آرام كربيت
الحوار المتمدن-العدد: 2696 - 2009 / 7 / 3 - 09:33
المحور:
الادب والفن
سمير يقود السيارة وإيكا تلتفت يميناً وشمالاً تبحث وتتحرى عن ياسر. الشوارع فارغة من المارة بعد هذا الوقت المتأخرمن الليل, يجولون الطرقات بصمت وهدوء. في البدء قفلوا عائدين إلى الكراج, بعد ذلك مباشرة ذهبوا إلى عنوان بيت ياسر, الأماكن التي كان يتواجد فيها, المتجرالصغير, المدرسة. طوال الوقت تتحرى إيكا وتبحث بعينيها الموجوعتين من التعب. بين الحين والآخريتبادلون بضعة كلمات, أحاديث قصيرة عن ياسر, لماذا هرب, ما يحدث في داخله, من من, من ماذا هو خائف, لماذا يخاف الذهاب إلى البيت.
الشوارع خالية تماماً من الناس. الساعة تشيرإلى الثانية والنصف بعد منتصف الليل. الهدوء يخيم على كل مكان, هذا شيئ غير طبيعي لمثل هذا الوقت من ليالي الصيف. لكن في الوقت الحاضر, يجب على مطاعم المدينة أن تغلق أبوابها في الساعة الواحدة, لهذا يمكننا القول أن المشاغبين أوالمشاكسين في أسوأ الحالات يجب أن يكونوا في بيوتهم.
ـ لا أعرف يا إيكا, لا اعتقد إننا سنعثرعليه. يجب أن نتصل في البيت غداً صباحاً, الناس نائمة الأن, وهو طفل صغير.
ـ سنقطع دورة أخيرة, نمرفيها من جانب المشفى.
سنمر من جانب مدخل الطوارئ, مدخل الأسعاف, المدخل الرئيسي.
توقف, انتظر, ها هو.
على المعقد الخشبي لكشك الباص كان ياسرراقد يغط في نوم عميق. أوقف سميرالسيارة ونزل مع إيكا إلى أن وصلا إليه:
ـ ياسر, استيقظ. لا يمكنك أن تبقى هنا.
فتح عينيه ورأها فوقه. حاول أن ينهض من على المقعد ويركض في الشارع. أمسكت به وقالت له بلطف جم ولكن حزم:
ـ توقف عن القيام بهذا الفعل. إلى أين ستذهب في هذا الوقت من الليل.
ـ من فضلك, لطفاً منك لا أستطيع أن أذهب إلى البيت, لا أريد الذهاب إلى البيت؟
ـ حسناً يا ياسر, لا تخف. سنذهب إلى بيتي بدلاً من بيتك, سنذهب معاً. هذا أفضل, أليس كذلك؟
ـ هذا أفضل؟ تخدعيني, أليس كذلك؟
ـ لا.. لا لن أخدعك.
ذهب ياسرإلى السيارة وجلس في المقعد الخلفي إلى جانب إيكا.
ـ سمير, خذني إلى البيت, أنا مرهقة تماماً وياسركذلك, استنفذنا كل طاقتنا هذا اليوم. لقد اتصلت قبل قليل بالمحرس لكن لا يوجد من يأتي من هناك كي يساعدنا.
ـ هل تظنين ذلك .... أنها فكرة رائعة؟
ـ نعم, ردت باختصاروصمتت وصمت هوالأخروتابع سيره على الطريق. استرخى ياسروأغمض عينيه خلال الرحلة القصيرة في السيارة, كلامها مسموع من الجميع يبدو أنها شخصية قوية, مرهوبة الجانب, يسعى الجميع إلى تلبية طلباتها, أنها ذلك النوع من المسؤولين الحازمين الذي تنفذ ما تفكربه.
بعد قليل وصلوا. بيت صغيرله سياج من الخشب المتوسط الطول, مع بوابة وحديقة. قالت إيكا بضعة كلمات لسميرقبل أن تتركه يرحل. بالكاد وقف ياسرعلى رجليه من التعب الشديد. مسكت ساعده وقادته إلى الباب ثم أخرجت المفاتيح من جيبها, وفتحت الباب.
ـ هل هذا منزلك؟ بالرغم من أن ياسركان متعباً جداً إلا أنه سألها.
ـ لماذا تسأل؟
ـ مكتوب على عنوان البيت, على الباب, أهلا وسهلا, بيت هيكي وسوزان. هل اسمك سوزان؟
ـ أنت دقيق الملاحظة. قد تصبح شرطياً في المستقبل! إنه بيت والدي. لقد سافروالدي مع صديقته سوزان إلى استراليا قبل بضعة أشهركي يدورحولها ويقطع المسافات الطويلة على الدراجة العادية. خلال هذه المدة سأبقى في البيت اعتني بالحديقة.
ما أن فتحت الباب حتى سارعت قطتان صغيرتان في الركض ناحيتها ورموا أنفسهم على رجليها. وقفت في الردهة ونزعت الحذاء من قدميها. القطط دلونا على طريق المطبخ كي نضع لهم كعكاً في الإناء. جلست إيكا القرفصاء وراحت تربت عليهم وتنظر إلى ياسر.
ـ هل ترغب في المزيد من الطعام كي تأكل؟ مرطبات؟ وإلا فمن المفضل أن نذهب إلى النوم.
ـ أريد أن أنام. أو..لا.. لا, هل لي بسندويشة أولاً؟
ـ هل تبقى جائعاً طوال الوقت, أم في فترة الليل فقط؟
ـ دائماً أنا جائع. معتادة أمي أن تقول لي, أنا مثل البقرة, لدي أربعة بطون.
عض على شفتيه ثانية عندما خطرت نكتة مضحكة على باله. كيف يمكن أن يكون مجرد ضحك؟ إيكا رأت ذلك, ربما رأت أكثر من ذلك.
ـ أين هي والدتك الأن؟ بالتأكيد هي الأن في المشفى؟
ـ نعم, أنها ترعى والدي, ترغب أن تبقى إلى جواره إلى أن يستيقظ من الغيبوبة. أرغب أن أكون معهم, لكن لا يجوز.
فجأة تغيرت سحنة ياسر. في لحظة الفرح هذه والرغبة في الأكل, هبت عليه موجة من الحزن العاصف. بقي واقفاً في المطبخ لا يتحرك مثلما حدث له عندما كان في الكراج قبل بضعة ساعات, حيث فقد القدرة على الركض والهرب.
ـ أجلس واستريح, سأجهز السندويشة, قالت إيكا ذلك بلطف جم ثم نهضت من على كرسيها, وأخذت يده كي يجلس على الكرسي حول الطاولة. الطاولة دائرية وصغيرة, فوقها شرشف أبيض عليها أصيص صغيرفيه صبارة. على جوانب الأصيص رسوم على شكل قطط صغيرة تبدوكأنها تريد أن تتسلق. تذكرياسردياميلا التي لديها شغف كبير في جمع القطط. بقي في مكانه بجانب الطاولة يداعب فروالقطة ويبتسم لها
ـ هل تحب القطط؟
ـ أنها لطيفة. دياميلا تحبها.
ـ من هي دياميلا؟
ـ أختي التي تصغرني بعام واحد, لديها رغبة في جمع أعداد كثيرة منهم. ثم صمت ولم يزد حرف آخرعلى كلامه كما أنها لم تطرح المزيد من الاسئلة. قال في قرارة نفسه, دياميلا بخير, أنها على ما يرام. أنا متعب الأن, لا أريد شيئاً إلا أن أكل وأنام.
ـ ماذا نفعل الأن؟ سألت إيكا عندما جلس ياسريعض سندويشة الجبنة, يجب أن اتصل بأحدهم, سيقلقون عليك لأنك غائب عن البيت.
ـ لا.. لا, قلت لهم إنني سأنام عند صديقي هذه الليلة.
ـ أتمنى أن أصدقك القول؟ ربما تبتدع هذه القصة.
ـ صدقيني, قلت لهم ذلك.
ـ لمن قلت؟ هل قلت لأمك, فهي في المشفى بجانب أبيك.
ـ لدينا الأن أقرباء في البيت, أنهم يعتنون بالصغار. قلت لدياميلا أن تقول لهم أنني عند أصدقائي.
ـ لكن يجب أن تكون في البيت غداً صباحاً كي تذهب إلى المدرسة. آه ما أغباني, غدا يكون يوم السبت, بالإضافة إلى ذلك نحن في العطلة الصيفية, قالت إيكا ذلك وهي تتثاءب وترمق الساعة الكبيرة المعلقة على الحائط بنظرات متعبة.
حدق ياسرهوالأخرفي الساعة التي تشير إلى الثالثة صباحاً. بالتأكيد نامت أمه في غرفة أبيه. إذا حدث شيئاً معه فأنها لا تستطيع أن تتصل, لأنه ترك هاتفه الجوال عند أنتي. فكر فيما إذا حدث شيئ؟ ربما استيقظ أبي, أومات.
ـ هل تستطيعين.. كونك شرطية, هل لك أن تتصل بالمشفى؟ أردت ذلك سابقاً, لكن أحد الحراس ينظرإلي بارتياب, وهذا الشيئ يجعلني خائفاً. هل تستطيعين؟
ـ وأسأل عن والدك؟
خفض ياسررأسه في انتظارما تؤول إليه الأمور. أخذت إيكا سماعة التلفون واتصلت مع القسم الذي يرقد فيه أبوه. بعد لحظة قصيرة رد عليها أحدهم بكل تقدير واحترام. قدمت اسمها واسم أبيها وعملها وكل ما يتعلق بها, سألت عن أبوياسروتلقت جواباً عما تريد. وقف ياسريفكرمع نفسه, طبعاً يردون عليها بسهولة ويسرلأنها شرطية وليست إنسانة عادية. كم سهل عليها الاتصال وتلقي الجواب. من الرائع أن يكون المرء شرطياً, ليس مثله, ما أن يسأل عن شيئ أو موضوع حتى بالكاد يردوا عليه كما لو أنه غير موجود. هل هذا لأنه في الخامسة عشرة من العمرأولأن الناس الذين يردون عليه يقولون في سريرة نفسهم أنه ليس سويدي الأصل أوماذا في المسألة؟
ـ ليس هناك أي جديد. أنه ما يزال في حالة غيبوبة عميقة وأمك نائمة في الغرفة إلى جانبه. طلبتْ منهم أن يوقظوها في الساعة السادسة صباحاً كي تذهب إلى البيت, وتعتني بالجميع. أين تعمل؟
ـ أنها معلمة, لديها إجازة العطلة الصيف. سافرنا لقضاء هذه الإجازة منذ أسبوعين. ثم حدث ما حدث.
نهض ياسرمن وراء الطاولة, تأرجح مثل السكران. شعربثقلاً في رأسه حتى كاد يقع على الأرض, بصعوبة بالغة استطاع أن يقف على رجليه بشكل متوازن وسليم.
ـ تعال! لقد جهزت لك الأريكة كي تنام. سنتكلم في الصباح كما يجب أن نذهب إلى المخفرونتابع الاستجواب حول موضوع السطو, لأنك كنت هناك, في الكراج. كما يجب أن اتصل بوالدتك كي أطمئنها.
ـ أنا ساتصل, أنا ساتصل عندما استيقظ صباحاً. إذا اتصلت أنتِ ستعتقد... ستخاف, ستظن, أنا أيضاً مت.. أولحق بي أذى. راح يرمقها بنظرات مستعطفة, يطلب منها ان تعدل رأيها, لطفاً أريد هذا الطلب أن تلبيه لي!
ـ أهدأ. تعال لقد جهزت فراشك.
بعد خمسة دقائق استلقى ياسرعلى السريرالتابع لإيكا. بالكاد استطاع أن يفكربرقة ولطف هذه المرأة الجميلة حتى غط في نوم عميق تحت ضغط الوسادة الثابتة. حدقت إيكا فيه للمرة الأخيرة قبل أن تطفئ المصباح, لتتأكد أن كل شيئ على ما يرام, حتى لا يخدعها ويهرب مرة ثانية. لكن, لا, أنه يشخرمثل قطة مريضة مصابة بالزكام. جسده النحيف المشدود يرتخي مع كل زفرة يطلقها!
بعد أن تركته يغط في نوم عميق عادت إلى غرفتها تنظرفي المرآة وتتأمل نفسها, تعيد إلى ذهنها ما فعلته خلال هذا النهار, هل جانبت الصواب عندما جلبته إلى البيت, هل هذا الفعل على درجة من الصواب أم يلامس الخطأ. لدي إحساس داخلي يقول لي إنني على صواب في مسعاي, يجب أن أكون على صواب وهذا آخرشيئ راود عقلها قبل أن ترقد على سريروالدها المزدوج بالقرب من قطتيها النائمات بالقرب من قدميها.
#آرام_كربيت (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟