|
هل من دور للسعودية في اعادة تشكيل النظام المالي العالمي الجديد؟
اميل قسطندي خوري
الحوار المتمدن-العدد: 2680 - 2009 / 6 / 17 - 09:10
المحور:
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في الخليج والجزيرة العربية
اجتمعت مجموعة العشرين التي تضم دولا صناعية كبرى كالولايات المتحدة الاميركية وفرنسا والمانيا والمملكة المتحدة واليابان وايطاليا، ودولا اخرى ناشئة مثل دول البريك (البرازيل وروسيا والهند والصين) والارجنتين والمكسيك وكوريا الجنوبية والمملكة العربية السعودية الشقيقة، وذلك لدراسة الاسباب التي ادت الى نشوء الازمة الاقتصادية العالمية، والبحث في اتخاذ اجراءات حازمة لمواجهتها املا في الوصول الى تفاهم مشترك حول مجمل القضايا الملحة على صعيد الملف الاقتصادي، وبالتالي ايجاد حلول قد يكتب لها النجاح بعون الله تعالى في تفادي تداعيات الانكماش الاقتصادي العالمي الذي خلفته الازمة المالية الراهنة. كما قامت المجموعة بدراسة كيفية اتخاذ التدابير اللازمة لاصلاح النظام الاحتياطي العالمي ووضع التعديلات التشريعية والتنظيمية المناسبة للنظام المالي الحالي الذي قام على اساس الاتفاقيات التي خرج بها مؤتمر بريتون وودز عام 1944 الذي عقد تحت اشراف صندوق البنك الدولي والذي ما زال معمولا به الى يومنا هذا.
الجديد في مؤتمر قمة العشرين هو المشاركة التاريخية للقوى الاقتصادية الصاعدة والدور المهم الذي منحته لها الاقتصاديات الديناميكية المتقدمة (او بالاحرى الدورالذي تم انتزاعه منها بجدارة) للمساهمة في اعادة هيكلة النظام المالي العالمي الحالي وتهيئه كافة السبل والامكانيات لتطويره وتحسين ادائه بعد الشلل الرهيب الذي حل في اوصاله لاسباب عديدة. من هذه الاسباب نذكر مثلا الازمة الائتمانية التي نجمت عن تسهيل معايير الاقتراض ما ادى الى وفرة القروض، لا سيما الممنوح منها لشراء المساكن والعقارات والسلع المعمرة (كالاثاث والاجهزة الكهربائية والالكترونية والسيارات والقطع الثقيلة) واخفاق المقترضين في سداد قروض منازلهم، الامر الذي ادى بالنتيجة الى نشوب ازمة الرهون العقارية عالية المخاطر والتي زاد من تفاقمها الهبوط الحاد وغير المسبوق في اسعار المساكن والعقارات والممتلكات. كذلك الازمة الغذائية العالمية التي تجلت بوضوح في نقص المعروض السوقي لبعض الاغذية الاساسية (كالارز والذرة والشعير وقصب السكر وفول الصويا) وذلك جراء استخدام مثل هذا النوع من الحبوب في صناعة الوقود الحيوي ليس فقط كبديل استراتيجي لتقليص هامش الاعتماد على البترول ومشتقاته بل ايضا كوسيلة لجوء الى استخدام مصادر اخرى من الطاقة النظيفة الاقل كلفة والاكثر صداقة للبيئة. اضف الى ما سبق ذكره من اسباب، الانحسار التاريخي المتعاقب في قيمة الدولار الاميركي على فترات طويلة مقابل عملات دولية رئيسية اخرى كاليورو والين والاسترليني وغيرها، الامر الذي تمخض عنه الارتفاع الشاهق في اسعار التوامين (النفط والذهب) نظرا لتقويم هاتين السلعتين الاستراتيجيتين بالعملة الاميركية.
ادت هذه الازمات مجتمعة الى سلسلة من الانهيارات المالية التي انتشرت في مؤسسات المال وقطاعات وقطاعات اقتصادية هامة كقطاع المصارف والصناعة في دول كثيرة من العالم، والافلاس غير المتوقع للعديد من البنوك الكبرى كبنك بير شتيرنز ومؤسسة ليمان بروذرز المالية (رابع اكبر بنك استثماري في الولايات المتحدة الاميركية) وشركات التامين العالمية الضخمة (كالمجموعة الاميركية الدولية)، والخسائر الفادحة التي نجمت عن انفجار الفقاعة العقارية وما افرزته من عمليات بيع للقروض المتعثرة السداد (الديون العقارية بشكل خاص) على شكل عقود تامين بحيث تمت صياغتها واعادة بيعها على صورة سندات استثمارية، علما بانه لم تكن هناك اية ارصدة مالية ترفدها وتغطي قيمتها. وقد قدرت هذه الخسائر المهولة بما يناهز 65 تريليون دولار اميركي (65 الف بليون/مليار دولار اميركي) وهو ما يعادل خمسة اضعاف الناتج القومي الاجمالي للولايات المتحدة الاميركية. وقد دفعت الازمة ايضا بعض البنوك الكبرى (مثل جيه. بي. مورغان تشيس وسيتي جروب واتش. اس. بي. سي) الى الغاء عدد هائل من الوظائف قدر بالالاف. باختصار شديد، احاقت هذه الازمات باهم القطاعات المحورية التي تحرك عجلة الاقتصاد العالمي وتسند دعائمه وهي اسواق الائتمان والاسكان والمال.
من بين الدول الناهضة التي شاركت بفاعلية عالية المستوى في قمة العشرين كانت المملكة العربية السعودية الشقيقة. فبمناسبة هذه المشاركة التاريخية المشرفة لدولة عربية خليجية ذات ثقل استراتيجي عظيم ودور لوجستي كبير وهام على ساحة الاحداث الدولية، تحضرنا هنا حزمة من التساؤلات عن الدور الرائد الذي نترقبه من المملكة في المساهمة في ترتيب البيت المالي والنقدي العالمي الجديد. فكيف سيكون شكل هذه المشاركة باذن الله تعالى؟ هل سيقتصر الدور السعودي مثلا على اعادة هيكلة المؤسسات المالية العالمية؟ ام على تشديد ضوابط النظام المالي العالمي؟ ام على صياغة السياسات وسن القوانين وتشريع الانظمة المالية العالمية؟ ام على تعزيز قوانين الاسواق المالية العالمية وتنظيمها وضبط تقلباتها؟ ام على استحداث منظومة رقابية عصرية تواكب احدث الاساليب والمعايير الدولية لتشديد قبضة الرقابة المالية على المصارف العالمية الكبرى؟ ام على تقييم اداء القطاعات المالية العالمية؟ ام على وضع التدابير الاشرافية والاستراتيجيات الحمائية التي تحفظ حقوق المستثمرين وتحمي عامة الناس من دهاليز قراصنة البورصة وبراثن سماسرة المال، الامر الذي من شانه ان يتيح لهم الحفاظ على اموالهم واستثماراتهم التي عرقوا في جمعها وذاقوا الامرين في ادخارها من التبخر والضياع؟ ام على اجراء اصلاحات مصرفية (كنهج خطط انقاذ مالي او عقد صفقات دعم مالي للبنوك والشركات التجارية والمؤسسات المالية المتعثرة في حالات الطواريء)؟ ام على لعب دور اكثر فاعلية في البنك الدولي او صندوق النقد الدولي (الذي يتحكم في التجارة والتمويل الدوليين) او الاثنين معا من اجل العمل المشترك على نزيف وقف الازمة المالية واخراج الاقتصاد العالمي من مستنقع الركود الحالي؟
مواضيع كثيرة مطروحة على طاولة البحث والنقاش السعودية نتمنى ان نرى لها ترجمة ملموسة على ارض الواقع في المستقبل القريب باذن الله تعالى، من خلال تكثيف التعاون والتشاور وتنسيق الجهود مع باقي دول الخليج والدول العربية، وتبادل الاراء وتقاسم الخبرات وتقاطع الرؤى مع البنوك المركزية ومؤسسات النقد والوزارات المالية والهيئات الرقابية (العاملة في مجالات ضبط الاسواق المالية وتقييم المخاطر وتشديد المعايير الدولية على المؤسسات والادوات المالية) من اجل تطبيق هذه المقاييس بشكل موحد في مختلف الدول، وصولا في المحصلة النهائية الى تمثيل عربي مشترك قادر على حماية الاقتصاديات العربية من ازمات اقتصادية وانهيارات مالية مماثلة تمكننا بعون الله تعالى من اجتياز تداعياتها بكل ثقة واقتدار وثبات، الامر الذي من شانه ان يحقق استقرارا ماليا يوفر لوطننا العربي الكبير الامان الاجتماعي والرخاء الاقتصادي والتنمية المستدامة المنشودة، داعين الله جلت قدرته ان يحفظ امتنا العربية والاسلامية من كيد المغرضين وان يصون تراب بلادنا من المحيط الى الخليج من كل شر ومكيدة "وقل اعملوا فسيرى الله عملكم ورسوله والمؤمنون" (صدق الله العظيم)، ان الله سميع مجيب وهو ولي التوفيق.
_______________ أ. د. اميل قسطندي خوري [email protected] عمان - الاردن
#اميل_قسطندي_خوري (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
عالمنا اليوم .. كيف تبدو البانوراما؟
-
لغط المصطلحات .. يُرجى الانتباه
-
نقص المعروض الغذائي . . لماذا؟
-
الازمة المالية العالمية .. حلول مقترحة
-
ما الذي يحدث في العالم؟
-
الادارة . . مباديء ومفاهيم ورؤية
-
كينز . . ومباديء في علم الاقتصاد
-
موجبات تغيير أسعار الفائدة
-
القطاع الخاص ودوره في التنمية الوطنية
المزيد.....
-
الجمهوريون يحذرون.. جلسات استماع مات غيتز قد تكون أسوأ من -ج
...
-
روسيا تطلق أول صاروخ باليستي عابر للقارات على أوكرانيا منذ ب
...
-
للمرة السابعة في عام.. ثوران بركان في شبه جزيرة ريكيانيس بآي
...
-
ميقاتي: مصرّون رغم الظروف على إحياء ذكرى الاستقلال
-
الدفاع الروسية تعلن القضاء على 150 عسكريا أوكرانيا في كورسك
...
-
السيسي يوجه رسالة من مقر القيادة الاستراتجية للجيش
-
موسكو تعلن انتهاء موسم الملاحة النهرية لهذا العام
-
هنغاريا تنشر نظام دفاع جوي على الحدود مع أوكرانيا بعد قرار ب
...
-
سوريا .. علماء الآثار يكتشفون أقدم أبجدية في مقبرة قديمة (صو
...
-
إسرائيل.. إصدار لائحة اتهام ضد المتحدث باسم مكتب نتنياهو بتس
...
المزيد.....
-
واقع الصحافة الملتزمة، و مصير الإعلام الجاد ... !!!
/ محمد الحنفي
-
احداث نوفمبر محرم 1979 في السعودية
/ منشورات الحزب الشيوعي في السعودية
-
محنة اليسار البحريني
/ حميد خنجي
-
شيئ من تاريخ الحركة الشيوعية واليسارية في البحرين والخليج ال
...
/ فاضل الحليبي
-
الاسلاميين في اليمن ... براغماتية سياسية وجمود ايدولوجي ..؟
/ فؤاد الصلاحي
-
مراجعات في أزمة اليسار في البحرين
/ كمال الذيب
-
اليسار الجديد وثورات الربيع العربي ..مقاربة منهجية..؟
/ فؤاد الصلاحي
-
الشباب البحريني وأفق المشاركة السياسية
/ خليل بوهزّاع
-
إعادة بناء منظومة الفضيلة في المجتمع السعودي(1)
/ حمزه القزاز
-
أنصار الله من هم ,,وماهي أهدافه وعقيدتهم
/ محمد النعماني
المزيد.....
|