|
المأزقين الفلسطيني – الفلسطيني و الفلسطيني - الإسرائيلي..
عبد القادر سليمان
الحوار المتمدن-العدد: 820 - 2004 / 4 / 30 - 05:11
المحور:
القضية الفلسطينية
عاشت القضية الفلسطينية في العقد الماضي مرحلة الحل السلمي، الذي عجزت القيادة عجزًا تامًّا عن تحقيقه إلى حد الآن، واصطدمت المساعي للوصول إليه بعقبات على ما يبدو كثيرة في عددها، غير أن تجاوزها يكاد يكون مستحيلاً. وهي عقبة عودة اللاجئين، وعقبة مستقبل القدس. وتبدو فرص الوصول إلى حل نهائي في ظل هذه العقبات مستحيلة؛ لأنها تفترض من الطرف الفلسطيني أن يتنازل عمّا يعتبره خطوطًا حمراء بالغة الخطورة، ومن المؤكد أن تسقط أي قيادة فلسطينية تقدم مثل هذا التنازل؛ لتعود الأمور إلى نقطة الصفر. أما من الطرف الاسرائيلي، فإن السماح بعودة قرابة الأربعة ملايين لاجئ فلسطيني إلى فلسطين المحتلة عام 48 يعني عمليًّا نهاية الحلم الاسرائيلي؛ لأن مثل هذه الدولة ستتحول بعد أمد وجيز إلى ما يشبه حال إفريقيا الجنوبية بعد المصالحة التاريخية مع السود، أي أن يفقد الصهاينة السيطرة على الدولة، ويتحولون إلى أقلية، ورعايا ضمن دولة تجمعهم مع قوم آخرين. ورغم ما يبدو من جاذبية لهذا الحل ومعقوليته لدى كل طرف محايد، إلا أنه كما أسلفنا يمثل قضاء مبرمًا على الحلم الصهيوني، ونهاية لدولة إسرائيل. وهو ما يعيه الكيان الإسرائيلي وعيًا تامًّا؛ ولهذا يُصرّ إصرارًا كاملاً على رفض مثل هذا الحل، ويوغل في خلق وقائع على الأرض تجعله مستحيلاً. والسؤال الكبير الذي يُطرح هو: كيفية حل هذه الإشكالية!! فقد انقسمت المواقف الفلسطينية ومن ورائها العربية والإسلامية تُجاه الحل النهائي في العشرية السابقة إلى موقفين اثنين: الأول استصحاب للمواقف التي طبعت الصراع قبل مبادرة السادات، أي الرفض الكامل للكيان الصهيوني، على أي قطعة أرض من فلسطين والسعي إلى التخلص منه وعدم القبول بأي تسوية أو مصالحة تتضمن الاعتراف به. وهو موقف بات متغيراً نتيجة للأزمة التي عاشتها هذه المواقف و ما أولته على أصحابها من مبالغة أدت إلى ضياع البرنامج الوطني و الدخول في متاهة الأهداف . فبات البعض ينادي بأي حل و لو على حساب البرنامج الوطني مما أدى فوراً إلى إجهاض الانتفاضة بسبب خلو هذا البرنامج و هذا الموقف من العقلانية و اتجاهه نحو الضياع في أهداف الانتفاضة . الثاني يتكون في الاستعداد الذي تبلور منذ انطلاق البرنامج الوطني الذي تبنته منظمة التحرير الفلسطينية و أثنت عليه معظم القوى السياسية و الوطنية ، و يتمثل في اقامة الدولة الفلسطينية المستقلة كاملة السيادة على الأراضي المحتلة عام 67 بعاصمتها القدس، و تمسكها بالقرار الأممي 194 الذي وحده يكفل العودة إلى الديار المحتلة بالعام 48 و ليس العودة إلى الدولة الفلسطينية . وقد أثبتت الوقائع على الأرض أن الوصول إلى هذه الصيغة ممكنة عمليًّا، و بدا ذلك واضحاً من خلال الشعارات التي رفعته الانتفاضة و هو ما ولد تغييراً جوهرياً لدى اصحاب الموقف الأول . فبات عليهم التفكير العقلاني و بالشكل المناسب واستخلاص البرنامج الموحد للخروج من أزمة المبالغات دون التهور في رفع الشعارات التي لم يكن لأحد امكانية تطبيقها و لو على مئات السنين. فالدعوة التي وجهتها الانتفاضة واضحة لا حاجة للتهرب منها ، و لا حاجة للاعتماد على مبدأ " التقادم في النضال " . صحيح إن أفق هذه الانتفاضة لا يبدو واضحًا؛ إذ إننا نجد من ناحية انتفاضة شعبية عارمة ذات إصرار ووضوح على التمسك الكامل بالأهداف الوطنية، ومن ناحية أخرى قيادة ليست بنفس الإصرار، ولا الوضوح، ولا الطموح. بل تختلف من وجه لآخر من خلال عرضها و تبسيطها لأزمة الدولة الفلسطينية ذات السيادة و تتجه إلى الالتفاف على هذا الخيار بحيث أنه يخيل للمرء في بعض الأحيان أن الانتفاضة تُحرج السلطة الفلسطينية بالقدر نفسه الذي أحرجت به الأنظمة العربية، فهي انتفاضة قد قامت من وسط الجماهير، بطاقة الجماهير، وبوعي الجماهير، ولم تكن استجابة لتحريض قيادة، أو توجيه طليعة معينة، وهذا الأمر إن كان إيجابيًّا في مرحلة الفعل الجماهيري، فإنه ليس كذلك في مرحلة جني ثمار هذا النضال. فجملة القوى المناهضة للانتفاضة و برنامجها الوطني لا تملك حتى الآن برنامجًا واضحًا وصريحًا للتعامل مع اللحظة التاريخية الراهنة، ويبدو أن الحل يكمن في التخلي نهائيًّا عمّا بات واضحاً في التفرد الكامل بصنع قرار 9 مليون فلسطيني، والدفع باتجاه حل يحسم المسائل الشائكة المشار إليها آنفًا. ويستند هذا الحل الآني إلى التمسك بالوحدة الفلسطينية و وحدة الصف مع الشعب و وحدة الشعب مع الشعب، وقد يبدو أن تحقيق مثل هذا الأمر غير ممكن؛ لأنه لا يُرضي مطامح الغير ومطامعه، غير أن الحقيقة غير ذلك، فأي اتفاق لا يكون إلا بين طرفين، قد أدرك كل منهما أنه ليس من مصلحته أن يتواصل الصراع بالنسق الذي هو عليه، فيكون الطرفان على استعداد للالتقاء، وتبادل التنازلات. والانتفاضة في هذا الإطار تلعب الدور الأساسي، بل الدور الوحيد؛ لأن استمرارها سيكون هو الدافع الأوحد لإجبار الاحتلال الاسرائيلي على الاقتناع بما سبق له الاقتناع به في جنوب لبنان: أي القبول بإخلاء الأراضي المحتلة سنة 67 أو جزء منها، دون قيد أو شرط. وهو الشيء الذي كان الاسرائيليون على وشك أن يفعلوه في غزة أثناء الانتفاضة الأولى. أما مدى هذا الانسحاب فمرتبط بمقدار الضغط الذي تمارسه الانتفاضة على الأرض من جهة فرض حقائقه لتعيد التفاوض مع قيادة فلسينية تستطيع من خلال برنامجها إدارة عملية التفاوض، وبحِنكة واقتدار القيادة المفاوضة من جهة أخرى. غير أنه من الواضح أن السلطة غير قادرة، أو غير راغبة في سلوك هذا السبيل؛ وهنا يكمن سبب مأزق الطرف الفلسطيني؛ حيث إن السلطة لا تستطيع أن تكون الدرع الواقي للكيان الصهيوني من جهة، ولا تستطيع من جهة أخرى أن تكون المُعبِّر الحقيقي عن طموحات الشارع الفلسطيني. وخلاصة ما تقدم أنه على الشعب الفلسطيني في الأرض المحتلة وخارجها أن يستوعب بشكل سليم وواضح هذا المأزق ذا الوجهين، ويدرك ألاَّ حل في هذه المرحلة إلا الضغط لصيانة الموقف الفلسطيني و اعلان التمسك بالقرار الفلسطيني و دون شروط، يسترجع فيها الشعب الفلسطيني جزءًا من أرضه وسيادته، دون أن يفرّط في ما بقي منها. وعلى القوى الفاعلة في الانتفاضة والواعية لهذا المسار أن تقوم بما يجب عليها فعله للدفع بهذا الاتجاه بشكل واعٍ حتى نضمن أن تحقق الانتفاضة نتائج إيجابية على الأرض، وألا تستغل للدخول في متاهة أخرى تجري وراء سراب الدولة الفلسطينية على مراحل فأولاً غزة ثم الضفة ثم القدس ثم اللاجئين. هذا طبعاً لا يمكن أن يكون لأن ليس لطرف من هذا القضية انفراداً على نظيرتها. فلا دولة في غزة دون الضفة ، و لادولة في الاثنتين دون القدس . و لادولة في كلاهما دون السيادة. السيادة بالمفهوم هي السيطرة الكاملة على الدولة المنشودة بأمنها و حدودها و جوها و بحرها و بالتالي هي أهم عناصر تكون الدولة ،( فلبنان مثلاً هي الدولة المستقلة و لكنها لا تملك السيادة الكاملة على أجوائها و على مزارع شبعا، و مثلها سوريا و العراق و المغرب). فالسيادة جزء لا يتجزأ من كينونة الدولة،و طبعاً هذه الدولة يجب أن تضمن بدون تفاوت حق العودة للاجئين الفلسطينين إلى المناطق المحتلة بالعام48 . فهل بعد هذا نحتاج إلى المبالغات.
كاتب فلسطيني
#عبد_القادر_سليمان (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
قمة كوب29: الدول الغنية ستساهم ب 250 مليار دولار لمساعدة الد
...
-
حدود العراق الغربية.. تحركات لرفع جاهزية القطعات العسكرية
-
وقف الحرب في لبنان.. فرص الاتفاق قبل دخول ترامب البيت الأبيض
...
-
أرامكو ديجيتال السعودية تبحث استثمار مليار دولار في مافينير
...
-
ترامب يرشح أليكس وونغ لمنصب نائب مستشار الأمن القومي
-
بالفيديو.. منصات عبرية تنشر لقطات لاشتباكات طاحنة بين الجيش
...
-
Rolls-Royce تخطط لتطوير مفاعلات نووية فضائية صغيرة الحجم
-
-القاتل الصامت-.. عوامل الخطر وكيفية الوقاية
-
-المغذيات الهوائية-.. مصادر غذائية من نوع آخر!
-
إعلام ألماني يكشف عن خرق أمني خطير استهدف حاملة طائرات بريطا
...
المزيد.....
-
الحوار الوطني الفلسطيني 2020-2024
/ فهد سليمانفهد سليمان
-
تلخيص مكثف لمخطط -“إسرائيل” في عام 2020-
/ غازي الصوراني
-
(إعادة) تسمية المشهد المكاني: تشكيل الخارطة العبرية لإسرائيل
...
/ محمود الصباغ
-
عن الحرب في الشرق الأوسط
/ الحزب الشيوعي اليوناني
-
حول استراتيجية وتكتيكات النضال التحريري الفلسطيني
/ أحزاب اليسار و الشيوعية في اوروبا
-
الشرق الأوسط الإسرائيلي: وجهة نظر صهيونية
/ محمود الصباغ
-
إستراتيجيات التحرير: جدالاتٌ قديمة وحديثة في اليسار الفلسطين
...
/ رمسيس كيلاني
-
اعمار قطاع غزة خطة وطنية وليست شرعنة للاحتلال
/ غازي الصوراني
-
القضية الفلسطينية بين المسألة اليهودية والحركة الصهيونية ال
...
/ موقع 30 عشت
-
معركة الذاكرة الفلسطينية: تحولات المكان وتأصيل الهويات بمحو
...
/ محمود الصباغ
المزيد.....
|