|
الموصل أم شعب الموصل؟.. نقاش في السياسة مع البروفيسور سيار الجميل..
صباح كنجي
الحوار المتمدن-العدد: 2682 - 2009 / 6 / 19 - 08:30
المحور:
التحزب والتنظيم , الحوار , التفاعل و اقرار السياسات في الاحزاب والمنظمات اليسارية والديمقراطية
قرأتُ مؤخرا ً الرسالة الموجهة إلى رئيس الجمهورية جلال الطالباني، من قبل البروفيسور سيار الجميل، التي ذيلها بسفير السلام العالمي (منظمة يو بي أف الأمم المتحدة)، بصيغة كتاب مفتوح، تحت عنوان (بيان من أجل الموصل).. طامحا ً في.. (حوار يسوده الاحترام.. من أجل مصالح وطنية مشتركة تجمعنا... من أجل استعادة حقوق من اضطهد،أو قتل، أو شرّد،أو هجر، أو فجّر، أو اقتحم بيته، وهد كيانه، ومورست بحقه أشنع الأساليب مهما كان دينه وعرقه وطيفه..). من بداية كتابه المفتوح، يحددُ الكاتب لنفسه خندقا ًومرتكزا ًينطلقُ منه مستهدفا ً النيل من خصمه عبر الإسهاب في تعريفه بنفسه (، فانا مواطن عراقي ومن أبناء الموصل المعروفين، وان تاريخي الشخصي يشهد لي بأنني عربي قح).. من هذه الزاوية تحديدا ً(العربي القح) في مواجهة العربي غير القح وبقية الكائنات البشرية في الكون، الذين لا يرتقون لمستوى العرب الأقحاح، يقرر الدخول في حواره الاستعلائي، من أجل هدف آخر يتعلق بشأن من شؤون (الموصل العربية)، كما يعرفها التي لا يحق إلا ّللعرب الأقحاح مناقشة شؤونها وتقرير مصيرها والتحكم في إدارتها، وما على بقية المكونات الإثنية إلا أن تكون صاغرة ً لإرادةِ هؤلاءِ العرب الأقحاح، الذين من حقهم تصنيف بقية المكونات كتبعية ومواطنين من الدرجة الثانية، على غرار ما أفرزته مسيرة تاريخ الاستبداد، منذ أن استحكمت قيم البداوة، التي دخلت المدينة مع الفتوحات الإسلامية، حين استقدمت الجحافل الأولى من هؤلاء العرب الاقحاح، الذين لا يتقبلون قيم وثقافة المدينة والمساواة بين البشر، وصنفوهم في خانة الأتباع من أهل الذمة.. من هذا المنطلق بالذات ولكوني في الضفة الأخرى من المعادلة التي لا تعترفُ بالأقحاح وترفض أية امتيازات تبيح التفريق بين البشر أو تصنيفهم في خانات تبيحُ لبعضهم حق استعباد غيرهم تحت أية مسميات كانت، حسمتُ أمري متجاوزا ً ترددي، في الدخول بنقاش ٍ هادئ ٍ لما ورد في (الكتاب المفتوح)، الذي يطرح من خلاله البروفيسور الجميل نفسه كمفكر عروبي من الطراز الأول، مستندا ًعلى قراءتي لمحتوى رسالته التي يمكن تلخيصها: 1- كونها رسالة سياسية تعكس مفاهيم الكاتب وقناعته الفكرية وتحدد رؤيته للواقع السياسي وموقفه من الآخرين وطبيعة نظرته لهم. 2- انه يتخلى عن دوره كمؤرخ مطلوب منه أن يجهد نفسه في تقصي الأحداث والبحث عن الوسائل المؤدية لمعرفة الحقائق.. وتحديدا ً حقائق وملابسات الوضع المعقد والشاذ في الموصل. 3- انه يبتعد عن التحليل العلمي ويختار منطقا ً غير مقبولا ً في مسعاهُ لطرح ما تفرزه الأحداث المعقدة والمتشابكة في المدينة، التي اختصر وصفها بمرحلة ما بعد سقوط النظام الدكتاتوري، ومن تجاوزات الدور الكردي السيئة اللاحقة لهذا السقوط في المدينة. (وانتم تعلمون جيدا من الذي استحوذ على مدى السنوات الأربع الفائتة على مجلس إدارة الموصل من دون أن يتذكر احد مبدأ التوافق في الموصل التي عانت أقسى الأحداث في تاريخها، ولم يتحدث أحد عن أخطر غلطة ارتكبها الحزبان الكرديان باستحواذهما على مقاليد الموصل..).. وفي فقرة أخرى يكاد أن يقولها بصريح العبارة أن ما حل بالموصل لا علاقة له بقوى الإرهاب وشراذم البعثيين، من بقايا العهد المقبور، وهو لا يرى فيهم إلا ّ من كان ،حسبما يشير أو يوحي بذلك إنهم من الكرد..(فمن حق أهل الموصل وأطرافها أن يطالبوا بالتحقيق الفوري في كل الجرائم التي حدثت في الموصل على مدى أربع سنوات مضت لمعرفة من كان وراءها، وان تسترد الناس حقوقها التي سحقت، وكراماتها التي أهدرت، ودمائها التي أزهقت ). وفي لاحقة أخرى يطرح يقينه بصيغة تساؤل يلغي الشك ليلصق التهمة.. تهمة ارتكاب الجرائم والعابثين بأمن الموصل بالكرد تحديدا ً وليس غيرهم.. (أسألكم: من كان مسؤولا حقيقيا عن الموصل وقت ذاك ؟ أتريد يا سيدي أن تبقى الموصل بأيدي العابثين ).. ويعتبر هذه القناعة وهذا الاستنتاج الخطير مجرد جزء من الحقيقة (وانتم تعلمون بأن كل الذي اذكره ـ هنا ـ هو الجزء الأصغر من الحقيقة) .. 4- لم يستطع التحرر والتخلص من المواقف العصبوية والمسبقة التي تتنافى وتتعارض مع طبيعة عمله كمؤرخ ومثقف، ولجأ كعادته إلى المواعظ التي لا تساعد في الوصول إلى حلول، ولا تساهم في إيجاد مخرج لإشكالية الوضع السياسي المبتذل والمرفوض، لا بل العكس إن الكثير من المصائب تبدأ مع هذه المواعظ التي تؤلب طرفا ً على آخر كما فعل الجميل في رسالته التي هي موضع نقدنا وتحلينا في هذا النقاش.. 5- انه كمثقف يحتسب على الديمقراطيين الليبراليين، مطلوبٌ منه استقراء المستقبل برؤية تبعث على التفاؤل، وتؤدي لشحذ الهمم والمساهمة في إيجاد الحلول للإشكاليات المعقدة في الوضع، بطرح وتبني مفاهيم معرفية تساهم في تجاوز الأزمة، في مقدمتها الدعوة لتحرير ودمقرطة المجتمع وأنسنة الثقافة والسياسة معا ً. 6- إن الاندفاع المسبق نحو تأييد المستلمين للإدارة المحلية في الموصل، من قائمة الحدباء، لا يخدم إلا ّالذين يتأهبون لمواصلة الممارسات الاستبدادية، ويعكس عجز البروفيسور الجميل الفكري- في هذه الرسالة- وعدم قناعته بالبديل الديمقراطي. ( لقد تأكدت أن قائمة الحدباء قد ضمّت كل الطيف الموصلي : عربا وأكرادا وشبكا وتركمانا ومسيحيين .. وان الانتخابات جرت بلا تزوير!)، وإنّ التفاؤل غير الواقعي بدورهم لا يؤدي لخلق الحالة الأفضل ولن يؤدي لتغيير المعادلة البائسة المشبعة بالقمع والموت والدمار ويقودنا لتبني الوهم (لقد كانت للموصل تجربة مريرة يعرفها الجميع جيدا من قبل الإدارة السابقة ، فامنحوا الإدارة الجديدة فرصتها من اجل فتح صفحة تاريخية جديدة)، خاصة وان فيهم من لا يخفي طموحه ورغبته في إعادة حزب البعث إلى السلطة، ويدعو جهارا ً نهارا ً لعودة الوضع في الموصل إلى ما قبل التاسع من نيسان/2003، وهم شرذمة من الذين لا يمكن إخفاء طبيعة ممارساتهم السابقة في العهد البعثي المقبور، وما سبقه في زمن الاغتيالات السياسية في عهد ثورة 14تموز.. وهو إذ يخلط ويمزجُ بين مفهوم الحكومة المحلية كجهاز للسلطة قد يكون قمعيا ًأو فاسدا ًوأبناء الموصل - مفهوم الشعب-(علينا أن ندرك بأن ليس من الصواب الوقوف أمام إرادة الموصل بهذا الشكل) ويجعل منهما واحدا ً باستخدامه تعبيرا ً فضفاضا ً(إرادة الموصل) يوهم القارئ ويستغفله عن عمد عبر هذا التشويش الذي يتخطى حدود اللغة ويساهم في تسويق وتمرير الصورة المشوهة في ذهنه المتفقة مع تصوراته والملائمة لأفكاره... وإلا ّما المقصود بإرادة الموصل؟ .. هل يستطيع أن يحدد لنا ما المقصود بهذه الإرادة؟ عن أية إرادة يتحدثُ؟ ما مضمونها وغاياتها؟ إنّ الأمر يحتاج للعودة لمؤلفات ميشيل عفلق كي يكون قادرا ً على فهم طبيعة ومحتوى هذه العبارة، التي تخفي ويتخفى وراءها الكثير من الوهم والزيف عن قصد غير بريء، من نمط ذلك الاستنتاج الخطير الذي توصل إليه الجميل، الذي يبعث على الشفق والأسى (ويرى الموصليون أن وضعهم قوي جدا فهناك تأييد عربي في جميع أنحاء العراق) .. عن أي وضع قوي وأية قوة يتحدث؟!! .. من أين يستمدُ هذا الذي وصفه بالقوي قوته؟!!.. هل من حجم الإنفجارات والاغتيالات المستمرة في الموصل؟!!.. أم من حالة الخراب الاقتصادي التي حلت بالمدينة وبات سكانها يستوردون البصل والفجل من حلب واسطنبول؟!!.. يا لهذا التأييد العربي في جميع أنحاء العراق!!.. وبقي أن نصفه ونضيف عليه صبغتي الشيعي والسني من مختلف عشائر البدو والعربان، ليكون التلاحم والتأييد العربي على أربع وعشرين قيراط.. كما تمناها وحلم بها ميشيل في سبيله للبعث..!.. وأرادها الجميل واقعا ً وليس حلما ً في رسالته. ويسعى جاهدا ً لحشد الجيوش وقوى الأمة العربية في معركة تاريخية، كأننا في صفحة جديدة من صفحات القادسية، التي أعادنا الكاتب لأجوائها ويكاد يسمعنا دقات طبولها، بكلماته المشحونة والمتوترة..(وهم يخوضون صراعا تاريخيا وشجاعا ضد الإرهاب ( أيّا كان مصدره ).. وهنا تنويه متعمد للربط بين الكرد والإرهاب، يرتقي إلى حالة المشاركة في دعم الإرهاب، من خلال التغطية على منفذيه وإبعاد الشبهة عنهم، عبر وسائل تضليلية يدرك أبعادها الكاتب، بلجوئه للدس والتلاعب بالألفاظ والحقائق. هنا بالذات تسقط كل الأوراق، ليكشف الجميل عن حقيقة وجهه، وانتقاله من موقع المفكر/ الديمقراطي/ الليبرالي الحر/ وهو يشغل موقعا ً كسفير للسلام العالمي.. إلى موقعه الجديد في الخندق الآخر المناقض تماما ً لمفاهيم الأول.. هذا الموقع الذي يضم العرب الأقحاح، وهي ترجمة عروبية للمفاهيم الألمانية التي كانت تستندُ على نقاوة العرق الآري، المنتجة للنازية المتسببة في إشعال حرائق الحرب العالمية الثانية.. هل وصل بنا الوضع والبؤس لنتفاخر بالتأييد العشائري والعروبي؟ ونطلب النجدة لحل معضلة يتطلبُ حلها مراجعة مفاهيمنا الثقافية والفكرية التي تنتجُ وما تزال تنتجُ المزيد من المتعصبين والمتشددين العنصريين من حملة المفاهيم القومية الذين يرفضون المساواة بين البشر ويؤمنون بالاستبداد والاستحواذ على الآخرين ولا يقرون بضرورة المشاركة في السلطة ممن ينادون ب..(الموصل العربية) مُتخطين ومتجاوزين كافة تكويناتها الإثنية وتاريخها الذي يؤكد، أنّ العربَ آخر الأقوام التي سكنت فيها، بعد الفتوحات الإسلامية، بمن فيهم من يدعون بالعرب بالأقحاح، الذين لا دليل تاريخي على تواجدهم في هذه ،المدينة العراقية وليست العربية، يسبقُ من يوجه الجميل لهم الاتهامات ويكاد يعتبرهم من سكان المريخ أو من جزر ألواق واق ويعيب عليهم مشاركتهم ومساهمتهم في إدارة المدينة ويحملهم لوحدهم شرورها وآثامها كأنهم وحدهم من أداروا شؤون الموصل منذ أن سقط النظام ولست هنا في موضع الدفاع عن أي فرد لكن ارفض التعميم.. هل هذا ما توصل إليه الجميل في استقرائه للوضع بعد تلك السنين العجاف التي ألحقت بنا كل هذا الخراب والدمار؟، من جراء سلطة كانت تنهلُ مفاهيمها القومية، من هذه الأفكار التي يدعو فيها ويأمل الجميل، الموصليون للفرح بهذا التأييد العربي من جميع أنحاء العراق... لست أدري إن كنا في زمن داحس والغبراء أم في أيام حرب البسوس؟.. أم إننا بهذا المستوى الهابط من الطرح سنكون قادرين على معالجة مشاكلنا وننتقل إلى الحالة الأفضل؟؟ .. 7- إن جوهر الأزمة الحالية وما يرافقها من تطورات عاصفة في الموصل وأطرافها يعكس جانبا ًمن طبيعة وأسباب العلاقات التاريخية غير السليمة والمرفوضة بين قوى وعناصر ومكونات البناء الاجتماعي المنوع، من بينها العلاقة بين العرب والأكراد غيرهم. وهذا يتطلب الدخول في جدل مع الذات، وطرح أسئلة عن ملابسات هذه العلاقة وجذورها التاريخية، التي أفرزت وأنتجت هذه الأزمة، بهذه الحدة التي نقلت طبيعة العلاقة بين مكونات أبناء الموصل إلى منعطف خطر، ساهم ويساهم في تأزمه المتطرفون الجدد، من حكام الموصل الحاليين وبينهم عرب وكرد انحدروا من مؤسسات القمع البعثية السابقة، ونستطيع أن نعدد أسماؤهم ونذكر رتبهم في أجهزة القمع ونشير إلى جزء من تاريخهم الحافل بالإنجازات التي يدنى لها الجبين..!! . أنّ هذا التاريخ.. تاريخ المدينة الدامي والمؤلم، وما حل بها من دمار وخراب وبمكوناتها من أحداث ونكبات متواصلة، عبر تلك الحقب الاسلاموية وانتهاء بعهود القومجيين والبعثيين وفطيسهم صدام، فهي لا تعنيه لا من بعيد ولا من قريب بشيء.. إذ لا يقفز عليها عن جهل، أو لعدم دراية أو لنقص ٍ في معلوماته كمؤرخ بين يديه أطنان من المعطيات والوثائق، بل يتجاوزها بوعي مدرك لحقيقة ما حدث من متغيرات، يؤشر عليها بلا خجل، كأن التاريخ قد توقف أو انفصلت فصوله في تلك اللحظات التاريخية، التي عصفت ببناء الدولة الدكتاتورية وهيكلية نظامها الاستبدادي. الذي كان يفردُ للعرب الأقحاح، من أمثال علي كيماوي وبقية المحشورين في قفص العدالة، حق التلاعب بمقدرات أبناء الشعب العراقي والتحكم بمصيرهم، وهو إذ لا يكتفي بالبكاء على ما جرى في لحظة السقوط الدراماتيكية، بل يجعلها مؤشرا ً للأحداث، يؤرخ ما بعدها، من لحظة السقوط ب(استشراء الإرهاب في الموصل) مبررا ً للنظام الدكتاتوري السابق جرائمه وممارساته الإجرامية بحق أبناء الموصل البررة من شتى المكونات الإثنية وفي المقدمة منهم العرب الكادحون الذين أذاقهم الذل والهوان في ساحات حروبه المتواصلة وفي أقبية دهاليز سجونه ومعتقلاته على أيدي جلاوزة أجهزة القمع المختلفة.. بل يبالغ ويتمادى في توصيف حالة الواقع الراهن بملابساته المعقدة ويعلن عن استعداده لتزييف التاريخ، بتهويله لأخطاء المرحلة الانتقالية، التي أفرزت حكومة محلية ضعيفة، ناشئة وسط المفخخات البعثية، وبقية قوى الإرهاب، يديرها البعض من ضعفاء النفوس،(من العرب والكرد) ممن انتفعوا على حساب غيرهم، بنهب المال العام، ويطبل للمرتزقة البعثيين وبقية الرهط المكون للحكومة المحلية الجديدة التي أفرزتها حالة الإرهاب المتفشية في الموصل، التي استجمعت قواها (الاجتماعية- الإقطاع والمرتزقة الكرد) و(السياسية - الأحزاب المتعصبة والفاشية) المدعومة من الدول الإقليمية المجاورة، بمباركة من "الأخت أمريكا" وشبكة علاقات مع قوى القاعدة.. هذه القوى المتعددة التي تفاهمت واتفقت على تشكيل نمطا ً مستبدا ً من الحكومة المحلية لتكون واجهة للبعثيين يتوجسُ منها أبناء الموصل، بحكم خبرتهم ومعرفتهم بهم وبانحداراتهم الطبقية والسياسية وماضيهم المعروف، التي اثبت التاريخ إنهم يتناسلون الإرهاب والجرائم ويدعمون منفذي التفجيرات والمفخخات والاغتيالات .. هذا النمط المتعفن من البشر يطلق عليهم البروفيسور الجميل في رسالته بالقوة المحلية المتشكلة لمحاربة الإرهاب واعتبرهم إرادة سياسية يمثلون كل فسيفساء الموصل..( ولكن ما جرى منذ لحظة السقوط عام 2003، من نهب لبنوك الموصل وجامعتها ودوائرها ومكتباتها .. فضلا عما اقترف من أخطاء كبيرة مخفية ويعتم عليها، ولا يحقق فيها، مع فقدان الثقة بشأن استشراء الإرهاب في الموصل، والوقوف ضد أي قوة محلية تتشّكل لمحاربة الإرهاب، جعل الناس في الموصل تشكّل لها إرادة سياسية جديدة، اشترك في صنعها كل فسيفساء الموصل )... هؤلاء في أول اجتماع لهم بعد انتهاء فرز الأصوات عقدوا اجتماعا ً لهم دعوا فيه 21 نائبا ً فقط من قائمة الحدباء وممثلي الكوتة الثلاث، واستبعدوا منه الفائزين من قائمة التآخي ال12 عشر عضوا ً من أعضاء المجلس الجديد بالتمام والكمال، ليشكلوا قوام الحكومة المحلية ويوزعوا المناصب بينهم ويستحوذوا على العمل في المحافظة الذي فجر الأزمة مع بدء تنفيذ مخططهم لإعادة الأوضاع في الموصل إلى ما قبل 9/4/2003 انسجاما ًمع تعهداتهم وشعاراتهم الانتخابية لأسيادهم ممن حشدوا لهم الإمكانيات والدعم اللوجستي للفوز بما فيها إيقاف العمليات الإرهابية دعما ً لهذه المشاركة في الانتخابات..!! بالإضافة إلى السعي لتشكيل فرقة عسكرية خاصة قوامها 5000 ضابط من مختلف الرتب والمراتب والمجندين من البعثيين السابقين كخطوة لاحقة على طريق نواياهم في إعادة نفوذ حزب البعث إلى بقية مناطق المحافظة وأطرافها.. هذا الهدف الذي شهد تطبيقات فورية له في الأسبوع الأول من تسلمهم للاداره حينما أقدموا على إزاحة معظم الضباط وإبعادهم أو إحالتهم للتقاعد واستبدالهم ب600 ضابط ومجند بعثي.. وهكذا الحال في بقية الدوائر والمؤسسات الأخرى (الشرطة، المرور، الإطفاء، الصحة، التعليم...الخ) التي شهدت تنقلات فورية.. لا بل أن المحافظة نفسها قد شهدت من الساعات الأولى متغيرات خطيرة حيث وضع من له تاريخ إجرامي في موقع ضابط امن المحافظة بعد أن استبعد ضابط أمنها السابق والحبل على الجرار.. أما الحوار الذي يسعى فيه البعض للتوفيق بين قائمة الحدباء والتآخي التي فاز فيها (9) من الكرد الأيزيديين من مجموع (12) فائزا ً والتي كانت المفاجأة غير السارة للجميع بعد أن قرروا تشخيص مقعدا ً واحدا ً لهم فقط قبل الانتخابات، الذي شهد آخر جولة له في مدينة بعشيقة يوم21/5/2009 فلم يتمخض عن شيء بسبب إصرار ممثلي قائمة الحدباء على موقفهم غير الودي من الأيزيديين الذين لا يجوز أن يستلموا مواقع سيادية مهمة ويقودوا المسلمين تطبيقا ً لمفهوم عدم جواز إمامة الكافر للمسلم... هذا ما ترشح عن ذلك اللقاء ..هكذا تسير الأحوال في الموصل، بعد أن استلم هؤلاء الذين يدعي الجميل إنهم يمثلون(كل فسيفساء الموصل).. يا له من تمثيل...!!! ويشيدُ بالوضع الشاذ في الموصل بملابساته المعقدة والخطيرة بعد أن عاد البعثيين للسلطة بالتعاون مع شرذمة القاعدة الذين تمركزوا في المدينة ويعتبره عودة تعبر عن إرادة حقيقية (هناك إرادة حقيقية تبلورت بعد أربع سنوات ضد حكم محلي هيمن فيه الحزبان الكرديان على الموصل، وكانت له أخطاؤه الجسيمة)، متناسيا ً أن تلك القوى قد رفضت المشاركة في الانتخابات السابقة، قاطعتها وهددت من يشترك بها بالقتل، وسبق وان نشر هو بالذات ما يمكن اعتباره نصيحة لهم بعدم مقاطعة الانتخابات، ودعاهم للمشاركة فيها، لكنهم كانوا مصرين على المقاطعة، لم يعملوا بنصيحته.. .. أن النظرة الاستعلائية للبروفيسور الجميل للناس كل الناس (وهنا، أود فقط الإشارة إلى مجموعة من الحقائق الغائبة التي لا يعلمها كل المواطنين العراقيين).. هي التي قادته إلى هذه القراءة الخاطئة للأحداث في الموصل، وطبيعة وملابسات الصراع الاجتماعي والسياسي المتأزم فيها، وبالتالي إلى تلك الاستنتاجات الخاطئة، التي وددتُ الإشارة إليها في هذا النقاش.. الذي لا يحملُ في طياته أية ضغائن شخصية للجميل أو يقلل من شأنه ،وعهدي أن تكون غايتي ما ابتغاهُ في نص رسالته.. (حوار يسوده الاحترام.. من أجل مصالح وطنية مشتركة تجمعنا)، وأن ينأى بنفسه مما وصفه هو بالذات(وبالرغم من كوني لست قوميا، فلا يمكنني أبدا تقبّل الردح بين الغلاة من القوميتين الاثنتين، إذ يزيد ذلك من الأحقاد والضغائن والشوفينية العمياء .. وأنا واثق بأنهم سيتهمونني بشتى التهم الجاهزة وهم يدركون استقلاليتي القاطعة !)... ويبقى أن نتساءل أين الاستقلالية فيما اقتبسناه من آراء ومفاهيم وردت في نص الكتاب المفتوح؟!!.. وهل ترك البروفيسور الجميل شيئا ً لغيره من القوميين الغلاة كما يسميهم، بعد كل ما ورد وجاء في بيانه..؟؟!! أرجو أن لا يكون تحت تأثير الوضع النفسي الذي ذكرهُ في متن كتابه المفتوح بسبب تداعيات حادث شخصي (عندما اقتحمت جماعات من البيشمركة بيت والدتي) ولم يكتفي بما ورد فيها من اعتذار رئيس الجمهورية.. ( بالرسالة الخطية التي تفضلتم بإرسالها لي بتاريخ 7 شباط / فبراير 2006 ، وقد شكرتكم عليها ، وانتم تقدمون اعتذاركم وأسفكم عمّا حدث في الموصل) . أو قادرا ًعلى التخلص من تأثيرات الحدث إلى الحد الذي أوقعه في اقتباس أو التنويه إلى ما ورد في متن الرسالة بشكل خاطئ إذ يقول:(أوعزتم إلى مسؤول الفرع الأول بالموصل أن يقوم بالتحقيق في الأمر ).. وأتساءل من هي الجهة المسئولة المسماة بالفرع أول في الموصل التي خاطبها رئيس الجمهورية كما جاء في نص الجميل؟.. هل هي الملبند المسمى مركز تنظيمات الإتحاد الوطني الكردستاني في نينوى؟.. أم الفرع14 للحزب الديمقراطي الكردستاني ؟.. ويوظف الحدث للتعميم في توجيه الاتهامات وإلصاقها بالغير من خلال رؤيا يشوبها التشوه وعدم الوضوح إذ يقول متسائلا ً: (فمن يأتيني بحقي أنا أسوة بالآلاف المؤلفة من أهل الموصل الذين هوجمت بيوتهم ظلما وعدوانا، وقد هددّوا ورحّلوا وهجّروا إلى هنا وهناك، ليس في مركز المدينة فقط، بل في كل أطرافها، وما أصاب كل من الأخوة المسيحيين والتركمان والشبك والعشائر العربية على امتداد حوض نهر دجلة، وما أصاب الأخوة اليزيدية من مصائب ومحن في قراهم ومناطقهم على الجانبين من نهر دجلة ) ..... حقا ً من فعل ذلك؟ وهل لا يدرك الجميل أن أهالي أقضية سنجار وتلّعفر والشيخان وتلكيف والحمدانية- قرة قوش وعقره وجميع النواحي التابعة لها بما فيها ناحية بعشيقة التي تتبع قضاء مركز محافظة نينوى مباشرة والتي لا تبعد عن المدينة سوى 15عشر كيلومترا ً.. لا بل أن القرى التابعة لبعشيقه تتداخل بيوتهم مع بيوت المحافظة الزاحفة للأطراف، وقد هجروها بسبب الإرهاب المتفشي في المدينة الذي يستهدفهم منذ سنوات؟ .. هل حقا ً انه يجهل أن غالبية سكان هذه المناطق بات محرما ً عليهم الوصول إلى الموصل؟..!! والمغامر منهم يكون مصيره الموت والقتل لحد اليوم.. فمن ينفذ هذه الجرائم؟ ولماذا يستهدفون هذه التكوينات؟.. هل يجهل طبيعة البيانات التي أصدرها القائمون على ما يسمى بدولة الإسلام في الموصل، وجلهم من عتاد المجرمين المنحدرين من مؤسسات النظام البعثي المقبور، الذي يتخفى بتسميات جيش الرسول وغيرها من المسميات التي يشرف عليها أعضاء سابقون من حزب البعث - العودة وبقية أجهزة قمعه المعروفة.. ممن يمارسون القتل المجاني بعد أن امتهنوه طيلة أربعة عقود من الزمن المعروفة تفاصيله.. ولا يكتفون بهذا بل مارسوا التصفيات بحق بعضهم البعض في فترة الانتخابات، التي أسفرت عن تصفية أمين سر حزب البعث في المدينة (نجم العراقي) ونزار يونس المسئول السابق فيه، بسبب الاختلاف في الموقف من المشاركة في الانتخابات أو رفضها، بعد أن أصدر القائمون على تنظيمات حزب البعث بتوجيه نداء يطالبون فيه أعضاء حزبهم والناس بانتخاب قائمة الحدباء فيما يعتبر القسم الآخر منهم هذه خيانة تستوجب القتل.. ويبدو جليا ً أن الجميل، يقرُّ سياسة استخدام القوة والتدخل العسكري، كإجراء ديمقراطي، للفتك والبطش بالناس، ويدعو الحكومة العراقية بشكل سافر لدعم الموقف في الموصل (إن الموصليين باستجابتهم للتحديات، يطالبون الحكومة العراقية بالوقوف إلى جانبهم سياسيا وعسكريا).. وبقي أن نتساءل، ببراءتنا وسذاجتنا، كمواطنين من أبناء هذه المدينة المبتلية، بالإرهاب والعنصريين، الذين أستهدفهم القمع والإرهاب منذ لحظة ولادتهم.. وما زال يستهدفهم لليوم.. مع من؟ وضد من ؟يقف الجميل؟.. واختتم مناقشتي بحادثٍ شهدته الموصل قبل فترة ليست بعيدة، أدى إلى مقتل مجموعةٍ إرهابيةٍ في بيت أثناء تسليم الدعم المالي لهم، بينهم المدعو حيدر العفري، اسمه الحقيقي (عماد عبد الكريم احمد عبد الرحمن الحمداني) وهو من أقحاح العرب في الموصل كما يحلو للجميل وصفهم، كان يقود الجناح العسكري في الجانب الغربي من المدينة، ومسئول كتائب الاغتيالات والخطف، ومعه رجلان سعوديان، احدهم يدعى (أبو ناصر السعودي)، حينما أطلقت عليهم طائرة أمريكية صاروخا ًبعيد المدى عبر الأجواء التركية من وراء الحدود، أصابهم بمقتلٍ وأدى لتطاير أوراق الدولارات إلى البيوت والمناطق القريبة ليشاهدها ويجمع بعضها الناس.. وهذه ليست حكاية من ألف ليلة وليلة، بل قصة حقيقية نقلها لي المطلعون على خفايا الأحداث الجارية في المدينة.. وهي مجرد قصة واحدة من آلاف القصص يعلم بها أبناء الموصل الحقيقيون، في المقدمة منهم الكادحون العرب ممن يتطلعون مع غيرهم، بأمل إلى يوم الخلاص، من معاناتهم بسبب ممارسات قوى الإرهاب المدمرة، التي ما زالت تتناسلُ وتتكاثر في مدن الشرق، التي تتغذى من قيم البداوة وثقافة التعصب، وتتعكز على من يصطفي لنفسه الأوصاف والألقاب التي لا تساوي بين الناس والبشر.. صباح كنجي الموصل /منتصف أيار/2009 رابط الكتاب المفتوح للبروفسور سيار الجميل http://www.sayyaraljamil.com/Arabic/viewarticle.php?id=index-20090510-1635
#صباح_كنجي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
من ذاكرة الشيوعيين العراقيين في بحزاني..2
-
من ذاكرة الشيوعيين في بحزاني ...
-
طين النار - مهداة إلى ذكرى جمعة حاجي كنجي
-
الحزب الشيوعي العراقي يساهم في غزو الكويت..!
-
افتحوا الأبواب لعبير الناصرية المتجهِ للبرلمان الأوربي..
-
البعدُ الميثولوجي في ..
-
عراقيون من زمن ِ أهل ِ الكهفِ سينتخبونْ..!!
-
الفرحُ الحزين في زمن إرهاب الدين ..!
-
ثمرٌ مِنْ زمن ِالردةِ والانحطاطِ
-
العولمة وخطر تفشي الإرهاب الديني...
-
الأبعاد الحقيقية الخطيرة التي تستهدف أبناء الموصل..!
-
مفاهيم اليسار والموقف من الدين..والإرهاب..وأمريكا..1
-
كردستان ... مستقبل وآفاق التجربة السياسية الناشئة -1
-
وصية أمي.. دير بالك على درمان..
-
رؤيا اليقين لسلام ابراهيم*
-
رؤيا اليقين لسلام ابراهيم* 2-3
-
رؤيا اليقين لسلام ابراهيم*1-3 قصص تدعو لإعادة صياغة الوعي وا
...
-
حِكايَتنا مَع َ التقاعد ِ للمرة ِ الأخيرة ِ..
-
آزاد سعيد.. تخرصاتُ باحث ٍ أمْ نفاياتُ إرهاب ٍ !..11-ج3
-
آزاد سعيد.. تخرصاتُ باحث ٍ أمْ نفاياتُ إرهاب ٍ !..11-ج2
المزيد.....
-
عز الدين أباسيدي// لعبة الفساد وفساد اللعبة... ألم يبق هنا و
...
-
في ذكرى تأسيس اتحاد الشباب الشيوعي التونسي: 38 شمعة… تنير در
...
-
حزب الفقراء، في الذكرى 34 لانطلاقته
-
تركيا تعزل عمدة مدينتين مواليتين للأكراد بتهمة صلتهما بحزب ا
...
-
تيسير خالد : سلطات الاحتلال لم تمارس الاعتقال الإداري بحق ال
...
-
الديمقراطيون لا يمتلكون الأجوبة للعمال
-
هولندا: اليمين المتطرف يدين مذكرتي المحكمة الجنائية لاعتقال
...
-
الاتحاد الأوروبي بين مطرقة نقص العمالة وسندان اليمين المتطرف
...
-
السيناتور بيرني ساندرز:اتهامات الجنائية الدولية لنتنياهو وغا
...
-
بيرني ساندرز: اذا لم يحترم العالم القانون الدولي فسننحدر نحو
...
المزيد.....
-
نَقْد شِعَار المَلَكِيَة البَرْلَمانية 1/2
/ عبد الرحمان النوضة
-
اللينينية والفوضوية فى التنظيم الحزبى - جدال مع العفيف الأخض
...
/ سعيد العليمى
-
هل يمكن الوثوق في المتطلعين؟...
/ محمد الحنفي
-
عندما نراهن على إقناع المقتنع.....
/ محمد الحنفي
-
في نَظَرِيَّة الدَّوْلَة
/ عبد الرحمان النوضة
-
هل أنجزت 8 ماي كل مهامها؟...
/ محمد الحنفي
-
حزب العمال الشيوعى المصرى والصراع الحزبى الداخلى ( المخطوط ك
...
/ سعيد العليمى
-
نَقْد أَحْزاب اليَسار بالمغرب
/ عبد الرحمان النوضة
-
حزب العمال الشيوعى المصرى فى التأريخ الكورييلى - ضد رفعت الس
...
/ سعيد العليمى
-
نَقد تَعامل الأَحْزاب مَع الجَبْهَة
/ عبد الرحمان النوضة
المزيد.....
|