أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - اليمين أمير - الرحيل.. قصة قصيرة














المزيد.....

الرحيل.. قصة قصيرة


اليمين أمير

الحوار المتمدن-العدد: 2692 - 2009 / 6 / 29 - 03:40
المحور: الادب والفن
    


آه من غربة العذاب وآه من فراق الأيام، كم تألمت وكم تمزق قلبي حزنا واشتياقا. سنة كاملة مرت ولم أر فيها وجهها الحنون، وها أنا اليوم مستلق في هذه الطائرة التي تبدو بطيئة جدا رغم اختراقها الأجواء.. كأن روحي تكاد تسبقني ، تسبق الطائرة إلى وطني الحبيب.. إلى مدينتي العزيزة.. إلى أمي الحنون.. إلى أبي وإخواني.. إلى أهلي، إلى كل المدينة.. فما وطني إلا مدينتي، ومدينتي هي أمي التي هناك في البيت، ربما لا تدري أنني في طريقي إليها، لكن قلب الأم يحس بالأبناء أينما كانوا.. ووجدتني في المطار وقد مرت اللحظات رغم بطئها الشديد. استقليت مباشرة أول سيارة أجرة وجدتها أمامي، وشوقي يزداد حرقة واشتعالا إلى أن وصلت مدينتي. راحت خطاي تسرع وتسرع، وقلبي يخفق ويخفق.. وكل العناصر التي تكونني تتسابق في جنون عظيم نحو بيتنا.. نحو أمي الحنون.
دخلت الشارع ولم أكترث لحقائبي التي كنت قد نسيتها في المطار، أرسلت بصري محدقا في الحشد المجتمع أمام باب الدار فأسرعت أخترق الفجوات بين تلك الأكوام البشرية، وبعد صعوبة شديدة كنت داخل الرواق. فوجئت بالصراخ والبكاء الحاد والعويل.. فتوجهت مباشرة إلى غرفة الاستقبال لأجد أبي وإخوتي يذرفون الدموع وحولهم جمع من الناس يواسونهم ويحاولون أن يطيبوا خاطرهم. لم أفهم أي شيء.. قفزت نحو أبي أسأله عما يجري فلم يتفوه بكلمة.. ولم يجبني أحد من إخوتي عن تساؤلاتي، فرحت أقفز وأصرخ في وجوه الحاضرين دون أن يلتفت إلي أحد وكأنني غير موجود على الإطلاق..
وبينما أنا على تلك الحال فوجئت برؤية تابوت وسط الغرفة، فشلت حركتي وكاد قلبي يتوقف عن النبض، وراحت الكلمات تخرج من جوفي في صمت رهيب.. أمي.. أمي.. أين أمي.. وبعد برهة دخلت مجموعة من النسوة فرحت أفتش بنظراتي بين تلك النساء عن وجه أمي الحنون، وكلي حزن وأسى، إلى أن صادفتها تبكي بكاء حزينا يهتز له عرش الرحمان.. أردت الارتماء في أحضانها وارتشاف تلك الدموع المقدسة المنسابة كالشلال من مقلتيها الشاردتين، لكنها لم تعرني أي اهتمام ولم تنظر إلى وجهي وكأنني لست ابنها الآتي من الغربة.. كدت أجن وسط هذا الجو الخانق، كأنني في كابوس مفزع، رحت أتساءل بيني وبين نفسي عن هذا النائم وسط هذا التابوت ومن يكون يا ترى..؟ فكل هذه الوجوه أعرفها وأمي وأبي وجميع إخوتي أحياء وكل أقربائي موجودون هنا..
اتجه الجميع نحو التابوت وألقوا عليه نظرة أخيرة بينما كنت أحاول الاستفاقة من ذلك الكابوس المزعج فلم يسعفن الحظ في استراق النظر ومعرفة ذلك المجهول، لأن الحشد انصرف من البيت وبعض الناس يحملون على أكتافهم التابوت متجهين نحو المقبرة.. حاولت أن أكلم أمي التي بقيت في الغرفة كأنها عصفور مكسور الجناح والنسوة يآزرنها ويحاولن تهدئتها والتخفيف من آلامها، لكن محاولاتي باءت كلها بالفشل كأنني أخاطب الجدران.. تذكرت التابوت وذلك المجهول النائم عمقه، فأسرعت للحاق بالجنازة ورحت أركض وأجوب الشوارع الطويلة والأزقة الضيقة إلى أن وصلت المقبرة لأجدهم قد فتحوا التابوت وراحوا يلقون نظراتهم الأخيرة على الجثمان، وقبل أن يواروا الجثة إلى مأواها الأخير بلحظات قصيرة استطعت بعد جهد جهيد أن ألج بصري بين الفجوات الضيقة التي يشكلها ذلك الزخم من الناس وألقيت نظرة على ذلك المجهول الذي حيرني وأثار كل ذا الحزن والأسى وسط عائلتي الصغيرة.. فوجئت مفاجأة عظيمة حينما رأيت جثتي خامدة بين أيدي الرجال وهم يضعونها داخل القبر في هدوء مميت ويغطونه بالتراب.. حاولت الصراخ بكل ما أملك من قوة لكن التراب راح يتساقط فوق جسدي ويضمني إليه بقوة موحشة إلى أن غاب عني كل إحساس ولم أعد أرى ولا أسمع أي شيء سوى وقع الأقدام وهي تبتعد عن المكان معلنة الرحيل..



#اليمين_أمير (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- خواطر النسيان.. ( صغيرهم الذي علمهم الشعر )
- خواطر النسيان.. ( للذكرى )
- النافذة.. قصة قصيرة
- خواطر النسيان.. ( ما لم تقله شهرزاد )
- الفكرة الضائعة.. ( قصة قصيرة )
- حالة ضياع.. قصة قصيرة
- مجرد دخان.. قصة قصيرة
- النرجيلة.. قصة قصيرة


المزيد.....




- جيمس كاميرون يشتري حقوق كتاب تشارلز بيليغريمو لتصوير فيلم عن ...
- كأنها خرجت من أفلام الخيال العلمي.. ألق نظرة على مباني العصر ...
- شاهد.. مشاركون دوليون يشيدون بالنسخة الثالثة من -أيام الجزير ...
- وسط حفل موسيقي.. عضوان بفرقة غنائية يتشاجران فجأة على المسرح ...
- مجددًا.. اعتقال مغني الراب شون كومز في مانهاتن والتهم الجديد ...
- أفلام أجنبي طول اليوم .. ثبت جميع ترددات قنوات الأفلام وقضيه ...
- وعود الساسة كوميديا سوداء.. احذر سرقة أسنانك في -جورجيا البا ...
- عيون عربية تشاهد -الحسناء النائمة- في عرض مباشر من مسرح -الب ...
- موقف غير لائق في ملهى ليلي يحرج شاكيرا ويدفعها لمغادرة المسر ...
- بأغاني وبرامج كرتون.. تردد قناة طيور الجنة 2023 Toyor Al Jan ...


المزيد.....

- توظيف التراث في مسرحيات السيد حافظ / وحيدة بلقفصي - إيمان عبد لاوي
- مذكرات السيد حافظ الجزء الرابع بين عبقرية الإبداع وتهمي ... / د. ياسر جابر الجمال
- الحبكة الفنية و الدرامية في المسرحية العربية " الخادمة وال ... / إيـــمـــان جــبــــــارى
- ظروف استثنائية / عبد الباقي يوسف
- تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ / غنية ولهي- - - سمية حملاوي
- سيمياء بناء الشخصية في رواية ليالي دبي "شاي بالياسمين" لل ... / رانيا سحنون - بسمة زريق
- البنية الدراميــة في مســرح الطفل مسرحية الأميرة حب الرمان ... / زوليخة بساعد - هاجر عبدي
- التحليل السردي في رواية " شط الإسكندرية يا شط الهوى / نسرين بوشناقة - آمنة خناش
- تعال معي نطور فن الكره رواية كاملة / كاظم حسن سعيد
- خصوصية الكتابة الروائية لدى السيد حافظ مسافرون بلا هوي ... / أمينة بوسيف - سعاد بن حميدة


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - اليمين أمير - الرحيل.. قصة قصيرة