|
مبرّدات لصيفنا الساخن
رابحة الزيرة
الحوار المتمدن-العدد: 2692 - 2009 / 6 / 29 - 09:04
المحور:
كتابات ساخرة
منذ أن حلّ علينا الصيف باكراً هذا العام وأنا أمنّي النفس أن أكتب مقالاً يبرّد على القرّاء لكي لا نكون أنا وحرارة القيظ عليهم فنساهم كلانا في "رفع" درجة حرارة الحياة، ولكن في كل مرة تستحوذ على تفكيري قضية (ساخنة) من قضايانا القديمة والمستحدثة فأؤجل المقال "المبرِّد" لقلوب القرّاء لعلمي بأننا لازلنا بانتظار أيامٍ أكثر حرارة فأدّخره ليوم آخر، ولكن ثمة ارتفاع في وتيرة حرارة الأحداث بحيث لو سايرتها قد لن يأتي اليوم الذي أكتب فيه عن الحبّ والصفاء والسلام والعرفان، فبعد نتائج انتخابات لبنان التي يُذكر أنها كانت الأكثر فساداً (!)، وانتخابات إيران الأسطورية بنسبة المشاركين فيها، والأوسع جدلاً بما تمخّضت عنه من نتائج كانت بمثابة زلزال سياسي لأعدائها ونصر تاريخي لأصدقائها، وكانت مثيرة للكثير من القلق للإمبريالية الغربية التي لن تهدأ حتى ترى "الشرق" "عبد العبيد" للغرب، على منوال ما جاء في التوراة المزوّرة أن "يكون كنعان عبد العبيد لسام"! بعد هذه الأحداث يبدو أنّ انتظار صيف هادئ أمنيةٌ ليس إلاّ.
خطاب "نتن ياهو" الأخير كان يجب أن يُصنّف ضمن الأحداث الساخنة التي تزيد من حالة الاحتباس الحراري (!) في النفوس بسبب ما فيه من منطق فاسد، وتعنّت، وعنصرية، واستبداد بالرأي، ومغالطات تاريخية، وكذب، وخداع، وظلم، وطغيان، إلاّ أنه – ويا للعجب - أثار القليل من ردود الأفعال (الفاترة) من قبل الحكام العرب الذين ربما تحوّلوا إلى مخلوقات من ذوات الدم البارد بحيث لم يستشعروا التهديد من كلامه، بينما أفرح خطابه الغرب وأرضاه لأنه سمح للفلسطينيين – أصحاب الأرض - أن تكون لهم دولة (منزوعة الصلاحيات) و(قابلة للعيش)، فكانت استجابة وسائل الإعلام لهذا الخطاب مساوية لردود أفعال الساسة، مع أنه كان يجب أن يُشبع تحليلاً وتوضيحاً ومناقشة ليكشف عن التهديد الحقيقي الذي يواجه الأمة.
التلوّث البيئي ساهم كثيراً في ارتفاع درجة حرارة الأرض، والتلوّث الإعلامي – إن صحّ التعبير – يساهم أكثر في ارتفاع نسبة التضليل والكراهية، وبثّ الفرقة ونشر الأحقاد في المجتمعات، وخاصة إذا اتّسم بالسطحية واللحظية في التحليل والنقل، كما هي سمة أكثر إعلامنا اليوم، فأشبّهه أحياناً بالنساء اللاتي يؤتى بهنّ إلى مجالس العزاء (لتسخين) النحيب على الميت بالصراخ والعويل (المفتعل)، رغم أنّ الميّت لا يمتّ إليهن بصلة، تصرخ وتولول وتثير شجون أهل العزاء وتأخذ "أجرها" وتعود لتمارس حياتها دون أن تسأل أيّ جرح نكأت، وأيّ ندب تركت، وهي غير ملامة على ذلك لأنها تمارس مهنتها، ولكن الويل لأمة يتحوّل إعلامها إلى "فرق لطم عند الحاجة".
"اقرأوا واقرأوا واقرأوا قبل أن تكتبوا، اقرأوا التاريخ، والتقارير الإخبارية ... لن تستطيع أن تقوم بعملك ما لم تعرف ما تريد أن تتحدّث عنه"، نصيحة يقدّمها الخبير الإعلامي الأمريكي في الصحافة الاستقصائية "سيمور هيرش" تشجيعاً على "صحافة العمق" قبال "الإعلام اللحظي" في زمن الانفجار الإعلامي الراهن، وحين سُئل عن سبب اختياره لسلوك الطريق الوعر في مهنة المصاعب قال "إنه يشعر بالسعادة حين يساهم في تنقية هذا العالم من جزء من الشرّ والفساد الذي فيه"، وقال ردّا على سؤال "وماذا لو كتبت وظل الفساد كما هو دون تغيير، بل ازداد توحّشا؟" قال: "سأستمرّ في الكتابة، هذا دوري، أنا لست مسئولاً عن تغيير العالم، ولكن من واجبي أن أبحث عن الحقيقة وأكشف التضليل وعلى الناس التغيير".
إعلامي مستقل مثل "سيمور هيرش" الذي يرجع إليه فضل كشف فضائح سجن "أبوغريب" وغيرها من جرائم المسئولين الأمريكان في العالم، إعلامي (واحد) من بين الآلاف من الصحفيين والإعلاميين (الأبواق) يكفي ليكشف بعض الحقيقة لتصل إلى الباحثين عنها، وتبدّد نعيق الغربان الذي لا يعتمد إلا على الجهل، أو المعلومات المغلوطة في نشر الأخبار التي يعرف كل إعلامي أنها "مقدّسة" ولابد من توخّي الدقة والموضوعية في نقلها بعيداً عن انتماءاته السياسية أو هواه الشخصي.
وحادثة واحدة كالتي سأرويها تصل إلينا عبر وسائل الإعلام الأمين على رسالته تكفي لتبرّد قلوباً طالما احترقت حمية وقهراً من استبداد الغرب وإهاناته المتكرّرة لنا بتدخله في شئوننا الخاصة دون أن يمنعه أحد.
يُروى أنه خلال الحرب العراقية الإيرانية تمكّن الإيرانيون من إسقاط طائرة سوفيتية من طراز "ميغ 21" التي كان السوفيت يزودون بها النظام العراقي، وعندما علموا بخبر إسقاط الطائرة طلبوا من إيران عدم نشر الخبر لأنه يؤثر سلبا على ترويجهم لمثل هذا النوع من الطائرات، لكن الحكومة الإيرانية قامت بنشر الخبر عبر وسائل إعلامها مما دفع الحكومة السوفيتية استدعاء السفير الإيراني إلى وزارة الخارجية وصفعته على وجهه ردّا على تصرّف حكومة بلاده، وعندما وصل الخبر إلى السيد الخميني طلب من وزارة الخارجية استدعاء السفير السوفيتي فورا والتعامل معه بالمثل رداً على ما قامت به حكومة بلاده .. ففعلوا، والبادئ أظلم.
#رابحة_الزيرة (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
طرق على أبواب حصن التعليم المنيع
-
إلى عدوٍّ ملّكته أمري!
-
أرأيت من ينصب العداء لنفسه؟
-
شرنقة الغش تخنق أنفاس الإصلاح
-
المرأة والرجل .. عدالة أو تماثل
-
الخوف من البوح بالحقيقة أو من ضياعها؟
-
دروس النيروز والأم وزهرة النرجس البرّي
-
وليذهب الفقراء إلى الجحيم
-
المؤسسة الدينية .. من يعلّق جرس الإصلاح؟
-
الوثب العالي على التاريخ والجغرافيا
-
شفاه أطفال غزّة ترتّل مزامير الرجولة
-
الملك العضوض حين يُعضّ عليه بالنواجذ
-
إعلان حقوق الإنسان في عامه الستين
-
القانون نصير الحقوق أو سوط الاستبداد
-
عيد التضحية عيد التحرّر من الموبقات
-
الحبّ الزوجي .. كاستحواذ وكعنفٍ مخملي
-
رحيل بوش .. فرْحةٌ في ذاتها
-
التسامح والسلام ثقافة وممارسة
-
فتاوى نوادر لكن للنوادر!
-
في ذكرى استشهاد أبي اليتامى والمساكين
المزيد.....
-
جيل -زد- والأدب.. كاتب مغربي يتحدث عن تجربته في تيك توك وفيس
...
-
أدبه ما زال حاضرا.. 51 عاما على رحيل تيسير السبول
-
طالبان تحظر هذه الأعمال الأدبية..وتلاحق صور الكائنات الحية
-
ظاهرة الدروس الخصوصية.. ترسيخ للفوارق الاجتماعية والثقافية ف
...
-
24ساعه افلام.. تردد روتانا سينما الجديد 2024 على النايل سات
...
-
معجب يفاجئ نجما مصريا بطلب غريب في الشارع (فيديو)
-
بيع لوحة -إمبراطورية الضوء- السريالية بمبلغ قياسي!
-
بشعار -العالم في كتاب-.. انطلاق معرض الكويت الدولي للكتاب في
...
-
-الشتاء الأبدي- الروسي يعرض في القاهرة (فيديو)
-
حفل إطلاق كتاب -رَحِم العالم.. أمومة عابرة للحدود- للناقدة ش
...
المزيد.....
-
فوقوا بقى .. الخرافات بالهبل والعبيط
/ سامى لبيب
-
وَيُسَمُّوْنَهَا «كورُونا»، وَيُسَمُّوْنَهُ «كورُونا» (3-4)
...
/ غياث المرزوق
-
التقنية والحداثة من منظور مدرسة فرانكفو رت
/ محمد فشفاشي
-
سَلَامُ ليَـــــالِيك
/ مزوار محمد سعيد
-
سور الأزبكية : مقامة أدبية
/ ماجد هاشم كيلاني
-
مقامات الكيلاني
/ ماجد هاشم كيلاني
-
االمجد للأرانب : إشارات الإغراء بالثقافة العربية والإرهاب
/ سامي عبدالعال
-
تخاريف
/ أيمن زهري
-
البنطلون لأ
/ خالد ابوعليو
-
مشاركة المرأة العراقية في سوق العمل
/ نبيل جعفر عبد الرضا و مروة عبد الرحيم
المزيد.....
|