|
لهذا غضبوا من بوش..
معتصم حمادة
عضو المكتب السياسي للجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين
الحوار المتمدن-العدد: 817 - 2004 / 4 / 27 - 11:02
المحور:
القضية الفلسطينية
رئيس تحرير مجلة الحرية
إن غضب السلطة الفلسطينية لم يكن لأن بوش أسقط حق العودة، أو وافق على ضم المستوطنات، أو لاعترافه بالقدس عاصمة لدولة إسرائيل. لقد غضبت السلطة من بوش لأنه قبض التنازلات الفلسطينية مجاناً، ورفض إدخال القيادة الحالية في المعادلة السياسية، ومازال يدعو إلى تنحيتها جانباً والمجيء بقيادة جديدة وبديلة عنها زلزال جديد أصاب الحالة الفلسطينية، حين أذاع الرئيس بوش رسالته حول الضمانات إلى رئيس حكومة إسرائيل، تضمنت إسقاط الولايات المتحدة لحق اللاجئين الفلسطينيين في العودة إلى ديارهم وممتلكاتهم. كما تضمنت اعتراف واشنطن «بشرعية» المستوطنات الإسرائيلية، وبحق الدولة العبـرية بضم هذه المستوطنات إلى أراضيها. كذلك تضمنت إلغاء لحدود الرابع من حزيران (يونيو) 67، الأمر الذي يعني حق الاعتراف بـ«القدس الموحدة» عاصمة لدولة إسرائيل، وإسقاط حق الفلسطينيين في استرداد القدس الشرقية التي احتلت عام 67. وتصاعدت الأصوات، وتصاعدت الاحتجاجات الفلسطينية الرسمية، وبدا وكأن الحالة الفلسطينية باتت تقف على عتبة قرار مصيري. الزلزال الحقيقي، بـرأينا، لم يكن في مواقف بوش، التي تطابقت مع مواقف حكومة شارون. إذ كان من الغباء السياسي (بل لعله العجز السياسي) الرهان على موقف إيجابي للولايات المتحدة، التي، بعد أن احتلت العراق، كشفت عن أوراقها كافة، بدعوتها إلى بناء «الشرق الأوسط (الأميركي) الكبير»، الذي «يتوحد» فيه العرب وإيران وتركيا وأفغانستان وإسرائيل، في حلف سياسي ـ عسكري، يشكل الجناح الشرقي للحلف الأطلسي. الزلزال الحقيقي بدا واضحاً في موقف السلطة الفلسطينية، وفي موقف ما يسمى بـ«القيادة الفلسطينية». وهي الصيغة التي يصر الرئيس عرفات على اعتمادها، لأنها، تنسف الفوارق والحدود، وتلغي الهيئات صاحبة القرار، لصالح القرار الفردي المحصور بيد عرفات وحده. الزلزال الحقيقي بدا واضحاً في اكتفاء هذه القيادة بـ«التحذير» من خطورة مواقف بوش، وبالإعلان عن إبقاء هذه «القيادة» في حالة انعقاد دائم. وهي العبارات نفسها التي تذكرنا بالبيان رقم واحد لمجالس قيادات الثورة في زمن الانقلابات العربية. غير أن تلك البيانات كانت تحمل خلفها انقلاباً عسكرياً يطيح بسلطة ويأتي ببديل لها. فماذا حمل بيان «القيادة الفلسطينية» في طياته. بصراحة نقول إنه حمل في طياته علامات العجز والشلل، فعين السلطة، رغم خطورة ما حمله بيان بوش، مازالت على المعادلة الأميركية للتسوية في المنطقة. السلطة الفلسطينية، ومعها الأفراد المتخفون خلف صيغة «القيادة الفلسطينية»، مازالوا جميعاً يراهنون على أن الحل لن يكون إلا على يد الولايات المتحدة، وأنها وحدها ـ وليس الانتفاضة والمقاومة والثورة الشعبية ـ هي القادرة على الضغط على الجانب الإسرائيلي ليرضى بالحلول الدنيا. ويراهنون أيضاً على أن الولايات المتحدة (وليست صيغة الوحدة الوطنية أو القيادة الموحدة، أو حكومة الاتحاد الوطني) هي القادرة على رسم الحل الدائم للصراع مع إسرائيل. وبيان بوش، جاء ليرسم حقيقة المأزق الذي تعيشه السلطة و«القيادة الفلسطينية». لقد راهنت هذه «القيادة» على أن سياسة اللين والتنازلات وإرسال الإشارات بحسن النوايا، وتسديد الفواتير المسبقة، هي الطريق إلى كسب ودّ الولايات المتحدة، وإقناعها أن «القيادة الفلسطينية الحالية (التي تطالب أميركا بتنحيتها جانباً) هي المؤهلة وهي القادرة على التوقيع على حل يتضمن التنازلات المطلوبة. * لذلك «تابعت» بعين الرضى تحركات سري نسيبة ومبادراته وتصريحاته إلى أن وصل مع شريكه رجل المخابـرات الإسرائيلي المعروف عامي أيالون إلى الوثيقة التي حملت اسميهما. * كذلك «تابعت» و«رعت» تحركات أعضاء في اللجنة التنفيذية، وفي مجلس الوزراء، وفي المجلس الثوري لحركة فتح، إلى أن وصلوا على شواطئ البحر الميت، وعلى ضفاف بحيرة جنيف إلى اتفاق حمل الاسم المبارك للبحر وللبحيرة. وقد أقيمت للمولود الجديد احتفالات ونظمت رحلات وجولات للتعريف به والترويج له، صرفت لأجلها ملايين الدولارات. * كما رعت السلطة الفلسطينية دراسات وأبحاث واستطلاعات رأي مزيفة (أحد أبطالها خليل الشقاقي) لتوجد تقاطعاً بين السياسات التنازلية المجانية، وبين مواقف مفبـركة للشارع الفلسطيني. * بل بادرت هي نفسها إلى التلميح (وأحياناً التصريح) عن استعدادها للقبول بالتخلي عن حق اللاجئين بالعودة إلى ديارهم. (ولعل المفارقة أن الرئيس عرفات، في خطابه في ذكرى استشهاد القائد خليل الوزير ـ أي بعد أيام على رسالة بوش ـ عاد ليتحدث عن عودة اللاجئين إلى «الوطن» في وقت لم يعد فيه خافياً أن المقصود بالوطن هو الدولة الفلسطينية). كما بادرت هي أيضاً إلى إبداء الاستعداد لمقايضة الأراضي (أي التخلي عن أراضٍ في الضفة لصالح أراضٍ في النقب. أي بعبارة أوضح نسف حدود 4 حزيران (يونيو) لصالح حدود ترسمها إسرائيل بموجب محددات أمنية خاصة بها). لذلك لم يكن كولن باول، وزير خارجية الولايات المتحدة، مخطئاً حين قال إن ما أعلنه بوش، كان قد ورد في المواقف الفلسطينية. إن غضب «القيادة» الفلسطينية، لم يكن لأن بوش أسقط حق العودة، أو لأنه وافق على ضم المستوطنات لإسرائيل، أو لأنه اعترف بالقدس عاصمة لهذه الدولة. هذه المواقف سبق للسلطة الفلسطينية، أن أعلنت (مرة تصريحاً ومرات تلميحاً) استعدادها للقبول بها أساساً للحل. أليس هو رئيس الحكومة أحمد قريع، الذي رفض محاكمة وزرائه على المشاركة في التوقيع على وثيقة «البحر الميت ـ جنيف» ـ مدعياً أن ما يقومون به إنما يعبـر عن رأيهم الفردي ولا يعبـر عن رأي الحكومة. فلماذا لا يغضب قريع إذن ـ ومعه رئيس السلطة ـ على ما حملته وثيقة «البحر الميت ـ جنيف» من تنازلات، ويغضبان بعد ذلك عندما يتبنى بوش ما جاء في الوثيقة؟ ولماذا، يصف عرفات توقيع الفلسطينيين على وثائق التنازل بأنه تمسك بما يسميه «سلام الشجعان»، ويغضب، عندما يتبنى الرئيس بوش مثل هذه الوثائق؟ ثم ما قيمة الغضب إذا لم يتحول إلى خطوات سياسية عملية، تقف في موقع المجابهة للسياسات الإسرائيلية والأميركية؟ إن غضب السلطة مرده الحقيقي أن الرئيس بوش استلم البضاعة (التنازلات المجانية) وأدخلها مستودعاته، فتحولت إلى جزء أساسي من الخطاب الأميركي الخاص بالقضية الفلسطينية. لكنه بالمقابل لم يدفع ثمن هذه البضاعة: أي أن بوش مازال متمسكاً بدعوته إلى «إصلاح» النظام السياسي الفلسطيني، ومازال مصراً على أن الخطوة الأولى في هذا الإصلاح هو رحيل هذه القيادة والمجيء بقيادة بديلة وجديدة. هذا ما يغضب السلطة الفلسطينية، وهذا ما زلزلها، وهذا ما شلّها، لذلك اكتفت بإلغاء زيارة وفدها إلى واشنطن (ثم عادت وأعلنت أنها أجلت الزيارة ولم تلغها، فمازالت واشنطن هي الهدف وهي المرتجى). إن ما يقطفه الشعب الفلسطيني من ثمار مرّة في سياسة بوش، هو ما زرعته السلطة الفلسطينية، والتي مازالت تماطل وتراوغ، وتعطل الانتقال من سياسة المراهنة على الحل الأميركي، إلى الانخراط في الحل الوطني بكل ما يتطلبه ذلك من التزام ببـرنامج وطني مشترك، وهيكل قيادي وطني جديد، في م.ت.ف. وفي السلطة الفلسطينية.
#معتصم_حمادة (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
حماس بعد رحيل الشيخ ياسين
-
من بغداد.. إلى رام اللـه وغزة
المزيد.....
-
السعودية تعدم مواطنا ويمنيين بسبب جرائم إرهابية
-
الكرملين: استخدام ستورم شادو تصعيد خطر
-
معلمة تعنف طفلة وتثير جدلا في مصر
-
طرائف وأسئلة محرجة وغناء في تعداد العراق السكاني
-
أوكرانيا تستخدم صواريخ غربية لضرب عمق روسيا، كيف سيغير ذلك ا
...
-
في مذكرات ميركل ـ ترامب -مفتون- بالقادة السلطويين
-
طائرة روسية خاصة تجلي مواطني روسيا وبيلاروس من بيروت إلى موس
...
-
السفير الروسي في لندن: بريطانيا أصبحت متورطة بشكل مباشر في ا
...
-
قصف على تدمر.. إسرائيل توسع بنك أهدافها
-
لتنشيط قطاع السياحة.. الجزائر تقيم النسخة السادسة من المهرجا
...
المزيد.....
-
الحوار الوطني الفلسطيني 2020-2024
/ فهد سليمانفهد سليمان
-
تلخيص مكثف لمخطط -“إسرائيل” في عام 2020-
/ غازي الصوراني
-
(إعادة) تسمية المشهد المكاني: تشكيل الخارطة العبرية لإسرائيل
...
/ محمود الصباغ
-
عن الحرب في الشرق الأوسط
/ الحزب الشيوعي اليوناني
-
حول استراتيجية وتكتيكات النضال التحريري الفلسطيني
/ أحزاب اليسار و الشيوعية في اوروبا
-
الشرق الأوسط الإسرائيلي: وجهة نظر صهيونية
/ محمود الصباغ
-
إستراتيجيات التحرير: جدالاتٌ قديمة وحديثة في اليسار الفلسطين
...
/ رمسيس كيلاني
-
اعمار قطاع غزة خطة وطنية وليست شرعنة للاحتلال
/ غازي الصوراني
-
القضية الفلسطينية بين المسألة اليهودية والحركة الصهيونية ال
...
/ موقع 30 عشت
-
معركة الذاكرة الفلسطينية: تحولات المكان وتأصيل الهويات بمحو
...
/ محمود الصباغ
المزيد.....
|