|
جدلية العلاقة السورية الليبية حول جلاء القواعد البريطانية عن ليبيا
خيام محمد الزعبي
الحوار المتمدن-العدد: 2681 - 2009 / 6 / 18 - 10:40
المحور:
دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات
احتلفت ليبيا الشقيقة في 28/مارس 2009 بمرور 39عام على طرد القواعد البريطانية الاستعمارية التي جثمت على أرضها قرابة ثلاثين عاماً، والذي كان يشكل وجودها ليس خطراً على ليبيا فقط بل وعلى الأمة العربية بالكامل. حيث بذل الاستعمال الغربي كل محاولة ممكنة لإبقاء السكان العرب في هذا البلد مركزاً يشبه العبيد حتى لا يحرزون تقدماً لا بالنسبة لأنفسهم فقط وأيضاً لأمتهم العربية، هذا ولقد بلغ القمع والاستعباد الذروة في ظل السيطرة الإيطالية أي تحديداً من عام 1911-1943، وليس هذا فقط بل تعرض الليبيون للقمع على أيدي السلطات الإيطالية، وكذلك مصادرة معظم أراضيهم الخصبة التي استولى عليها مستوطنون قدموا من إيطاليا، وفي عام 1943 خلف البريطانيون والفرنسيون والأمريكيون الإيطاليون، وحاولوا تثبيت أقدامهم في البلاد، وكذلك بث التفرقة والانقسام بين أبناء الشعب الليبي، ولكنهم فشلوا في تحقق أهدافهم بفضل أحداث وظروف سياسية ومجتمعية. وإذا ما دققنا في ذلك نجد أن هناك تغييراً جذرياً حصل في البلاد وشكل تحدياً خطيراً لجيل ما بعد الاستقلال المزيف عام 1951، ويرجع ذلك إلى أمرين، أولهما: هو اكتشاف النفط الجيد بكميات كبيرة عام 1959 ليغير في غضون عقد من الزمن الوضع الاقتصادي والاجتماعي برمته، وشكل أول تحدٍ في فترة ما بد الاستقلال المزيف، إذ كان يعني هذا أن ليبيا أصبحت لأول مرة في وضع يمكنها بدون مساعدة خارجية من القضاء على الفقر ورفع مستوى التعليم ومواجهة تحديات القرن العشرين فضلاً من كونه أول خطوة في سبيل تحقيق أوسع نطاقاً وأعمق جذوراً من شأنه أن يحيل ليبيا إلى دوله عصرية، أما الحدث الثاني والأكثر أهمية هو قيام ثورة الفاتح من سبتمبر 1969 وما نتج عنه من قيام ثورة حقيقية سياسية واقتصادية واجتماعية شملت جميع أوجه الحياة في ليبيا، هذه الثورة التي قامت لتخلص ليبيا من بقايا الاستعمار ولتحقق لها استقلالاً أكمل وأشمل وأصدق من غيره وتمكنها من أن تتبنى الدعوة العربية الإسلامية الأصلية، وليس هذا فقط بل وبدور متميز إقليمياً في أفريقيا وعالمياً على مستوى العالم الإسلامي والوقوف الداعم لقضايا المسلمين والأقليات الإسلامية في العالم حتى في داخل المعسكر الغربي، لقد وصلت يد هذه الثورة إلى الأمريكيين السود المسلمين منهم في الولايات المتحدة الأمريكية، وأيضاً قيامها بدعم المضطهدين والباحثين عن التحرر من الاستعمار، فقد تبنت مفهوم الحرية والدفاع عنه والوقوف إلى جانب حركات التحرر في آسيا وأفريقيا وأمريكا اللاتينية ونظام التمييز العنصري في أفريقيا وفي إسرائيل والوقوف مع الحركات القومية في أوروبا وأيرلندا ضد الاستعمار البريطاني. لقد مثّل الجلاء لدى الثورة الليبية هدفاً وطنياً ولكنه في ذات الوقت كان خطوة على طريق معركة قومية كبيرة، فهذا الشعب بقيادته الحكيمة لم تخدعه الانتصارات في فجر تلك الثورة ولا في يوم 28 مارس تاريخ الإجلاء عند ما طرد القواعد البريطانية، فقد مثلت له ذلك وسيلة فقط وليست غاية وهي تحقيق حرية الإنسان العربي وتحقيق وحدة الأمة العربية جميعها، بالتالي القيام بخوض معارك أخرى ليست على الصعيد المحلي الليبي، ولكن أيضاً على الصعيد القومي فمنذ أول يوم للثورة الليبية رفعت ليبيا بقيادتها الشابة في ذلك الوقت شعار قومية المعركة منادية بأن حريتها مازالت ناقصة ما دام هناك إنسان عربي آخر مازال مستعبدا، تلك كانت الحقيقة التي آمن بها الشعب الليبي وثورته، حيث ربط بين تحرير ليبيا وما حققته ووجود القوات الأجنبية على أراضي عربية أخرى مازال جنود الاستعمال يحتلونها. ومن هنا تتطابق الرؤية الليبية مع الرؤية السورية المصرية لتحرير الأراضي العربية المحتلة وقد تمسكت سورية بالرؤية الليبية التي كانت تمثل بالنسبة لسورية هدفاً قومياً واستراتيجياً لها، وهذا ما عبرت عنه القيادات الثلاثة الليبية والسورية والمصرية في إعلان بنغازي عام 1971 بقيام اتحاد الجمهوريات العربية الذي يضم الجمهورية العربية المحتدة والجمهورية العربية السورية والجمهورية العربية الليبية، وبالتالي التقت بين الثورات الثلاث في كل من ليبيا وسورية ومصر والتي مثّل التقائها مطلباً جماهيرياً وضرورة نضالية، تعطي لحركة النضال الشعبي العربي طاقات وأبعاد جديدة تؤكد الحتمية التاريخية لانتصار الثورة العربية وتأكيد وامتداداً لمقررات دول ميثاق طرابلس ودعم للتكامل والترابط بين دولها وتأميناً لمسيرة النضال العربي التي رفع لواءها القائد الخالد جمال عبد الناصر. هذا وقد عد أمر تحرير فلسطين المرتبة الأولى في رؤية القيادة الليبية والسورية وهو أحد أسمى أهداف ثورة الفاتح من سبتمبر في ليبيا والتي سميت بعملية القدس نسبة إلى المدينة التي يوجد فيها الأماكن المقدسة بالنسبة للعرب المسلمين والمسيحيين، والتي احتلها الصهاينة ويحاولون اختيارها كعاصمة أبدية لكيانهم السياسي المصطنع، وهذا يعد خرقاً للمواثيق والقوانين والأعراف وميثاق الأمم المتحدة إن كان هناك مواثيق تذكر. وهذه الرؤية هي التي تسعى لها القيادة السورية منذ البداية، هذا وإذا دققنا في رؤية قائد الثورية الليبية فيمكن القول إنه كان بإمكانه أن يحصر كافة جهوده القومية والثورة ضمن إطار ليبيا ولمصلحة الشعب الليبي فقط وهذا أمر لا يستطيع أي مسؤول عربي أو غير عربي أن يلومه عليه، ولكنه كثوري حقيقي لا يقبل ولن يقبل أبداً بأن لا تكون مسألة تحرير فلسطين ضمن مبادئ وأهداف هذه الثورة العربية، ثورة الفاتح من سبتمبر العظيمة. فقد مثل ذلك لديه الواقع الذي يناضل من أجله وليس هذا فقط بل وإخلاصه للقيم النبيلة التي آمن بها، ودافع عنها منذ بدايات تشكله، هذه القيم كانت بمثابة القاعدة الأساسية للفكر القومي الوحدوي العربي أولاً ولثورة الفاتح ثانياً، وفي الواقع أن المدقق في المبادئ الأساسية لقائد الثورة الليبية يجده لم يساوم عليها أو يخونها أبداً، فقد مثّلت له هدفاً استراتيجياً وقومياً ووطنياً وهاجساً من أجل ترميم الحضارة العربية، وجعل الإسلام محركاً معنوياً للنضالات الضخمة والقرارات الحاسمة، وهذا ما يتضح الآن ما يقوم به في أفريقيا من أجل السلام والعروبة أي عروبة وأسلمة أفريقيا والعودة بها إلى ما قبل الظاهرة الاستعمارية حيث كانت أفريقيا تمثل عمقاً استراتيجيا للعرب وتستخدم في لغتها المحلية الحروف العربية، ومثل بها الإسلام حوالي 70% من السكان سواء كان ذلك من الأفارقة العرب أو أهل أفريقيا، ومكنّه من ذلك دراسته المتعمقة للتاريخ والذي أمده بكافة المعلومات التي تعد بمثابة المواد الأولية لعلم السياسة والعلاقات الدولية. من هنا نصل إلى، بل ونتفهم واقع الثورة الليبية ولماذا، حملت على عاتقها المسؤولية التاريخية وهي بعد الإجلاء وطرد المستعمر من الأراضي الليبية وإزالة القواعد من أراضي ليبيا الشقيقة، وطرد بقايا الغزاه الفاشسيت الذين كانوا يملكون اقتصاد البلاد. وتلك المسؤولية هي قيادة الجماهير العربية، وليس هذا فقط بل أكدت على سخطها من أولئك الذين يتاجرون بدماء الأبطال والشهداء الذين سقطوا في ساحات القتال دفاعاً عن القيم القومية العليا لتحقيق مصالحهم الشخصية، وبالتالي فإن القضية الفلسطينية بطريقها المفروش بالأشواك نجده بالرغم من ذلك وبدون أي شك هو الرجل الذي يحافظ دائماًٍ وحافظ على إخلاصه ووفائه لهذه القضية وبدون أي تردد، حيث مثل الدفاع عن القضية الفلسطينية بالنسبة له واجباً يتطلب الاهتمام الكامل، أنه لا يبخل بتقديم المساعدات الغير محدودة لكافة الدول المناضلة، وقد كان ولا زال حتى تاريخ الساعة من الداعيين لرفع مستوى النضال من أجل تحرير فلسطين لدرجة الدخول في حرب حاسمة، أي الانتصار أو الموت في سبيلها. أخيراً فإن مسألة تحرير ليبيا من القواعد الأجنبية مثّل نقطة البداية للثورة الليبية لترسم خطاها على الساحتين العربية والدولية وهذا ما يتفق مع الرؤية السورية المصرية.
#خيام_محمد_الزعبي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
وعد أوباما بالتغيير و ازدواجية السياسة الأمريكية
المزيد.....
-
مسؤول عسكري بريطاني: جاهزون لقتال روسيا -الليلة- في هذه الحا
...
-
مسؤول إماراتي ينفي لـCNN أنباء عن إمكانية -تمويل مشروع تجريب
...
-
الدفاع الروسية تعلن نجاح اختبار صاروخ -أوريشنيك- وتدميره مصن
...
-
بوريسوف: الرحلات المأهولة إلى المريخ قد تبدأ خلال الـ50 عاما
...
-
على خطى ترامب.. فضائح تلاحق بعض المرشحين لعضوية الإدارة الأم
...
-
فوضى في برلمان بوليفيا: رفاق الحزب الواحد يشتبكون بالأيدي
-
بعد الهجوم الصاروخي على دنيبرو.. الكرملين يؤكد: واشنطن -فهمت
...
-
المجر تتحدى -الجنائية الدولية- والمحكمة تواجه عاصفة غضب أمري
...
-
سيارتو يتهم الولايات المتحدة بمحاولة تعريض إمدادات الطاقة في
...
-
خبراء مصريون يقرأون -رسائل صاروخ أوريشنيك-
المزيد.....
-
الانسان في فجر الحضارة
/ مالك ابوعليا
-
مسألة أصل ثقافات العصر الحجري في شمال القسم الأوروبي من الات
...
/ مالك ابوعليا
-
مسرح الطفل وفنتازيا التكوين المعرفي بين الخيال الاسترجاعي وا
...
/ أبو الحسن سلام
-
تاريخ البشرية القديم
/ مالك ابوعليا
-
تراث بحزاني النسخة الاخيرة
/ ممتاز حسين خلو
-
فى الأسطورة العرقية اليهودية
/ سعيد العليمى
-
غورباتشوف والانهيار السوفيتي
/ دلير زنكنة
-
الكيمياء الصوفيّة وصناعة الدُّعاة
/ نايف سلوم
-
الشعر البدوي في مصر قراءة تأويلية
/ زينب محمد عبد الرحيم
-
عبد الله العروي.. المفكر العربي المعاصر
/ أحمد رباص
المزيد.....
|