خالد يونس خالد
الحوار المتمدن-العدد: 2690 - 2009 / 6 / 27 - 11:04
المحور:
الادب والفن
كان الطفل يلعب بالأحجار المهملة المرمية على قارعة الطريق، فلم يكن له ألعاب كالأطفال الآخرين رغم غنى والده الذي رحل عنه وتركه مع العدم. عاش عيشة الفقر والعوز، فكان يحلم بيوم يلبس فيه الثياب الجميلة النظيفة، يأكل الخبز في الفطور وينسى الغداء، ويأكل لقمة صغيرة في المساء مطبوخة بيديه الصغيرتين، وهو يفكر كيف يأتي الغد. كانت أخوته يهملونه، ووالدته تبكي على حالها أكثر مما كان المهاجر يأخذ من أفكارها.
في أمسية حزينة، حيث الأرض كانت ترتجف، والسماء تُمطِر ذخاف مطر باكية، والطفل ينظر إلى الأم حائرا، ويسألها، لماذا تناديني باليتيم يا أماه؟
كان جواب الأم دموعا تتلاعب بخديها الجميلتين البريئتين، وتأبى أن تسقط على الأرض الراجفة تحت قدميها.
سكتت برهة، وقالت، أوصاني أباك فيك خيرا، وهو على فراش الموت، ولكن هذه هي الدنيا يا ولدي، فالسعادة لا تُشترى بالمال ياولدي.
فهم الولد أن الرحلة بعيدة كجمال الربيع الذي رحل. والطفولة بعيدة لا ترجع بكل براءتها وحلاوتها ومرارتها. فالأزهار تزبل، والدموع تدمع، والقلوب تحزن، والأرواح ترجع إلى بارئها. فترعرَعَ اليتيم مع اللامبالاة، وحوله العيون الحاسدة والأفواه الجائعة.
كان في مشوار مع الطبيعة، فإذا به يرى حمامة تنوح لأنها عاجزة عن الطيران. حملها بيديه، وقَبلَها، وقال لها: أنا مثلك أنوح، وفي قلبي حزن يشتكي، وفي نفسي شجَنُ لا يغيبُ.
أنت أيتها الحمامة ذاهبة عني، وفي غيابك سأبقى أنوح لأني أسمع نداءً في داخلي: إذهب بعيدا عن البيت وابحث عن القلم والعقل والفكر، فالعلم الذي يُنتَفعُ به صَدقةٌ جارية.
مرت السنون، وهو عاشق الحمام، يبحث عن العطف في تمرده، ويرى الذكريات بين جمالات الحمام في عينيه. ويذرف الدموع وهو يسمع نواح الحمام بين يديه.
أوبسالا- السويد: 1 يونيو 1991
ينشر السرد لأول مرة
#خالد_يونس_خالد (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟