أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - أحمد الفيتوري - الذي فوق التراب تراب- في رثاء عبد الرحمن الجنزوري














المزيد.....


الذي فوق التراب تراب- في رثاء عبد الرحمن الجنزوري


أحمد الفيتوري

الحوار المتمدن-العدد: 2692 - 2009 / 6 / 29 - 03:40
المحور: الادب والفن
    


فليتك تحلو والحياة مريرة

وليتك ترضي والأنام غضاب

وليت الذي بيني وبينك عامر

وبيني وبين العالمين خراب

إذا صح منك الود فالكل هين

فكل الذي فوق التراب تراب

أبي فراس الحمداني


ما الذي يجعل الإنسان إنسانا ؟ ؛ ما الذي يجعل الرجل رجلا ؟ .
الذئب يذود عن وكره ووكر الإنسان ذاته. ومحط وكر الذئب فرجيه والإنسان محطه ما طال وكره الذي في فساحة الكون حيث الكون اللامتناهي .
ليس ثمة فارق بين الوكرين هذين غير ما لا يري ، ولهذا يترك جسد الإنسان أثره ليس في المكان فحسب ولكن في الزمان الذي هو من فعله؛ وكأن الفاعل الإنسان الذي إذا مات قلنا مات فلان .
هذا الفاعل الذي في أديانه أن روحه من قبس مقدس ، وفي غير ذلك أنه مقدس في ذاته سيد الكائنات لذا هو سيد نفسه و لا سيد عليه وليس بمسود .
كأنه وهو التراب فوق التراب ؛ التراب الذي يجعل التراب ترابا ، وإن أصغينا للمعري وسرنا فوق الثرى الهوينة الهوينة فإن نفعل مكرمينا سيد الكائنات الذي وقد عاد إلي ما طلع منه فإنه حين أوبته كرم التراب .
فكيف يكون وهو كذلك غير ذلك ؟
كيف يتسنى له أن لا يكون هو هو؛ النفس الغلابة المغالبة ، كيف بمكنته غير أن يكون .
وإن كان رمية بغير رامي فهو الرامي ، وإن كان زائلا فهو الزائل ، فبمكنته أن يكون الكائن .
التقيته وكان في مقدمة الطريق، صاحبي صار وبيننا من الزمان العقود ، في طرابلس شاهدته مرة أو اثنين لكن كنت عرفته أكثر قبل أن التقيه ، في محكمة الثورة في طرابلس كان محامينا .
جسور وفي هيبة نمر وحكمة الزمان يعارك بها نفسا غير هيابة وروحا معربدة ، بدأ دائما ماركسيا ستالينيا كعصبة مشدودة ليس من السهل شكمه، صاحب الرأي و لا تعوزه المجادلة ، المجادلة عريكته التي تزيد صلابة كلما جادل، في المحكمة – كما غيرها من قبل حيث وطن النفس المحاماة عن قضايا الرأي قضايا الإنسان وإن خالفه الرأي – اتخذ ساحتها منبرا ليس للمدافعة عن متهمين أبرياء بل عن أصحاب حقوق ؛ حقوق الإنسان . وكان متحزبا حتى النخاع في أن من حقنا التحزب لرأينا ومخالفة السلطة في غير ذلك أيضا ، وبمقدرة فائقة متجاوزا دائما أحادية رأيه بأن الحق في الاختلاف لا ضامن له إلا التعددية، وفي هذا كان ماركسيا يحمل التناقض كما لو كان قدرا ، في النظرية صاحب رأي الحزب الواحد وفي الواقع صاحب التعدد ، بهذا بدأ أنه الرجل الذي يمشي بأسره وحيدا .
ما كان الباحث عن الضوء كما لم يكن الباحث عن الحقيقة ؛ فالحقائق عنده بينة: أن لكل قاريء قراءة، وأن لكل رأي من واجبنا الذود عنه كما لو كان رأينا ، كما من حقنا مخالفته كما لو كان قاتلنا .
قاتل بالسلاح الناري حين وجب – في فلسطين عام 48 وعمره في العقد الثاني كما في الجزائر – وحين وجب غيره قاتل بالكلم في المحاكم وفي الشوارع الليبية ، وفي غير ذلك حتى المنفى .
وفي حياته لم يسلم ذاته لغير ذاته فكان العربيد الذي يغترف الحياة ويأخذ العمر نهبا ، هو النهاب المهاب، الجسور ، وكما صبي حاكمته النفس التي تعرف حدها وحد الآخر فتقف دونه.
هو الصبي دائما وإن طاله من العمر غيره من شباب وكهولة وشيخوخة هو الصبي ، والصبا عنده الصبابة والوصل كعاشق لا يكل و لا يمل، متحرشا بالجمال بحرية تقدس الحياة فتذود عن الجمال .
ما أقل عيوبه وما أرقها، وما أصعبها؛ رقتها جارحة، من غرائبه جسد خشن ومصارع ونفس وجلة وحيية رغم أنها عربيدة ومغالية .
مرة في منتصف العام الثامن والثمانين من القرن الفائت ذهبنا ، برفقتنا الصديق محمود البوسيفي، في رحلة استجمام عقب خروجه وخروجي من السجن، ذهبنا معا إلي تونس، رفقة لا تنسي ، رجل عاركته الحياة وعاركها حتى سلبها نفيسا؛ سلاح الزمن، وغالب الجسد حتى كلّ منه التعب فتركه في حاله يفعل ما يشاء، أما الروح فمن أمر ربي ، لا تأخذه سنة نوم و لا يهين و لا يستهين ، مقدام لا يمل : يسوق سيارته بنفسه طيلة الطريق وكل الوقت طريق، لا يرتاح و لا يريح ، يعب الخمر كما يتنفس أو يتكلم، جفل النوم عنه، وكنا والبوسيفي قد كللنا ومللنا وتعبنا وفاض الكيل من هذا ومن ما بمستطاعه أن يفعل ، هربنا عنه بحنكة الصيد المطارد فطاردنا كصياد خبر مصيدته وخبلنا في شباكه .
نجلس لا لكي نهجو مفاعيله بل كي نمدح خصاله ، كنا كمعجب مغلوب علي أمره؛ نفعل أقل من قليل من جهده فنصاب برشح التعب وحمي تضرب جسدينا من شقاء السهر والعبث واللعب والضحك .. الخ وما يكل ، كأنه من رؤمة غير ما جبلنا .
بعد هذا وذاك ..
هل كل حي حي .. كل ميت ميت ، ثمة من ليس كمثله شيء فإنه قاهر الزمن بالحياة، يموت كي لا يشمت فيه الزمان، و ليس من مشاغله إن ذكر أو عاث النسيان بذاكرة الأحياء من بعده ، فإنه حي لأنه عاش .
أما بعد ..
قلبي جبانة غصت بجاثمين أحبته وكمد قلبي بمفارقة محبيه .



#أحمد_الفيتوري (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- بورتريه التوق
- جماليات جميلة
- كلام في الكلام
- مكابدات الجيلانى
- هي من كستناء ..
- نسج العنكبوت : أنا هو الآخر
- لوحة جبرين .. جماليات السراب !
- حمار جحا أو في انتظار المهدي
- باموق يعيد اكتشاف اسطنبول ... اسطنبول التي فقدت البوصلة علي ...
- المسرح العربي :المغامرة فتحت الباب للتعددية والمفاجأة ‍!
- حكايا الجدات- حيث الحداثة تكمن في التقليدي
- نجيب الحصادي : نهج الريبة !الذي يواجه سكرات الكتابة ؛ وحيداً ...
- من حقنا أن نتفائل دائما .
- سريب مليون سريب - http://afaitouri.maktoobblog.com/
- الاسم الحركي للوردة .. يغادر الحياة
- فليس التغيير فيما سيفعله أوباما بل فيما فعله.
- اعترفات عربي طيب !
- بوسعدية قاب قوسين أو أدنى من حكم العالم
- يومياتي قبل اغلاق المنتدي الاذاعي
- مكتبة قورينا .. قهوة تيكا


المزيد.....




- المفكر التونسي الطاهر لبيب: سيقول العرب يوما أُكلنا يوم أُكل ...
- بعد مسيرة حافلة وجدل كبير.. نجمة كورية شابة تفارق الحياة في ...
- ما الأفلام التي حصدت جوائز البافتا لهذا العام؟
- سفيرة الفلكلور السوداني.. وفاة المطربة آسيا مدني بالقاهرة
- إيهاب الؤاقد :شاعر يقتل الحظ والفوضى !
- الفنان وسام ضياء: الدراما عليها الابتعاد عن المال السياسي وع ...
- لون وذاكرة.. معرض تشكيلي لفناني ذي قار يشارك فيه نحو 60 فنان ...
- إطلاق الدورة الـ14 من جوائز فلسطين للكتاب
- وفاة المطربة آسية مدني مرسال الفلكلور السوداني
- ليلى علوي تخطف الأضواء بالرقص والغناء في حفل نانسي بالقاهرة ...


المزيد.....

- أدركها النسيان / سناء شعلان
- مختارات من الشعر العربي المعاصر كتاب كامل / كاظم حسن سعيد
- نظرات نقدية في تجربة السيد حافظ الإبداعية 111 / مصطفى رمضاني
- جحيم المعتقلات في العراق كتاب كامل / كاظم حسن سعيد
- رضاب سام / سجاد حسن عواد
- اللغة الشعرية في رواية كابتشينو ل السيد حافظ - 110 / وردة عطابي - إشراق عماري
- تجربة الميج 21 الأولي لفاطمة ياسين / محمد دوير
- مذكرات -آل پاتشينو- عن -العرّاب- / جلال نعيم
- التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ / عبد الكريم برشيد
- مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة / د. أمل درويش


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - أحمد الفيتوري - الذي فوق التراب تراب- في رثاء عبد الرحمن الجنزوري