جهاد علاونه
الحوار المتمدن-العدد: 2689 - 2009 / 6 / 26 - 09:42
المحور:
دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات
جسد المسيح يمتد كالغيم , ويحل في كل الأشياء التي أحبها , يحل في تنورة محبوبتي القصيرة , ويحلً في عيونها الوسيعة , ولو زدتُ حرفاً واحداً لإنكشف الأمر ولإلتقط لها فنان آخر صورة جميلة , شرط أن يكون الفنان مثلي فنان مرهف الحس والوجدان يرسم بالريشة كما أرسم بالكلمات , وفعلاً لو أزيدُ حرفاً واحداً لرسمها لوحة جدارية , عندها سأنفضح مع فضيحة الجسد والنهد الذي أخذت معه ليلة الأمس درساً صعباً في الجغرافيا وفي دوران الكواكب, وكيف تظهر الشمس وتشرق , وكيف يبعثُ الجسد من بين النهدين الأكسجين , وسأصبح بالنسبة لها شخصاً مكروها لأن الإشاعات ستنتشر والدجالون سيفتحون بيتها من أجل إنقاضها من الدجال , والغشاش وسيرجمونها , وسيستهلكون النار ويطفؤونها ثم يدعون أنها للشيطان الأكبر , ثم أنهم سيبصقون في الصحن الذي يأكلون منه , ويبولون في عصائر الأمريكان التي يشتهونها كل يوم .
الجسد هذا اليوم يتنفس من كل مكان , أصبحت له خياشيم مثل الأسماك يتنفس من الخياشيم , أصبح يسقط كما يسقط المطر ويسير بجانبي كما تسير الريح, ينطلق من الأرض ليختفي في السماء .
لقد أصبح هذا الصباح الجسد عبارة عن وردة جورية مخملية , أشتمها ,لقد تحول إلى حمامة سلام, وإلى زنبقة مائية أضعها في كوب ماء على مكتبي , لقد قطفتها في الصباح وأودعتها في كأس شرابي , وفي المساء أحن إلى رؤية الجسد , وحين أراه أشعر بالموت وبالإختناق فينزل المطر من جسدي على صورتها , ينزل عرقاً من جبيني , وفي الشتاء ينزل ثلجاً وجليداً, وحين أقف معه على الشط يتحول إلى الرطوبة .
ما أجمل الجسد حين يستحيل إلى جدول مائي , أو إلى أشياء أحبها , الجسد حين يتفكك بنيوياً لا يبقى جسداً كما هو , الجسد يتحول من شكل إلى آخر ومن عنصر إلى عنصر , وآخر العناصر التي يتحول لها هوال (يورانيوم), أو النفط.
لقد عَثر علماء الليتورجيات(علم قراءة الرسومات الأثرية ) على حجر منقوش ٌ عليه صورة إمرأة تجلس مقابل رجل على رأسه قرني ثور , والأفعى تنتصب على ذيلها تهمس للمرأة بأذنيها , وتتوسط المرأة والرجل شجرة نخيل مُقزّمة , يعودُ هذا الرِقم إلى سنة أربعة آلاف عام قبل الميلاد , للحضارة السومرية.
وهذه القصة منقوشة بالرسم التعبيري السيجنل , قبل إختراع المسمارية والهيلغروفية , والأبجدية الجيبيلية , وبعد الأبجدية الجيبيلية كُتبت تلك القصة على الأوراق التوراتية مع تغييرات بسيطة وأهمها الشجرة , حيث إختفت شجرة النخيل من القصة الكنعانية وظهرت مكانها شجرة التفاح .
وبعد ذلك ترجم الكهان القصة بأنها محاولة من المرأة لأغواء آدم من أن يأكل من شجرة النخيل في القصة السومرية , ومحاولة أخرى من بعض العلماء إطعام آدم من شجرة التفاح في القصة الكنعانية .
فبعد القصة الكنعانية ظهرت تأويلات للنص, تأويل النص المرسوم وتحويله إلى نص مكتوب بالحروف ,وبظهور النص المكتوب ظهرت إدعاءات جديدة , منها أن المرأة تريد الإيقاع بالرجل تريد أن تطعمه من ثديها أو من رحمها , تريد منه أن يقع في الجسد وتريد منه أن يأكل الجسد كما يأكل الأشياء الزاكية , ولأن الكنعانيون يخبون التفاح, فقد وقع إختيار المأولون للنص على شجرة التفاح , ولو كان عندهم شجرة أطيب من التفاح لإختاروها .
وإختلف الكثير , فمنهم من قال أن الشجرة ليست شجرة تفاح ولا نخيل ولا ليمون ولا زيتون ,ولا ما يحزنزن , بل هي الجسد , أي أن القصة رمزية , إذ أن المرأة أغرت الذكر بأن يأكل من شجرة الجسد , أي أن يأكل جسد المرأة ,أي الجنس والمضاجعة , وفي كل الحالات شجرة النخيل رمز للجسد وشجرة التفاح رمز للجسد.
وقبل أن يظهر الفانتازيون ظهر الدجالون , فقالوا أن الشجرة تلك ليست حكمة ولا تفاحة بل نجاسة وإثماً, ولعنة , أكل منها الذكر بعد أن أغوته حواء أمنا بأن يأكلها , وبهذا غضب الرب على الجسد والروح , علماً أن الرب يعشق الجسد ووزعه على تلاميذه كميراثه الوحيد , أو كما يقوم أي أب بتوزيع ميراثه على ورثته وأحبابه , وبهذا قام الرب بتوزيع ميراثه على تلامذته , فخان البعض الجسد وخان البعض الآخر الروح , وخان الأغلبية الجسد والروح .
لذلك أنا كلما إشتهيت جسدي محبوبتي تظهر أمامي صورة الدجال الذي يحاول أن يجعل من خيالي خيالاً آثماً, وكما تقول نوال السعداوي : الخيال في هذه القصة ليس آثماً.
وإختلف آخرون ,وظهر الفانتازيون والسرياليون والتكعيبيون والدادائيون وقالوا الموضوع أصلاً لم يكن متعلقاً لا بالجسد , ولا بالتفاح ولا بالمشمش بل هو بالحكمة , إذ أن النبات أو الثمار التي نبتت على النخيل وعلى شجرة التفاح هي ثمار الحكمة .
من هنا أشعر أنهم أعادوا للجسد كرامته , وإعتباره , لقد ردوا للجسد إعتباره , فترجموا القصص من جديد وأولوها من جديد وظهر جلجامش وانكيمدو وحقائق جديدة , لذلك قدمت يوم عشقت الجسد إعتذاري له , وطلبت منه أن يسامحني على نقص عقلي , فالمرأة ليست ناقصة عقل ودين , بل أنا الناقص وأخلو من الزوائد , الجسد نشطني وفقهني وعلمني ونورني ورد البصر إلى عيني , وكان من قبل يشفي الأبرص والأعمى , ويداوي الأعرج , الجسد حين أراه وأرى معشوقتي وهي ترتديه , يسقط المطر وتطلع الشمس وتستدير الكواكب , وتكمل الشمس رحلتها في قارب الإله رع عبر النيل , ويفيض الجسد كما يفيض النور , ويفيض كما يفيض نهر الفرات , تماما ً كجسد العراقيات, فالعراقية يشبه جسدها جسد الفرات , فهي إن أحبتك فاضت عليك كما يفيض الفرات , وإن كرهتك أيضاً تفيض عليك كما يفيض الفرات ودجلة , فتغمرك غمراً زائداً , وتخنقك , أو تحييك , فحب العراقيات(الميزو بوتومانيات) يفيض فيضاً جارفاً , ذلك الحب الكبير الذي منه ما قتل (جفنه علم الغزل ومن العلم ما قتل).
ولو دققنا ملياً لو جدنا أن جسد المرأة وتفكيك رموزه هنا ينبع أصلاً من أكل الجسد نفسه ,فكله شهي , والنار فاكهة الشتاء عبدها الإنسان الأول لأنه شعر أنه مدين لها بالدفء وبطهي طعامه , لذلك عبدها , وكذلك المرأة والجسد , فطعم بعض النساء مثل الفاكهة الجميلة , والذي ينام مثلاً بجاني ...يشعر وكأنه يأكل الشهد , والذي ينام بجانب ....يشعر وكأنه يأكل أشياء حارة فلفل أو فليفله , أو أشياء مُرة جدا , فالجسد وخصوصاً جسد المرأة هو الذي يعطينا الحياة .
لاحظوا معي في ملحمة الملك كلكامش , كيف إتسعت عيون أنكيمدو بعد أن مارس الجنس مع المرأة التي أرسلها له جلجامش قيل لجلجامش أنه وحشي وبربري , فعرف أنه لم يذق طعم النساء فأرسل إليه بالجسد ومن أول وهلة أو من أول مضاجعة تمدن البربري , وتحول إلى إنسان عصري , نقله الجنس والجسد من طور البداوة لطور الحضارة ثم لطور المدنية , أرجو من القراء الرجوع للملحمة.
إن ذلك الجسد الرمز الذي يظهر كل فترة حتى في الخبز المقدس والنبيذ والمسيح , من يأكل جسدي ؟ من سيشبع من جسدي , من سيشرب من دمي , ومن سيأكل منكم لحمي , أنا سأسامحه ,تقاسموا الخبزة بينكم , هو الرب يبارككم , كلوا جسدي نياً أو مشوياً , طعم الجسد لذيد حتى وإن كان بلا مُقبلات أو مُتبلات شامية , الجسد الذي يظهر أمامي وهو جسد حبيبتي أشعر وكأن المسيح حل به , حل بين الكحلة وبين العين , حل بين الفم والأسنان الظاهرة مبتسمة , الجسد الذي إختلف عليه العلماء هو الجسد والرب هو الحضور الكامن في الأشياء لظاهرة والمخفية , تفكيك الجسد هو تفكيك لشجرة التفاح , الكنعانيون لا تنبت عندهم أشجار النخيل كما تنبت في السعودية والعراق والخليج العربي , لذلك لم يجدوا تشبيها للجسد غير التفاح , فالجسد والرب كلاهما حضرا في التفاحة , بينما شجرة البدوي هي النخلة وهي رمز للجنس فقط لا غير , وما زال بعض الأعراب حين يشكو من تعب ممارسة الجنس يقول بالرمز : اليوم أنا تعبان على شاني إمبارح إطلعت على النخلة , بينما الشوام يقولون عن الجسد أننا أكلنا من التفاحة , أكلنا تفاحتها , ومن المعروف علمياً أن شجرة التفاح أو التفاح نفسه به فوائد جنسية وغير جنسية , ويحافظ على النظارة والشباب .
أما الذين يخافون من الجسد ولواعجه وخصوصاً في ليلة الدخلة فإنهم يقولون :(طخينا الضبع) فجسد المرأة بالنسبة لغير المعتاد على الأكل منه يخافه كما يخاف الحيوانات المفترسة , والجنس لأول مرة فيه تعب كبير خصوصاً على الذكر , فإفراز الغدة الكضرية (للأدرينالين) يتعب القلب جداً فهو يزيد من ضربات دقات القلب , لكي يزيد من دفع الدم للقلب وللجسم وعضلاته , وبالتالي يفرز القلب له مضاد أو معادل كيميائي هو (النور أدرينالين) يعمل على تهدئة ثوران القلب , كل هذه اللواعج تُرهب الذكر لأول مرة , ولكنه في حالة التكرار في الأولى والثانية والعاشرة والمائة تقل عنده تلك الإفرازات الكيميائية ويعتاد عليها , لذلك تتكون عند الذكر صورة موحشو عن جسد المرأة فيرى اللقاء الأول معه , كما يلاقي وحشاً أو شيئاً مرعباً , لأن تلك الإفرازات الكيميائية يفرزها الجسم من الغدة الكضرية أيضاً في حالات الرُهاب العصبي العُصابي والخوف المفاجىء, وأسمع كثيراً من الناس وهم يقولون (اليوم بدي أطخ الضبع ) وهو بهذا يعني أنه ينوي ممارسة الجنس, لأنهم لا يعرفون حيواناً مفترساُ ومخيفاً إلا الضبع في بيئتهم , لذلك تتكون صورة الجنس والجسد كما تتكون صورة الضبع , والإثنان يريدان معركة حاسمة لتقرير المصير .
الجسد الذي ظهر أمامي والذي أكله التلاميذ في الخبز المقدس إدعاه الدجال لنفسه , إدعته السيوف وتقاسمته اللصوص , الذين سطوا عليه في الليل وتقاسموه فيما بينهم .
أنا مثل المسيح الكل يأكل جسدي فجسدي أحيانا يتحول إلى ثورة سياسية على الحاضر والماضي .
#جهاد_علاونه (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟