رعد الحافظ
الحوار المتمدن-العدد: 2661 - 2009 / 5 / 29 - 09:21
المحور:
كتابات ساخرة
في مقال أخير لي تحدثت عن بعض مشاهداتي في البازار السويدي في مدينة يوتوبوري , وكانت بعض التعليقات تتهمني بالتزمت تجاه الآخرين لوصفي لهم ولطريقتهم في التعامل.
واليوم وأنا خارج من شقتي محملا ببعض أكياس المخلفات البيتية من علب وقناني وجرائد وإعلانات وكرتون وبلاستيك وما شابه ,وجدت في الباب إعلان عن أماكن و طريقة رمي المخلفات والازبال وتصنيفها ,وسأقوم بترجمة عموم هذا الاعلان فقط , كرد على الناس الذين يتهموني بجلد الذات أحيانا , أو بجلد الامة العربية والاسلامية كلها أحيانا أخرى.
بداية أعترف أني مهووس بالنظافة الى درجة كبيرة , وأعرف أن زيادة الشيء عن حده ينقلب الى وسواس ومرض ربما , ولكن هذا من ضمن الاشياء التي لا أستطيع تغيير نفسي فيها , وأنا قانع بهذا المرض الذي لا أعتبره خطيرا جدا.كما أن النظافة مرغوبة وصحية وحتى الدين يدعوا إليها (لكن للاسف معظم المشايخ وسخين عقليا وبدنيا وشكلا ظاهريا ).
قبل عدة أشهر بدأت معاناة سكان حينًا الجميل , علما أن غالبيتنا من المهاجرين , ليس لأن السويديين يريدون عزلنا , فهم لا يفكرون بهذه الطريقة , بل لأن المهاجرين أنفسهم يحبذون العيش متقاربين مع أصدقائهم وأقاربهم للتعويض عن مشاعر الغربة والابتعاد عن الوطن ,
كانت معاناتنا تنبع من رفع الحاويات القريبة الخاصة بالمخلفات المنزلية المتنوعة من مكانها ,لذلك إضطررنا الى حمل تلك البقايا في أكياس كبيرة نهاية كل اسبوع أو شهر (حسب كميتها ) , والتمشي لمسافة كيلومتر تقريبا لرميها في الحاويات البعيدة المخصصة لها وحسب التصنيف المعمول به .
وعندما سألت الموظفة (الجميلة جدا ) في مكتب السكن , عن السر في رفع تلك الحاويات وإزالتها من مكانها , أجابتني بأسهاب وشرح مفصل كأنني أملك الحي كله وتفرغت لي لفترة طويلة حتى شعرت بالاحراج لأضاعة وقتها وهممت بالقول أني آسف لذلك , لاداعي للشرح ,سأقوم بالتمشي الى المكان الجديد ..لا مشكلة في ذلك
قالت لي ..هل تذكر الحاويات القديمة ومكانها ؟ قلت لها طبعا , لأني ملتزم برمي وتصنيف المخلفات في المكان المخصص لها , قالت طيب , هل إنتبهت الى آثار حرائق في المرات الأخيرة ؟
قلت نعم , لكني لم أسأل أحد , ولا أظنكم أنتم من فعل ذلك , لأني أعرف أنكم تأخذونها الى أماكن خاصة خارج المدن وتستفيدون من إحراقها لتوليد الطاقة وكنت قد قرأت تفاصيل كثيرة عن البيئة وما يخصها , وأعرف أن السويد هي ثاني دولة في العالم تهتم بالبيئة مثل كندا والنرويج وفلندا وغيرها.
قالت بالطبع لسنا نحن من قام بالحرق هنا , لكنهم مجموعة من الشباب وقد كرروا فعلتهم عدة مرات وعندما أمسكنا بهم متلبسين في إحدى المرات وكانوا ثلاثة شبان , جاءت الشرطة وإقتادتهم الى المركز , وأخذوا منهم تعهد بعدم فعل ذلك مجددا وأطلقوا سراحهم , لكن الحرائق عادت بعد فترة قصيرة , بل أكثر من الاول .
هي لم تقل نوع هؤلاء الشبان , لكني سألتها متعمدا , هل هم إنفاندرة ؟أي أجانب ؟قالت بهدوء ..نعم , وأقسم أني سألتها ذلك السؤال ليس حبا في جلد الذات أو الامة أو ما شابه , بل خوفا وحرصا على صورتنا أمامهم , كنت أريد أن أسمع منها كلمة ..لا , لأفرح قليلا , كما حدث عندي ذلك الشعور عندما رمى منتظر الزيدي حذائه على الرئيس الامريكي السابق (محرر العراق من طاغيته ), فقد شعرت خلالها بالخجل أولا , كوني عراقي والفعلة الشنيعة صدرت من عراقي أحمق , وثانيا لأن رد الجميل كان بتلك البشاعة , وأعرف أني بقولي هذا سأفتح باب آخر للتهجم غير الذي أريد إغلاقه عن جلد الذات , لكن ماعلينا
سألت الموظفة (الملاك ) ولماذا أطلقوا سراحهم ؟ قالت لأن القانون في السويد يتصرف هكذا مع البارن أي الاطفال (أقل من 18 عام يعتبر بارن في السويد ) .
المهم في النهاية حسب ما فهمت منها أن البلدية لم تستطع السيطرة على الحرائق المتكررة , لأن قدوم سيارات الاطفاء يستغرق 8 دقائق بينما وصول الشرطة يستغرق 20 دقيقة , ورجال الاطفاء لا يرضون بالعمل إلا بعد قدوم الشرطة , لأنهم تعرضوا للهجوم في مالمو من نفس الشباب الذين قاموا بالحريق , ليمنعوا إطفائه ..أعرف أن الفلم أصبح هنديا أو مصري قديم ,لكنه الواقع بعينه ,فهل ما زلت أجلد الذات ؟
أعود الى ترجمة الاعلان الخاص بتصنيف الازبال حيث يقول :
الاكياس السوداء: فقط لبقايا الطعام مثلا بقايا الفواكه والخضراوات ونحن نستعملها في توليد البيوكاز , أي الوقود البيئي
الاكياس البيضاء :هذه فقط للاشياء القابلة للاحتراق التي لا يمكن إعادة إستخدامها كظروف الرسائل والقماش والحفاضات وبقايا القهوة وأوراق التواليت وما شابه, وهذه نستخدمها لتوليد الطاقة المستخدمة للتدفئة والتبريد والكهرباء
إعقد الكيس مرتين ولا تملئه الى نهايته بل للنصف (الاكياس مجانية طبعا )
أما القناني الملونة (للبيرة والعصائر )فتوضع في الحاوية الخضراء
والقناني عديمة اللون توضع في الحاوية البيضاء
وكراتين البيتزا والحليب والعصائر توضع في الحاوية الفلانية
أما الصحف والاعلانات والورق النظيف فتوضع في الحاوية التالية
وهكذا الامر مفصلا مع الزجاجيات والكلوبات أو المصابيح المعطوبة والبطاريات النافذة وحتى الادوية المنتهية الصلاحية (التي يجب إعادتها للصيدلية ليتلفوها بمعرفتهم )
وهناك شرح عن أماكن وألوان الحاويات وعناوين أيميلات وتلفونات للاتصال والاستفسار في حالة الحاجة للتوضيح الاضافي .
ولا داعي لمزيد من الترجمة ,لكني أؤكد أن الأمر ليس صعبا ومعقدا أبدا , ويستطيع المرء التكيف معه بسهولة إن هو إقتنع بجدواه التي تشير بالارقام الى توفير طاقة كبيرة من مصادر غير منظورة , والكلام قد يبدو خرافيا إذا توسعت في شرح كيفية إ ستغلالهم لبقايا الانسان والحيوان لتوليد الطاقة للمركبات بعد أن تراكمت كميات كبيرة من الاسمدة المستخدمة في الغابات وصعوبة تصديرها لدول الجوار ولجوئهم الى البحوث للتوصل الى الطرق الجديدة في ذلك وأهم عامل دائما في نظرهم هي البيئة ونظافتها وثانيا الاقتصاد في مصادر الطاقة المحدودة كالنفط والفحم والمعادن الاخرى.
والآن , هل يحق لي ولغيري أن يغضب على الانسان الذي يدمر هذا النظام بقصد ؟
تقول الموظفة نفسها , هؤلاء الشباب لا يقصدون الدمار , هم فقط يقوموا بذلك من أجل الضحك واللعب الطفولي لكنها مستغربة لعدم ملاحظة أهاليهم لذلك والقيام بدورهم بالنصح والتوجيه ! وددت أن أقول لها المشكلة في التربية والعادات والاعراف والعقائد وحتى الجينات , لكني تذكرت جلد الذات فتراجعت .(هكذا حال السويديين , يفترضون حسن النية حتى عند المخرب , حتى قاتل وزير خارجيتهم آنا ليند قبل سنوات وضعوه في مصحة عقلية وربما يعالجوه ببذخ أو أطلقوا سراحه لا أدري , لكنه كان قد قتل أبيه قبل ذلك ).
وبالمناسبة يجدر القول بأن السويد التي توفر وتقتصد من ناحية الازبال والمخلفات , فأنها تصرف بحدود 300 ألف كرونة شهريا على مريض معوق واحد وهو شاب كردي أقدم على الانتحار لأن خاله ضبطه متلبسا مع شابة سويدية فبصق في وجهه أمامها وصفعه على خده , فما كان من الشاب إلا أن رمى بنفسه من البالكون بعد تفكير لمدة ساعة وطبعا لم يمت وصرفت السويد عليه ملايين الكرونات ليبقى على قيد الحياة لكنه معوق كليا ولديه ومنذ عدة سنوات , 12 موظف يساعدونه على مدار الساعة حتى في الحمام ,وهو الآن يرغب بالزواج
لأن الشيء الوحيد السليم لديه هو ذاك ,وهناك قانون يعطي الحق للمعوقين بممارسة حياتهم الجنسية كباقي البشر ,قلت له مرة مازحا , لو كنت عند صدام في أيامه كان إستفاد منك كوقود بيئي , فضحك كثيرا وقال السويديين هم السبب في حالتي , فقلت له كيف ياناكر الجميل ؟ قال :لماذا أنقذوني من الموت ؟ فليتحملوا نتيجة إنسانيتهم.
هل إكتمل الفلم الهندي لديكم ؟؟
والله كله صحيح ودون مبالغة ويوجد آلاف من نوع هذا الشاب المعوق ,اللهم شافهم أجمعين .
ملاحظة :وأنا أنهي مقالي هذا سمعت من البي بي سي خبر وفاة المدرب الوطني العراقي القدير عمو بابا , بعد مرض ومعاناة كبيرة , فالى رحمة الله ولعائلته البعيدة وأصدقاءه ومحبيه الصبر والسلوان , لقد كان محبوبا من الجميع وهو من القلائل في العراق في ذلك.
#رعد_الحافظ (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟