|
الخطاب غير النمطي لخادم الحرم الامريكي !
جمال محمد تقي
الحوار المتمدن-العدد: 2687 - 2009 / 6 / 24 - 08:09
المحور:
كتابات ساخرة
احترام الطرف الاضعف في اي معادلة من معادلات الصراع والتجاذب وتنافر المصالح من قبل الطرف الاقوى فيها ، حتى ولو كان هذا الاحترام شكليا و سطحيا وبرغماتيا ، يضفي للوهلة الاولى على هذا الطرف الاقوى قوة اضافية ـ روحية ـ تمنحه نوع من الحصانة الاخلاقية والنفسية قابلة للتحول لصالحه كقوة مكتسبة للتفوق والاهليه ، بذات الوقت الذي تتحول فيه الى ثقافة نقص وخضوع عند الطرف الاضعف ، وهنا سيكون لعب الطرف الاقوى على هذا الوتر جزءا مكملا لعملية الصراع ذاتها بحيث يحرم الطرف الاضعف من شرف المحاولة المدفوعة بروحية اليأس الايجابي التي يمكن ان تنمي لديه قوة ذاتية نابعة من واقع الاحساس بالقهر والدونية ، لكن اي مستوى من التنقيب في هذا الاحترام الزائف سيكشف حتما دوافعه الحقيقية ! مفردات اوباما التصالحية تتنصل عن تحمل مسؤولية الخراب الذي لحق بالعالم الاسلامي جراء سياسات الهيمنة الامريكية والتبني المطلق للمشروع الصهيوني في فلسطين قلب هذا العالم ، بطرح تعادلي مجحف يساوي بين ممارسات الضحية والجلاد ، بل انها لا تحترم حقائق الصراع فهو يدعو لتجاوز واقع المجابهة بنبذ المقاومة ـ السلاح الفاعل الوحيد بيد العرب والمسلمين ـ مقابل اهتمام امريكي بالتنمية البشرية الاسلامية الذي لا يجعل من النفط والغاز اهتمامها الوحيد فيه ، وبمقابل ايقاف الاستيطان الاسرائيلي واقامة الدولة الفلسطينية الموعودة ، وهو يلمح الى ان هذا الاطار لا يحتمل الا ان يكون فوريا ، بمصالحة اسلامية عربية اسرائيلية امريكية ، تنزع عن نفسها العنف والتشدد وتتفاهم على التفاصيل وهي تطبع في طريق تعايشها المشترك المبني على الاحترام والمصالح المشتركة ، وعلى هذا الطريق سيتكون حلف اسلامي امريكي اسرائيلي لمواجهة الخارجين عليه والمتصادمين مع اهدافه ، ان البلاغة في عكس الصورة من مواجهة امريكية غربية اسرائيلية مع العالم الاسلامي الى تطابق باعتبار ان الاسلام احد المكونات الامريكية بتعمد لغة التجاوز والاحتواء المحترم الذي يستعين بالخطاب القرأني لتحقيق اهداف خيرة تحقن الدماء والطاقات من اجل التنمية المستدامة لجميع المتحالفين والتي لا ضمان لها دون ضمان استقرار حالة المرشد الاعلى ـ امريكا المحتوية للاسلام ـ تعكس الحالة الاضطرارية الامريكية لمساكنة واحتواء العالم الاسلامي ! ان الاستقرار المعني هو القبول بامريكا كمثل اعلى وبما فعلته مع بعض التحسينات التي سيغذيها الاسلام المحافظ بوجه اي قوة داخلية اوعالمية اخرى تسعى للنيل من قدسية الراسمال والملكية الخاصة وقوانين السوق وعقيدة "التجارة والشطارة " التي تطوع منطوق الاديان السماوية الثلاث لخدمة اطماعها الاحتكارية الجشعة ، بمعنى الصعود بتوحيد ما بين ايادي اولاد العم في الاديان الثلاثة ـ المال العربي والمسلم وعقل الفائدة اليهودي مع قوة المسيحي القائد والمخلص ـ بوجه غير السماويين او الملحدين او الطامعين بقيادة الدفة العالمية وانتزاعها من ابناء العم سام ـ ابن نوح ـ الى مرتبة استكمالية للرسالات السماوية ، انها دعوة لانسياب توافقي بين تقزيم الدعوة للتغييرالديمقراطي وبين تعظيم التبرير لبقاء الحال على ماهو عليه وما يعنيه ذلك من طمئنة للانظمة العربية والاسلامية ـ ألمعتدلة ـ في توفير الغطاء لها بوجه المطالبات الداخلية بتغييرات ديمقراطية حقيقية ، بين تعليم المرأة وحجابها ومساواتها ، بين حرية الاديان واحترام الخصوصيات وعدم فرض الحلول من خارج المجتمعات ، بين التداول السلمي للسلطة وبين الانتخابات والتنمية البشرية بين التوحد الطائفي الاسلامي وبين التعايش الايجابي مع المسيح واليهود !
خطاب اوباما هو بمثابة اعلان لافلاس خطاب البوشية وهو يتماهى تماما مع اعلان افلاس جرنال موتورز ، لكنه ليس هدما للاسس التي قام عليها وانما هو بناء عليها مع بعض التعديلات التي تتطلبها مقتضيات الخطاب الجديد الذي يتنكر لمواطن الفشل فيها ويستبدلها باسس توافقية تحقق ذات الغايات وباقل الخسائر الممكنة ، وهكذا الحال بالنسبة لاعلان افلاس امبراطورية صناعة السيارات الامريكية ، انه وسيلة ناجعة لاعادة تاهيلها بعد ضمان حمايتها من الدائنين ! لا بقاء للدولار كعقد عالمي موثوق يحمل قيمة حقيقية لما يكتب عليه من فئة الارقام دون كفالة نفوط وغازات العالم الاسلامي ، اي لا امكانية لاستمرار الزعامة المالية الامريكية للعالم دون تحالف وتزاوج قيم النفط العربي والاسلامي مع الدولار الامريكي في بيوت الزوجية التي لا تخرج عن حي البنوك الامريكية واوراقها المالية حصرا وبورصاتها ، هذه الكفالة التي تسوقه في اوبك والبنك الدولي وصندوق النقد الدولي ومنظمة التجارة العالمية كمعادل عالمي للعملات ، يتيح للامريكان تسيس ما يمكن تسيسه لخدمة تسيدها ! زيارة الرياض كانت الاهم بالنسبة لاوباما لانها وضعت ترتيبات للانطلاقة الجديدة التي تضمنها خطاب القاهرة ، التي اختيرت كتحصيل حاصل فرض نفسه بسبب تداخل معاني الجغرافية السياسية بالتاريخ بمزاحمة العقد المتجاورة باظهار جدية التجاوز على الاقل بالنسبة للادارة الامريكية الجديدة !
من زاوية اخرى ردد اوباما على مسامع أمة الاسلام غزل في نسج ايهامي لا ينتج غير مزيدا من يافطات الايهام ، فهو يعتبر الصراعات المستعرة منذ عقود ماقبل الحرب الباردة وبعدها ثمرة لسوأ الفهم المتبادل ، وهي نتاج لخلافات متكافئة ، جسدتها الصور النمطية عند الامريكان عن المسلمين ، وعندهم على الامريكان ، هكذا وبكل بساطة المشكلة كلها عبارة عن سلسلة من الاخطاء المتبادلة ، وعلى نحو دراماتيكي من مثل : كانوا يهتمون كثيرا بنفط وغاز المسلمين فقط ، والمسلمون كانوا يتقوقعون ولا ينفتحون على الغرب ، ساهم الامريكان بالاطاحة بحكومة منتخبة في ايران ـ حكومة دكتور مصدق مؤمم النفط الايراني ـ وعمل الايرانيون على الحاق الاذى بالمدنيين والدبلوماسيين الامريكيين بعد الثورة الاسلامية الايرانية ـ ازمة الرهائن ـ والان هم لا يساهمون باشاعة السلام في الشرق الاوسط ولهم طموحات نووية ، المتشددين المسلمين المتمترسين في افغانستان ـ القاعدة ـ اعتدوا على الامريكان المدنيين الابرياء في 11 سبتمبر وقتلوا 3 الاف مواطن امريكي ، فقامت امريكا بمحاربتهم في افغانستان ، امريكا لا تريد البقاء هناك ، كما انها ستنسحب من العراق وتتركه لاهله دون المساس بثرواته ، وهنا لم يشرح لنا السيد اوباما السبب الحقيقي وراء غزو العراق مثلا ، وما هو المعادل التاريخي الذي يبرره ، تعرض اليهود لاضطهاد تاريخي توج بالمحرقة ، وتعرض الفلسطينيون لاضطهاد ونزوح طيلة 60 سنة والطرفان يستحقان ان يعيشا بسلام بدولتين قابلتين للحياة ، علاقة امريكا باسرائيل غير قابلة للكسر ، لكنها مطالبة بايقاف الاستيطان ، على حماس ان تعترف باسرائيل وتنبذ العنف لكي يجري التعامل معها ، ويجب فتح الحصار عن غزة ! هكذا وعلى هذا المنوال ينمذج اوباما ما يسميه من خلافات مع العالم الاسلامي ، داعيا لفتح صفحة جديدة يتم فيها تجاوز كل الخلافات الماضية ، مدشنا هذه البداية بما اتخذه هو من قرارات كقراره باغلاق معتقل اغوانتانامو والسجون السرية الاخرى ، و قراره بايقاف كل اشكال التعذيب ، وحرصه على تقديم الدعم المادي للمتضررين من الشعبين الافغاني والباكستاني ، وسعيه لرفع المستوى التنموي للشعبين ، ليس هذا فقط وانما يدعو ايران ايضا لحوار جدي مع احترام رغبتها في امتلاك التكنلوجيا النووية السلمية بشرط خضوعها لمعايير الوكالة الدولية للطاقة الذرية وفتح صفحة جديدة تطوي فيها ماضيها المتشدد ! اوباما يمنح الدول المصنفة كراعية للارهاب كسوريا وايران فرصة لمراجعة مواقفها مع محفزات ومقبلات مناسبة وذات الشيء ينطبق على حزب الله اللبناني وحماس الفلسطينية وحتى المعتدلين من طالبان افغانستان ! المقدسات في الخطاب غير النمطي لاوباما هي ذاتها مقدسات اي خطاب امريكي سابق له ، أمن اسرائيل ، المصالح الحيوية الامريكية ـ النفطية ـ ، عدم تناول القدرة النووية الاسرائيلية ! الخطاب لا يزامن بين عمليات الاخذ والعطاء بين ما يتوجب فعله من الاطراف المختلفة وانما يكفل تجاوب اسرائيل للدخول بالمفاوضات مجددا مقابل التطبيع التحالفي معها ، فما دامت الانظمة الاسلامية الرئيسية مكفولة البقاء فان مساومة البقية يصبح ممكنا مع بعض التنازلات غير الجوهرية ! خطاب اوباما هو تقديم للسبت حتى يتلقى الاحد فهل سنرى الاحد فقط بعد ان سمعنا عن السبت دون ان نراه ؟ وجاء خطاب نتنياهو الاكثر تعبيرا عن نمطية السياسة الاسرائيلية بمثابة رد لا مجاملة فيه ازاء الديباجة الباركية ، والملفت ان اوباما يصر على افتراض الايجابية في خطاب نتنياهو الغارق في سبات السلبية والتي تشكل نمطا يصعب الخروج عليه اسرائيليا !
#جمال_محمد_تقي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
مبدأ الارض مقابل السلام تكريس للمغالطات الاسرائيلية !
-
تهافت الاديان يستدعي انتعاش الفلسفة ؟
-
هل القول بعودة المسيح او المهدي المنتظر -سماوي- ؟
-
فنتازيا الاديان السماوية !
-
ثلاثية العطش العراقي الماء والخضراء والحكم الحسن !
-
احبونا نحبكم !
-
وطني حقيبة وانا مسافر !!
-
الرؤوس الفاسدة التي تحكم العراق لا تزيده الا فسادا وانقساما
...
-
عمو بابا آية حقيقية من آيات العراق !
-
أوباما يريد ان يسترعرض المنتهكين العراقيين فمنع نشر الصور !!
-
في مصر وصفات جاهزة لمنع الحمل الثوري !
-
مستقبل حالك ينتظر العراق المكتوب يقرأ من عيون اطفاله !
-
موت أحمر !
-
الاحتلال واليسارالانتهازي في العراق !
-
الم تر كيف فعل اصحاب الفيل والحمار بالعراق والعالم ؟
-
الثورات التي تآكل نفسها بنفسها!
-
انفلونزا جنون البشر!
-
بشتاشان جريمة بلا عقاب !
-
عمال بلا معامل !
-
ما هي المسألة الاساسية في - الماركسية - ؟
المزيد.....
-
24ساعه افلام.. تردد روتانا سينما الجديد 2024 على النايل سات
...
-
معجب يفاجئ نجما مصريا بطلب غريب في الشارع (فيديو)
-
بيع لوحة -إمبراطورية الضوء- السريالية بمبلغ قياسي!
-
بشعار -العالم في كتاب-.. انطلاق معرض الكويت الدولي للكتاب في
...
-
-الشتاء الأبدي- الروسي يعرض في القاهرة (فيديو)
-
حفل إطلاق كتاب -رَحِم العالم.. أمومة عابرة للحدود- للناقدة ش
...
-
انطلاق فعاليات معرض الكويت الدولي للكتاب 2024
-
-سرقة قلادة أم كلثوم الذهبية في مصر-.. حفيدة كوكب الشرق تكشف
...
-
-مأساة خلف الكواليس- .. الكشف عن سبب وفاة -طرزان-
-
-موجز تاريخ الحرب- كما يسطره المؤرخ العسكري غوين داير
المزيد.....
-
فوقوا بقى .. الخرافات بالهبل والعبيط
/ سامى لبيب
-
وَيُسَمُّوْنَهَا «كورُونا»، وَيُسَمُّوْنَهُ «كورُونا» (3-4)
...
/ غياث المرزوق
-
التقنية والحداثة من منظور مدرسة فرانكفو رت
/ محمد فشفاشي
-
سَلَامُ ليَـــــالِيك
/ مزوار محمد سعيد
-
سور الأزبكية : مقامة أدبية
/ ماجد هاشم كيلاني
-
مقامات الكيلاني
/ ماجد هاشم كيلاني
-
االمجد للأرانب : إشارات الإغراء بالثقافة العربية والإرهاب
/ سامي عبدالعال
-
تخاريف
/ أيمن زهري
-
البنطلون لأ
/ خالد ابوعليو
-
مشاركة المرأة العراقية في سوق العمل
/ نبيل جعفر عبد الرضا و مروة عبد الرحيم
المزيد.....
|