أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - محمد إبراهيم محروس - رجل لا تعرفه الشوارع !!














المزيد.....

رجل لا تعرفه الشوارع !!


محمد إبراهيم محروس

الحوار المتمدن-العدد: 2672 - 2009 / 6 / 9 - 01:46
المحور: الادب والفن
    



كان يمشي وكأنه يطارد الأرض والسماء، يرقص بين نفسه وحول نفسه يدور في خيالات متعددة لا أراها.. أحاول أن أجتذب شيئا من وعاء الذاكرة الخربة، أجده هناك منزويا في ركن مرّ عليه تسع سنوات.. إنه هاني ..
هكذا رحت أؤكد لنفسي برغم أن ما يلبسه من ملابس لا يمت بصلة لهاني الذي أعرفه .. فقد كان يرتدي قميصا متسخا بشدة، وبنطلونا شبه ممزق، ويبرز جزء من كرشه الضخم وسط قميصه الذي تمزقت أزراره وبدت بطنه عارية أمامي، وكرشه كأنه يناطح العالم.. أردت أن أتوقف.. أن أسير.. ولكنه كان ما يزال يواصل الرقص حول نفسه في حيرته من تحديد اتجاه سيره.. بعد مدة بسيطة وجدت صوته يعلو بهتافات غريبة .. وكلمة " أوعى بقى " بصوت عالي تتردد من بين شفتيه بطريقة جعلتني أشك أنه يقصدني.. هل أقترب؟ .. " أوعى بقى "
لممت خيوط نفسي التي أصبحت هي الأخرى ترقص حوله ، أتذكر هاني وابتسامته الرائقة ، وأتذكره عمه أكبر مقاول في بلدتي الصغيرة، أتذكر هاني وهو يجوب شوارع المحافظة بعربته الفارهة ، وعندما يرغب في أين يقطع شوارع السلطان حسين مشيا ؛يركن سيارته بجوار الحزب الوطني ،وينزل هو وزوجته الفرنسية يطوفان شوارع المحافظة محلقين كطائرين من السماء ، تسع سنوات مضت ،ولكنها لم تكن بكل تلك الحيرة التي وجدتها لحظة أن التقت عيناي بعينه وهو يصرخ " أوعى بقى "
وفجأة وكأنه يتذكر شيئا ما وهو يتطلع في ملامحي قبل أن يصرخ :- محمد يخرب بيتك أنت لسة عايش ..
أضحك دون سبب ، ربما لأنه بدا لي أشد ذاكرة مني.. أجبته بصوت فرح :- أهو بنحاول يا هاني .. إزيك ..
يضحك وهو يقول بعنف :- أنا كويس خالص ..
يعدل من وضع قميصه الممزق وهو يقول :- معكش حاجة ..
انتبهت للكلمة وأنا أحاول أن أسايره في الحديث لعلي أعرف أين هو من هاني الذي أعرفه ..
فقلت:- حاجة إيه ؟!
مد يده باتجاه جيب قميصي العلوي وأنا أحاول أن أزيح يده برفق وهو يقول:- أوعى بقى..
قلت في هدوء وأنا أترك له جيب قميصي العلوي؛ ليعبث به كيفما أراد، ولكنه توقف وهو يخرج عشرة جنيهات وعلبة السجائر من جيبي قميصي العلوي وهو يقول: بتشرب مستورد.. رايقة معاك باين ..
أضحك وأنا أقول له :- خلي ..
يضع علبة السجائر في جيبه وهو يقول :- طيب ..
أردت أن أساله كيف وصل به الحال لهذه الدرجة ؟!،ولكنه لم يعطني الفرصة وهو يقول :- مش إيمان هربت ..
قلت وأنا أحاول الغوص خلف عينه التي بدت لي شديدة الاتساع : - إيمان مين ؟
يخرج علبه السجائر من جيبه ، ويقدم سيجارة لي وهو يقول :- ولع .. عشان تعرف أن خيري عليك..
ابتسم وأقول :- عارف طول عمرك خيرك على الكل .. بس مقلتش إيمان مين ..
أشعل سيجارة لنفسه وهو يقول :- ما تيجي نقعد ..
انجذبت معه ، وقعدنا على الرصيف نراقب الشارع لفترة..راح ينفث دخان السيجارة الثالثة وهو صامت وبعد وهلة نظر ليّ وهو يقول :- تاخد سيجارة تاني .. خد خد ولع بقى.. اها أنت كنت بتسال عن إيمان .. إيمان مراتي أنت تعرفها باسمها القديم " سيلفي " صح
أقول ببساطة قدر إمكاني :- أها .. سيلفي .. هي سيلفي هي إيمان.. هي هربت ؟
يقول بغضب :- أها هربت أنت مالك .. خدت أحمد وفاطمة وهربت .. بس " سيلفي " أسلمت وبقت إيمان..
أحاول ألا أبدو مندهشا وأنا أقول :- طيب كويس بس هي هربت فين؟ ..
يغمض عينيه ويفتحهما وهو ينظر باتجاهي قائلا :- أنت حشري ليه .. طول عمرك حشري كده .. أوعى بقى ..
أحاول أن أقف فيشد يدي لأجلس بجواره وهو يقول :- رايح فين اقعد .. خد سيجارة أهي .. ولع واقعد ..هي رجعت بلادها تصور .. ست سنين جواز وبعدين تهرب مني .. وخدت العيال أحمد وفاطمة ما أنت عارفهم ..
قلت بهدوء :- وأنت عملت إيه ؟
قال بعنف :- عملت .. عملت كتير .. بلغت البوليس والحكومة ورحت السفارة.. وبلغت الدنيا كلها ..
- هاه وبعدين ..
- قالوا ملناش دعوة .. ها ها ها .. امال أنت كنت فين ؟!
- في الدنيا يا هاني ..طيب وبعدين ؟
قام فجأة وهو ينظر للسيجارة في يده، والسيجارة في يدي، ثم أخرج علبة السجائر من جيبه وقذفها في وجهي وهو يقول:
- أنت بتشرب مستورد .. أوعى بقى أوعى بقى..
وراج يجري وسط الطريق غير عابئ بشي.. بينما تسمرت عيناي عليه حتى اختفى وظل صوته يتردد في أذني صاخبا لفترة طويلة : أوعى بقى .. أوعى بقى ..



#محمد_إبراهيم_محروس (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- شات
- شوارع سالم ..
- قرار بالمواجهة ..
- عنوان سياسي..
- جبل الحكايات
- نظرة امتنان
- روح الدنيا
- مزامير الحي
- امرأة اللؤلؤ
- صانع التماثيل..
- نور وقطعة الشيكولاتة
- الرجل الذي لم...
- فتاة الشيكولاتة
- حدود مملكته
- في انتظار المهدي ..
- حادثة
- دير العاشق ..
- أتوبيس (6)


المزيد.....




- قبل إيطاليا بقرون.. الفوكاتشا تقليد خبز قديم يعود لبلاد الهل ...
- ميركل: بوتين يجيد اللغة الألمانية أكثر مما أجيد أنا الروسية ...
- حفل توقيع جماعي لكتاب بصريين
- عبجي : ألبوم -كارنيه دي فوياج- رحلة موسيقية مستوحاة من أسفار ...
- قصص البطولة والمقاومة: شعراء ومحاربون من برقة في مواجهة الاح ...
- الخبز في كشمير.. إرث طهوي يُعيد صياغة هوية منطقة متنازع عليه ...
- تعرف على مصطلحات السينما المختلفة في -مراجعات ريتا-
- مكتبة متنقلة تجوب شوارع الموصل العراقية للتشجيع على القراءة ...
- دونيتسك تحتضن مسابقة -جمال دونباس-2024- (صور)
- وفاة الروائية البريطانية باربرا تايلور برادفورد عن 91 عاما


المزيد.....

- التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ / عبد الكريم برشيد
- مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة / د. أمل درويش
- التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب ... / حسين علوان حسين
- التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا ... / نواف يونس وآخرون
- دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و ... / نادية سعدوني
- المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين / د. راندا حلمى السعيد
- سراب مختلف ألوانه / خالد علي سليفاني
- جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد ... / أمال قندوز - فاطنة بوكركب
- السيد حافظ أيقونة دراما الطفل / د. أحمد محمود أحمد سعيد
- اللغة الشعرية فى مسرح الطفل عند السيد حافظ / صبرينة نصري نجود نصري


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - محمد إبراهيم محروس - رجل لا تعرفه الشوارع !!