انه انسان

حافظ خليل الهيتي

الحوار المتمدن-العدد: 2692 - 2009 / 6 / 29 - 03:39
المحور: الادب والفن
    

عدل عـــــــن الدخول إلى البيت عند سماعه صوت شقيقته وهي تلعنه , جرّ أدراجه وهو يُحدّثُ نفسه متوجها إلــــــى أطلال بيت مهجور ليسـتريح عند ناصيةٍ بجوار جدار آيل للسقوط لواحد من دور القلعة التــــي هجرها سكانها بعد تحسن وضعهم الاقتصادي وتشييدهم دورا فـــــي الطرف الآخر مــن المـدينة... وبين الفينة والأخـرى , يطبق بنواجذِه علـــى كُم ثوبه العتيق , أو حتى علـى رسغه , وقد بدا ذلك جليا علــــــــى يدهِ الموشاة بآثار أسنانه التي رســمت أقواســا وخطـوطا متقاطعة كأنـها توشــي بطبيعة حياته الغامضة , وقد يكون هذا السلوك ناتج عــــــن حالة ندم لتصرف أدرك ســلبيته بعــد فوات الأوان فبدأ يبرح ذاته بتعذيب جسده أو ربما هو يعتقد أن فـــــي ذلك تسوية للأمور وتصفية للحساب في عالمه الخاص .
البعض يعتبره معتوها وآخرين يـرون الوجه الآخـــــر لما يمتاز به مـــن صفات حميدة .
( لطيف ) بهذا الاسم كانت شهرته ,الجميع يعرفه ويطمئن لـــه , فـهو مــــن يوصـــِل الأمانات إلـــى أهلها مهما غلت , لا يكترث لأمرها ولا يطلع علـى تفاصيلها , ويقتنع بالنزر القليل الذي يدفع لـه ثمنا لجهده , ولا يرض إن دفـع له أكثر مـــــــن الحد المعقول الذي يعتقده هـــو , ويعيد مــا يراه زائدا . وإن تصدّق عليه أحــد بمبلغ مـا , يرفضه إن كان لديه بعضا من المال ويعلن عـن عـدم حاجته له .
لطيف عبارة عـن جملة تناقضات تسير علــــــــى الأرض فحالة الهَبَل التي يبدو بها ,لا تشــبه حالته وهـــو يســرد وقائع تاريخية وحوادث لا يعرفها إلا القلة , كمـا يذكر أســماء علماء ومؤرخين وغيرهم ... وهو يُوثـّق لمناســـبات خلت بدقة قـلّ نظيره ... لكنه متقلب الأوضاع كأنه يمر بنوبات ذهــــــان تتبعها صحوة تعقبها حالــة انعتاق مــــــن الواقع تردفها حالة بشاشة وتودد مع تمسك بالقيم بشكل ملفت للنظر .
لطيف يشهد لــه أهــــل المدينة بالأمانة والقناعة إِلا أخته صبيحة التي كانت تشكو منه بأنه يأخذ ما يجده فـــــــــي البيت مــن مواد غذائية وغيرهــا ولا تعلم أيــــن يبذرها ... وصبيحة هـي الأخت الكبرى للطيف وأخ يصغره .
لا أدري ما ســــــبب اهتمامي بلطيف حيث كنت أتقصى أخباره بشكل لا يخلو مـــن الفضول !! وذات يوم خرج لطيف مـن داره متسللا , لافتـا رأســـه إلــى الخلف محاولا استراق نظرة , وبيده كيسا , وقد لحقت به أخته صبيحة وهي وتصرخ وتتوعد قائلة :
ــ الناس يا لطيف تتصدق علينا وأنـت تبذر مــا نحصل عليه مـن أهل الخير !!
ــ يا صبيحة النــاس تعرفنا وتعرف حــاجتنا فيتفضلوا علـينا , ما بالك بمن لا أحد لهم ولا هناك مـــن يدري بما هم فيه ؟؟ تسمرت في مكاني وأنا أستمع لتلك المحاورة , وصبيحة ما انفكت ترعــد وتزبـد وتتوعــد لطيف بالويل والثبور ... ولطيف يواصل سـيره ويحث الخطى باتجاه مـــن هم بحاجة إلى إنسانيته .

#حافظ_خليل_الهيتي (هاشتاغ)      

---

---

الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 

اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل	حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين

كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على:

الفيسبوك

التويتر

اليوتيوب

RSS

الانستغرام

لينكدإن

تيلكرام

بنترست

تمبلر

بلوكر

فليبورد

الموبايل

كيفية إشراك-إيصال مواضيعكم أو مواضيع تهمكم  إلى اكبر عدد ممكن من القراء والقارئات