محمد السعدي
الحوار المتمدن-العدد: 2668 - 2009 / 6 / 5 - 02:31
المحور:
الارهاب, الحرب والسلام
البارحة حلت فاجعة أخرى بمبدعي ورموز العراق , قضوا نحبهم بمرض عضال لم يمهلهم طويلا , وهناك من أستهدفته عبوة ناسقة على الطريق بعمل مجهول , ولمدة ستة أعوام من عمر الاحتلال وتلك الديباجة الغبية ( المقصودة ) تطرق مسامعنا ليلا نهارا, وصدعت رؤسنا , حتى اصبنا بداء الشقيقة , وأسكنت أرواحنا نحن العراقيين المفجوعين بفقدان الأحبة والرفاق والمباديء, كأنها تعويضا عن أغلاق حانات ابي نؤاس وبارات شارع الرشيد , حين كانت مأوا لنا أيام الدكتاتورية والحروب . هل الموت اليوم تعويضا وتعويذا عن وطأة الاحتلال والجرم الطائفي ؟. ففي غضون 24 ساعة , غيب الموت اربعة قناديل أضاءت سماء العراق رغم غيومه المتلبدة, القادمة المدفوعة عنوة من خلف أسوار الوطن , سأتوقف عند محطاتهم التذكارية ومناقبهم المحفورة في ذاكرة الوطن المسلوب. عمو بابا – هادي حسن العنبكي – وليد الشيباني – خالد عبد الرضا السعدي . ندعوا من الله ان يغمدهم برحمته , ويسكنهم فسيح جناته .
عمو بابا – شيخ المدربين العراقيين , وجذوته المتوقدة بتراب ومروج ملعب الشعب , توارى بها مدفونا . صوته ملأ الملاعب , وجذوره لم تقلع من ارض الرافدين, رغم الرياح العاتية . حدثني الصديق ابو بسام متألما وباكيا, قبل موته بايام معدودات , حين شاهد لقاءا تلفزيونيا معه عبر أحدى الفضائيات , شاكيا الى ربه من الاهمال ومن سوء وضعه الصحي, المتدهور سريعا , طالبا الالتفات اليه والعون من المسؤولين ( ارباب الفساد المالي ) .و في أحدى صباحات العاصمة بغداد المبتلية بالتراب وانقطاع التيار الكهربائي . أعلن عن موته في مستشفى أزادي في محافظة دهوك , هنا توالت علينا بالتباري رسائل العزاء والرثاء , بدأ من المالكي ونزولا لاحدث فراش في المنطقة الخضراء , رسائل هبت عبر شبابيك حكام قصور الرئاسة في المنطقة الخضراء . يا اولاد ال..... كما قال الشاعر مظفر النواب , أين كنتم عندما كان يتلوى ألما , ويتضور جوعا ؟
هادي حسن العنبكي – واليسار الجديد على انقاض يسار مهزوم , مشوش بالعلاقة الجدلية بين النظرية والوطن .
وليد الشيباني – ذلك الصعلوك الذي يذكرنا بتأبط شرا والشنفرا وعروة بن ورد , بحثا عن لقمة في ازقة ودرابين قرية الهويدر. من فائض ( القيمة ) لعائلته الميسورة , في أطعام الجياع , بحثا عن ذلك الخلود. عام 1980 كنت مقبلا على امتحانات البكلوريا , وكان مدرس اللغة الانكليزية في اعدادية بعقوبة المركزية استاذنا رشيد الشيباني , اخو صديقنا ورفيقنا وليد , وبالتفاتة من قاسمنا المشترك المقتول والمغدور بحراب الاحتلال فاضل عزيز , اقترح ان يعطيني استاذ رشيد دروس خصوصية بمادة اللغة الانكليزية , في حينها كان ملتزما بالعديد من الطلبة , لكن رغم صرامة وشدة الاستاذ رشيد تمكن صديقنا وليد بفرض الامر عليه. كنت أذهب مرتين في الاسبوع الى بيتهم في بعقوبة الجديدة مع صديقي فاضل عزيز , ويكون في استقبالنا وليد , بعد أيام من الاستفادة وقرب موعد الامتحانات – طالبني الاستاذ رشيد بمبلغ معين من المال مقابل تعبه وجهده الذي بذله معي مما وضعني في موقف حرج وبدأت أتلعثم وغير قادر على الكلام, الا ان تدخل وليد أنقذني حين قال:
سجل على نفقات الثورة الجيفارية القادمة , نحن مقبلون على تفجير الثورة , وسيكرمك محمد بمنصب وزير التعليم العالي . فرط الاستاذ رشيد من الضحك , رغم قسوته وشدته في مهنته .
فاضل عزيز ... الشيوعي الذي لم يهادن جلاده ولا ألاضابير المحفوظة في ملفات الوكلاء والخط الوطني , بقي على العهد محافظا على نقاءه ومبادئه وصداقاته. عدت اليه بعد خمسة وعشرين عاما من النضال والغربة والخيانات , رأيته أكثر تألقا ونقاءا . أغتيل بعد عاما من الاحتلال وبعيد شهور من لقائي به وذلك امام بيته مقابل مستشفى الرحمة حوالي الثامنة صباحا , والتي اصبحت فيما بعد اكبر معقل للارهابيين , وهي منطقة الكاطون , وما ادراك وما الكاطون . وجدته مسؤولا حزبيا عن منطقة الحديد , وهي حاضنة اخرى للارهابيين . حاولت ان أتجاوز محن الماضي وجروحه والتجربة المرة باغتيال الحزب وشهدائه ووطنيته التي لم أبح بها الا له , وفي ذات مساء ونحن مستلقين بغرض الراحة, جرنا الحديث لتلك الايام والمواجهة , والسؤال عن حاتم جعفر , وهاشم مطر , وعلي الشيباني . في اليوم الثاني التقيته ايضا وكان منزعجا وأثار النعاس والسهر ظاهرة على وجهه المبتسم دائما, حاملا قصاصة ورق , يعلن فيها استقالته من التنظيم , مرفقة بمئة بطاقة عضوية لمن يريد الانتماء الى الحزب الشيوعي العراقي . ذكراك تبقى عطرة يا فاضل عزيز . قبل اغتياله ومن خلال مكالمات الهاتفية كان يحثني على العودة واللقاء ثانية , لان اللقاء الاول وبعد تلك السنوات لم تشبع منه الروح . لكن لم أجرؤ على العودة ثانية, ليس خوفا , فقديما وفي عز الدكتاتورية تسللت من الجبال الى الحبيبة بغداد حينما كنت نصيرا , ولم أهب تلك الايام . لكن الذي يحزنني اليوم هو استهتار جنود الاحتلال في شوارع العراق , واقتحام دباباتهم الارصفة وشرف النساء .
اليوم وفي مكالمة هاتفية مع زوج أختي كريم , سارعني بسؤاله , ان اهالي قرية الهويدر يسألون : هل صحيحا ان محمد مع المقاومة , هذا ما استنتجوه من خلال كتاباتي وموقفي السياسي , قلت له نعم وسلامي على اهالي الهويدر وانا فخور جدا بهذا الموقف , وسأدافع عنه لحين مماتي وهزيمة اخر جندي من ارض العراق . قال لي غير ان المقاومة هي القاعدة وجيش المهدي والبعثين , أجبته ان المقاومة لايمكن ان يكونوا هؤلاء.
هذه المجاميع من القاعدة والمليشيات وفرق الموت والامنية وفيلق القدس هم أجندة الاحتلال وهم الذين يقتلون ابناء شعبنا من الابرياء والعلماء والضباط , ويعتدون على نساءنا , أتى بهم المحتل ليدمروا العراق , والمحتل معروف باساليبه الدونية في تشويه مشروع المقاومة ولصقه بالعمليات الارهابية , والذي قتل اهلنا ومصطفى ولدك لم يقتل لولا الاحتلال وعملاءه. والاحتلال هو الذي سبب كل هذه المأسي والدمار لابناء شعبنا . وقرية الهويدر وحدها دفعت المئات من ابنائها بسبب الاحتلال وسياسته , فالمقاومة ليست ارهابا, فالارهاب هو المحتل وأعوانه وانا ضدهم ومع مشروع مقاومتهم وتحياتي لهم .
واليوم اقدم الاحتلال وعملائه على جريمة اخرى تضاف الى جرائمه بحق ابناء شعبنا الوطنيين. اذ اغتيل الشاعر الوطني والمبدع خالد عبد الرضا السعدي بعبوة ناسفة بقضاء الخالص , ثأرا من موقفه الوطني ودفاعه عن العراق وتاريخه . ظنا منهم وبهذه الجرائم يستطيعون أسكاتنا والقضاء على مشروعنا الوطني في مقاومتهم .
وللعلم فقد حاز الشاعر خالد السعدي في مهرجان الشعر العربي في ابو ظبي على المدالية الذهبية , ومشاركا في مسابقة شاعر المليون بقصيدة يقول في مطلعها .
كل المحبين في بغداد يفزعهم صوت الرصاص فتمضي يأتى يابلد
اني تركت بلادي خلف دمعتها تجري ويذكر في احداقها الرمد
تركت أمي تفيق الحب أدعية ونظرة من ابي قد لفها اللحن
وللتنويه هناك المزيد من القصائد الصوتية , وسيرة عن حياة الشاعر وموافقة من خلال نشاطاته الادبية والوطنية في موقع شبكة بيدر http://www.beider.se
شخصيا اخر رسالة استلمتها منه , ويخص بها ايضا شبكة بيدر . يقول فيها ...
الاديب محمد السعدي المحترم رئيس تحرير موقع بيدر الأغر .
الموضوع : قصيدة – أناشيد تقترح الوطن .
تحية الابداع العراقي .
أشكرك اخي الغالي وأبن العم العزيز على اهتمامك ووفائك لأديب ( اديب ابو نوار ) وللعراق ويسرني ان ابعث اليكم بقصيدة بعنوان : اناشيد تقترح الوطن , للنشر من خلال نافذتكم المشرقة وكنت قد نظمت هذه القصيدة في منفى ابو ظبي العام الفائت وكانت قد حصلت على المركز الاول في مهرجان الشباب العربي الحادي عشر في مصر الكتابة تموز 2008 ,وجدت من الضرورة الكتابة الى موقعكم الاغر على أمل ان ترى النور من موقعكم مع صور التتويج متمنيا ان نتواصل على الابداع والمحبة .
تقبلوا فائق المنى والتقدير
اخوك المخلص
خالد عبد الرضا السعدي
شاعر وناقد عراقي
العراق – بعقوبة
أرفق لشخصك الكريم سيرتي الذاتية للاطلاع , علما اني قد نفيت سنتين ونصف خارج العراق وانا الان في بعقوبة وأتاهب للرجوع للمنفي .
لكن للأسف الشديد انهم القتلة لم يمهلوه طويلا , قتلوه خوفا من نقل الحقيقة الى العالم عما يجري من مأسي في بلاد الرافدين تحت وطأة الاحتلال . وفي تواجده الاخير في امارة الشارقة , نظمت له امسية في دار الندوة وبحضور متميز .
هاجم الشاعر خالد السعدي الكثير من الشعراء والادباء والمفكرين العراقيين .. وأتهمهم بالتقاعس عن قضايا العراق الكبرى وفي مقدمتها قضية احتلال العراق والارهاب الذي دمر النفسية العراقية , وأكد ان المثقف في العراق لازال مطية السياسي حتى وان تنوعت الاساليب , ودعا الى ضرورة تمسك المثقف العربي بالتراث وعدم التنازل عنه .
واستشهد بموقف الشاعر الامريكي سام هام .. عندما عارض غزو الولايات المتحدة الامريكية للعراق وسير الكثير من المظاهرات الثقافية احتجاجا على الحرب . وأسس الشاعر خالد السعدي في العراق جمعية ثقافية تعني بادب الشباب المقاوم للمحتل والدفاع عن الثقافة الوطنية العراقية , ونشطت اخيرا تلك الجمعية وازداد منتسبيها في الدفاع عن تاريخ العراق , وحضر وفدا من الجمعية برئاسة الشهيد خالد السعدي الى سوريا , واجروا عدة لقاءات مع ادباء ومثقفي سوريا وكان في استقبالهم رئيس اتحاد الادباء في سوريا علي عقلة عرسان , ونقلوا معاناتهم وهمومهم في الدفاع عن الثقافة العراقية في ظل احتلال يسعى لتشويه ثقافة العراق وتاريخه .
وقد نعت شبكة بيدر الشهيد خالد السعدي على صفحاتها في اليوم الاول من قتله , واتصلوا باهله لتقوية عزيمتهم بأستشهاد ابنهم البار الشاعر خالد السعدي.
لشهدائنا الرحمة , ولذويهم الصبر .
#محمد_السعدي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟