الطيب آيت حمودة
الحوار المتمدن-العدد: 2671 - 2009 / 6 / 8 - 07:53
المحور:
دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات
بعد المخاض العسير مع العثمانيين ، وبعد شد وجذب ، تبين للعرب أن لا سبيل لمجابهة الحركة الطورانية الصاعدة ، واٍصلاحات الآتحاديين الحالمة ، اٍلا باٍخراج براثين القومية العربية من السر اٍلى العلن ، لغرسها في جسد الدولة العثمانية المتهاوية ، المريضة ، والتي لم تقدر على حماية نفسها وكيف الحال حماية الأمم الأسلامية المنضوية تحت لوائها ...... فكان المؤتمر العربي الأول خارج البلاد العثمانية ، في بلاد الأنوار والحرية .. في باريس ( من 18 اٍلى 23 جوان 1913)
تشكلت لجنة المؤتمر بتمثيل متساو بين المسلمين والمسيحيين ، وبرزت ثلاث اتجاهات واضحة المعالم داخل المؤتمر،(اٍصلاحيون ، دعاة المساواة، ووصوليون).
لماذا هذا المؤتمر ؟
تضافرت جملة من العوامل شجعت على لم الشمل العربي بمختلف أديانه ونحله ، فكان الاٍطار العام هو ضعف الدولة العثمانية والتخوف من الأطماع الأوروبية المتنامية تجاه الوطن العربي ، باتخاذ الاحتياطات الوقائية الضرورية واللازمة لاستبعاد هذه الأطماع ، أما الاٍطار الخاص فيكمن في الأهم وهو اٍقواء العرب لاٍزالة الاحتلال العثماني واستبعاد مظاهر استبداده التي انجر عنها التفسخ والاٍضمحلال ...واٍثبات بأن العرب ( ...أمة مستمسكة ذات وجود حي ...ومقام عزيز ...وخصائص قومية لا تنتزغ .) وهذا ما أوضحه أحد الفاعلين في المؤتمر (الزهراوي ) قائلا: .....أن نسمع مطالبنا ونفهم رأينا لأوربا . ويرى بأن وجود العرب في باريس سيكون سبيلا لاٍزالة أوهام وسوء تفاهم عظيم ، ويمكننا من وضع أسس تفاهم بين الشرق والغرب .
محاور النقاش في المؤتمر.؟
انحصرت جملة النقاشات حول الشأن العربي وعلاقته بالدولة المريضة ، فتحول الاستحسان اٍلى استهجان ، والمدح اٍلى قدح ، والاٍنضواء اٍلى تمرد في السر ثم العلن على هذه الدولة المتغطرسة الظالمة المتجبرة .....الطاغية التي لم ينفع فيها العلاج .
فالعروبية سمة المناقشات ( العرب أمة متميزة لها حقوقها ... وحدة المسلمين والمسيحيين في اٍطار قومي ، الأمة العربية تجمعها وحدة اللغة ،والعنصر ، ووحدة التاريخ والعادات ، ووحدة المطمح السياسي ) العرب لهم حق الجنسية وهذا ماعبر به العريسي بقوله( نحن عرب قبل كل صبغة سياسية ( أي قبل العثمانية ) ، حافظنا على خصائصنا وميزاتنا وذاتنا قرونا عديدة ) بالرغم ما تعرض له العرب من حكومة الاٍستانة ويؤكد [ لا أرض بعد اليوم تستعمر ، ولا أمة تسخر ، فاٍنما نحن الرعاة لا الرعية ] ويتفق المؤتمرون على أن مؤتمرهم ليس له صفة دينية ، لأن الرابطة الدينية عجزت دائما عن ايجاد الوحدة السياسية ، لذا يؤكدون الوجهة القومية .
قرارات المؤتمر( العربي الأول ) :
الاٍصلاح عل وجه السرعة ، ضرورة مشاركة العرب في الاٍدارة المركزية ، أن تكون اللغة العربية مقيدة في مجلس النواب العثماني ، ورسمية في الولايات العربية ، الولاء للرابطة العثمانية شريطة تحقيق المطامح الاٍصلاحية واٍلا [ فخطتنا تتغير تمام التغير ، فارتباطنا بهذه الدولة يتراوح بين ضمان هذه الحقوق ، فاٍن كثر فكثر ،واٍن قل فقل ] وتأكد هذا الاٍتجاه القومي العربي على لسان (العربية الفتاة ) باسم الصرخات الثلاث :
صرخة أولى/تدعو اٍلى لامركزية الاٍدارة ،وحق العرب في الحكم في اٍطار ما سمي بالجامعة العثمانية .
صرخة ثانية/ موجهة اٍلى أمةالعرب بنبرة قومية واضحة ، ونقد شديد للوضع وتحذير شديد اللهجة في حالة تكريسه ..[ أن لا يقبل العرب الضيم شأن الاٍذلاء والمستضعفين ... أموالكم تسرق ، ولغتكم تسحق ، وأرواحكم تزهق ، وأنتم ذلة جاثمون ، وأهاويل الأجانب كب عليكم ] ،[ أن يتعالى العربي مهما انحطت درجته اٍلى حفظ جامعته ، وأن ينزل مهما تسامت مرتبته اٍلى نصرة جنسيته ، فالشريف الشريف من تحركت أمشاجه لمصائب قومه .... فالجنسية قد أوجدتهم قبل وجود الأديان ].
صرخة ثالثة / موجهة اٍلى أبناء الأمة ، وتهاجم الحكام العثمانيين بعنف[ صرتم ألعوبة بيد من لا دين له اٍلا قتل العرب وسلب أموالهم ؟ البلاد بلادكم ... فهم يسومونكم أنواع العذاب من الظلم والاٍضطهاد .... أنتم في نظرهم كقطيع من الماشية ، يجزون صوفها ويشربون لبنها ، ويأكلون لحمها ، وبلادكم في نظرهم كمزرعة مستعمرة ورثوها من أبائهم ،سكانها عبيد أذلاء لهم ...] .
قراءة متواضعة للمؤتمر القومي العربي الأول :
1) يتضح أن العرب عانوا الكثير من السياسات العثمانية ، وتأثروا أخيرا بالفكر القومي الغربي المهيمن على فكر العصر الحديث بظهور دول قومية على انقاض بقايا الأمبراطوريات المتآكلة ، فكانت ألمانيا ، واٍيطاليا نماذج حية للدول القومية ، وسار العرب هذه الوجهة التي عبروا عنها في تصريحاتهم قبل وأثناء المؤتمر ،باٍقامة دولة اٍثنية جنسية ولو على حساب العقيدة الاٍ سلامية التي تحارب تعاليمها التعالي العرقي ، ويبدوا أن القومية العربية هي ردة فعل على الحركة الطورانية بزعامة (تركيا الفتاة )، والتي جوبهت بحركة مضادة ( العربية الفتاة ) والحركتان صنوان كلاهما مبني على أساس عرقي خالص ولو على حساب لاٍسلام .
2)القومية العربية التي كان العرب ينشدونها هي قومية جنسية (سلالية) مقصورة على دول المشرق دون المغرب ، لأنهم يعلمون بأن المغرب عندهم ينظوي في تعداد الأمة ( الوحدة الدينية ) أكثر من الوحدة الجنسية . ورغم ذلك فقد شجعوا المسلمين غير العرب على التمرد والثورة على العثمانيين ، فهم القدوة والمثال في التمرد والعصيان على الدولة المريضة .
3)استغلت الدول الاستعمارية خاصة الأنجليز النزعة الجنسية عند العرب ، عن طريق التنفذ والجوسسة ، وخلق أطماع سلطوية ، ولعب لورانس العرب الأنجليزي دورا بارزا في مساعدة العرب في ثورنهم ضد العثمانيين المسلمين ، فكانت شريعة( الحرابة ) منطلقا وجيها في الصراع ، وتغلب المنطق القومي على المنطق الديني .
4)القومية العربية تقدم الأخوة الجنسية على الأخوة الاٍسلامية الاٍيمانية ، فاليهودي العربي ، والمسيحي العربي ( وما أكثرهم في المشرق) أفضل واقرب اٍليهم من المسلم الفارسي او التركي او الأمازيغي ،لهذا يرون بأن صفة الدين مستبعدة لأنهاأثبتت فشلها في خلق وحدة سياسية . [ الدين لله والوطن للجميع].
5)اختيار باريس الفرنسية لعقد المؤتمر العربي الأول له دلالاته ، لأن فرنسا رائدة بالنسبة لهم في الحريات وتعدد الأديان والمساوات بفضل ألأفكار الرائدة للثورة الفرنسية ، كما أنهم يريدون توضيح فكرهم القومي الطموح ليكون مستساغا ، وكيف لا والفكر القومي من تصديرهم . وهذا لضمان التأييد المادي والمعنوي من دول الغرب العلماني .
6)هذه بعض من قناعات القوميين العرب ، هذه القناعات والطموحات التي تحولت الى واقع بدءا بثورة الحسين شريف مكة ، وانتهاء بحركة الضباط الأحرار بزعامة جمال عبد الناصر الذي استطاع أن يلهب حماس العرب عاربهم ومستعربهم خاصة أيام حرب 1956 ضدالعدوان الثلاثي ، أو حرب 1967 ضد الصهاينة ومؤيديهم ، وركبت الحكومات في بلدان المغرب الاٍسلامي هذا التيار المتجذر عن وعي أو جهل ، مما حذى ببعض حكامه أحمد بن بلة الذي اعلن في خطاب رسمي أن الجزائر (عربية ، عربية ، عربية ) وسار على نهجه معمر القذافي الذي يعد نفسه خليفة للقومية العربية بعد جمال عبد الناصر .
7)التصريحات المختلفة للمؤتمرين ، تدل على مطالب قومية مشروعة ، تستجيب لها التطلعت النخبوية والشعبوية العربية ، وكل من سا رعلى ركبهم ، فالقوم لهم الحق في استرجاع اٍنيتهم ومجدهم الغابر ، وتحقيق طموحهم السياسي الجنسي الذي ألهب حماسهم ، ودعاهم اٍلى التمرد والثورة على الدولة الاٍسلامية العثمانية ولو باٍعانة وتوجيه من الكفار الغربيين . فعولج الخطأ القومي الطوراني بخطأ عروبي مماثل له ، وقد تظهر معالجات شبيهة مستقبلا تحس بثقل الهوية العربية الجنسية عليها .
8) أثناء اٍطلاعي على بروتوكلات آل العرب ، بدت لي فكرة اسقاط كلمة الأمازيغ والأمازيغية بديلا للعرب والعربية للتتضح مطالب الأمازيغ ، وليفهم العرب أننا نقاسي ما قد كانوا قد تجرعوه أيام خضوعهم لآل عثمان ، غير أن الغريب عندنا هو أن حكامنا الأمازيغ كانوا متنصلين من انتمائهم الأصلي لفائدة قومية عربية وافدة فكانوا قدوة لأممهم ( والناس على دين ملوكهم) . فأصبحنا عربا أكثر من العرب أنفسهم . لذا يمكن الجزم بأن الأمازيغ تعلموا الطرح الشعوبي والقومي عن العرب ، فأصبحت دساترنا بهوية عربية ، ومنظموتنا التربوية كونت طابورا من القوميين العرب ، لا يدركون أصولهم الحقيقية التي سلبت منهم بمختلف الوسائل تحت توجيه الدولة وعلى يد دعاة القومية العربية الذين غزو البلاد في السنوات الأولى للاٍستقلال كمدرسين وأساتذة في مختلف مستويات التعليم ، فالعرب معلمون مقتدرين ، والأمازيغ تلامذة نجباء . فهذا الشبل من ذاك الأسد كما يقول المثل العربي .
9)المطالب القومية التي نادى بها العرب، هي نفس المطالب التي ينادي بها ألأمازيغ ..؟ ونادى بها الفرس ، والزنج والتركمان والأقباط .....، الأمازيغ اكتووا بأفكار قومية مدعمة بآليات دينية مقدسة ( الآسلام) ولغوية ( العربية) على حسالب هوية أمازيغية منهوكة القوى مهزوزة المكانة ، مبعثرة بفعل الٍاستعمار القديم والحديث الذي لم يرحم هذه الأمة في أرضها ولغتها وٍاٍرثها الحضاري العريق وتاريخها الغابر في القدم ، فجعلوها أمة مقاتلة مدافعة تابعة اْلى الشرق أحيانا واٍلى الغرب أخرى .
خلاصة القول أن بضاعة الفكر القومي العربي التي غزتنا أيام المحنة الاٍستعمارية ، وأنهل منها زعماؤنا السياسيون عن قصد أو سذاجة ، هي بضاعة فاسدة بوجهين لأنها منافية لتعاليم الاٍسلام ، ومدعاة لتأجج فكر قومي مضاد ، قد يأتي على الأخضر واليابس . وما آل اليه الأندلس سابقا خير عبرة لأولي الألباب .
#الطيب_آيت_حمودة (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟