيني يزور المغرب: خطوة جديدة لتعميق العلاقات الثنائ
...
-
بين الالتزام والرفض والتردد.. كيف تفاعلت أوروبا مع مذكرة توق
...
-
مأساة في لاوس: وفاة 6 سياح بعد تناول مشروبات ملوثة بالميثانو
...
-
ألمانيا: ندرس قرار -الجنائية الدولية- ولا تغير في موقف تسليم
...
-
إعلام إسرائيلي: دوي انفجارات في حيفا ونهاريا وانطلاق صفارات
...
-
هل تنهي مذكرة توقيف الجنائية الدولية مسيرة نتنياهو السياسية
...
-
مواجهة متصاعدة ومفتوحة بين إسرائيل وحزب الله.. ما مصير مفاوض
...
-
ألمانيا ضد إيطاليا وفرنسا تواجه كرواتيا... مواجهات من العيار
...
-
العنف ضد المرأة: -ابتزها رقميا فحاولت الانتحار-
المزيد.....
-
الحوار الوطني الفلسطيني 2020-2024
/ فهد سليمانفهد سليمان
-
تلخيص مكثف لمخطط -“إسرائيل” في عام 2020-
/ غازي الصوراني
-
(إعادة) تسمية المشهد المكاني: تشكيل الخارطة العبرية لإسرائيل
...
/ محمود الصباغ
-
عن الحرب في الشرق الأوسط
/ الحزب الشيوعي اليوناني
-
حول استراتيجية وتكتيكات النضال التحريري الفلسطيني
/ أحزاب اليسار و الشيوعية في اوروبا
-
الشرق الأوسط الإسرائيلي: وجهة نظر صهيونية
/ محمود الصباغ
-
إستراتيجيات التحرير: جدالاتٌ قديمة وحديثة في اليسار الفلسطين
...
/ رمسيس كيلاني
-
اعمار قطاع غزة خطة وطنية وليست شرعنة للاحتلال
/ غازي الصوراني
-
القضية الفلسطينية بين المسألة اليهودية والحركة الصهيونية ال
...
/ موقع 30 عشت
-
معركة الذاكرة الفلسطينية: تحولات المكان وتأصيل الهويات بمحو
...
/ محمود الصباغ
المزيد.....
|