جهاد علاونه
الحوار المتمدن-العدد: 2678 - 2009 / 6 / 15 - 09:02
المحور:
كتابات ساخرة
أنا اليوم إنسان آخر , إنسان مختلف , كوني سعيد وأعيش لحظات جميلة دونما أن أدري السبب, وبصراحة لا أريد أن أعرف السبب, يكفي أنني سعيد وخلص .
من غير ليه أنا سعيد جداً , كيف ؟ وكم؟ من ناحية الكم والكيف ما بديش أبحث المسألة ,لا أريد أن أبحث في مسائل عالقة , وأتمنى لقرائي أن يكون سعداء مثلي حين يغمضون أعينهم في النهار فيشاهدون وجه محبوبتهم كما شاهدته أنا يلبس ألبسة جميلة وألوان رائعة بدون مكياج أو ميك أب أو أي تصنع .
بالرغم من أن ظروفنا عادية ولم يتغير علينا أي شيء , فمنذ الصباح مارست طقوس القهر العادية دون أن أشعر بأن في حياتي تغيير طارىء , أو أن بحياتي نوع من التغيير , كل شيء يسير كالمعتاد , الهواء الذي أتنفسه فيه كثيرمن الرمال ومع ذلك أنا اليوم إنسان سعيد جداً.
وفي ساعات الظهيرة جاءتني فاتورة الكهرباء وبعدها بدقائق فاتورة المياه ومع ذلك أنا إنسان سعيد, رغم أنني مدتُ يدي إلى جيبي فلم أجد ما أدفعه وإلتفت لي جابي شركة الكهرباء وقال : هاي الفاتورة الثانية لالمستحقة عليك بُكره بقطعوها عنك, ومع كل ذلك أنا سعيد وأسمع في أذني أصوات الطرب.
إحتضنت في حارتنا كل الناس (البيه صاحبي والفقري) وغنيت وأنا داخل على منزلي أغنية عبد الحليم حافظ ( حاجه غريبه ..! الدنيا لها طعم جديد حاجه غريبه أنا حاسس إنه ده يوم عيدك ..) (يا صحابي يا أهلي يا جيراني أنا عاوز أخذكوا في أحضاني).
ومن ثم إتصلت بصديقي أحمد جاء ومعه كل المعدات الطربية غنينا من التراث المصري واللبناني من القديم والحديث , وركزنا على تراث عائلة بندلي (غزاله تنزل وديان يابه غزاله ورموشها قتاله).
أنا اليوم إنسان سعيد جداً في حياتي وأضحك بإستمرار طوال النهار رغم أنه لا يوجد سبب للضحك , والضحك بدون سبب قلة أدب , لذلك أشعرُ أنني قليل الأدب مع نفسي لأنني مبسوط وأضحك من غير سبب , وما زلتُ حتى اليوم أتذكرُ أستاذ المدرسة حين مررتُ في الممر مع صديقي ونحن نغني أغنية عبدالحليم حافظ (فاتت جنبنا) فمد إلينا يده وهي تمسك بالعصا وضرب صاحبي ضربتين أما أنا فقد زاد عدد الضربات ضربةً إضافية لأن فرحتي كانت أكبر وأكثر من فرحة صاحبي , ومن يومها وانا أتسائل : ليش يا ربي الناس بستكثروا علينا الضحكه والفرحه وما بحبوش يشوفوا غير دموعنا ؟!
منذ الصغر تعلمنا في المدرسة من أن الله لا يحبُ الفرحين وأنا إنسان أحب ُ أن أكون فرحانا جداً وأحب أن يُحبني الله , ولكن هيهات أن يحصل ذلك لأنه لا يحب الفرحين .
بس أنا اليوم عن جد فرحان إكثير ومبسوط وشاعر أنني أسعد إنسان جندري في الأردن بل في الوطن العربي كله , علماً أن حياتي عادية ودفعت ُ ما ترتب عليّ وأقفلتُ بعض..وقمتُ بتسديد بعض الفواتير وكل الأمور التي قمتُ بها اليوم يقوم بها أي مواطن عادي , ومع ذلك أنا سعيد جداً , وها أنا الآن أستمع لدقات قلبي على المقام العراقي (اللامي) أنا مبسوط جداً وشاعر بدهشة عظيمة أيما دهشة .
وبين اللحظة واللحظة تأتيني نوبات من الفرح الكبير ومن الفرح الشديد كما تأتي للمعاتيه نوبات الجنون , ودخلت منزلي على حين غرةٍ من أهلي وأقفلتُ الباب ورائي بقوة فلم أسمع صوت أمي أو أي إنسان تأكذت من أن المنزل كالوطن خالي من الأحباب والسكان العطوفين , فقمتُ بإستثمار الوقت وضحكتُ بصوت عالي وكأنني مخبول بحاجة إلى بارمستان وراجل منخوليا على الآخر , ولست مهتماً بما يقوله الناس عني فأنا الآن في لحظة الفرح الشديد وكل الأشياء أمامي تبدو وكأنها سعيدة , فالجدران تتمايل وهي سعيدة والصور المعلقة في مكتبي الخاص ضاحكة حتى الموناليزا فيها إبتسامة تخلو من دمعة الفيلسوف حين يبتسم وعيناه تدمع .
أنا مبسوط جداً في حياتي أذهب للعمل صباحاً تحت ظل الشمس الحارقة وأجلس مع العمال والشغيلة أحبهم ويحبونني وفي ساعات المساء أعود لمنزلي آخذ حمام بارد ثم أخرج للمعركة فأفتح الحاسوب وأنزل ساحة الحوار المتمدن وأفتح إيميلي وأشطب منه عشرات الرسائل وأبحث ُ عن رسالة أنتظرها فلا أجدها فأغضب كثيراً لهذا من شدة غضبي أشطب كل الرسائل الواردة والصادرة , ومع ذلك اليوم لم أشعر بهذه الرغبة لأنني حاسس أنني مغمور جداً بالسعادة .
يمكن على شان حبيت , أو إنجنيت , مش مهم كله واحد الحب والجنون وجهان لعملة واحدة , المهم أنني مبسوط ولم أعد أكترث بالأسباب وأرجو منكم أن تتفقوا معي في هذه الناحية , فأنا لا أريد أن أبحث عن سر السعادة , خلص أنا سعيد وهذا يكفيني , لا أريد أن أفتش عن معنى السعادة أو معنى الأشياء التي جعلتني سعيداً , لأن ذلك قد يفسد عليّ موضوع السعادة .
كلنا نبحث عن السعادة ونحاول أن نجدها , وأنا اليوم لم أبحث عنها ولكنها هي التي كما يبدو أنها بحثت عني واحتضنتني وقبلتني بين عيوني و(بلاش تبوسني بين عنيه دي البوسه في العين تفرق, يمكن في يوم ترجع ليّ والقلب حلمه يتحقق..خلي الوداع من غير قبل ..على شان يكون عندي أمل ..).
أنا لا أريد أن أبحث عن الأسباب التي جعلتني سعيداً , على شان أصلاً إذا وجدتها يمكن ما أقتنعش فيها , ولذلك من الممكن أن أنزعج وتنقلب أموري وتصير عكسية , فأعود لأشعر بالحزن مثل كل أيامي العادية , فأرجوكم خليني مبسوط إكثير وسعيد جداً من غير ما أعرف السبب ومن غير ليش ؟ أنا بحب أعيش لحظة سعادة واحدة في حياتي من غير ما أعرف الأسباب التي تجعلني سعيداً .
أنا اليوم (مسطهج) جداً على الآخر بالرغم من أنني لا أتناول لا السجائر ولا المشروبات الروحية إلا ما ندر منها في المناسبات الوطنية والقومية والأعياد الرسمية وأيام العطل الرسمية فقط لا غير وفي راس السنة وفي يوم عيد ميلادي , وفي يوم الإستقلال وفي يوم تحرير الأرض , وفي الذكرى المأوية لحفر قناة السويس , بس صحيح أنا شو دخلي بقناة السويس , مش مهم في هذا الوقت طرح مثل تلك الأسئلة المهم أن أبقى في حالة ثمالة وسعادة كبيرة لا توصف.
حجم سعادتي في هذه اللحظة لا توصف وقلبي يدق ورأسي يهز وخصري يهز ويلتوي , فأنا الآن لو نظر أحدٌ إلى جسميمن ثقب الباب لرآه مفتولا مثل المئذنة الملتوية أو مثل حبة البوظا , وأناالآن أمشي في داري من غرفة لغرفة وأنا أتمايل وأتطعج وكأنني راقصة في ملهى ليلي .
أنا سعيد جداً رغم أن الأسعار لم تتغير , أي أنها لم تنقص ولم تزد , ومع ذلك أنا سعيد جداً , والشوارع لم تتجدد والمدارس ومناهج التدريس لم تتطور ومع ذلك أنا سعيد جداً جداً جداً.
أنا في هذه اللحظات إنسان فانتازي وتكعيبي وسريالي , وأرى الأشياء أمامي مختلفة عن طبيعتها , حتى أنني في ساعات الظهر رأيت نجوم الليل , ومع ذلك أنا سعيد جداً , حتى أن الكرة الأرضية رأيتها مربعة الشكل على شكل بُكسة خضروات طازجة , ومع ذلك أنا سعيد جداً , ومن المحتمل أن شكل الكرة الأرضية هو الذي جعلني سعيداً , أو ن رؤيتي لنجوم الليل في عز الظهر هي التي جعلتني سعيداً جداً , علماً أنني لا أريد أن أبحث عن الأسباب التي جعلتني سعيداً , ولكنني أتخيل وأضع كثيراً من الإحتمالات .
#جهاد_علاونه (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟