|
في الذكرى السادسة والخمسين لاستقلال اسرائيل: الاستقلال الحقيقي مرهون بقيام الدولة لفلسطينية المستقلة وضمان حق العودة للاجئين وفقًا لقرارات الشرعية الدولية
احمد سعد
الحوار المتمدن-العدد: 815 - 2004 / 4 / 25 - 08:54
المحور:
القضية الفلسطينية
في السابع والعشرين من شهر نيسان الجاري، أي بعد أربعة أيام، تحتفل اسرائيل بالذكرى السنويّة السادسة والخمسين لقيامها. ورغم مرور اكثر من نصف قرن على قيامها فإن الاستقلال الاسرائيلي لا يزال منقوصًا ويعاني من غياب قواعد الأمن والاستقرار والسلام ومن التبعية للامبريالية الامريكية في اطار التحالف الاستراتيجي معها. فمنذ قيام اسرائيل وحتى يومنا هذا أكدنا ونؤكد ان تدعيم قواعد الاستقلال الاسرائيلي مرهون بضمان الاستقلال الفلسطيني وقيام البيت الوطني الفلسطيني في إطار دول سيادية مستقلة وفقًا لقرارات الشرعية الدولية. فالاستقلال الاسرائيلي منقوص لان قيام اسرائيل ارتبط بمآسي نكبة الشعب العربي الفلسطيني التي لا تزال جروحها تنزف دمًا حتى يومنا هذا. وتتجسد نكبة الشعب العربي الفلسطيني في أمرين أساسيين، الاول، أن التآمر المنهجي الاستعماري - الصهيوني وبتواطؤ بعض الأنظمة الرجعية العربية منذ معاهدة سايكس بيكو الاستعمارية ووعد بلفور المشؤوم وحتى النكبة في العام 1948 قد قاد الى حرمان الشعب العربي الفلسطيني من حقه في الاستقلال بوطنه واقامة دولته العربية الفلسطينية وفقًا لقرار التقسيم الذي أقرته الجمعية العمومية للأمم المتحدة في تشرين الثاني 1947. والثاني، ممارسة الادارة الصهيونية في عام النكبة للترانسفير القسري ومن خلال المجازر والاهراب، ضد اهل البلاد الفلسطينيين، بطردهم وتهجيرهم بالقوة الى خارج حدود وطنهم الفلسطيني وتحويل غالبية الشعب العربي الفلسطيني الى لاجئين في الشتات القسري، في مخيمات المعاناة الانسانية في لبنان وسوريا والاردن ومختلف بقاع العالم، والى لاجئين ومهجرين داخل حدود الوطن وبعضهم لا يبعد مرمى العصا عن مسقط رأسه المحروم من العودة اليه.
ومنذ قيام اسرائيل وانفجار الدماء من شرايين النكبة الفلسطينية وحتى يومنا هذا أكدنا نحن الشيوعيين ومن على مختلف ساحات ومنابر الكفاح ان استقلال وأمن واستقرار اسرائيل مرهون بارساء قوعد السلام العادل، الشامل والثابت في المنطقة والذي لا يمكن انجازه بدون اعتراف اسرائيل الرسمية بحق تقرير المصير للشعب الفلسطيني. وحق تقرير المصير يترجم على أرض الواقع باقامة دولة مستقلة ذات سيادة للشعب الفلسطيني الى جانب دولة اسرائيل وضمان حق العودة للاجئين الفلسطينيين وفقًا لقرارات الشرعية الدولية، خاصة قرار الجمعية العمومية للامم المحتدة الذي يحمل الرقم (194). وأية تسوية سياسية لا تقر بهذين الأمرين الأساسيين لن تعمر أبدًا ومصيرها الفشل ولن تقود ابدًا الى اخماد أنفاس الصراع الاسرائيلي - الفلسطيني - العربي او الى سيادة الامن والاستقرار والسلام في ربوع منطقتنا الجريحة.
ستة وخمسون سنة مضت، ورغم النكبات المتعددة التي تعرض لها الشعب الفلسطيني في مختلف اماكن وجوده، لم تستطع دفن شرعي وراءه شعب مطالب، لم تستطع اطفاء جذوة ارادة شعب يناضل من اجل موقعه الشرعي والانساني تحت الشمس. لم تستطع المجازر الجماعية في صبرا وشاتيلا وايلول الاسود وفي المناطق المحتلة، في جنين ونابلس ورفح وغزة ومئات الوف الشهداء الفلسطينين والجرحى واليتامى ان تمنع نهوض المارد ليواصل مسيرته التحررية الكفاحية.
لن أسرد التاريخ الكفاحي البطولي لشعب يوجه أشرس وحوش الغاب المفترسة ويبقى منتصب القامة، ولكن ما أود تأكيده أن النضال الفلسطيني الممهور بالثمن الذي لا يقدر من دماء ابنائه ومعاناة جماهيره في المنطق المحتلة وخارجها لم يذهب سدى. وسأتطرق في هذا السياق الى نقطة ضوء واحدة تخترق دياجير الظلمة ودوائر الدم النازف من شرايين الصراع والعدوان الهمجي الاحتلالي ضد الشعب الفلسطيني. ونطقة الضوء هذه تتجسد في حقيقة ان الكفاح الفلسطيني العادل وانتفاضته وهباته الشعبية المقاومة لاحتلال قد أدى الى تغيّرات نسبية في الموقف داخل اسرائيل وعالميًا من الحقوق الفلسطينية الشرعية. فحتى اتفاقات اوسلو في اواسط التسعينيات كان في اسرائيل اجماع قومي صهيوني يتنكر لحق الشعب الفلسطيني في اقامة دولة مستقلة. حتى في اتفاقات كامب ديفيد بين مصر واسرائيل برئاسة مناحيم بيغن جرى الحديث عن حكم ذاتي فلسطيني مدني يبقى مربوطًا بحبال التبعية للاحتلال الاسرائيلي، الشيء الذي ترسخ في أذهان ووجدان الرأي العام العالمي انه لا سلام ولا أمن ولا استقرار في الشرق الاوسط دون قيام دولة فلسطينية بجانب اسرائيل. وداخل اسرائيل بدأ النقاش بين مختلف الاحزاب الصهيونية وداخلها حول حودو وصلاحيات هذه الدولة. واذا استثنينا القوى الاستيطانية الفاشية العنصرية وهئيحود هلئومي و"المفدال" من قطعان "أرض اسرائيل الكبرى" الذين يرفضون أي كيان مستقل للشعب الفلسطيني في المناطق المحتلة حتى لو كان مجازًا باسم دولة، فإن الليكود والعمل وشينوي وغيرهم يتحدثون لفظًا عن القبول بمبدأ "دولة فلسطينة" - حتى شارون يلهج بهذا الاسم - ولكن ما يقصدونه هو دولة فارغة المضمون، دولة منقوصة السيادة على الارض أشبه ما تكون بمحمية استعمارية تمزق تواصلها الاقليمي كتل الاستيطان والطرق الالتفافية وجدار العزل العنصري وتحولها الى كانتونات وجزر منفصلة بعضها عن بعض. وهذا ما يتضمنه برنامج شارون وخطته لفك الارتباط من طرف واحد في قطاع غزة، حيث ان المدلول السياسي ضم اكثر من نصف المناطق المحتلة تحت السيادة الاقليمية السياسية لاسرائيل الاحتلال وبضمنها القدس الشرقية عاصمة الدولة الفلسطينية العتيدة.
ما أود تاكيده انه حتى اذا كان موقف الاحزاب الصهيونية من مدلول دولة فلسطينية "كلمة حق يراد لها باطل" فإن توجهها لثوابت الحقوق الفلسطينية غير القابلة للتصرف انتقائي وأحادي الجانب. فإذا كان هنالك نقاش بين الاحزاب الصهيونية وداخلها حول مدى ومساحة نهب الارض الفلسطينية وخارطة ترسيم حدود الكيان الفلسطيني الهش الذي يطلقون عليه اسم دولة زورًا وبهتانًا، فان هنالك اجتماعًا قوميًا صهيونيًا بين مختلف الاحزاب الصهيونية من يمينها الى وسطها الى يسارها ضد حق العودة للاجئين الفلسطينيين الممهور بقرار من الشرعية الدولة. هنالك تنكر مطلق لحق العودة للثابتة المركزية في اطار ثوابت الحقوق الوطنية الفلسطينية الشرعية غير القابلة للتصرف. فالعامل الاساسي لافشال محادثات "كامب ديفيد" الثانية ولقاء القمة فيها من الرئيس الامريكي السابق بيل كلينتون ورئيس حكومة اسرائيل السابق ايهود براك والرئيس الفلسطيني ياسر عرفات كان فشل الضغوط الام ريكية والاسرائيلية في اقناع الوفد الفلسطيني برئاسة عرفات بالتفريط بحق العودة للاجئين الفلسطينيين. فحكومات اسرائيل المتعاقبة والحالية وتشكيلة الاحزاب الصهيونية لا تقر بمسؤوليتها التاريخية السياسية والاخلاقية عن النكبة واللجوء الفلسطيني الى الشتات القسري، وتنطلق من منطلقات عنصرية عرقية وتوسعية صهيونية بالادعاء تضليليًا أن الاقرار بحق عودة اللاجئين الفلسطينيين الى وطنهم يقضي على الطابع اليهودي لدولة اسرائيل ويغير الموازنة الدمقراطية بين العرب واليهود، الامر الذي يهدد مصير "دولة اليهود"!! والسؤال المنطقي اذا كان "قانون العودة" العنصري يتيح هجرة جاليات يهودية من مختلف الالوان ومن مختلف بقاع العالم الى اسرائيل استنادًا الى "صك رباني" و"حق العودة الى ارض الميعاد" بعد شتات آلا السنين، كما يدعون، فكيف لا يحق لمن طرد من وطنه ظلما وعدوانا قبل اقل من ستة عقود!! ثم ان حق العودة ليس حسنة من اسرائيل الرسمية بل هو حق مقدس، شرعي وانساني، تقره هيئة الشرعية الدولية، ومختلف المواثيق الدولية والقانون الدولي وحقوق الانسان. أكدنا ونؤكد اليوم، خاصة وان رئيس ادارة عولمة ارهاب الدولة المنظم الامريكية، جورج دبليو بوش تجند الى جانب حليفه الاستراتيجي في العدوان، اريئيل شارون، بالتنكر لحق العودة والتراجع عن الموقف الامريكي التقليدي، انه بدون ايجاد الحل العادل لقضية اللاجئين وفقًا لقرارات الشرعية الدولية فلن يكون هنالك أ أمن او استقرار في المنطقة حتى لو استعمال تحالف الشر الاسرائيلي - الامريكي كل ترساناتهم العسكرية ومختلف وسائل الضغط على الشعب الفلسطيني وقيادته الوطنية. موقفنا المبدئي والواقعي كان لا يزال ان على اسرائيل الرسمية ان تعترف بمسؤوليتها التاريخية والسياسية والاخلاقية عن النكبة واللجوء وحق العودة للاجئين الفلسطينين، وبعد ذلك يجري التفاوض حول كيفية تجسيد حق العودة بهدف التوصل الى حل عادل مسنود بقرارات الشرعية الدولية. اما حرمان بين اربعة ملايين الى ستة ملايين من حق العودة فلا يعني سوى حرمان المنطقة وشعوبها من حق الامن والاستقرار والسلام العادل. والتوصل لحل عادل لقضية اللاجئين واقامة الدولة الفلسطينية وعاصمتها القدس الشرقية في حدود السبعة وستين سيجعل دون شك لاستقلال الاسرائيلي معنى آخر ورونقًا آخر.
#احمد_سعد (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
على ضوء جريمة تصفية الرنتيسي الارهابية: اغتيال قيادات وطنية
...
-
رسالة بوش - التاريخية
-
أصبحت الجامعة العربية (مربط خيل) جماهيرنا العربية ومخفرها ال
...
-
عشية عيد الفصح العبري:الفقراء يصطفون في الطوابير وشارون يعال
...
-
مناورتكم التآمرية لن تستطيع طمس الدور الريادي المؤثر للنائب
...
-
بعد سنة على الحرب الاستراتيجية: احتلال العراق جزء عضوي مخطط
...
-
وطن للفاشية ولا هوية قومية محددة لها
-
ما هو المدلول الحقيقي ((لاسرائيل العظمى)) في تصدير الاسلحة؟؟
-
أمن واستقرار العراق يستدعيان وأد محاولات الفتنة وجلاء قوات ا
...
-
الخزيُ والعار للمجرمين قتلة المناضل خليل زبن
-
من ((جنين - جنين)) الى ((البعنة - البعنة))
-
لمواجهة أنياب الفاشية العنصرية المفترسة
-
هل ينجح تحالف قوى العدوان الاسرائيلي - الصهيوني - الامريكي ب
...
-
أي مخطّط تآمري ينسجه الوفد الامريكي مع حكومة شارون!
-
لِتُقرّ الكنيست اليوم موقف الاهالي بفك الدمج الكارثي
-
هل تنفجر في اسرائيل هبّة الفقراء والجياع؟
-
هل تستطيع لجان التحقيق طمس الأهداف الاستراتيجية الاساسية للح
...
-
ماذا وراء ((قنبلة)) شارون السياسة بتوصية وفرضية اخلاء المستو
...
-
السلطات المحلية وموظفوها السياسة الحكومية الاسرائيلية الاقتص
...
-
يخدم مصلحة من الاعتداء على الحزب الشيوعي العراقي؟
المزيد.....
-
مشتبه به بقتل فتاة يجتاز اختبار الكذب بقضية باردة.. والحمض ا
...
-
في ظل استمرار الحرب والحصار، الشتاء يضاعف معاناة نازحي غزة و
...
-
قصف إسرائيلي عنيف يزلزل الضاحية الجنوبية لبيروت
-
صدمة في رومانيا.. مؤيد لروسيا ومنتقد للناتو يتصدر الانتخابات
...
-
البيت الابيض: لا تطور يمكن الحديث عنه في اتصالات وقف النار ب
...
-
نائب رئيس البرلمان اللبناني: لا توجد عقبات جدية تحول دون بدء
...
-
استخدمت -القرود- للتعبير عن السود.. حملة توعوية تثير جدلا في
...
-
-بيروت تقابلها تل أبيب-.. مغردون يتفاعلون مع معادلة حزب الله
...
-
مشاهد للجيش الإسرائيلي تظهر ضراوة القتال مع المقاومة بجباليا
...
-
ماذا وراء المعارك الضارية في الخيام بين حزب الله وإسرائيل؟
المزيد.....
-
الحوار الوطني الفلسطيني 2020-2024
/ فهد سليمانفهد سليمان
-
تلخيص مكثف لمخطط -“إسرائيل” في عام 2020-
/ غازي الصوراني
-
(إعادة) تسمية المشهد المكاني: تشكيل الخارطة العبرية لإسرائيل
...
/ محمود الصباغ
-
عن الحرب في الشرق الأوسط
/ الحزب الشيوعي اليوناني
-
حول استراتيجية وتكتيكات النضال التحريري الفلسطيني
/ أحزاب اليسار و الشيوعية في اوروبا
-
الشرق الأوسط الإسرائيلي: وجهة نظر صهيونية
/ محمود الصباغ
-
إستراتيجيات التحرير: جدالاتٌ قديمة وحديثة في اليسار الفلسطين
...
/ رمسيس كيلاني
-
اعمار قطاع غزة خطة وطنية وليست شرعنة للاحتلال
/ غازي الصوراني
-
القضية الفلسطينية بين المسألة اليهودية والحركة الصهيونية ال
...
/ موقع 30 عشت
-
معركة الذاكرة الفلسطينية: تحولات المكان وتأصيل الهويات بمحو
...
/ محمود الصباغ
المزيد.....
|