|
خطابان في الميزان
صادق إطيمش
الحوار المتمدن-العدد: 2669 - 2009 / 6 / 6 - 09:18
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
خطابان يواجهان بعضهما البعض اليوم على الساحة السياسية العراقية ، الخطاب الديني والخطاب العلماني . كل منهما يدعي العمل للوطن وللشعب ولكن بممارسات وأساليب تختلف عن بعضها البعض لدى كل من القائمين على هذين الخطابين . لا نريد هنا التطرق إلى مصداقية أو إخلاص هذا الخطاب او ذاك فيما يتعلق بالمشاعر الوطنية وما يترتب عليها من المواقف التي يراد منها تقديم افضل الخدمات الرامية إلى النهوض بالعملية السياسية الجارية في العراق اليوم ومنذ اكثر من ست سنوات . بل أن جل ما نريد مناقشته هنا هو ذلك الموقف المعادي الذي يتخذه الخطاب الديني المعاصر من الفكر العلماني وتوجهاته في بناء الدولة العراقية الحضارية الجديدة واتهامه له بتنكره للدين وعداءه له ، محاولآ بذلك ، ومن خلال كثير من الممارسات ، إبراز صورة الفكر العلماني أمام المواطنين وكأن هذا الفكر لصيق بالكفر ساعيآ إليه . هذا ما نريد مناقشته هنا بوضع الفرضية التي ينطلق منها الفكر العلماني والقاضية بان العكس هو الصحيح ، اي ان خطاب الفكر العلماني هو في الواقع الأكثر تفهماً للدين من خطاب الفكر الديني السائد اليوم على الساحة السياسية العراقية والأشد إلتصاقاً بالقيم والمبادئ التي يدعو لها دين السماء , وليس دين الفقهاء . فكيف يمكننا إثبات هذه الفرضية التي يتبناها خطاب الفكر العلماني على واقع وطننا العراق اليوم...؟ الخطاب العلماني يدعو أساساً إلى فصل الدين عن الدولة ، والخطاب الديني يدعو إلى تَدَّين الدولة ، فأيهما اقرب فعلاً إلى تطبيق واحترام القيم الدينية الحقة...؟ في البداية يجب تعريف وإيضاح المنطلف الفكري الذي يقوم عليه الخطاب العلماني هذا الذي طالما سعى الخطاب الديني إلى تشويه طرحه إما عمداً أو جهلاً . حينما يدعو الخطاب العلماني إلى فصل الدين عن الدولة فإنه يعني بذلك مؤسسة الدولة بكل ما تضمه ضمن حدود جغرافية ثابتة تشكل الكيان السياسي والإجتماعي لهذه الدولة بين دول العالم المختلفة التي تتعامل مع هذا الكيان . اي ان دعوة الفصل هذه لا علاقة لها بالعمل السياسي الذي يجري ضمن هذه الحدود الجغرافية ولا يسعى الفكر العلماني إلى فصل الدين عن السياسة بالقدر الذي يعمل فيه رجل الدين في الحقل السياسي كسياسي حتى وإن إرتدى اللباس الديني وليس كرجل دين في لباس سياسي . إن فصل الدين عن الدولة في الخطاب العلماني يسعى لتحقيق العدالة الإجتماعية التي يجب أن توفرها الدولة لكل رعاياها دون تمييز بينهم بسبب إنتماءٍ إلى دين معين أو قومية أخرى أو أي فرق آخر بين مواطني هذه الدولة . إن المسؤولية عن الرعية كافة هي من واجبات الدولة الحديثة التي لا يمكن ان تنحاز إلى مجموعة من المواطنين دون أخرى ، إذ أن هذه الدولة ستفقد مصداقيتها أمام مواطنيها وصفتها كراعية لهم جميعاً ، فصفة الدولة التي تلتزم بتعاليم دين معين تنحاز إلى هذا الدين في إجراءاتها وقوانينها وسياستها شاءت ذلك أم أبت حتى وإن إدَّعت هذه الدولة إلتزامها بالقيم الديمقراطية ومفاهيم العدالة ألإجتماعية . والمثال الذي تقدمه لنا الدولة الصهيونية اليوم التي تدعي إلتزامها بتعاليم الديانة اليهودية والتي جعلت دولة الحركة الصهيونية ، كحركة سياسية ، دولة يهودية ، هذا المثال الحي امامنا يكشف لنا ماهية الدولة الدينية . فالحكومة الصهيونية الإسرائيلية التي تمخضت عن الإنتخابات الأخيرة كشفت عن أنيابها الشوفينية حينما اعلن وزير داخليتها الجديد عزمه على سن القوانين التي ستخضع للعقاب كل مواطن في هذه الدولة لا يعترف بأولوية اليهود وتفضيلهم على المواطنين الآخرين رسمياً واعتبار دولة إسرائيل دولة يهودية . إن مثل هذه القوانين الهمجية سوف لا توظف ضد المسلمين والمسيحيين والدروز الذين يحملون جنسية هذه الدولة فقط ، بل وضد أولئك اليهود العلمانيين أيضاً والذين لا يعترفون بربط الدين بالدولة . وحينما يسعى الخطاب الديني الإسلامي إلى تحقيق مثل هذه الدولة ولكن بدين آخر فإنه يسعى بذلك لتحقيق ما يرفضه في دولة أخرى منطلقاً من الفكر الذي لا يرى أي مساحة حرة لدين آخر في الدولة الإسلامية التي يسعى إليها . لقد كتب أحد دعاة الدولة ألإسلامية عن بعض الشروط التي يجب أن يلتزم بها غير المسلمين ، وخاصة المسيحيين ، القاطنين ضمن حدود الدولة ألإسلامية والذين يعتبرون مواطنيها حسب قوانين المواطنة المعمول بها . فقد جاء في كتاب " مقدمة في فقه الجاهلية المعاصرة ، دار الزهراء للإعلام العربي ، الطبعة الأولى عام 1986 ، ص 98 ـ 99 ، لمؤلفه السيد عبد الجواد ياسين " ما يلي : " وتكلم كثير من أهل الفقه عن شروط أخرى " مستحبة " تضاف إلى هذه الشروط المستحقة منها : لبس الغيار وهي الملابس ذات اللون المخالف للون ملابس المسلمين لتمييزهم عنهم، ومنها كذلك ألا تعلو أصوات نواقيسهم وتلاوة كتبهم ، وألا تعلو أبنيتهم فوق أبنية المسلمين ، وألا يجاهروا بشرب الخمر أو يظهروا صلبانهم وخنازيرهم ، وأن يخفوا دفن موتاهم ولا يجاهروا بندب عليهم ولا نياحة ، وأن يُمنعوا من ركوب الخيل . ففي دولة ألإسلام ـ أياً كان أسمها ـ ينقسم الناس إلى قسمين : المسلمين وغير المسلمين ، فأما المسلمون فهم أصحاب الدولة والسلطان والقائمون على الناس بالقسط ، وأما غيرهم فهم اهل عهد وذمة إذا رضوا، فلهم عهدهم وعلى المسلمين بِرهم وهم تحت السلطان ، وإن لم يرضوا فهم أهل حرب وعدوان " وفي نفس المصدر أعلاه وعلى الصفحة 59 كتب المؤلف حول مفهومه للدولة ألإسلامية ما يلي : " ولذلك يحلو للأقلية النصرانية في مصر أن تتحدث كثيراً عن " الوحدة الوطنية " فهم في ظلها والمسلمون سواء ، فلا جزية يعطونها عن يد وهم صاغرون ، ولا إحساس بالدينونة لحكم المؤمنين ، وأما في ظل دولة الإسلام ـ أياً كان أسمها ـ فلا مفر من الجزية ، ولا مشاركة في الحكم ، ولا إعتماد عليهم في دفع أو جهاد ، وإنما هم دوماً في حالة ينبغي ان تشعرهم بقوة الإسلام ، وعظمته وسموه ، وبِره ، وخيره ، وكرمه ، وسماحته ، أي في حالة تدفعهم ـ على الجملة ـ للدخول فيه إخــــــــــــــــــــــتــــــــــــــــــــــيــــــــــــــــــــاراً " ( تمديد كلمة إختياراً جاء مني ، حيث أنها وردت في النص بشكلها الإعتيادي : إختياراً). فأي من الخطابين الديني أو العلماني الذي يسعى بحق لتطبيق العدالة الإجتماعية التي تنطلق من كون الإنسان هو إنسان بالدرجة الأولى يمتلك نفس المشاعر والأحاسيس وتنعكس عليه بشكل متساوٍ كل ما تأتي به الحياة الإجتماعية في أي نظام إجتماعي يعيش فيه دون النظر إلى أي دين يعتنقه فمشاكل هذه الحياة لا تفرق بين دين وآخر ولا تفضل دين على آخر...؟ أين تكمن تحقيق أنسنة ألإنسان فعلاً دون شرذمة المجتمع إلى سادة وعبيد وطبقات سعيدة وبائسة وكل ما يترتب على هذا التقسيم الإجتماعي الذي عاشت فيه الإنسانية أبشع حقبات تاريخها المليئة بالحروب والقمع والملاحقات والغبن والتعسف ...؟ الدولة ككيان إجتماعي لا يمكنه أن ينحاز إلى دين معين دون الأديان الأخرى التي يظمها هذا الكيان الإجتماعي . كما أن هذا الكيان الإجتماعي لا يمكنه ان يمارس الطقوس الدينية التي يفرضها هذا الدين أو ذاك في حالة الإلتزام به . فالدولة لا تقوم بالصلاة ولا تصوم ولا تؤدي أي من المناسك . أما إذا إنطلق الخطاب الديني من كون إنحياز قوانين الدولة ودساتيرها وأنظمتها وقوانينها وتعليماتها وسياستها إلى تعاليم دين معين واعتبار هذه الدولة على هذا الأساس دولة دينية ، فإن مثل هذه الواجبات التي تلقى على عاتق دولة كهذه ستخرجها من محيط مسؤوليتها ألإجتماعية وتضعها ضمن حدود الدولة التي تكيل بمكيالين ، إسلامي وغير إسلامي ، وهنا ستفقد العدالة والإنسانية والمسؤولية الإجتماعية معييرها في دولة كهذه ....فمَن من الناس الذين يحترمون هذا الإنسان الذي خلقه الله على أحسن تقويم ، ولم يخص بذلك المسلم او غيره ، ان يعيش في كنف دولة كهذه...؟ لقد قدم ويقدم لنا هذا النوع من الدول نماذج بائسة رفضتها وترفضها روح العصر الحضاري في القرن الحادي والعشرين . وما دولة الطالبان المقبورة في أفغانستان والدولة الوهابية السنية وولاية الفقيه الشيعية إلا أمثلة على هذه النماذج البائسة . إذ لا يخفف بؤسها إنتماءها إلى مذهب أو معين أو تبنيها مفردات أخرى في خطابها فكلها ، كما عبر عنها السيد عبد الجواد ياسين في كتابه أعلاه " دولة الإسلام أياً كان أسمها ". الخطاب الديني يحاول إعطاء صورة الكفر بالدين عندما يتكلم عن ألفكر العلماني وخطابه فيزج نفسه في مشكلة لا يستطيع ان يجد منها مخرجاً حينما يضيق عليه الخناق الذي يطالبه بتقديم الدليل على إتهاماته هذه التي لا يستطيع ان يثبت اي منها حتى ولو بابسط البراهين . الكفر بمعناه الديني يعني التنكر للدين وتعاليمه ونكران ثوابته والدعوة إلى تفنيده ولإبعاد الناس عنه ترغيباً أو ترهيباً . والإيمان بمعناه الديني أيضاً يعني الإلتزام بالثوابت الدينية ونشر تعاليم الدين بين الناس بالحكمة والموعظة الحسنة . فما هي مسيرة كل من الخطابين الديني والعلماني باتجاه الكفر او الإيمان ...؟ حينما يدعو الخطاب العلماني إلى فصل الدين عن الدولة ، بمفهومها الذي أشرنا إليه ، أعلاه فإنه يدعو بذلك في نفس الوقت إلى رعاية الدولة وتوفير حمايتها لكل المؤسسات الدينية دون إستثناء . إن الخطاب العلماني يريد إبعاد الدولة ومؤسساتها عن التأثر بالدين ، بأي دين ، إلا انه لا يعفيها من القيام بواجباتها تجاه من يعتنقون هذا الدين أو ذاك كمواطنين لهم نفس الحقوق والواجبات والإهتمام بمؤسساتهم التي تقع ضمن مسؤولية هذه الدولة سواءً تعلق الأمر بتوفير الحماية أو الخدمات أو الرقابة المالية أو غير ذلك من الواجبات التي تقع على عاتق الدولة والتي تكون ضمن نطاق واجباتها تجاه كل مواطنيها ومؤسساتهم الدينية . إن الدولة حسب منطوق الخطاب العلماني تتحمل مسؤولية سياسية وأدبية لا يسمح لها هذا الخطاب ان تتنصل عنها بسبب تفضيل فئة على أخرى أو دين على آخر . واستناداً إلى هذا المفهوم العلماني لعلاقة الدين بالدولة فإن الفكر العلماني يؤسس بخطابه هذا إلى إلزام الدولة باحترام جميع الثوابت الدينية على إختلافها وحماية من يقومون عليها وضمان حرية نشر وممارسة هذه الثوابت ضمن القوانين ألإجتماعية السائدة في هذه الدولة . أي ان الفكر العلماني يسعى لجعل كل الأديان التي يعتنقها المواطنون في هذه الدولة أو تلك موضع إهتمام واحترام الدولة ومؤسساتها وذلك بالشكل الذي لا يشعر به اي مواطن او مجموعة من المواطنين بالغبن والإجحاف والتفرقة والتهميش بسبب الإنتماء الديني . وبالعكس من ذلك فإن الخطاب الديني يدعو إلى إلباس الدولة ثوب دين معين بذاته بحيث تتجه هذه الدولة إلى تبني هذا الدين بشكل أساسي ، وإن سمحت لها ظروفها ، التي سيحددها فقهاؤها ، فإنها ستمنح الأديان ألأخرى بما تراه مناسباً من الحركة في هذه الدولة ذات الدين المعين . أي أن الدولة هنا تصبح جهازاً تنفيذياً لمجموعة معينة من مواطنيها دون المجموعات الأخرى التي ستظل ، حسب هذا الخطاب ، تحتل المرتبة الثانية أو الثالثة أو الرابعة في المنظومة ألإجتماعية التي ستسود فيها التفرقة الإجتماعية والتمييز بين المواطنين . فأي من الخطابين والحالة هذه يلتزم أكثر بالتعاليم الدينية الحقة التي تنطلق من المساواة بين البشر واحترام إختلاف نزعاتهم وميولهم وأديانهم . وأي من الخطابين يؤمن بهذه التعددية ويدعو إلى حمايتها ورعايتها وضمان تواجدها . إن كافة الدلائل تشير إلى ان الخطاب العلماني هو الخطاب الذي لا يسمح بالسطو على الآخرين لأنهم يختلفون في الدين وسلب حرياتهم وقمعهم واستغلالهم وتسليط الظلم عليهم ومعاملتهم بالطرق التي يرفضها كل دين لأن هذا النوع من المعاملة لا ينسجم والرسالة الإنسانية للدين . وباختصار يمكن القول بان الخطاب الديني يسعى إلى خلق فتنة إجتماعية وصراع دائم بين أبناء المجتمع الواحد ، في حين يسعى الخطاب العلماني إلى الوئام الإجتماعي والسلم بين أبناء المجتمع الواحد وذلك من خلال تنكره لإطروحات التفرقة الإجتماعية التي يسعى إليها وتبناها الخطاب الديني . الخطاب الديني يتبجح بوقوفه ضد المنكر مردداً دوما الحديث القائل " من رأى منكم منكراً فليغيره....." ومن خلال ذلك يصف نفسه وكأنه ملتزم بالثوابت الدينية التي لا تجيز له التعاطي مع هذا المنكر. ولو درسنا واحداً من كثير من المنكرات التي تعج بها الساحة العراقية اليوم في مجالاتها السياسية والإقتصادية على وجه الخصوص ، هذه الساحة التي تقودها أحزاب الإسلام السياسيي صاحبة هذا الخطاب ، لراينا مدى صدق او كذب هذا الخطاب مقارنة بالخطاب العلماني وسلوكه بالوقوف ضد نفس هذا المنكر الذي بلغ أشده في مؤسسات الدولة العراقية التي يقودها أصحاب الخطاب الديني ، ونقصد بذلك الفساد المالي والإداري . إن وضع العرق في المرتبة الثالثة بين الدول التي يكثر فيها الفساد المالي والإداري الحكومي، وذلك حسب تقرير منظمة الشفافية الدولية لعام 2008 ، لم يأت جزافاً أو تخميناً ، بل إستند إلى دراسات ميدانية دولية محايدة عكست بصدق حقيقة ما يدور في أجهزة الدولة العراقية الجديدة وأشارت إلى تعمق هذا النهج اللاأخلاقي واللاديني في مجتمع تدعي قياداته السياسية إلتزامها بتعاليم الدين ألإسلامي وأخلاقياته ويحاول خطابها إعطاء صورة الصلاح والنزاهة التي يعلم الجميع بأنها غير متوفرة فعلاً ، وما هذه الإدعاءات التي نسمعها اليوم إلا أكاذيب دعائية للتغرير بالمواطنين وخاصة البسطاء منهم.. والسؤال الذي يطرحه كل من يوظف عقله في إشكالات هذا المرض الخطير ، الفساد في اجهزة الدولة ، هو : هل ان النظام السياسي القائم الذي جاء على مخلفات نظام أوجد هذا الفساد ، لا يستطيع مكافحة هذا المرض فعلاً ، بالرغم من ان أولى أولويات النظام الجديد هي القضاء على مخلفات الحكم الدكتاتوري الأسود ..؟ وما الذي يمنع الحكومة الحالية من التصدي لهذه الظاهرة بالرغم من بلوغ مساوئها هذه الدرجة التي تهدد كيان الوطن برمته ..؟ جواب هذا السؤال يتعلق بمدى مصداقية الخطاب الديني في تغيير منكر كهذا ، إن هو إنطلق حقيقة من واجبه في تغيير المنكر . إن كل الأحداث والتطورات التي مرَّت بها الساحة السياسية بعد سقوط البعثفاشية ولحد الآن تشير إلى إستمرار هذا المنكر وبوتيرة متزايدة بالرغم من إضطلاع الأحزاب الدينية وخطابها بمهمة القيادة لإدارة شؤون هذا البلد سياسياً واقتصادياً وفكرياً . فبماذا يُفسر ذلك...؟ هناك تفسيران لا ثالث لهما وهما : إما أن يكون الضجيج والعويل الذي يخلقه الخطاب الديني ضد الفساد الإداري كذبة يريد بها ذر الرماد في العيون بغية الإستمرار على هذا النهج وبذلك يكون هذا الخطاب قد تخلى عملياً وواقعياً عن الشعارات الدينية التي يطلقها حول إلتزامه بالثوابت الدينية ، وإن جميع اطرافه ، وإن إختلفت مشاربها ومذاهبها ، تسير على ذاك النهج الذي يتبنى قاعدة " ضُملي وضُملك " . أو أن الخطاب الديني ورموزه في السلطة يسعون حقاً للتخلص من هذا الوباء الإجتماعي إلا انهم غير قادرين على ذلك فعلاً لأسباب لا يعلنونها على الملأ . تشير جميع الظواهر المنتشرة على الساحة العراقية إلى قبول التفسير الأول حيث إنه ينطبق على الواقع الذي يعيشه الخطاب الديني ورموزه . ولو اجرينا مقارنة بسيطة جداً بين الوضع المالي الذي كان عليه رموز الخطاب الديني قبل سقوط البعثفاشية وبعدها لوجدنا الفرق الكبير الذي يتعدى كنز الأصفر والأبيض والأسود الملايين إلى الملياردات التي ينعم بها هؤلاء الذي يدَّعون بأنهم يعملون على تغيير المنكر ، وكأن نهب المال العام وسرقته لا يقع ضمن هذا المنكر في حساباتهم . وعلى العكس من ذلك فإن الخطاب العلماني الذي يسعى بجد ويطرح بصدق ويسعى حثيثاً لإقتلاع زمر الفساد في تلك المواقع التي يستطيع التاثير فيها رغم قلتها. فهل سمعنا مثلاً أن وزيراً أو نائباً أو أي مسؤول كبير في الدولة العراقية من العاملين مع للحزب الشيوعي العراقي قد وُجهت له إتهامات الفساد المالي والإداري ...؟ في حين أثبت التحقيق وانتشرت المعلومات بين المواطنين والتي تشير إلى ضلوع قياديين في أحزاب الإسلام السياسي ومن مروجي خطابه في عمليات فساد ورشاوي ومافيات سرقة النفط وعصابات إبتزاز اموال المواطنين لغرض التعيين لدى اجهزة الدولة او الحصول على فرصة عمل وغير ذلك من الأعمال التي تقع ضمن مفهوم المنكر الذي لم يعمل الخطاب الديني على تغييره ، بل على تأطيره ضمن ضوابط ظل هو يتحكم بها وبمردوداتها النقدية والعينية . فأي من الخطابين هنا الديني أو العلماني الذي إلتزم بالثوابت الأخلاقية الإجتماعية أكثر من الآخر وأيهما أقرب إلى الحفاظ على هذه الثوابت قولاً وعملاً...؟ هناك الكثير من المعايير الأخرى التي يمكن الإستشهاد بها للتدليل على أن الخطاب العلماني حينما يدعو إلى فصل الدين عن الدولة فإنه يدعو في الواقع إلى الطريق الذي لا يسمح باستغلال الدين لمثل هذه الظواهر اللاأخلاقية واللادينية المتشرة على الساحة العراقية والتي يسببها هؤلاء الذين جعلوا من الدين وسيلة لإثرائهم وإفقار الآخرين . اي أنه يدعو إلى المحافظة على الثوابت الأخلاقية التي تقرها جميع الأديان سواء تعلق الأمر بالعدالة ألإجتماعية والمساواة بين المواطنين أو فيما يتعلق بالحفاظ على النسيج الإجتماعي بكل مكوناته وعدم جر المجتمع إلى صراعات لا تنتهي والتي تؤججها أطروحات أفضلية هذا على ذاك في المجتمع الوالحد وبين الناس الذين يعتبرهم الخطاب العلماني سواسية في الحقوق والواجبات كمواطنين للدولة التي يعيشون في كنفها والتي لا ينبغي لها أن تفرق بينهم لأي سبب من الأسباب . الدكتور صادق إطيمش
#صادق_إطيمش (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الدولة الوهابية وولاية الفقيه نظامان لدكتاتورية واحدة
-
حذاري من تشويه جوهر القضية الكوردية من خلال تصرفات بعض الكور
...
-
تحقيق السلام في الشرق ألأوسط رهين بوحدة قوى السلام العالمية
-
إبداوا بإصلاح أنفسكم أولاً....يا فرسان الحملة الإيمانية الجد
...
-
شرف آخر للشيوعين العراقيين
-
مفهوم الثابت والمتغير في خطاب الإسلام السياسي
-
تعريف الأطفال بالأول من آيار في ألمانيا
-
رجوع الشيوخ إلى صِباهم
-
التاسع من نيسان......ما له وما عليه القسم الثاني
-
التاسع من نيسان......ما له وما عليه القسم الأول
-
بطاقة حب إلى الحزب الشيوعي العراقي
-
نامت نواطير مصر عن ثعالبها.....
-
وتبقى المرأة شامخة ولو كَرِهَ فقهاء السلاطين
-
الجامعة العربية....هل اصبحت ملاذاً للمجرمين أيضاً...؟
-
إحذروا الثعالب ذات اللحى...
-
عودة إلى إنتخابات المحافظات....النتائج والعبر
-
إنتخابات المحافظات....النتائج والعبر القسم الثاني
-
إنتخابات المحافظات....النتائج والعبر القسم الأول
-
إذهبوا إلى الإنتخابات جموعاً....ولا تنتخبوا....
-
الإخفاق يعني التنحي عن العمل...معادلة سيتبناها الشعب العراقي
...
المزيد.....
-
استقبل تردد قناة طيور الجنة أطفال الجديد 2024 بجودة عالية
-
82 قتيلاً خلال 3 أيام من أعمال العنف الطائفي في باكستان
-
82 قتيلا خلال 3 أيام من أعمال العنف الطائفي في باكستان
-
1 من كل 5 شبان فرنسيين يودون لو يغادر اليهود فرنسا
-
أول رد من الإمارات على اختفاء رجل دين يهودي على أراضيها
-
غزة.. مستعمرون يقتحمون المقبرة الاسلامية والبلدة القديمة في
...
-
بيان للخارجية الإماراتية بشأن الحاخام اليهودي المختفي
-
بيان إماراتي بشأن اختفاء الحاخام اليهودي
-
قائد الثورة الاسلامية آية اللهخامنئي يصدر منشورا بالعبرية ع
...
-
اختفاء حاخام يهودي في الإمارات.. وإسرائيل تتحرك بعد معلومة ع
...
المزيد.....
-
شهداء الحرف والكلمة في الإسلام
/ المستنير الحازمي
-
مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي
/ حميد زناز
-
العنف والحرية في الإسلام
/ محمد الهلالي وحنان قصبي
-
هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا
/ محمد حسين يونس
-
المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر
...
/ سامي الذيب
-
مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع
...
/ فارس إيغو
-
الكراس كتاب ما بعد القرآن
/ محمد علي صاحبُ الكراس
-
المسيحية بين الرومان والعرب
/ عيسى بن ضيف الله حداد
-
( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا
/ أحمد صبحى منصور
-
كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد
/ جدو دبريل
المزيد.....
|