حمزة رستناوي
الحوار المتمدن-العدد: 2664 - 2009 / 6 / 1 - 11:07
المحور:
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
إن لمفهوم الجوهر عند أرسطو ousia مكانة خاصة لأنه عبارة عن الموجود , فهو الموضوع الذي تستند إليه جميع المقولات الأخرى أو المحمولات , " و يتميز الجوهر عن المقولات الأخرى من عدة وجوه ,فهو :
1- القائم بذاته ,خلافا للأعراض التي تقوم فيه.
2- و هو مما لا ضد له, خلافا للأعراض أيضا.
3- و هو لا يختلف بالدرجة عن سواه,فلا يقال في الرجل مثلاً إنه أكثر رجولة من سواه.
و هو الحامل للأضداد التي تتعاقب عليه,فيتحوّل من حال إلى ضدها, و هو ثابت أصلاً , و هي ميزة يبدو أن الجوهر يتفرد بها,فاللون ذاته لا يمكن أن يكون أبيض و أسود , و الفعل خيرا ً و شرا ,بينما الشخص الواحد قد يكون حينا أبيض و أسود حينا آخر, و الفعل خيرا حينا و شرا حينا آخر,في ظروف مختلفة"*
إن عرضي لمفهوم الجوهر السابق ما هو سوى مقدمة للإجابة على تساؤل – ورد في مداخلة الصديق علي الأمين- هل ذرة الأكسجين جوهر؟
إن القول بأن ذرة الأكسجين ما هي إلا جوهر أوكسجيني هي مقولة تمتلك شيء من المعقولية, تسمح لي بعرض مرافعتي كمحامي دفاع عن جوهرانية الأكسجين.
فذرة الأكسجين موضوع تستند عليه جميع المقولات الأخرى الخاصة بأوصاف و خصائص ذرة الأكسجين.
ذرة الأكسجين كينونة قائمة بذاتها ,و هي نفسها ,خلافا لأعراضها المتغيرة ,كذرة موجودة في جزيء ماءH20 في البحر, أو كذرة موجودة كجزيء O2 في الغلاف الجوي أو كجزيء CO2. يخرج في هواء الزفير من الرئتين ..الخ
فهي في جميع الحالات السابقة ذرة أكسجين تتألف من نواة فيها ثمانية بروتونات , و عدد من النترونات , و يدور حولها ثمانية الكترونات؟
و ذرة الأكسجين هي ذرة أوكسجين ,و ليست شيئا آخر, فهي ليست ذرة كربون مثلا و ليست ذرة هيدروجين؟
ثم أنه لا يوجد ضد لذرة الأكسجين؟
فقد تتحول ذرة الأكسجين إلى ذرة كربون "كصيرورة حركية " وفقا لقانون معين و لكنها تكف عندئذ عن كونها ذرة أكسجين ؟
و ذرة الأكسجين لا تختلف بالدرجة عما سواها ,فلا يقال ذرة الأكسجين هذه أكثر أكسجينيّة من ذرة الأكسجين تلك؟
و ذرة الأكسجين – كجوهر- حاملة للأضداد التي تتعاقب عليها كأن تكون ذرة في جزي أوكسجيني يستخدم كعلاج منقذ للحياة في مشفى مثلاً
أو كذرة في جزئ أوكسجيني يستخدم في زيادة ضراوة حريق يشعل المشفى و يقتل بما فيه من مرضى؟
و النظرية الذرية لدالتون تؤكد وجود الذرة كجوهر ثابت , و يمكن اختصار بنودها الأساسية في :"
1- تتكون المادة من العديد من الجسيمات الغير قابلة للتجزئة تسمى الذرات.
2- تتميز كل ذرات العنصر بنفس الخواص ( الحجم ، الشكل ، الكتلة ) والتي تختلف باختلاف العناصر .
3- يحدث التفاعل الكيميائي عند تبديل وضعية الذرات وتحويلها من منظومة لأخرى."
أليس تحويل وضعية الذرات من وضعية إلى أخرى في التفاعل الكيماوي يؤكد وجود جوهر ذري , فذرة الأكسجين الداخلة في التفاعل هي ذاتها ذرة الأكسجين الخارجة من التفاعل و إن كانت روابط تشكيلها للجزيئات تختلف؟
الخلاصة :جوهرانية ذرة الأكسجين؟
&
و سأعمد الآن لتقديم مداخلة النيابة العامة في إدانة جوهرانية عنصر الأكسجين؟
و إثبات أن الأكسجين هو ليس أكثر من شكل أكسجيني ؟!
هناك صفات و خصائص محددة هي التي تجعل ذرة الأكسجين هي ذرة أكسجين و ليس ذرة لعنصر آخر- النظرية الذرية لدالتون- , و لكن هل هذه الصفات و الخصائص ثابتة لا تتغير؟
و على فرض تغيرها كنقص بروتونين مثلا , ًفإنها ستتحول لذرة كربون و ستفقد جوهرها الاكسجيني لتتحول إلى جوهر كربوني.و هلم جرة؟
و لكن ألا نستطيع النظر إلى ذرة الأكسجين كشكل أي كإحدى حالات التشكل المادي للكينونة؟ شكل له قانونه الخاص الذي يجعله أكسجينا؟
هذا الشكل الاكسجيني ليس ثابت ,بل هو قابل للتحول إلى أشكال أخرى لعناصر أخرى؟ و قابليته هذه المعروفة – تجريبيا- تجعلنا نكف عن وصفه بالجوهر فالجوهر ثابت الوجود؟
و الأكسجين ليس سوى عرض لجسيمات "الكترونات- نترونات – بروتونات" بطريقة تشكل أكسجينية؟
و هذه الجسيمات بدورها ليست سوى عرض"شكل" للكينونة بطرائق تشكلها المادية و الطاقية وفق قانون "طريقة تشكل معين"؟
و نعود لمثالنا عن الأكسجين
هل يوجد ذرتين أكسجين متماثلتين في الوجود؟
إجابتي هي لا؟
فوجود قانون معين لطريقة تشكل ذرة – ذرات – الأكسجين , لا يعني القول بتماثل هذه الذرات؟
فما تشترك فيه ذرات الأكسجين هي تحقيقها لمتطلبات قانون الشكل الاكسجيني؟
و لكن هذا لا يعني القول بتماثلها.
فذرة الأكسجين المتحررة من الماءH2O تملك أبوة مختلفة عن أبوة ذرة الأكسجين المتحررة من غاز C02
و وجود ذرتين أكسجين شقيقتين متحررتين من ذات الأب المائي , لا يعني تماثلهما, فهما على الأقل مختلفتين في تاريخ ولادتهما و لو كان الفارق أجزاء من مليون من الثانية؟
و مختلفتين في احداثيات ولادتهما؟ في ذات أنبوب الاختبار؟
و كذلك ذرات الأكسجين تختلف في مآلها , فهناك ذرات قد ينتهي فيها المطاف كمتواطئة في حريق المشفى؟
و هناك ذرات ينتهي فيها المطاف كمنقذة لحياة مريض مصاب بالاختناق ربما في ذات المشفى؟
فذرة الأكسجين ككينونة هي صيرورة حركية : بمعنى ذرة الأكسجين لن تكون نفسها بعد ثانية واحدة ؟ على الأقل سيتغير مكانها؟ و سيسري مفعول الزمن عليها؟
و هي قابلة للدخول في تفاعلات مختلفة و التحول إلى أشكال جزيئية مختلفة يدخل الأكسجين في تركيبها؟
و ذرة الأكسجين كذلك قابلة للتحول إلى عناصر أخر- التفاعلات النووية- صحيح أنها ستفقد وجودها كشكل أكسجيني , و هذا بحد ذاته قرينة تدعم مفهوم الشكل الحيوي- بعدم وجود شكل جوهراني للأكسجين ثابت لا يتغير؟
فهو موجود كشكل / طريقة تشكل , و ليس كجوهر.
و الشكل الاكسجيني للمادة هو احتمالية قابل للوجود ضمن سياقات قوانين تشكل المادة و تفاعلاتها المختلفة؟
و الشكل الاكسجيني للمادة ليس شكل أحادي بسيط بل هو شكل معقد يتحوّى طرائق تشكل مختلفة
فللأكسجين ثلاث نظائر مستقرة ,و عشرة نظائر مشعة متفقة في عدد بروتوناتها و مختلفة في عدد النترونات مثلا ً, و هذه كلها طرائق تشكل لذرة الأكسجين .
و كذلك يدخل الأكسجين في تركيب الآلاف و الآلاف من الجزيئات و لكل جزيء منها يتحوّى طريقة تشكل مختلفة عن الآخر ؟
بل إن الشكل الأكسجيني- وفق مفهوم الشكل الحيوي- ليس شكلا ً كيميائيا و فيزيائيا فقط ؟
بل هو شكل يخضع لسياقات تشكل مختلفة و متعددة هي ذاتها أبعاد تشكل الكينونة؟
فالشكل الأكسجيني يتحوّى سياقات تشكل تقنية عسكرية فهو يستخدم كمادة مؤكسدة في دفع الصواريخ؟ و يتحوى سياقات تشكل صناعية عن طريق استخدامه في اللحام و مهنة الحدادة؟
و كذلك هو ضروري لمتسلقي الجبال و سائقي الطائرات مثلاً؟
كما أن الشكل الأكسجيني يتحوّى صلاحيات طبية في علاج أمراض كثيرة
و كذلك كصلاحيات نفسية كغاز باعث للبهجة؟
و له صلاحيات بيئية و مناخية حيث أن غاز الأوزون O3 الموجود في طبقة الستروسفير في الغلاف الجوي يمتص الأشعة فوق البنفسجية الضارة للانسان ؟
و كذلك فإن الشكل الأكسجيني يتحوّى صلاحيات لغوية فالأكسجين كلمة وفدت إلى العربية و سرعان ما اندمجت في سياقات التشكل اللغوية لديهم
فهناك أكسجة و أكسدة ..الخ
و كثيرا ما نقول لإنسان لا نستطيع الاستغناء عنه؟
أنت أكسجين حياتي؟
أرأيت يا صديقي- الأمين- كيف أن الأكسجين هو عنصر ابن حلال و آدمي
لا يقبل أن يكون جوهرا ثابتا فردا
و هو إن قبل ذلك – فسيكون فقط لغايات تعليمية و توصيفية – فهذا عذر مخفف؟
بل إن عدم وجود الأكسجين ليس سوى إحدى احتمالات طرائق تشكل الشكل الاكسجيني؟
كأن أقول كنتيجة للاحتراق تحولت "س " من ذرات الأكسجين إلى طاقة حرارية و انعدم وجودها كأكسجين؟!
فالأكسجين و أنا و أنت و الكومبيوتر و طبقة الأوزون , لسنا سوى أشكال/ و طرائق تشكّل في صيرورة حركية احتمالية نسبية, و نختلف عن بعضنا البعض فقط في طرائق و سياقات تشكّلنا الخاصة , و صلاحيات هذه الطرائق؟
_________________
• تاريخ الفلسفة اليونانية –د .ماجد فخري – دار العلم للملايين – بيروت – ط1 1991 –ص108
• نص مداخلة علي الأمين الأصلية:
نص مقالة الكاتب علي الأمين
و هي تتألف من شقين:
أولا ً: تشابه الكائنات
من بين العناصر الكيميائية ونظرائها المحدودة ذات العدد الثابت سأركز حواري حول عناصر الأوكسجين والهيدروجين والكربون كأمثلة تنطبق على باقي العناصر مع بعض الاختلافات التميزية لكل عنصر.
ولنبدأ: فذرة الأوكسجين تمتلك نواة تميزها عن باقي العناصر والتي تحتوى على 8 بروتونات وهذه الثمان لا سبعة ولا ستة لا أكثر ولا اقل هي التي تجعلها ذرة أوكسجين في هذا الكون بحيث أن كل ذرة أوكسجين هي كائن قائم بحد ذاته تحتوى نواته ثمان بروتونات متطابقة مثلها مثل أقرانها من ذرات الأوكسجين الأخرى في الشكل والحجم واللون وأشياء أخرى وتكون بذلك كائنات متماثلة متطابقة.
وذرة الهيدروجين تمتلك نواة تميزها عن باقي العناصر والتي تحتوى على 1 بروتون ,وهذا البروتون الذي هو واحد لا اثنين ولا ثلاثة و لا أكثر ولا اقل هو الذي يجعلها ذرة هيدروجين في هذا الكون بحيث أن كل ذرة هيدروجين هي كائن قائم بحد ذاته تحتوى نواته بروتونا واحدا متطابق مثله في ذلك مثل أقرانه من ذرات الهيدروجين الأخرى في الشكل والحجم واللون وأشياء أخرى بذلك كائنات متماثلة متطابقة.
وذرة الكربون تمتلك نواة تميزها عن باقي العناصر والتي تحتوي على 6 بروتونات وهذه الستة بروتونات التي هي ستة لا سبعة ولا خمسة لا أكثر ولا اقل هي التي تجعلها ذرة كربون في هذا الكون بحيث أن كل ذرة كربون هي كائن قائم بحد ذاته تحتوي نواته على 6 بروتونات متطابقة مثلها في ذلك مثل أقرانها من ذرات الكربون الأخرى في الشكل والحجم واللون وأشياء أخرى بذلك كائنات متماثلة متطابقة.
تطابق البروتونات وتماثلها
قلنا إن نواة ذرة الأوكسجين تحتوي على ثمانية بروتونات, وذرة الهيدروجين تحتوي على بروتونا واحدا, وذرة الكربون تحتوي على ستة بروتونات. فإذا نزعنا بروتينين من نواة ذرة الأوكسجين وأضفناهما إلى نواة ذرة الكربون لصارت نواة ذرة الأوكسجين نواة ذرة كربون وعدد بروتوناتها ستة , وصارت نواة ذرة الكربون نواة ذرة أوكسجين وعدد بروتوناتها ثمانية.
وتكون كل نواة جديدة نواة تمثل مثيلاتها في الخواص الفيزيائية والكيمائية وتماثلهم في الشكل واللون والحجم و أشياءها الأخرى.
وبتشكل النوى الجديدة نتيجة لإضافة أو إنقاص بروتونات ينقطع تاريخها الجديد عن السابق وتصبح مثلها مثل قريناتها التي لم تتحول حيث أن التوافق قد تم دون صعوبات في التأقلم أو في مساحة الفسحة المكانية فليس هنالك بروتون صغير وأخر كبير, و إنما الأمر ذهب بروتون أو أُضيف بروتون. فالبروتونات متطابقة في كل شيء و عددها في النواة هو الذي يجعل الأوكسجين أوكسجينا والكربون كربونا والذهب ذهبا والحديد حديدا.
فذرة اليورانيوم تحتوي على 92 بروتونا, وبفعل نزعة الإنسان الشيطانية تتحول هذه الذرة إلى ذرة رصاص ذات النواة التي تحتوي على 82 بروتونا. كيف صار اليورانيوم رصاص؟ هل تقدم في السن؟ هل شرب ماء الحياة؟ هل كذب علينا؟ هل تنكر في زي رصاص؟ الجواب لا. لقد تخلت ذرة اليورانيوم عن عشرة بروتونات فصارت عنصرا جديدا ألا وهو الرصاص, لها ما للرصاص وعليها ما عليه, وتنقطع عن ماضيها إلى الأبد ولكن بعد أن أذاق البشرية الويل جراء تحوله.
فالبروتونات هي كائنات متماثلة متطابقة في كل العناصر المعروفة على وجه كوكب الأرض على الأقل وتحولها إلى عنصر أخر أمر أخر.
فذرة الرصاص التي تحولت من يورانيوم إلى رصاص ينقطع عهدها بالخواص الفيزيائية والكيمائية لليورانيوم ,ورب قائل يقول و ماذا عن الإشعاع الذي يحتفظ به الرصاص الجديد؟ فنقول حسنا البقاء لله, لان الإشعاع يزول بعد فترة تطول أو تقصر وذهابه هو جزء من صيرورة حركية احتمالية طبيعية, فما أدرانا اليوم أن الرصاص الذي نملكه لم يكن يوما ما قبل مليارات السنين مشعا وقبلها كان يورانيوم؟
ثانياً: الصيرورة الحركية الاحتمالية
يجلس أحمد تحت شجرة تين وخالد تحت شجرة زيتون, يستنشق احمد عددا معينا من ذرات الأوكسجين ولا ننسى أن ذرة الأوكسجين الواحدة فيها 8 بروتون لا أكثر ولا اقل , تدخل الرئتين و تغوص في الحجيرات وتحمل نصيبها من الكربون, ولان حمل الكربون ثقيل فتتعاون كل ذرتي أوكسجين على حمل ذرة كربون واحدة والذي لا ننساه أيضا أنه في نواة ذرة الكربون 6 بروتون لا زيادة ولا نقصان. ويكون بذلك الأوكسجين قد تحوى في شكل جديد هو جزيء CO2 الذي سأسميه (A) وهو مازال يحافظ على كنزه من البروتونات الثمانية وهو نفس الأوكسجين المحتوى في جزيء CO2 الذي سأسميه ((B جار للجزيء A وهذا الجزيء أيضا فيه ثمانية بروتونات تعطيه الجنسية والهوية الاوكسيجينية.
ويزفر أحمد زفرة فينطلق الجزيئان A & B في الهواء فتلتقطهما ورقة التين الشرهة وتعالجهما وتنظفهما من ذرة الكربون فتعود ذرات الأوكسجين متحررة من الجزيئين A & B إلى قواعدها سالمة بنفس عدد البروتونات لا زيادة ولا نقصان ولا حتى اختلاف في اللون أو الحجم.
ويقوم خالد بنفس العملية التي قام بها احمد أثناء تنفسه, ولكن بنسخة مطابقة مئة بالمئة لذرة الأوكسجين التي استخدمها احمد, ذرة الأوكسجين التي في نواتها 8 .ولكن الفلتر هذه المرة ليس شجرة التين و إنما شجرة الزيتون, غير أن النتائج واحدة لان شجرة الزيتون قامت بتنقية الأوكسجين من ذرة الكربون وأعادته أوكسجينا بنفس عدد البروتونات اي 8 لا زيادة ولا نقصان ولا حتى اختلاف في اللون أو في الحجم.
إن الصيرورة الحركية لذرة الأوكسجين التي في الجزيء A هي نفس الصيرورة الحركية الاحتمالية لذرة الأوكسجين في الجزيء B والتي يستخدمهما احمد مثلهما مثل الملايين من أقرانهما في تنفسه وجميع تلك الملايين من ذرات الأوكسجين تخضع لنفس العملية وينتج نفس المنتج من ذرات الأوكسجين لا زيادة و لانقصان.
إن الأوكسجين لا يدري من الذي يتلاعب به إنسانا كان أم حيوانا أو نباتا, فهو ينتقل من صيرورة إلى صيرورة ولكنه خالد ابدي لا يفنى ولا يشيخ ولا يتجدد شبابه. صحيح قد يكون في لحظة فوق الأرض أو في جوفها أو في جوف سمكة أو أرنب أو إنسان أو وردة ولكنه في كل مكان يكون هو ذرة أوكسجين ذات عدد البروتانت 8 هو و أقرانه وهم ليسوا بأقرانه إذا اختل شرط ال 8 من عدد البروتونات المكونة لنوى ما نسميهم بأقرانه.
هل نستطيع أن نقول إن ذرة الأوكسجين في الماء تختلف عن ذرة الأوكسجين في حمض الكبريت أو عنها في ثاني اوكسيد الكربون أو في جوفي او جوفك؟
إن الحديث عن طرائق تشكل الماء يخص الماء وليس الأوكسجين فالماء ماء له خواصه الفيزيائية والكيميائية التي تختلف عن الأوكسجين والأوكسجين هو أوكسجين متحوى في الماء وهو ليس ماء. وعندما يتحول الماء إلى بخار يبقى الأوكسجين أوكسجينا متحوى في جزيء بخار الماء, وعندما نصعق الماء بالكهرباء فانه يتحلل ويطلق الأوكسجين ذو الذرات التي تتحوى نواه ثمان بروتونات في كل واحدة لا زيادة ولا نقصان. وبعملية معاكسة نعيد الغاز سيرته الأولى – ماء.
والماء ليس ذرة واحدة ولا اثنتين بل الماء قد خُلق منه كل شيء حي, و الأوكسجين يشكل ثلث الماء والهيدروجين يشكل الباقي, فثلث مادة المخلوقات يشكل الأوكسجين مادتها والأوكسجين كما نعرف هو جمهور ذرات أو كائنات ذات نوى تتحوى ثمان بروتونات لا زيادة ولا نقصان. ولا ننسى ان الثلثين الآخرين هما للهيدروجين الذي ينطبق عليه وفق خصائصه المميزة ما ينطبق على الأوكسجين من حيث تشابه ذراته ذات البروتون اليتيم. فمادة المخلوقات تنتمي للماء والماء واحد وهو الذي يكونه الاوكسجين والهيدروجين أصلا. ألا يقودنا هذا إلى توجيه تحية ثانية إلى جدنا المسكين أرسطو بعد ألاف السنين من رحيله؟
لو كنا أنا وأنت نتربع على بروتونين من بروتونات متحوية في نوى الأوكسجين فلا شك اننا لن نلحظ اننا قد احتوينا في ذرة ماء أو جزيء حمض الكبريت أو ثاني اوكسيد الكربون؟ في الحقيقة لا يعنينا النوع فلا شيء يتغير بالنسبة لنا إلا اللهم اذا اصابتنا عدوى شبه الخلود وأن نعيش عمر ذا عدد سنين فلكي لا اعرف أنا أن اقرأه ولا أنت.
أما أنا وأنت, وبعد الرحلة الاليسية, نجد أننا والكرسي وجبل قاسيون سنفنى وسيخرج منا الأوكسجين الذي احتبسناه فينا مدة من الزمن قصيرة بالنسبة لنا وطويلة نسبيا لقاسيون الذي سيزور مركز الأرض ولو بعد حين (دورة حياة الصخور)
فعدم التطابق والتماثل يصح على كل شيء يفنى , يتبدل , يشيخ, يضعف , يقوى ولكنها لا تصح على اصل الكون – الذرة. فهذه ذرة الأوكسجين مثلا تبقى كما هي في أية حالة كانت إن لم نتدخل نحن أو يتدخل الله عزّ وجل .
ذرات الأوكسجين لا تفنى ولا تزيد ولا تنقص ولا تحزن ولا تفرح ولا تسمن ولا تنحف ولا تأمل ولا تقنط من رحمة الله الذي خلق العناصر الكيميائية في الأرض مثل الأوكسجين والهيدروجين والكربون والذهب والنحاس وكافة عناصر الجدول الدوري بمقادير ثابتة لا تزيد ولا تنقص. فعدد ذرات الأوكسجين في الكون هو (س) وربما لا أستطيع قراءته بسبب عدد خاناته ولكنه في النهاية هو العدد ( س) لا أكثر ولا اقل منذ يوم خلقت الأرض إلى ما نهاية سواء أكان هذا الأوكسجين في صدري أم في صدرك أم في ثنايا الشجرة أو حنجرة البلبل أو بين خلايا ورقة وردة جورية دمشقية.
فما رأيكم دام فضلكم.
علــي الأمين
موقع مدرسة دمشق للمنطق الحيوي-
#حمزة_رستناوي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟