|
مصريه (شريره)
رشا ممتاز
الحوار المتمدن-العدد: 2668 - 2009 / 6 / 5 - 08:12
المحور:
كتابات ساخرة
حينما بدأت السفينة تغرق تعلقت بطوق نجاة...فجأة ووسط الأمواج المتلاطمة لمحت طفلا في الثامنة من عمره يصرخ طالبا النجدة ..تمكنت بصعوبة بالغة من التقاط يده وتعلقت به بإحدى يداي وباليد الأخرى أمسكت طوق النجاة ة..مضت ساعات طويلة ونحن في المياه الغاضبة ..بدأت قوى الطفل تخور..وكذلك أنا أصابني التعب وكدت أفقد الأمل تماما في البقاء على قيد الحياة ..قبل نصف ساعة على وصول زورق الإنقاذ أصاب الطفل الإعياء وبدا يقول يا عمو خلاص سبنى أموت سبنى أموت لم تزدنى كلماته سوى المزيد من التعلق به ..والتمسك بالحياه ..وفجاه أنتهى كل شئ فجاة دفعتنى موجة لطمت وجهى وكذلك وجه الطفل نظرت إليه بعدها واكتشفت أنه فارق الحياة ...
كما كان من بين الجثث جثتان لأب يحتضن ابنته الصغيرة التي لم يتجاوز عمرها السبع سنوات مات الأب والأبنه و التصقت الجثتان ولم ينجح الأطباء الشرعيين في فصلهما لأنهما كانا في حالة تيبس لذلك أضطر المسئولون في الميناء لوضع الجثتان في كيس واحد تمهيدا لأخذ عينات من الحامض النووي للاستدلال على شخصيتهما
لم تكن تلك المشاهد المؤلمة من فيلم تايتنك الشهير ولكن ولإنعاش الذاكرة الضعيفة فالطفل القتيل هو( وائل) ابن من أبناء مصر وزهورها اليانعة وواحد من 1400 قتيل مصري فى عبارة الموت ( السلام تانك ) وضحية من آلاف الضحايا الذين قتلوا على يد الفساد في عهد الرئيس المكلوم على حفيده , منهم من تفحمت جثته فى القطارات والفاعل (وابور جاز) أومن تناثرت أشلاؤه في الأجواء جراء اصطدام القطارات أيضا والفاعل هنا ( الشبوره ) أو من كان طعاما للقرش في عرض البحر والفاعل (خيار البحر ) ومنهم من مات مسموما بسبب تناوله وجبة غذائية فاسدة والفاعل( طفاسة الواد ) ومن مات (مفعوصا) تحت الصخور والفاعل (حول الصخره) ومن مات اثناء عبوره الطريق وما أدراك ما عبور الطريق والفاعل( هو نفسه لضعف قدرته على الجرى )
آلاف الضحايا من الأطفال ابتلعهم الفساد الذي نما وترعرع حتى صار كالشجرة التي امتدت فروعها الخبيثة لتتشابك مع كل نواحي الحياة في مصر بينما تغلغلت جذورها ضاربة أعلى الهرم.
انتظرت طويلا أن يخرج السيد الرئيس الجد والأب على شاشات التلفزيون مصرحا بأن كل طفل مصري يقتل على يد الفساد بمثابة ابنه أو حفيده ولن يتهاون في دمه وسيكون العقاب رادعا لكل يد تطاولت لتقطف زهور مصر ومستقبلها.. لكن الذي يحدث دائما هو العكس فقد برأت المحكمة قاتل وائل وال 1399 مصري لأنه (مسنود) فكيف نساوى حياة 1400 من الفقراء الكادحين ممن ليس لهم سند بسنه سجن لشخص ثرى (ومسنود) ! وتم الاستئناف ولتهدئة الحشود الغاضبة صدر ضده حكما ب7 سنوات بعد تسهيل هروبه للخارج طبعا! ولتضرب أم وائل وغيرها من أمهات الضحايا رؤوسهم في عرض الحائط !
أما بقية الجرائم فقد سجلت ضد (وابور جاز) أو ضد مجهول!
ومن الطبيعي أن لا تتخذ الحكومة أي خطة حقيقية لمواجهة الفساد لأن هذا معناه القضاء على جذورها وفروعها معا ولكنها تبنت الحل الأسهل وراهنت على الحصان الرابح الذي لم يحدث وخسر رهان ألا وهو (ضعف ذاكرة الشعب المصري) التي تم أضعافها عمدا بانتهاج سياسة (الإهمال والتطنيش ) لتضمن تكرار الحادث و مع تكرار الحوادث الكارثية سيألفها المواطن المصري وبالتالي ستصيبه حصانة طبيعية ولن يؤثر فيه أو يحركه أي حدث مهما كانت درجة بشاعته أو عدد ضحاياه , كل ما في الأمر انه سيحتل صدارة وسائل الأعلام من جرائد ونشرات و فضائيات وينتهي ( بلا حول ولا قوة إلا بالله و والله حرام اللي بيحصل ده) على لسان رجل الشارع ليذهب بعد ذلك بلا عوده سالكا طريق النسيان! ولأن الفاعل طليق اليد فستأتي مصيبة أكبر لا محالة لتحتل مكان سابقتها وإن لم تأتى فمباراة حاسمة بين الأهلي والزمالك كفيلة بان تنسينا حتى أسامينا! ولكن ولأكون منصفة و( الشهادة ل الله) والحق يقال , فعقب كل كارثة تقفز التصريحات الحكومية لإخماد الأصوات و إغلاق الأفواه بمبلغ 10000 جنيه لكل قتيل و 5 آلاف لكل جريح!! 10000 جنيه ثمن المواطن المصري الطيب !!!
وفى حادث (الدويقه) ولأن الضحايا أكثر فقرا وبؤسا فكفاية عليهم 5 للقتيل و3 للمصاب وليحمدوا خالقهم (ويبوسو ايد الحكومه وش وظهر) على كرمها الطائي فالمصري يساوى أقل من ذلك بكثير (والعيال على قفي من يشيل) !
ولأن الموت كغيره من أمور الحياة في مصر دخل فيه (الخيار والفاقوس والواسطة والمحسوبية) فلم توقف القنوات المصرية إرسالها من أجلهم ولم تبث التلفزيونات آيات الذكر الحكيم ولم تنهل برقيات العزاء على ذويهم ولم يتسابق الكتاب في نشر كلمات المواساة لآبائهم وأجدادهم ولم يلتف الشعب حولهم مطالبين بالقصاص لمقتلهم ولم يذكرهم أحد.. مجرد أرقام في سجلات القضايا وعلى صفحات الحوادث أثارت زوبعة فتره من الوقت ( لزوم المبيعات) ثم خمدت ! عاشوا أصفارا وماتوا أرقاما!! وهذا هو حال الفقراء !!
ولأن الكتاب والمثقفين وضعوا البيض في سلة واحدة و انبرت أقلامهم في المواساة ووصف طيبة المصري وكرم أصله ووقوفه مع رئيسه في مصابه على قلب رجل واحد ولأنني وضعت قسرا ورغما عنى مع البيض فكان لزاما على أن أنفى عن نفسي تهمة الانتماء لهؤلاء المصريين (الطيبين ) وأؤكد على كوني مصرية (شريرة ) لم تضعف ذاكرتها ولم تنس وإن كنت أكتب اليوم فأنني أكتب فقط لأذكر الرئيس المسئول و الجد المكلوم بأن الحزن الذي يعتصر فؤاده على حفيده قد سبقه إليه آلاف الأسر ممن فقدوا فلذات أكبادهم على يد الفساد ولم يجدوا يدا تواسيهم أو تعويضا عادلا يعينهم أو حكما ينصفهم ... و لعلك اليوم وأنت تشعر بألمهم أن تسعى جاهدا لوقف نزيف الدماء.
#رشا_ممتاز (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
السادية والخنزير
-
شجيع السيما
-
سلامات يا تدين
-
قبل فوات الأوان
-
سياسات الترويض
-
ساركوزى يدعم دكتاتوريات الشرق .
-
أوراق الخريف
-
آخر مستعمرات الرجل
-
لن أعيش فى جلباب أمى
-
فضفضه
المزيد.....
-
بشعار -العالم في كتاب-.. انطلاق معرض الكويت الدولي للكتاب في
...
-
-الشتاء الأبدي- الروسي يعرض في القاهرة (فيديو)
-
حفل إطلاق كتاب -رَحِم العالم.. أمومة عابرة للحدود- للناقدة ش
...
-
انطلاق فعاليات معرض الكويت الدولي للكتاب 2024
-
-سرقة قلادة أم كلثوم الذهبية في مصر-.. حفيدة كوكب الشرق تكشف
...
-
-مأساة خلف الكواليس- .. الكشف عن سبب وفاة -طرزان-
-
-موجز تاريخ الحرب- كما يسطره المؤرخ العسكري غوين داير
-
شاهد ما حدث للمثل الكوميدي جاي لينو بعد سقوطه من أعلى تلة
-
حرب الانتقام.. مسلسل قيامة عثمان الحلقة 171 مترجمة على موقع
...
-
تركيا.. اكتشاف تميمة تشير إلى قصة محظورة عن النبي سليمان وهو
...
المزيد.....
-
فوقوا بقى .. الخرافات بالهبل والعبيط
/ سامى لبيب
-
وَيُسَمُّوْنَهَا «كورُونا»، وَيُسَمُّوْنَهُ «كورُونا» (3-4)
...
/ غياث المرزوق
-
التقنية والحداثة من منظور مدرسة فرانكفو رت
/ محمد فشفاشي
-
سَلَامُ ليَـــــالِيك
/ مزوار محمد سعيد
-
سور الأزبكية : مقامة أدبية
/ ماجد هاشم كيلاني
-
مقامات الكيلاني
/ ماجد هاشم كيلاني
-
االمجد للأرانب : إشارات الإغراء بالثقافة العربية والإرهاب
/ سامي عبدالعال
-
تخاريف
/ أيمن زهري
-
البنطلون لأ
/ خالد ابوعليو
-
مشاركة المرأة العراقية في سوق العمل
/ نبيل جعفر عبد الرضا و مروة عبد الرحيم
المزيد.....
|