أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - ابراهيم العريس - -عرس الدم- للوركا: الفولكلور ويد القدر















المزيد.....

-عرس الدم- للوركا: الفولكلور ويد القدر


ابراهيم العريس

الحوار المتمدن-العدد: 2664 - 2009 / 6 / 1 - 04:33
المحور: الادب والفن
    



2003-11-24
فدريكو غارثيا لوركا (1898 - 1936).
"هنا سأبقى مقيمة هادئة مطمئنة: فهم ماتوا جميعاً. ومن الآن وصاعداً, سوف انام بعد منتصف الليل دون ان أخاف الخناجر والمسدسات. الأمهات الأخريات سوف ينحنين على النوافذ والشرفات, يلسعهن المطر بسياطه في انتظار عودة ابنائهن. اما انا, فقد انتهى كل شيء بالنسبة إلي. وسوف اعمل من رقادي حمامة باردة من العاج تحمل ازهار الكاميليا الندية الى المقبرة. المقبرة؟! لا بل مثوى من تراب يحميهم ويهدهدهم في السماء (...). ابعدي يديك عن وجهي, فإن اياماً رهيبة سوف تأتي. وأنا لا أريد ان ارى احداً. فقط الأرض وأنا. دموعي وأنا. وهذه الجدران الأربعة... أوّاه...!". هذه العبارات القاسية التي يلوح منها الموت وراحة اليأس في آن معاً, هي بعض آخر العبارات التي تتفوه بها في مسرحية "عرس الدم" الشخصية الرئيسية في المسرحية: شخصية الأم. إنها عصب المسرحية ومحركها, ومع هذا قلما يلتفت إليها احد من الذين, في هذه المسرحية بالذات, يعتبرون الخطيبين والغريم العاشق ليوناردو هم محور العمل. صحيح ان هذه الشخصيات الثلاث تتحرك على الخشبة, وفي ما يروى لنا حتى حينما لا يكونون حاضرين, وأن الأحداث كلها مبنية على العلاقات المعقدة بينهم, لكن الأم, هذا الكائن الواقعي/ الخرافي في آن معاً, هنا, هي التي تحمل عبء روح المسرحية, لأنها تمثل يد القدر, وتبدو قرينة للمرأة الأخرى المتشحة بالسواد والتي تطارد العاشقين الهاربين ممثلة الموت في عمل يبدو الأكثر اسبانية بين كل ما عرفه المسرح الإسباني: مسرحية فدريكو غارثيا لوركا, هذه. و"عرس الدم" هي الأولى بين اعمال لوركا المسرحية الشعرية الكبرى التي طفق يكتبها بدءاً من عام 1933, منتجاً بسرعة عدداً من الأعمال في مسيرة لا بد من ان نسأل الى اي روعة كانت ستقود الشاعر الكاتب لو لم يأت مقتله على ايدي فاشيي فرانكو في آب (اغسطس) 1936 ليقطع مسيرة وعملاً, هما من الأكثر شاعرية وغنى في إسبانيا النصف الأول من القرن العشرين.

< لقد عرف لوركا كيف يمزج في "عرس الدم", شاعريته القصوى مع الفولكلور الأندلسي الإسباني ليطلع من ذلك بعمل لا يزال يقدم في شتى انحاء العالم لجماله ولقوته وربما ايضاً لبساطته وشاعريته: عمل لقي بخاصة إقبالاً في مجتمعات مثل المجتمعات العربية, طالما احس بأحاسيس وإذعانات للقدر تشبه ما في هذه المسرحية.
< كتب لوركا "عرس الدم" في عام 1933, وكان في الخامسة والثلاثين من عمره. صحيح انه كان كتب اعمالاً عدة للمسرح قبل هذه المسرحية, غير ان شهرته كشاعر كانت لا تزال هي الطاغية. وكان بدءاً من "عرس الدم", وبفضل مسرحيات عدة انتجها من بعضها, من بينها عمل عنوانه "الجمهور" (1935) ظل شبه مجهول, اوصل لوركا عمله المسرحي الى الذروة. وحسبنا هنا ان نذكر ان اعمالاً مثل "يرما" و"بيت برناردا آلبا" و"لغة الزهور" كانت هي ما أنتجه لوركا بعد "عرس الدم" لندرك تميز تلك المرحلة الأخيرة من حياته, عما سبقها. والغريب ان من يقرأ او يشاهد هذه الأعمال الشاعرية والمغرقة في علاقتها بالتراب الإسباني من دون اي نزعة "واقعية - اشتراكية" سيدهشه ان يكون الفاشيون قتلوا الكاتب الشاعر بتهمة الشيوعية. فهذه المسرحيات لا تنتمي بأي حال لأي من النزعات الفنية التي ارتبطت بالمسرح الشيوعي. بل نعرف ان لوركا نفسه, لم ينتمِ إبداً الى اي تجمع شيوعي, بل كان - من موقعه التقدمي والمثالي في آن معاً - منتقداً للكثير من الأفكار والممارسات الشيوعية.
< المهم ان مسرحية "عرس الدم" نقلت صاحبها, مرة واحدة, من كونه شاعراً كبيراً, الى كونه واحداً من اكبر كتّاب المسرح في العالم خلال زمنه. ومع هذا, لو تمعنا في هذا العمل, من ناحية موضوعه وبناء شخصياته لدهشنا امام عادية تلوح فيه. ولكن من الواضح ان الموضوع ومجرى الأحداث, بل حتى الشخصيات, لم يكن هذا كله ما هم لوركا, بل رسم المناخ عموماً, اضافة الى تصوير يد القدر وهي تحكم قبضتها على الناس وتسيّر حياتهم, حتى وإن حاولوا المقاومة.
< إذاً, فإن يد القدر, وربما تمثله الأم هنا, هي البطل الحقيقي لـ"عرس الدم". وحسبنا ان نروي احداث هذه المسرحية حتى نتيقن من هذا. وهذه الأحداث تدور في منطقة ريفية جبلية اندلسية غير بعيدة عن قشتالة. وتحديداً في اليوم المعين لعرس فتاة حسناء, لفتاها الموله بها. وأم هذا الفتى التي تفتتح المسرحية عليها ارملة سبق لزوجها وابنها الأكبر ان قتلا خلال اشتباكات ومعارك ثأر مع آل فليكس, وها هي اليوم تحضر لعرس ابنها الوحيد المتبقي وكلها امل في ان يتمكن هذا من ان ينجب لها احفاداً يملأون عليها حياتها. والأم سعيدة بالطبع لابنها (الخطيب) الذي يعيش حكاية حب عميقة مع عروسه المقبلة. لكن الأم فجأة تصبح اسيرة للتشاؤم حينما يتناهى الى علمها ان الخطيبة كانت قبل فترة مخطوبة الى ليوناردو وهو واحد من افراد عائلة فليكس العدوة. صحيح ان ليوناردو متزوج الآن, لكن هذا لا يمنع الأم من ان تسأل عما اذا لم يكن ثمة اثر للغرام بينه وبين كنتها. وفيما تكون الأم غارقة في شكوكها يحدث ان تقوم, مع ابنها, بزيارة للخطيبة فتُفاجأ بأن الفتاة ليـست متحمسة في شكل زائد عن حده للزواج فيزداد تشاؤم الأم, فيما نعلم نحن لاحقاً, من خلال حوار بين الخطيبة ووصيفة لها, ان ليوناردو زارها سراً. وهنا نصل الى صباح يوم العرس, فإذا بليوناردو, الذي لم يبرح حبه للخطيبة فؤاده, يصل ويصارح هذه الأخيرة بأنه لا يزال هائماً بها, غير ان الفتاة, باسم الشرف وحده, ترفض الانصياع لليوناردو والذهاب معه, مقررة استئناف مسارها فـي الـزواج من خطيـبها, ومع هذا, حينما تحل لحظة العرس يغلبها هواها, وقدرها بالتالي فتهرب مع ليوناردو... وتبدأ الأم بتحريض ابنها الذي يشرع في مطاردة الهاربين تقوده عبر الغابات امرأة غامضة متشحة بالسواد سنعرف على الفور انها تمثل الموت. وهذه, خلال حوار لها مع القمر تكشف ان ليوناردو والخطيب سيمضيان الى الموت معاً... وبالفعل يُقتل الاثنان خلال العراك بينهما, وتعود الخطيبة الى الأم باكية منتحبة لتقول لها انها, على اي حال, بقيت عذراء على طهارتها, ليس فقط لأن ليوناردو قتل, بل لأنها اصرت على تلك الطهارة قائلة: "لا تهينيني... انني طاهرة كالطفلة الرضيعة. وبمقدوري ان أبرهن عن ذلك. أوقدي ناراً, فإننا سنضع يدنا فيها: أنت عن ابنك وأنا عن جسدي, انك سترغمين على نزع يديك قبلي", فتجيبها الأم: "وما يجديني انا طهرك؟ وما ينفعني ان تموتي؟ وما نفع اي شيء بالنسبة إلي...؟".
< مسرحية "عرس الدم" هـي, إذاً, مسرحية القدر الذي لا يملك المرء افلاتاً منه... ولربما رأى كثر في هذه المسرحية "نبوءة" من لوركا بنهايته التي كانت بدورها اشبه بهجمة للقدر, نهاية وصفها الشاعر ماتشادو في قصيدة يقول فيها: "لقد قتلوا فدريكو في الساعة التي يطل فيها الضوء. ولم تكن مفرزة الجلادين لتجرؤ على مواجهته. فأغمضوا اعينهم وصلوا قائلين: ان الرب نفسه لن ينقذك. وسقط فدريكو مجندلاً على جبينه الدم والرصاص في احشائه. ووقعت في غرناطة جريمة. هل تدرون؟ مسكينة هي غرناطة... غرناطته؟". وحينما مات لوركا على ذلك النحو, كان في السابعة والثلاثين من عمره, وكان يعتبر واحداً من كبار شعراء وكتّاب زمنه, هو الذي ولد عام 1898 في قرية اندلسية قرب غرناطة لأب غني وأم مدرّسة, ما اتاح له ان يدرس في البيت متجهاً نحو الأدب والموسيقى ما أهله, لاحقاً, لأن يصبح شاعراً ثم كاتباً درامياً. وهو قام بالعديد من الرحلات, اهمها الى نيويورك ماراً بفرنسا وبريطانيا, غير انه لم يحب نيويورك وعبّر عن ذلك في قصيدة "الشاعر في نيويورك".
عن الحياة اللندنية



#ابراهيم_العريس (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295





- وفاة الأديب الجنوب أفريقي بريتنباخ المناهض لنظام الفصل العنص ...
- شاهد إضاءة شجرة عيد الميلاد العملاقة في لشبونة ومليونا مصباح ...
- فيينا تضيف معرض مشترك للفنانين سعدون والعزاوي
- قدّم -دقوا على الخشب- وعمل مع سيد مكاوي.. رحيل الفنان السوري ...
- افتُتح بـ-شظية-.. ليبيا تنظم أول دورة لمهرجان الفيلم الأوروب ...
- تونس.. التراث العثماني تاريخ مشترك في المغرب العربي
- حبس المخرج عمر زهران احتياطيا بتهمة سرقة مجوهرات زوجة خالد ي ...
- تيك توك تعقد ورشة عمل في العراق لتعزيز الوعي الرقمي والثقافة ...
- تونس: أيام قرطاج المسرحية تفتتح دورتها الـ25 تحت شعار -المسر ...
- سوريا.. رحيل المطرب عصمت رشيد عن عمر ناهز 76 عاما


المزيد.....

- التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ / عبد الكريم برشيد
- مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة / د. أمل درويش
- التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب ... / حسين علوان حسين
- التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا ... / نواف يونس وآخرون
- دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و ... / نادية سعدوني
- المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين / د. راندا حلمى السعيد
- سراب مختلف ألوانه / خالد علي سليفاني
- جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد ... / أمال قندوز - فاطنة بوكركب
- السيد حافظ أيقونة دراما الطفل / د. أحمد محمود أحمد سعيد
- اللغة الشعرية فى مسرح الطفل عند السيد حافظ / صبرينة نصري نجود نصري


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - ابراهيم العريس - -عرس الدم- للوركا: الفولكلور ويد القدر