|
النقابات العمالية، مصادر قوتها واسباب ضعفها
حسقيل قوجمان
الحوار المتمدن-العدد: 821 - 2004 / 5 / 1 - 07:37
المحور:
الحركة العمالية والنقابية ودور اليسار في المرحلة الراهنة - ملف 1 ايار 2004
في هذا اليوم احيي عمال العالم اجمع بعيدهم الاغر، الاول من ايار، عيد العمال العالمي. قمت صباح هذا اليوم فلم اجد فيه ما يختلف عن سائر ايام السنة. الشمس نفس الشمس والغيم نفس الغيم والريح تهدر وتداعب قمم الاشجار كما فعلت بالامس. فما الذي يميز هذا اليوم عن سائر الايام؟ ان ما يميز هذا اليوم عن سائر الايام هو انه رمز. انه رمز يذكر عمال العالم بشعار معلمهم الخالد كارل ماركس، شعار "يا عمال العالم اتحدوا" انه رمز يذكر عمال العالم بامور كثيرة منها الايجابي والمزهر ومنها السلبي والمؤلم. فلعمال العالم امجاد باهرة يعتزون بها ولعمال العالم انتكاسات واندحارات في نضالاتهم ضد مستعبديهم الراسماليين عليهم ان يتذكروها ويتخذوا منها العبر والدروس. ولعل اهم ما يتذكره عمال العالم ويجب ان يتذكروه في هذا العيد هو شعار معلمهم الخالد كارل ماركس، شعار "يا عمال العالم اتحدوا". مر على رفع هذا الشعار قرن ونصف وبقي شعارا رئيسيا لعمال العالم ثابتا لم يتغير رغم كل التغيرات والتقلبات الاقتصادية والسياسية والاجتماعية التي طرأت على العالم خلال هذه الحقبة الطويلة من حياة المجتمع. كيف بقي هذا الشعار ثابتا طيلة هذه المدة وما سبب هذا الصمود والبقاء؟ بقي هذا الشعار ثابتا لم يتغير لانه شأنه شأن علم كارل ماركس، الماركسية، شعار علمي منسجم مع قوانين مسيرة المجتمع الانساني. ان هذا الشعار لم يتحقق بعد ولو مرة واحدة في هذا التاريخ ولكن اسس تحقيقه موجودة وثابتة وقابلة للتحقيق. وهذا سر خلود هذا الشعار. فما هو الاساس العلمي الذي يجعل هذا الشعار شعارا دائما لعمال العالم؟ ان الاساس العلمي لهذا الشعار هو ان عمال العالم جميعهم طبقة واحدة. طبقة وضع التاريخ على عاتقها مهمة القضاء على كل انواع المجتمعات الطبقية القائمة على اساس استغلال الانسان للانسان وانشاء اول مجتمع انساني حقيقي، المجتمع الاشتراكي، والمجتمع الشيوعي. فمهما اختلفت ظروف واحوال فئة من هذه الطبقة عن ظروف واحوال فئة اخرى من الناحية الاقتصادية او السياسية او الاجتماعية تبقى مهمتها التاريخية ثابتة لا تتغير. فما هو السبيل الى تحقيق هذا الشعار؟ ان اهم وسائل تحقيق هذا الشعار هو التنظيم. فبدون تنظيم العمال لا يمكن تحقيق وحدتهم. يتحدث الناس كثيرا عن تحول عالمنا، نتيجة للتطور التكنولوجي والعلمي والصناعي والاعلامي، الى قرية صغيرة. ولكن هذه القرية الصغيرة ما زالت تتألف من شوارع وعمارات واكواخ ومزابل. مقسمة الى اقطار وبلدان يختلف بعضها عن بعض بثقافتها وتقاليدها واوضاعها الاقتصادية والسياسية والاجتماعية. فتحول العالم هذا الى قرية صغيرة لم يجعل العالم يتألف من دولة واحدة متماثلة في تطورها وثقافتها وتقاليدها. فما زال العراق عراقا والولايات المتحدة ولايات متحدة وما زالت الولايات المتحدة دولة محتلة مستعبدة للعراق ضمن هذه القرية الصغيرة. ونظرا لانقسام هذه القرية الصغيرة الى وحدات اصغر منفصلة ومختلفة عن بعضها لا يمكننا ان نتحدث عن شعار "يا عمال العالم اتحدوا" كشعار يتحقق عن طريق التنظيم العالمي مباشرة بل ينبغي ان يبحث هذا الشعار عن طريق تحقيقه في كل وحدة من هذه الوحدات المنفصلة، في كل بلد من هذه البلدان اولا كأساس لتحقيق وحدة عمال القرية كلها. ان ابسط وسيلة من وسائل وحدة العمال في بلد ما هي النقابة. لذا اود ان اتناول في هذا المقال موضوع النقابة العمالية في اي بلد من بلدان القرية الصغيرة. ما الذي يستطيع الانسان كتابته عن النقابة. فقد كتب الكثير عن النقابات واهميتها وطبيعتها ونضالاتها ونالت الطبقة العاملة خبرات واسعة في تجاربها النقابية. ومع ذلك اعتقد ان من المفيد التحدث والكتابة عن النقابات حتى لو كان الحديث مكررا لان في التكرار فوائد. ما هي مصادر قوة النقابة؟ ان اهم مصادر قوة النقابة في رأيي هو كونها نقابة حقا. واقصد بهذا ان النقابة يجب ان تكون منظمة يشعر عمال المهنة التي تمثلها بان النقابة هي نقابتهم فعلا. يشعر العامل (اقصد بالعامل ان يتضمن جميع العمال نساء ورجالا) ان هذه النقابة ملجأ له يستطيع فيه ان يعرض مشاكله الاقتصادية والمعاشية وحتى مشاكله العائلية فيجد فيها اذنا صاغية تستمع الى مشاكله وترشده الى طرق حلها وتعمل فعلا على حل المشاكل المشتركة لعمال تلك المهنة. يأتي العمال الى مثل هذه النقابة عن اقتناع ويحبونها ويعملون من اجل تطويرها وصيانتها. بامكان نقابة كهذه ان تجمع في صفوفها الاغلبية الساحقة من عمال المهنة ان لم يكن جميعهم. فمصدر قوة النقابة الامثل هو ان ينضم اليها جميع عمال المهنة عن قناعة وعن حب واخلاص. ومصدر القوة الثاني بالاهمية حسب رأيي هو قيادة النقابة. لكي تكون النقابة قوية يجب ان تكون قيادتها داخلية. واقصد بالقيادة الداخلية ان يكون قادة النقابة عمالا من اعضائها يثبتون بنشاطهم واخلاصهم وشجاعتهم انهم جديرون بالقيادة فيدفعهم اعضاء النقابة انفسهم الى مراكز القيادة. قيادة كهذه فقط يمكن ان تقود النقابة في نضالاتها قيادة صحيحة وان تحافظ على النقابة وتصونها. من المعروف ان النقابات العمالية ليست منظمات سياسية، اي ليست احزابا لها برامج سياسية معينة تسعى الى تحقيقها لدى مجيئها الى السلطة. فالنقابات منظمات اقتصادية تناضل من اجل تحسين ظروف عمالها الاقتصادية والمعاشية والصحية. تناضل من اجل زيادة اجور العمال والتخفيف من استغلالهم. تناضل من اجل تحسين ظروف عملهم الصحية. تناضل من اجل تحديد ساعات العمل وضمان حقوقهم التقاعدية الخ... ولكن هل تقتصر نضالات النقابات على هذه الامور الاقتصادية. الا يمكن ان يتحول طابع نضال النقابات من الطابع الاقتصادي البحت الى طابع سياسي؟ يبقى نضال النقابة مقصورا على الطابع الاقتصادي طالما بقي نضالها محصورا بين النقابة وعمالها من جهة واصحاب عملهم من جهة اخرى. فاذا طالب العمال عن طريق نقابتهم بزيادة الاجور او بتحديد ساعات العمل مثلا واقتصرت المفاوضات على النقاش بين اصحاب العمل والعمال بقي طابع النضال اقتصاديا. ولكن حين يلجأ صاحب العمل الى السلطات لمساعدته على اخضاع العمال وعدم الاستجابة الى مطاليبهم فسرعان ما يتخذ النضال طابعا سياسيا. لان اساليب الدولة في اخضاع العمال هي التي تتخذ الطابع السياسي منذ اللحظة الاولى. وهناك صور اخرى كثيرة لتحول النضال الاقتصادي البحت الى نضال سياسي كالاضرابات التضامنية التي تقوم بها النقابات احيانا لمساندة نقابات اخرى وكالاضرابات العامة والاعتصامات التي قد تحدث لاسباب اقتصادية او سياسية. فرغم ان النقابات هي منظمات اقتصادية في جوهرها فان لها مساهمات في الصراعات السياسية شاءت ام ابت. واذا وجدت في البلد المعين احزاب سياسية فمن الطبيعي ان ترغب هذه الاحزاب وتعمل على اجتذاب النقابات الى جانبها. وهذا ليس بالامر الغريب بل هو امر طبيعي جدا. ولكن كيف يستطيع حزب ان يجتذب النقابة الى تأييده ومساندته؟ يستطيع الحزب ذلك عن طريق اعضائه الاعضاء في نفس النقابة. فالعضو في حزب معين يدخل النقابة لا بصفته عضو حزبي بل بصفته عضو نقابي فقط. وهذا العضو يمارس نشاطه في اعمال النقابة لا بصفته الحزبية بل بصفته النقابية وحدها. وعن طريق نشاطه وتفانيه في خدمة مصالح النقابة يشعر العمال بان هذا العضو يختلف عن زملائه ويستحق الصعود الى قيادة النقابة. ولكن العمال يعرفون ان هذا العضو النقابي هو عضو حزبي في الوقت ذاته وعن طريق تقدير واستحسان عمل هذا العضو في النقابة يجتذب العمال الى الميل الى حزبه ايضا باعتبار ان الحزب الذي ينتمي اليه هذا العضو النقابي النشيط والمخلص لا بد ان يكون مثله محبا للعمال ومخلصا في خدمتهم. هذه هي الطريقة الوحيدة لاجتذاب عمال النقابة المعينة الى الاتحاهات السياسية القائمة في البلد. وكلما ازداد نشاط اعضاء النقابة لحزب معين ازداد انجذاب العمال الى ذلك الحزب. فالنقابات بهذا المعنى مدرسة يتدرب فيها عمال النقابات على العمل السياسي. ان شعار ماركس هو توحيد الطبقة العاملة العالمية. ولكن هذه الوحدة لا يمكن ان تتحقق الا عن طريق توحيد العمال البسيط في نقاباتهم. لان توحيد الطبقة اسهل اذا اتخذ شكل توحيد منظمات وليس توحيد افراد. لذا فان النقابات رغم انها ابسط المنظمات العمالية هي الاساس الذي يبنى عليه توحيد الطبقة كلها. فالنقابة المثلى هي النقابة التي تستطيع جذب الاغلبية من عمال المهنة الى صفوفها عن قناعة وليس قسرا وان تكون قيادتها ناشئة من صفوفها تضم اعضاءها النشطين المخلصين المثابرين على تحقيق مصالح عمالها. اقول عن قناعة وليس قسرا لان بعض النقابات تضم اعضاءها قسرا وليس عن طريق اقتناع العامل بفائدة النقابة وانضمامه اليها عن طريق هذه القناعة. والانتماء القسري للنقابة يحدث مثلا حين يطلب من العامل ان يكون عضوا في النقابة لكي يحصل على عمله. وعكس ذلك ممكن ايضا حين يرفض اصحاب العمل استخدام العامل اذا كان عضوا في النقابة. فالانتماء القسري الى النقابة ليس من عوامل قوة النقابة. ما هي اذن عوامل ضعف النقابة؟ اود ان اتحدث عن ظاهرة واحدة هي اهم عوامل ضعف النقابة. اتحدث عن فرض قيادة النقابة من اعلى وليس بصورة طبيعية من بين صفوفها. من المعروف ان النقابات ليست احزابا سياسية بل منظمات اقتصادية تهدف الى تحسين احوال العامل الاقتصادية والصحية والمعاشية والاجتماعية ضمن النظام السياسي القائم في البلاد. ولكن الاحزاب السياسية تريد ان يكون لها تأثير على النقابات وان تدفع النقابات الى تأييد خطوطها السياسية. وهذا شيء طبيعي. والطريقة المثلى لاجتذاب النقابة نحو تأييد الخط السياسي لحزب ما هي ان يكون اعضاء ذلك الحزب اعضاء في النقابة لانتمائهم الى نفس المهنة التي تمثلها النقابة وان يثبت هؤلاء الاعضاء الحزبيين عن طريق نشاطهم النقابي انهم اخلص وانشط من غيرهم بحيث ان عمال النقابة برجحونهم ويرفعونهم الى مراكز قيادة النقابة. ولكن مفهوم قيادة النقابة اتخذ احيانا صورا اخرى غير هذه الصورة. اذ ان بعض الاحزاب السياسية ارتأت ان من حقها قيادة النقابات ولذلك استعملت سياسة فرض القيادة من الاعلى. واختلفت وسائل فرض قيادة النقابات من اعلى باختلاف الظروف السياسية في البلاد واختلاف سياسات الاحزاب فيها. وبما انني اعالج جميع القضايا من وجهة نظري السياسية بصفتي ماركسي اعالج قضية قيادة النقابات ايضا من هذه الوجهة وحدها ولو ان جميع الاحزاب السياسية، التقدمية منها والرجعية، تحاول تحقيق القيادة عن طريق فرضها من الاعلى. من المعروف ان الماركسيين يعتبرون حزبهم الماركسي حزب الطبقة العاملة الذي يقود العمال والفلاحين في اتجاه تحقيق هدف الحزب الماركسي الاساسي، هدف قيادة العمال والفلاحين في الثورة الاشتراكية والقضاء على النظام الراسمالي. والطريقة الماركسية للحصول على قيادة الطبقة العاملة هي الاقناع عن طريق خوض نضالات طويلة وقاسية يثبت فيها الحزب انه فعلا يعمل لمصلحة الطبقة العاملة ويقودها في طريق خلاصها من عبودية الراسمالية. ولذلك فالحزب الماركسي هو طليعة الطبقة العاملة. واستخدم هنا عبارة الحزب الماركسي لان الاحزاب الماركسية اتخذت اسماء مختلفة في مراحل مختلفة. ففي ايام الاممية الثانية كانت الاحزاب الماركسية تطلق على نفسها احزابا اشتراكية ديمقراطية. وحين تخلت الاممية الثانية عن الماركسية في الحرب العالمية الاولى قررت الاحزاب الماركسية تغيير اسمها فاصبحت تطلق على نفسها اسم الاحزاب الشيوعية وكان هذا شرطا من شروط قبول الاحزاب الماركسية في الاممية الثالثة، الاممية الشيوعية. وكان اول الاحزاب التي اطلقت على نفسها اسم الحزب الشيوعي الحزب الاشتراكي الديمقراطي الروسي، حزب لينين وستالين، الحزب البلشفي. ودامت هذه التسمية حتى يومنا هذا. ولكن التحول الذي طرأ على الاحزاب الشيوعية بعد تخلي الخروشوفيين عن الماركسية جعلت اسم الحزب الشيوعي غير صالح للتعبير عن الحزب الماركسي. لذا نشأت تسميات جديدة مثل الحزب الشيوعي العمالي والحزب الشيوعي الكادر والحزب الشيوعي اللجنة المركزية والحزب الشيوعي القيادة المركزية الى اخر ذلك بينما على النطاق العالمي ظهرت تسميات اخرى مثل الاحزاب الشيوعية الاوروبية او الاوروشيوعية وتخلت بعض الاحزاب عن كلمة الشيوعية بالمرة وابدلت اسماءها باسماء اخرى لا تحتوي على كلمة شيوعية. وتخلت الاحزاب التي استبقت اسم الشيوعية عن الماركسية واللينينية. لذا اكتفي بتسمية الحزب الحزب الماركسي اي الحزب الذي يعتنق الماركسية بمفهومها الحقيقي نظرية له وينفذها تنفيذا حقيقيا في نشاطه السياسي. من جملة الانحرافات عن الطريق الماركسي الذي سلكته بعض الاحزاب الشيوعية هو مفهوم قيادة الطبقة العاملة. فقيادة الطبقة العاملة بالمفهوم الماركسي هو اجتذاب الطبقة العاملة عن طريق النضال المثابر لكي تسير وراء الحزب. فالحزب الماركسي هو طليعة مجاهدة من الطبقة العاملة. ولكن بعض الاحزاب فسرت عبارة قيادة الطبقة العاملة او طليعة الطبقة العاملة تفسيرا خاطئا. فقد اعتبرت كون الحزب حزب الطبقة العاملة انه يملك الحق وحده في قيادة الطبقة العاملة كان الطبقة العاملة ملك له اكتسبه من جراء تسمية حزبه بحزب الطبقة العاملة. وبهذه العقلية عملت بعض الاحزاب الشيوعية على فرض قيادة النقابات العمالية من اعلى واحتكار القيادة لا عن طريق الاقناع بل عن طريق الفرض. وهذا اهم عوامل ضعف النقابات وتحطيمها. اود ان اورد على ذلك مثلا واحدا فقط مستمدا من واقع فرض الحزب الشيوعي العراقي قيادة النقابات من الاعلى. بعد ثورة ١٤ تموز كانت هناك ظروف مؤاتية لتأسيس النقابات العمالية. وقد بادر الحزب الشيوعي الى تأسيس النقابات وحتى الى تأسيس اتحاد النقابات. ولكن كيف قاد الحزب الشيوعي هذه النقابات؟ قادها بأن عين عضوا من اعضائه رئيسا لكل نقابة جرى تأسيسها. كان بين هؤلاء الاعضاء الحزبيين شخصيات لها تاريخها العريق في النضال النقابي وكان بينهم من لم تكن له اية تجربة او خبرة في النضال النقابي. ولكن النتيجة كانت واحدة بصرف النظر عن شخصية القائد الذي عينه الحزب. كان القائد النقابي غريبا عن النقابة اذ لم يكن عاملا فيها ولم يكن العمال يعرفونه عن طريق نضاله النقابي النشط بين صفوفهم. فاصبح هذا القائد النقابي بالضرورة رئيسا بيروقراطيا للنقابة لم يشعر العمال بانه منهم واليهم. التقيت يوما سنة ١٩٥٩بأحد زملائي في السجون وكان قبل سجنه طالبا جامعيا. وقد عينه الحزب رئيسا لاحدى النقابات. فسألته لماذا سلك الحزب هذه السياسة تجاه النقابات؟ فكان جوابه ماذا تريد هل نسلم القيادة؟ والتقيت بزميل اخر من زملاء السجن عينه الحزب رئيسا لنقابة عمال الميناء في البصرة ولم يكن عند وجوده في السجن كادرا او شيوعيا بارزا. التقيت به صباح يوم في شارع الرشيد فسألته عن احواله فاخذ يقص علي قصة مركزه كرئيس نقابة عمال الميناء. فقال لي انه جاء من البصرة لحضور اجتماع الاتحاد فسافر من البصرة الى بغداد بالطائرة وهو يقيم في افخم فنادق بغداد ووصف لي كيف انه حين يخرج من الفندق لحضور الاجتماع يأتي عامل الفندق ليفتح له باب التاكسي لكي يدخله. فماذا كانت النتيجة. حين تألف اتحاد النقابات رسميا نال الحزب اكثر من تسعين بالمائة من اصوات العمال لانه لم يسمح بوجود اية قائمة انتخابية عدا القائمة الحزبية واستخدم حتى نفوذه في وزارة الدفاع لتحقيق ذلك. وحضر مؤتمر الاتحاد الزعيم عبد الكريم قاسم والقى خطابا فيه. ولكن عبد الكريم قاسم نفسه قرر بعد ايام معدودة غلق الاتحاد واعتقال جميع اعضائه ومصادرة املاكه. ولم يشعر العمال بحاجة الى القيام باية حركة من اجل المحافظة على اتحادهم كالقيام بمظاهرة مثلا للمطالبة باعادة الاتحاد واطلاق سراح قادته. وهذا دليل على ان قيادة الحزب لاتحاد النقابات لم تكن قيادة حقيقية ولم يكن العمال يشعرون بان هذه القيادات هي قياداتهم الحقيقية التي ينبغي عليهم ان يناضلوا من اجل صيانتها. وفي السنة التالية جرت انتخابات لاتحاد النقابات فنال القوميون هذه المرة الاغلبية الساحقة لقيادة الاتحاد مستخدمين نفس الطرق التي استخدمها الحزب الشيوعي قبلهم. ان احتكار قيادة النقابات هي اشد العوامل خطورة على كيان النقابات وعلى كيان الحزب الذي يقود النقابات قيادة قسرية مفروضة من الاعلى. واليوم نشأت في العراق نقابات واتحاد نقابات بعد اسقاط نظام صدام. ولا اعرف شيئا عن طبيعة هذه النقابات وكيفية نشوئها وطريقة قيادتها. ولكني قرأت مقالا يشير الى ان مجلس الحكم المؤقت، مجلس بريمر، اصدر بعض القوانين التي تفرض على النقابات قيادة من اعلى، من مجلس الحكم نفسه او الاحزاب والنظمات الممثلة فيه. ان الخطر على النقابات اليوم هو نفس الخطر الذي كان بالامس. فمال لم تتحقق قيادة النقابات من صفوفها على اساس نشاط عمالها بصرف النظر عن الاحزاب التي ينتمون اليها لن تكون هذه النقابات منظمات حقيقية تعمل لمصلحة عمال النقابة سواء من الناحية الاقتصادية ام من الناحية السياسية. ونصيحتي الى كل حزب يعتبر نفسه ممثلا للطبقة العاملة ان يتجنب سلوك مثل هذه السياسة التي لا تؤدي الا الى تحطيم النقابة وتحطيم الحزب ذاته باعتباره ممثلا للطبقة العاملة.
حسقيل قوجمان ١٢ نيسان ٢٠٠٤
#حسقيل_قوجمان (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
من وحي كتاب فهد (الحلقة الثانية عشرة) سياسة لينين الاقتصادية
...
-
ِتحية اجلال واكرام للفيلق السادس
-
من وحي كتاب فهد (الحلقة الحادية عشرة) اخيانة عظمى ام تصفيات
...
-
من وحي كتاب فهد (الحلقة العاشرة) الانتقاد، اغراضه وفوائده
-
الاحتفال الاول بعيدنا الوطني الجديد
-
من وحي كتاب فهد (الحلقة التاسعة) فهد الستاليني
-
مرحلة الثورة الاشتراكية وموعد اعلانها
-
من وحي كتاب فهد (الحلقة الثامنة) الجبهة الوطنية والنضال ضد ا
...
-
من وحي كتاب فهد (الحلقة السابعة) العقيدة الجامدة
-
من وحي كتاب فهد (الحلقة السادسة) الستالينية
-
من وحي كتاب فهد (الحلقة الخامسة) الميثاق الوطني
-
من وحي كتاب فهد، الحلقة الرابعة - احتكار الماركسية
-
من وحي كتاب فهد (الحلقة الثالثة) ثورة اكتوبر
-
من وحي كتاب فهد (الحلقة الثانية)العبودية المقيتة
-
من وحي كتاب فهد - الحلقة الاولى
-
المؤتمر العشرون للحزب الشيوعي في الاتحاد السوفييتي
-
زوار موقعي الاعزاء
-
جواب على رسالة ! حول الحزب الشيوعي الاسرائيلي
-
لماذا مادية ديالكتيكية؟
-
رسالة مفتوحة من حسقيل قوجمان الى آرا خاجادور
المزيد.....
-
كيف يعصف الذكاء الاصطناعي بالمشهد الفني؟
-
إسرائيل تشن غارات جديدة في ضاحية بيروت وحزب الله يستهدفها بع
...
-
أضرار في حيفا عقب هجمات صاروخية لـ-حزب الله- والشرطة تحذر من
...
-
حميميم: -التحالف الدولي- يواصل انتهاك المجال الجوي السوري وي
...
-
شاهد عيان يروي بعضا من إجرام قوات كييف بحق المدنيين في سيليد
...
-
اللحظات الأولى لاشتعال طائرة روسية من طراز -سوبرجيت 100- في
...
-
القوى السياسية في قبرص تنظم مظاهرة ضد تحويل البلاد إلى قاعدة
...
-
طهران: الغرب يدفع للعمل خارج أطر الوكالة
-
الكرملين: ضربة أوريشنيك في الوقت المناسب
-
الأوروغواي: المنتخبون يصوتون في الجولة الثانية لاختيار رئيسه
...
المزيد.....
-
الطبقة العاملـة والعمل النقابي في فلسطين ودور اليسار في المر
...
/ غازي الصوراني
المزيد.....
|