|
أحاول طوال الوقت أن أتغير
أحمد الفيتوري
الحوار المتمدن-العدد: 2697 - 2009 / 7 / 4 - 04:05
المحور:
كتابات ساخرة
حين تمكنت أن يكون لي في الحياة الرأي الخاص ، كنت آنذاك قد تمكنت أن أتغير للمرة الأولي لقد خرجت من جلباب أبي ، لذا أول قرار مستقل لي هو مقاطعة السينما الأمريكية باعتبار أن أمريكا هي عدوي ، ولم أكن أتعاطي السجائر كي أقاطع سجائر المالبورو. وباعتباري من سكان حي الصابري الذي يسكنه أكثر زنوج بنغازي فقد وقفت إلي جانب مارثن لوثر كينج الزنجي الأمريكي المناضل ضد العنصرية الأمريكية البيضاء ، وكذلك أيدت المناضل الأفريقي باتريس لومومبا… كان التغير عندي يعني وقتها مناكفة الولايات المتحدة الأمريكية، تأييد هوشي منه والشعب الفيتنامي . رغم حبي للسينما قاطعتها، ولكراهيتي لأمريكا رفضت تعلم الإنجليزية. كان ذلك لحظة عنفوان فتوتي ، قهرت رغباتي وميولي لأني كنت أحاول طوال الوقت أن أتغير … حين رشح الأمريكيون أوباما كي يكون رئيسا عرفت أن هذا هو ما يميز الشعب الأميركي ، هو شعب شعوب الأرض ، بلد كونته البشرية جمعاء كأمة مستحدثه و لا مثيل لها ؛ فكل أميركي هو ليس أمريكيا في نفس الوقت ، لذا شعب كهذا يحاول طوال الوقت أن يتغير لأن التغيير هويته . لكن المشكل أن من يريد تغيير الواقع في يوم ليس أمامه إلا أن يدمره ، وعادة ما يفعل ذلك الفاشيون والديكتاتور المطلق. هكذا يبدو أن الشعب الأمريكي كي يعيد توكيد هويته التي تكمن في التغير، كان عليه أن يدخل في أتون النار وأن يستغرق من الزمن أربعين عاما . لذا اعتبرت ترشيح أوباما لرئاسة هذا الشعب أيقونة هذه الرغبة في التغيير. وأن من علامات التغيير تغيير الخطاب لا الأفعال . فعل هنا أو فعل هناك هذه الأفعال تكتيكية الطابع إن لم يتم تغيير الخطاب . الأفعال التي ليس ورائها تغيير في الخطاب هي من مقتضى الحال ، وهذا عادة من المهام الدبلوماسية لأي سياسة . لأن التغيير في الحقيقة مكمنه التغيير في الخطاب . ساعة تابعت الانتخابات الأخيرة في الولايات المتحدة الأمريكية لاحظت أيقونات عدة لذا التغيير ، ليس في شخص المرشح الرئيس الذي ظهر كنجم أمريكي فحسب لكن أيضا في نوعية من صنع حملة هذا المرشح ومن ثم من انتخبه ، فليس ما تم إعادة إنتاج للرئيس الكاثوليكي البلاي بوي جون كنيدي، أو ثأر الأمريكيين لأنفسهم من أنفسهم ؛ لقتلهم مارتن لوثر كينج وبالتالي تصفية حساب مع الذات ومراجعة لديون وجبت الدفع ، ليس ذلك فحسب ولكن الأهم بعد أن نجحت الولايات المتحدة الأمريكية في أن تكون القطب الواحد كان عليها دفع فاتورة ذلك . لقد غير بوش الابن علي مستوى الأفعال من اتجاه أمريكا، والأفعال العمياء تتخبط هنا وهناك ، بذا ظهر بوش في مظهر كاريكاتوري ومدعاة للسخرية في واقع الحال . وهذا المشهد الهزلي – في تصوري – كان لابد منه بعد 11 سبتمبر الفعل المستحيل الذي أدهش الكافة ولم يتم استيعابه حتى اللحظة ، وبدأ كمشهد مركزي في فيلم هوليودي باقتدار. كان مشهدا لم يكتب في سيناريو وان شاهده الأرضيون منفذا ، ولذا كانت الغرابة ليس في أن يحدث فحسب ولكن الواقعية السحرية كمنت في - القيامة الآن – عند عرض اسم المخرج بن لادن !. هنا والآن يكمن التغيير وما طلوع أوباما علينا إلا كطلوع الشمس التي يغيبها عنا هذا المحق . وفي هذا علي الخصوص يكون خطاب اوباما خطاب التغيير، وساعة ترشيحه وضع أساسا لخطاب التغيير هذا ، ولأن التغيير كامن في الخطاب وليس في الأفعال لهذا بالتوكيد هو عسير . أما خطاب القاهرة فهو لبنة من لبنات هذا الخطاب ومصداقيته فيه ، لأنه صدع بما فيه ، وهو خطاب الأمة الأمريكية إلي نفسها نحو محيطها ؛ كأنه خطاب هوية التغيير وحتى الساعة هو خطاب نوايا، لأنه ضرورة ولأنه جوهر التغيير . بدأ اوباما كما شيشرون؛ خطيب روما المفوه والحكيم ، لكن التمظهر الهوليودي الأميركي الطابع واللهفة في هذه المنطقة لخطاب مختلف تخفيان جذر المسألة ، الخطاب هذا ليس من مقتضى الحال وإن قدم في جانبه الإجرائي أمالا أكثر مما قدم حلولا ، قد تكون المنطقة علي الخصوص بحاجة إليها في أزمتها وقد يكون العالم كذلك ، لكن ذلك كله جانب إجرائي يرفع أو ينزل بورصة القضايا والظروف الصعبة الآنية ، إنما الخطاب – في تصوري – مؤشر أهم للتغيير وفقرة في بنية هذا التغيير . لقد بزغ أوباما في خطابه هذا كشاعر يمدح البشرية التي هي هويته ، لكن هذا التمظهر الذي هو من لزوم ما يلزم في حاله ليس إلا المنطوق في خطاب منطقه التغيير ما حاول العالم أن يدركه . فالخطاب يدعو إلي اللامركزية دون تفريط في دور القيادة للقطب الواحد، وقد دع إلي ذلك مفكرو أوروبا والكثيرون من آسيا وأفريقيا وأمريكا اللاتينية وخاصة اليساريون منهم. والخطاب عدّ الحوار والمفاوضات سبيلا لإنهاء المشاكل المستعصية دون تغييب لدور القوة. والخطاب خطاب التوازنات التي يمسك بزمامها من هو القائد حتى اللحظة ، وهو خطاب التوسط يبحث في المسائل من الجانب المشترك فيها دون تغييب للاختلافات ، وهو خطاب في الكليات التي تستدعيها مسألة التوكيد علي المشترك ، وهو خطاب معرفي لأنه غير استدعائه لمفاهيم بشرية عامة مثل التكافل والحريات، يستدعي الجذور المشتركة في التعايش، ويعتبر أن التاريخ في حالة تصاعد وتقدم وبالتالي التطور يجب ما قبله . والخطاب يعتبر أن المسائل متداخلة ولهذا لابد من النظر إليها في مجمل جوانبها السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية. أما أيقونة الخطاب فهي نفسها أيقونة التغيير ، لهذا كان اوباما يعيد ويكرر الإشارة إلي نفسه من حيث هويته ومن ملخص السيرة الذاتية لهذه الهوية . وقد مسرح الخطاب في جامعة القاهرة، وأمام طلابها مشيرا إلي عمر هذه الجامعة الذي تجاوز القرن، مذكرا بجامعة الأزهر التي عمرها ألف عام. إن الخطاب في الزمان والمكان مثالبه كما الشيطان في التفاصيل، والتفاصيل إجرائية وأكثر تقعيد من أن يلم بها أي خطاب . إذا روح الخطاب هي الخطاب وفي هذا فلح أوباما في توصيل الرسالة : أحاول طوال الوقت أن أتغير. ومن هنا سينظر له أصحاب الثوابت الصارمة كخطاب خطر..
#أحمد_الفيتوري (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الأسطى في عين موبايلي
-
الذي فوق التراب تراب- في رثاء عبد الرحمن الجنزوري
-
بورتريه التوق
-
جماليات جميلة
-
كلام في الكلام
-
مكابدات الجيلانى
-
هي من كستناء ..
-
نسج العنكبوت : أنا هو الآخر
-
لوحة جبرين .. جماليات السراب !
-
حمار جحا أو في انتظار المهدي
-
باموق يعيد اكتشاف اسطنبول ... اسطنبول التي فقدت البوصلة علي
...
-
المسرح العربي :المغامرة فتحت الباب للتعددية والمفاجأة !
-
حكايا الجدات- حيث الحداثة تكمن في التقليدي
-
نجيب الحصادي : نهج الريبة !الذي يواجه سكرات الكتابة ؛ وحيداً
...
-
من حقنا أن نتفائل دائما .
-
سريب مليون سريب - http://afaitouri.maktoobblog.com/
-
الاسم الحركي للوردة .. يغادر الحياة
-
فليس التغيير فيما سيفعله أوباما بل فيما فعله.
-
اعترفات عربي طيب !
-
بوسعدية قاب قوسين أو أدنى من حكم العالم
المزيد.....
-
وفاة الأديب الجنوب أفريقي بريتنباخ المناهض لنظام الفصل العنص
...
-
شاهد إضاءة شجرة عيد الميلاد العملاقة في لشبونة ومليونا مصباح
...
-
فيينا تضيف معرض مشترك للفنانين سعدون والعزاوي
-
قدّم -دقوا على الخشب- وعمل مع سيد مكاوي.. رحيل الفنان السوري
...
-
افتُتح بـ-شظية-.. ليبيا تنظم أول دورة لمهرجان الفيلم الأوروب
...
-
تونس.. التراث العثماني تاريخ مشترك في المغرب العربي
-
حبس المخرج عمر زهران احتياطيا بتهمة سرقة مجوهرات زوجة خالد ي
...
-
تيك توك تعقد ورشة عمل في العراق لتعزيز الوعي الرقمي والثقافة
...
-
تونس: أيام قرطاج المسرحية تفتتح دورتها الـ25 تحت شعار -المسر
...
-
سوريا.. رحيل المطرب عصمت رشيد عن عمر ناهز 76 عاما
المزيد.....
-
فوقوا بقى .. الخرافات بالهبل والعبيط
/ سامى لبيب
-
وَيُسَمُّوْنَهَا «كورُونا»، وَيُسَمُّوْنَهُ «كورُونا» (3-4)
...
/ غياث المرزوق
-
التقنية والحداثة من منظور مدرسة فرانكفو رت
/ محمد فشفاشي
-
سَلَامُ ليَـــــالِيك
/ مزوار محمد سعيد
-
سور الأزبكية : مقامة أدبية
/ ماجد هاشم كيلاني
-
مقامات الكيلاني
/ ماجد هاشم كيلاني
-
االمجد للأرانب : إشارات الإغراء بالثقافة العربية والإرهاب
/ سامي عبدالعال
-
تخاريف
/ أيمن زهري
-
البنطلون لأ
/ خالد ابوعليو
-
مشاركة المرأة العراقية في سوق العمل
/ نبيل جعفر عبد الرضا و مروة عبد الرحيم
المزيد.....
|