|
ثقافة الكراهية - رؤية عراقية
جمال مهدي صالح
الحوار المتمدن-العدد: 2678 - 2009 / 6 / 15 - 09:03
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
لزمن ليس باليسير على الصعيد الشخصي لم اكن اتيقن من ثقافة الكراهية واذهب هنا في مفهوم الثقافة الى السلوك والمعتقد للفرد والجماعة حيث لاتزيد ذخيرتي المعرفية على اكثر من الاطلاع نظريا رغم ان المناخ السائد في الدولة العراقية قبل 2003 كان يمثل ترجمة للعنف المنظم المتمثل بسلوك الدولة والحزب الحاكم غير ان هذه الظاهرة القمعية لم تكن ماثلة للعيان حتى احداث الانتفاضة الشعبانية وقبلها في عملية الانفال بيد ان التعتيم الاعلامي ماكان ليسمح بالاطلاع بشكل مباشر عليها وجملة المعلومات المتكونة لانسان مثلي خارج نطاق الحدث المباشر لاتتخطى عن السماع وهو الشيء الذي طالما اقلل من اهميته الوثوقية حسب طبيعتي الشخصية ولست هنا اجد المبررات للعنف مهما كانت طبيعته او الجهه التي تتبنى وحسب مايحلو للبعض في تسميته العنف الشرعي للدولة اوتحت غطاء العنف الثوري حسب الادبيات اليسارية الشيوعية .
ان ما اريد ان اذهب اليه هو ان العنف لم يكن متمثلا كظاهرة اجتماعية او نتاج لايديولجيا فاعلة تشيعها ثقافة الكراهية وهو حسب ماكنت اعتقد مستشهدا بمقولة هيجل(عندما يتعلق الامر بالافكار لاسيما الافكار التنظيرية فان الفهم معناه شيء اخر غير الاكتناه الحصري لمعنى الالفاظ النحوي وغير استجماعها بذاتها حقا وانما يعني الامتداد حتى منطقة التمثل)
ولكي لاتربكنا المصطلحات علينا ان نفصل بين مصطلح العنف ومصطلح الكراهية حيث ان الاول يمثل جانبا من الثاني في حين ان الكراهية هي ثقافة شعورية او لاشعورية تتمثل في جوانب عدة يكون اكثرها وضوحاً العنف .
ان جملة الاحداث التي جرت منذ 2005 وحتى منتصف 2007 كان لها وقع شديد الوطأة استدعت الكثيرين وانا منهم الوقفة التي يشوبها الذهول من كمية الكراهية المحتقنة التي وجدت المسارب المنفلتة وهذا الزخم من الاحساسات المتسارعة نحو التمثلات .
وفي جردة لتنسيب الوقائع وكشف الاسباب المباشرة وغير المباشرة وهو العمل الذي قام به الكثيرين سواء من كان معني بالدراسة والبحث او حتى عامة الناس والذين مسهم العنف بشكل اوباخرفيما تفاوتت الاسباب واهميتها بشكل عام وفق رؤية كل واحد ابتداءً من ان الاحتلال كونه السبب الرئيس او تدخل دول الجوار او منهجية الجماعات المتطرفة التي كانت نتاج الاحتقان الطائفي او سياسة الاقصاء او التهميش التي مارسها النظام السابق لمكون رئيسي في المجتمع العراقي اوالمناخ العام الذي خلفته حروب النظام السابق ..كل هذه الاسباب مجتمعة اوالبعض منها وربما اخرى هي ما اشار اليها الخطاب المعني بتشخيص احداث العنف الدموي في العراق .
ربما كل ماأشرنا اليه من (اسباب) فيما تقدم تبدو انها حقيقية الا اننا نرى غير ذلك ونعتقد انها نتائج اكثر من كونها اسباب ولذلك فصلنا بين العنف والكراهية اصطلاحياً حيث ان الاول (العنف) هو تمظهر لاحد جوانب ثقافة الكراهية ولكننا من خلال رصد وتوصيف هذا الجانب (العنف)ومن خلال تمفصله تتكشف لدينا بعض ميكانزيمات هذه الثقافة والتي ناخذها هنا وفق تعريف تايلر الواسع الذي تتمثل فيه انماط السلوك والمعتقد للفرد والجماعة لتعبر عن الهوية .
وانا اذ اخذنا هذا المسار في البحث كان لابد لنا من الارتكاز على تاسيسات ابستمية تؤدي الى نوع من الترابطية من حيث ان الاشكالية العراقية وفق ماافصحت .. لها امتدادات عامة وخاصة ومن حيث انها عامة تنطبق عليها المقولات الابستمية المعيارية العامة الا انها من زاوية الخصوصية لابد من تكوين شبكة مقولات خاصة بها .
واول هذه المقولات هي تشخيص ودراسة التاريخانية الخاصة بهذه التمثلات وسوف نبتعد كثيراً عن التاريخ الكارنولجي على المستوى المعرفي اذ ان شرطي التاريخ (الزمان /المكان) لاتخدمنا الا في حالات التحقيب والتاريخ وفق هذين الشرطين هو احد اكبر اشكاليات العقل الراهن (نعني بهذا الكلام العقل العربي الاسلامي ) في حين اننا سنعتمد على المنهجية الجدلية في التاريخ وشروط التاريخ فيها (الزمان /المكان/ العقل) ان التاريخ وفق شروط الجدل هو لحظة السيرورة والتغير وصناعة التاريخ بمعنى الحراك التاريخي او التمثل (التمظهر) .
ان الغاية من هذا التوظيف يخدمنا بموضعة العنف وطبيعة امتداده في التاريخ العراقي المحايث للسياسة ولانستطيع ان نمتد رجوعاً اكثر من التاريخ الحديث والذي يبدأ مع تكوين الدولة العراقية وفق (الكتالوج) البريطاني اذ قبل هذا التاريخ لايشكل العراق بولاياته العثمانية الثلاث تواصل مع التاريخ العام العالمي او حتى مع الموروث العربي الاسلامي الاقليمي ولايتخطى الوجود الديموغرافي اكثر من تجمعات عشائرية منفصلة تشكلت وانغلقت على نفسها عبر عدة قرون وربما منذ سقوط بغداد 1258 وكانت المدن التجارية القائمة على الانهر تزدهر وتنمو وسرعان ماتضعف حسب المد العشائري الذي يطغى على اسس هذه المدن ويقوض مدنيتها اذ سلطة القانون رهينة بقانون العشيرة وقد ساعدت سياسة المحتل للعراق على تكريس هذا الامر وعلى مختلف هويات هذا المحتل من مغولي اوصفوي او عثماني اوبريطاني.
نسنتج من هذا ان الكلام عن كون الشخصية العراقية هي امتداد للشخصية العربية التاريخية هو محض افتراء ان الشخصية العراقية هي شخصية مأزومة الوطنية وهو ماسوف نتبينه من خلال سيرنا في الخطاب فعندما يتكلم اجدادنا المباشرين عن حادثة مثل (السفربر) وهو تجنيد ابناء العراق في الجيش العثماني ايام الحرب ضد روسيا لم تنم في ذاكرتنا عنها اكثر من جزر مقطوعة تقرب للاسطورة ناهيك عن تاريخ يوغل اكثر عمقاً من ذلك فبات من التعسف اعتبار الشخصية العراقية هي بنية اوالياتها متكونة من العصر العباسي اوالاموي او صدر الاسلام وان مثل هذا الوصف هو امر غير دقيق اننا بهذا الكلام لاننحي الوحدة الاجتماعية (العشيرة) من احتوائها في تقاليدها العرفية على الموروث العروبي الاسلاموي وجملة من الاباطيل المحلية غير اننا نتكلم هنا عن التواصل التارخي والامتداد الحركي .
ان الحاضر رغم اي شيء يظل الاول في كل الموقف حتى لو ارغم على التخفي والمراوغة وراء(الماضي) و(المستقبل) وارتداء لبوسهما والباحث المدقق وحده اي المنطلق من واقع الحال المشخص هو الذي بامكانه فك الارتباط بين تلك الابعاد الثلاثة واكتشاف ان الحاضر هو سيد الموقف سلباً او ايجاباً .
لقد وظف الاحتلال البريطاني الوضع العشائري لمصلحته ففي 27 تموز 1918 اصدر بلاغات لها قوة القانون وقد اقحمت لاحقاً بقانون البلاد في العهد الملكي بموجب المادتين 113/114 من الدستور العراقي للعام 1925 استثنت الريف من سريان القانون الوطني عليه .
ويورد الحسني في تاريخ الوزارات العراقية نص مذكرة للملك فيصل الاول توصف الواقع العراقي (اقول وقلبي ملآن أسى انه في ا عتقادي لايوجد في العراق شعب عراقي بعد ، بل توجد كتلات بشرية خيالية خالية من اي فكرة وطنية متشبعة بتقاليد واباطيل دينية لاتجمع بينهم جامعة سماعون للسوء ميالون للفوضى مستعدون دائماً للانتفاض على اي حكومة كانت نحن نريد والحالة هذه ان نشكل من هذه الكتل شعباً نهذبه وندربه ونعلمه .....الخ)
على ماتقدم نخرج بحقائق ومحددات للتنويعة الديموغرافية بالعراق والذي سنستكشف من خلاله الواقع السوسيوثقافي المحايث لهذه المحددات ان مشروع اضعاف الواقع العشائري العراقي كان مطلباً فرضته ظروف نشاة الدولة الحديثة حيث انه لايمكن ان تستقيم هذه الدولة بدون ايجاد رابط وطني مشترك وهو الامر الذي تطلب اضعاف التشكيلات العشائرية وصهرها بواقع وطني الا ان الاحتلال البريطاني كان قد تراجع عن هذا الامر لاسباب تخص مصلحته حيث اشار تقرير شركة الهند الشرقية في سنة 1920 الى عدم توفر الامكانيات المادية التي تغطي نفقات الجيش البريطاني في العراق وهو مايستدعي الاعتماد على امكانات العراق وتقليص الجيش للحد الادنى وهو ماسوف يضعفه وبالتالي لايستطيع السيطرة فكان الرأي على تقوية النظام العشائري وزيادة نفوذ شيوخ العشائر واقطاعاتهم رافق هذا الامر زيادة جشع الشيوخ القبلين وقسوتهم مما ترتب عليه هجرة الكثير من الفلاحين هرباً من هذه القسوة والبحث عن الرزق في المدن وبالذات بغداد واغلب المهاجرين من جنوب العراق المعدمين وقد شكلوا بمرور الوقت شريحة سكانية قطنت في شرق القناة (قناة الجيش) في اكواخ طينية (الصرايف)وعاشت ولاتزال وضعاً لا انسانياً عرفت باسم (الشروكية) ولنا عودة لاحقة لهذه الشريحة ومدى تاثيرها في الحياة العراقية المعاصرة .
من جانب اخر حول الاحتلال البريطاني العراق الى سوق لبيع منتجاته وهذه المنتوجات كانت قد قضت بالكامل على الصناعات المحلية البدائية خاصة في مناطق الفرات الاعلى وبعض مناطق (صلاح الدين) وهو مما ادى الى هجرة الكثير من سكان هذه المناطق الى بغداد فنزلوا منطقة الكرخ للبحث عن فرص عمل فكانت الكرخ عبارة عن( جيتوات) حيث نزل ابناء المنطقة الواحدة في محلة واحدة مثل التكارتة ، الدورين ، المشاهدة....الخ وفي الرصافة نزلت العزة من ديالى والعبيد من الحويجة سكنوا الاعظمية اما السوامرة (نسبة الى اهالي سامراء) فشكلوا (جيتوات) في كل من بغداد والعمارة والبصرة ان ابناء هذه المحلات لم يندمجوا في مجتمع المدينة الا بصعوبة بالغة مع احتفاظهم بتجمعاتهم ، وحتى عندما انخرط ابناءهم في التعليم وشكلوا نسبة لاباس بها من ضباط الجيش العراقي والمعلمين وموظفين حكومين اي اصبح انتمائهم المعيشي ضمن المرتبة الوسطى ، لم يستطع هؤلاء ان يتخلصوا من ارتباطهم المناطقي والذي اخذ صبغة الطائفة والعشيرة واحياناً العائلة مثلما حدث ابان الحكم العارفي وسيادة قبيلة (جميلة) والتكارتة في حكم البعث ايام البكر صعوداً الى سيطرة العائلة خلال حكم صدام .. اي بقاء روحية (الجيتو) مهما اختلف التنسيب وفق تقسيم العمل والمعروف ان روحية (الجيتو) تمتاز بثقافة الكراهية للاخر وعدم الاندماج الكلي وقبول المحيط الخارجي .
وفي عودة لشريحة (الشروكية) والتي تعتبر واقع سوسيوثقافي متميز وخاص لم يستطع ان يندمج بواقع المدينة على امتداد التاريخ المعاصر وفي هذا الجانب لايعود عدم الاندماج الى اسباب تخصه بل العكس ان هذه الكتلة كان لها قابلية التكيف والمطاوعة العالية ( بسبب فقدان الارداة جراء الفقر المدقع) بحيث انها استخدمت ككتلة موثرة لكل اللاعبين السياسين في تاريخ العراق المعاصر وان واقع عدم الاندماج يعود للطرف الاخر الذي حددهم بمواضع الدرجة الدنيا من المواطنة وهنا يجب ان يلاحظ ان هذه الكتلة المهمشة انسانياً هي التي شكلت تاريخ العراق المعاصر والبعد الطبقي الاهم في دينامية الاحداث الا انها كانت تتوارى في التوصيف لسبب اجتماعي .. فمجرد ذكر كلمة (شروكي) فانها تعني سبة للشخص وكان هذا المدلول قد تراكم نتيجة للاقصاء من الريف الى المدينة و(الشروكي) الذي يحصل على فرصة في التعليم او العمل بشكل جيد يكون اول همه العبور الى غرب القناة (قناة الجيش) .
وكنا نود ان نسلط الضوء على جردة واقعية لهذه الكتلة ولم نفلح بالعثور على اي مصدر احصائي ويجب علينا ان نتخطى الاشكال الاصطلاحي لكي لانقع في مازق التنظير ذلك الامر الذي وقع فيه الحزب الشيوعي العراقي ... لقد ذكرنا ان لهذه الكتلة بعد طبقي وقد تجنبنا توصيفها بالطبقة (classes) حيث ان الاخيرة (وفق النظرة الاجتماعية الكلاسيكية هي عبارة عن تكوين اقتصادي في اساسه بالرغم من انه يشير في النهاية الى الموقع الاجتماعي للافراد والعائلات المكونين له في مظاهره المختلفة ) يشير كارل ماركس (ان اعضاء الطبقة يشكلون مجموعة عندما يعون شروطهم المشتركة وهوية مصالحهم ويتم تنظيمهم سياسياً) في حين كان توصيف ماكس فيبر ابسط من ذلك اذ اعتبر ان الطبقة ظاهرة مرتبطة بالسلعة او اسواق العمل وهو يؤكد ان (وضعية الطبقة هي حتما وضع السوق) من خلال هذه النظرة الى مستوى تقسيم العمل او النظرة التقدمية لماركس بمفهوم الطبقة نستبعد اعتبار هذه الكتلة طبقة ويمكن توصيفها بشكل دقيق بالمرتبة (stand) .
ان الاقتصاد العراقي بشكله العام هو اقتصاد ريعي تنتفي فيه شروط تقسيم العمل وغياب كامل لمجتمع التصنيع حيث اننا نتكلم عن مجتمعات قريبة من (قبل الرأسمالية) ورغم ذلك فان هناك فواصل حادة في مدخولات المراتب الاجتماعية في العراق فــ(الشروكية) عندما قطنوا شرق القناة امتهنوا رغماً عنهم الاعمال الوضيعة واذا اردنا ان نعبر بدقة عن وضعهم المعيشي فانهم اقتاتوا على نفايات اقليات بغداد من المرتبة المتوسطة والمتوسطة الدنيا .
ان هذه الكتلة لم تسنح لها الفرصة لتحسين واقعها الاقتصادي والاجتماعي وعانت من الاهمال وسوء التوظيف . ان اول من اساء توظيف هذه المرتبة الاجتماعية (الشروكية) هو الحزب الشيوعي العراقي بسبب ديمغاوئية التنظير والتي هي بوصلته في تفسير سلوكه او (النضال ) حسب مفهومه حيث اعتبر هذه المرتبة عبارة عن (انصاف بروليتارين ) وطبقة غير ناضجة للعمل السياسي مثلما افتقد الرؤية الى تقسيم العمل في المجتمعات العراقية اذ انه لاوجود لمجتمع التصنيع وهو يعني غياب الصراع الطبقي وبالتالي انعدام المراحل في الانتقال الى الاشتراكية وهو الامر الذي اغفله وحتى عندما اعتبر حكومة عبد الكريم قاسم وثورته هي ثورة للبرجوازية الوطنية في حين انها لم تشكل اكثر من حركة مرتبة اجتماعية .
لقد اضاع الحزب الشيوعي فرصته التاريخية باقصاء هذه الكتلة من حساباته الرئيسية في الوقت الذي ركز على نقابات العمال في السكك الحديدية والموانىء والنفط والمعلمين( بعد تأهيلهم برولتيارياً ) وقد ادرك اهمية هذه الكتلة متاخراً وبعد مجافاة قاسم للحزب الشيوعي حيث دلت كل المؤشرات على انخراط هذه الكتلة في صف قاسم وللانصاف انه الحاكم العراقي الوحيد الذي منحهم بعض الحقوق وقدموا بالمقابل الكثير من التضحيات دفاعا عنه بعد استثارتهم من قبل الحزب الشيوعي خلال احداث انقلاب 1963 .
كان غرضنا من هذا الموجز التاريخي والذي تشوبه الكثير من الثغرات بسبب قلة الوثائق والدراسات الانثربولوجية والاقتصادية وحتى الاحصائية البحتة هو
ان هذه الكتلة شبعت بروح الكراهية ومارست العنف عبر التاريخ المعاصر للعراق ليس للتعبير عن ذاتها او حقوقها بقدر ماتم توظيفها من الاخرين ، واننا نتفق تماماً مع مقولة حنا بطاطو (ايستغرب ان تنبع اللاانسانية من الاوضاع اللاانسانية التي كان يعيشها (شرقاوية) - سكان الاكواخ الطينية - بغداد ؟ )
ويذكر ماركس في رأس المال (ان اخلاق وسلوك الانسان يتغيران تبعاً لتغير وضعه الاقتصادي وحالته الاجتماعية وان الجريمة والعداوة والبغضاء والتي تسود المجتمع ماهي الا نتاج لتدهور اوضاعه الاقتصادية والاجتماعية ) .
مما تقدم توصلنا لبعض الحقائق والدوافع لتفشي الكراهية سواء ماكان منها اقتصادياً او اجتماعياً الا ان هناك بالضرورة حزمة من الاواليات التي تشكل الدافعية (motivation) لتخليق ثقافة الكراهية في المجتمعات العراقية واولها هي الطبيعة الجغرافية للعراق سواء مايتعلق بالمناخ البالغ الحد في ارتفاع درجات الحرارة وطول فصل الصيف وندرة الامطار ورافق ذلك التخلف الاقتصادي والحمق السياسي على زيادة التصحر في العراق مما احال مناخ العراق الى جحيم حقيقي رافقه بالضرورة توتر نفسي مستمر يصعب معه التسامح او التصالح ويذهب ابن خلدون ومنتسكيو الى ان الجغرافية الطبيعية هي التي تحدد على نحو حاسم نمط الوجود الاجتماعي الاقتصادي وماينطوي عليه من بنيات ثقافية وسياسية وفقدان العراق لاطلالة واسعة على البحر اضافة الى تكوينه الطبيعي بشكل منحدر محصور بين الهضبة الايرانية شرقاً والصحراء غرباً والجبال شمالاً والصحراء العربية جنوباً وتنحدر ارض العراق من الغرب الى الشرق مما ساعد على زحف الرمال من الصحراء الغربية والصحراء العربية في الجنوب باتجاه السهل المحاذي للفرات وهي تقضي بمرور الوقت على الكثير من الاراضي الزراعية مالم يوجد نظام سياسي يفكر بجدية بهذا الموضوع ان هذا الكلام يعني ان الطبيعة تساعد على الكراهية من جراء الصعوبة التي تخلقها .
وفي مفصل اخر مهم من ثقافة الكراهية في الشخصية العراقية وهي اللغة .. ربما هناك من يستغرب من ان تكون اللغة احد ميكانزيمات ثقافة الكراهية ولكننا هنا نأخذ اللغة كمؤسسة قمعية ومحيط تواصلي وتفكيري لمستخدميها يقول هردر(ان كل امة تتكلم كما تفكر وتفكركما تتكلم ) وحتى نكون اكثر توضيحاً وبعيداً عن الجانب التجريدي للغة كونها نظام رموز اوعلامات .. اننا نتكلم هنا عن المدلولات ووفق مفهوم سابير (ان لغة جماعة بشرية ما ,جماعة تفكر داخل تلك اللغة وتتكلم بها هي المنظم لتجربتها ,ان كل لغة تحتوي على تصور خاص بها للعالم ) ..... ماهو التصورالذي يتشكل ضمن معطيات اللغة العربية واللهجات العراقية المنبثقة منها ؟
فاللهجة الجنوبية العراقية تفصح عن تاريخ القهر والالم والاضطهاد والمرض والاقصاء والتهميش وجموح القدر ولهجات اعالى الفرات والموصل وصلاح الدين مشبوبة بالبداوة والخشونة والقسوة والذكورية والمجتمعات المنغلقة النافرة للاخر ماذا يمكن ان تنتج مثل هذه اللهجات غير ان تشيع روح الكراهية اللاشعورية نحن لحد الان نتحدث عن الكلام (parole) وفق سوسير والذي يقصد به الاستخدام اليومي للنظام النظري للغة اوالممارسة اللغوية (performance) حسب توصيف شومسكي وحتى عندما نوغل في نظرتنا الى اللغة الام المقعدة او الكفاءة اللغوية (competence) نكتشف ان محمولات اللغة العربية متكونة ومتحددة بالمقدس وتاريخياً ان مساحة المقدس هي في امتداد من النص القرآني والحديث النبوي والفقه والمأثورات والاشخاص, كل هذه المكونات لها بعد تاريخي باستثناء النص القرآني الذي امتاز بالمطلق والتاريخي نريد من هذا كله ان هذه المؤسسات مثل الحديث النبوي والفقه والمأثورات والشخوص اذا تم عزلها عن سياقها التاريخي ستتحول الى مؤسسات قمعية وهو ماحصل واللغة هي اسيرة هذه المحددات التي لم تتخطاها باي شكل من الاشكال لتتحول بذلك الى مؤسسة كبرى للقمع النفسي باسقاطاتها (السياسية – الاقتصادية – الاجتماعية ) يذكر هيدغر (اللغة هي الهامش الذي تحصل فيه الاشياء على هويتها التي بها تحضر وتغيب وتقترب وتناى وتحيا وتموت ,اللغة هي ملاذ الكائن ومثواه) هي التي تحول الاحساسات الى الموضوعات والتمثلات هي سلطة كل السلط .
ننتقل الى مفصل اخر من مفاصل الكراهية في الشخصية العراقية واعتقد انه من الاهمية القصوى في الجانب السايكولوجي في تركيبة هذه الشخصية وما له من دور مهم في الجانب المورفولجي(علم تكوين المجتمع) وهذا الجانب هو (الاندحار الهرموني) لبنية الشخصية العراقية فهذه الشخصية هي عبارة عن تاريخ للقهر الجنسي والرغبات المقموعة . ان واقع شبكة العلاقات الاجتماعية وفق التوصيف السابق للتراتب الاجتماعي والموروث اللغوي – الديني لم يترك الى هامشاً لايذكر في موضوع تنظيم العلاقات الجنسية ومؤسسة الزواج في هذه الشبكة وهي الحيز الوحيد المتاح عبارة عن اشراك مميتة لهذه العلاقات الجنسية اذ ان العائلة كوحدة اجتماعية يكون الرجل فيها وفق كل المحددات بمثابة الراعي والمسؤل المباشر في اعالة العائلة ..ترتب على ذلك مسؤلية في اغلب الاحيان تكون خارج امكانية الرجل وكذلك بالنسبة للمرأة تتكشف عن كونها بنية اجتماعية محددة الوظائف وفق هذا المجتمع الرعوي وهذا المناخ الذكوري لذلك تضيع الطبيعة السليمة للعلاقات الجنسية في زحمة الاشكاليات التي خلقها الوضع الاقتصادي والاجتماعي والسياسي العام للعائلة العراقية بالاضافة الى (تابوات) المقدس ومايستخدمه من قوة لاخضاع الرغبة اي ان الانا العليا تسعى بتواصل لكبح جماح الهو
#جمال_مهدي_صالح (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
جدل المرجعيات والوطنية المغيبة
المزيد.....
-
الإدارة الأمريكية توضح جهودها لـ-تهدئة التوترات- بين تركيا و
...
-
عائلات فلسطينية ترفع دعوى على الخارجية الأمريكية بسبب دعمها
...
-
نهاية أسطورة الاستبداد في المنطقة
-
-ذي تلغراف-: الولايات المتحدة قد تنشر أسلحة نووية في بريطاني
...
-
-200 ألف جثة خلال 5 سنوات-.. سائق جرافة يتحدث عن دفن الجثث ب
...
-
وليد اللافي لـ RT: البرلمان الليبي انحاز للمصالح السياسية وا
...
-
ميزنتسيف: نشر -أوريشنيك- في بيلاروس كان ردا قسريا على الضغوط
...
-
خوفا من الامتحانات.. طالبة مصرية تقفز من الطابق الرابع بالمد
...
-
ألمانيا وفرنسا وبريطانيا تدعو إيران إلى -التراجع عن تصعيدها
...
-
طهران تجيب عن سؤال الـ 50 مليار دولار.. من سيدفع ديون سوريا
...
المزيد.....
-
لبنان: أزمة غذاء في ظل الحرب والاستغلال الرأسمالي
/ غسان مكارم
-
إرادة الشعوب ستسقط مشروع الشرق الأوسط الجديد الصهيو- أمريكي-
...
/ محمد حسن خليل
-
المجلد العشرون - دراسات ومقالات- منشورة بين عامي 2023 و 2024
/ غازي الصوراني
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
-
دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية
/ سعيد الوجاني
-
، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال
...
/ ياسر جابر الجمَّال
المزيد.....
|