|
مصنع زجاج معان ومسلسل الخديعة
بلال العقايلة
الحوار المتمدن-العدد: 2661 - 2009 / 5 / 29 - 09:19
المحور:
الادارة و الاقتصاد
كان عام 1980م موعداً مع ولادة مصنع زجاج معان ذلك المصنع الوحيد في المدينة الذي كانت تعتاش منه أكثر من مئتي أسرة تحقق لها الأمن الوظيفي والدخل الثابت لمواجهة متطلبات العيش الكريم. لكن ثمة مؤشرات عديدة للفشل رافقت المصنع منذ ولادته وكان أولها حين تم استخدام تكنولوجيا قديمة في تشغيله، رغم وجود ما هوأحدث منها في السوق العالمية لكنها استجابة للعقود المبرمة ما بين القطاع الخاص المستثمر آنذاك والشركة(BSN) الفرنسية التي تعتبر رائدة في عالم الصناعات الزجاجية حيث تأخر الانتاج إلى عام 1984م لقلة رأس المال المطروح آنذاك، وتدخلت الحكومة ممثلة بصندوق التقاعد الذي أصبح لاحقاً المؤسسة الأردنية للاستثمار ورفعت رأس المال من مليونين إلى خمسة ملايين دينار.
غير أن وجود مثل هذا المصنع لم يمنع الحكومات المتعاقبة من السماح للمتنفذين من كبار التجار والمستثمرين من استيراد الزجاج من دول أجنبية كبلجيكا وتركيا وغيرها، ما أدى الى إغراق السوق المحلية من المنتج الاجنبي، الأمر الذي الذي أثر فيه بالسلب على الانتاج المحلي من الزجاج المصنّع، وتوالت مسببات الفشل عندما تبوأ إدارة المصنع شخصيات حكومية غير متفرغة وتفتقر إلى الخبرة والاختصاص، ويضاف إلى ذلك بُعدها عن الموقع مما ساهم وعلى نحو كبير باستشراء الفساد المالي والإداري، وأخذت الخسائر تتفاقم وتظهر للعيان، وخرجت حينها أصوات مستفيدة لتدافع عن تلك الإدارات الفاسدة وتنحي باللائمة على أبناء المدينة.
لكن شاءت قدرة الله تعالى أن يتكشف جانب من جوانب الفساد عندما انقلبت شاحنة كبيرة على بوابة المصنع محملة بعشرات الأطنان من الزجاج المصنع وذاهبة إلى مكان مجهول بطريقة غير مشروعة عندها ظهرت أولى خيوط الفساد لتلك الإدارات، ولم تدم بعدها الأوضاع طويلاً حتى أغلق المصنع في منتصف التسعينيات من القرن الماضي وتم تصفيته بجرأة غير مسؤولة دون الوقوف على أسباب الخسائر أو فتح ملف للتحقيق، رغم الدعوات التي طالبت حينها بفتح هذا الملف، فتبنى أحدها النائب الدكتور ذيب عبدالله خطاب، لكنه تعرض وقتها للاعتداء السافر من قبل مجموعة مجهولة حذرته من الاقتراب من هذا الملف بعد أن تسببت بكسر إحدى أطرافه.
كما أن هناك دعوات قد ظهرت لإعادة تجديد المصنع داعية إلى الاستفادة من الوفر الهائل من رمال السيليكا ومعدن الكوارتز الذي يستخدم في صناعة الكريستال والبصريات وقوالب السكب حيث يقدر الاحتياطي من هذا الخام أكثر من ( 13) مليار طن في محافظة معان لوحدها، ويتركزهذا المعدن في منطقتي النقب وبطن الغول على وجه التحديد. لكن الغريب في الأمر أن جهات متنفذة وجدت في خطوة إغلاق المصنع فرصة ثمينة لاستغلال تلك المواد من الزجاج الخام فأبرمت اتفاقيات مختلفة لتصديره إلى دول عربية وأخرى أجنبية من بينها دولة العدو الصهيوني، الأمر الذي أحاط الموضوع بالشك الذي بدأ يساور أبناء معان الذين تأكدوا فيما بعد أن من ساهم بإفشال هذا المصنع هو نفسه من سارع في الاستيلاء على هذه المواد من الزجاج الخام، والأغرب من ذلك أن الحكومات السابقة قد لاذت بالصمت المطبق حينما سكتت عن هؤلاء الأشخاص الذين أثروا ثراءً فاحشاً دون أن يقدموا للمساءلة القانونية. هؤلاء الأشخاص الذين نجدهم يبكون على أطلال ذلك المصنع، وربما حرص البعض منهم على الظهور ببراءة الموظف المتقاعد وليس بدكتاتورية المسؤول البرجوازي المتسلط.
السؤال عن أسباب الفشل الحقيقية سؤال ملح جداً، والتأكد من شرعية هذا العمل الذي فيه سرقة واضحة لثروات الوطن ومقدراته أمر ضروري، لأن خلط الأوراق وتعويم الحقيقة في مثل هذه الحال لا يخدم الوطن بشيء. كما أنه لمن دواعي الضرورة أن يكون هناك بحث وتحرِ عن الرابط الحقيقي في العلاقة ما بين السعي لتدمير المصنع وإغلاقه والصفقات المشبوهة التي تم من خلالها بيع الزجاج الخام لدولة الكيان الصهيوني. هذه الصفقات التي ارتضى أصحابها لأنفسهم دوراً اقتصادياً شاذاً ومهيناً هو دور الساعي لجمع الثروات المشبوهة، والاثراء المحرم بفترة زمنية قياسية والعمل على تكريس التبعية الاقتصادية للدولة اليهودية.
المفاجأة اليوم هو قيام الحكومة مؤخراً بمنح امتيازات مجانية لمستثمر خليجي لإعادة فتح وتشغيل المصنع فكانت بمثابة صفعة جديدة لأبناء المدينة عندما شرع المستثمر بتفكيك بناء المصنع و( هناجره) وتقسيم أراضي المصنع البالغة حوالي خمسمائة دونم إلى قطع مرقمة وبيعها مع معدات المصنع.
يحدث هذا في ظل صمت مريب من مؤسسات الحكومة المعنية بالشأن الاقتصادي مما يثير الكثير من علامات الاستفهام حول قدرة المستثمر الوافد بتمرير مثل هذه الخديعة الكبرى دون إيقافها ولو في الوقت الضائع. فهل حقاً أصبحنا "ملطشة" وأضحوكة لكل من هب ودب من المستثمرين الوهميين أصحاب المشاريع الزائفة أم أننا شركاء في الخفاء في مثل هذه الجرائم التي لا تغتفر.
#بلال_العقايلة (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
الكاتب-ة لايسمح
بالتعليق على هذا
الموضوع
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
أصحاب الحقوق المنقوصة في جنوب الاردن
-
عشرون عاما على انتفاضة معان الاردنية
-
عيد بأية حال عدت يا عيد ؟
-
النائب الأردني السجين أحمد عويدي العبادي ذنبه أنه تصدى لشعار
...
-
إلى أصحاب القرار في الدولة الاردنية : ارحموا أبناء مدينة معا
...
-
فشل الاستراتيجيات التربوية الاردنية المستوردة
-
شعوب جائعة وكرامة ضائعة
-
معان ..ومثلث الحزن
-
تطبيع)) المناهج التربوية في الدول العربية
-
الحكومة الأردنية تلحس وعودها لأبناء معان
-
ارفعوا ايديكم عن عمال شركة الفوسفات الاردنية
-
لماذا يحاسبون معان على وطنيتها؟؟؟
-
في ذكرى احتلال معان
المزيد.....
-
مسؤول إسرائيلي: وضع اقتصادي -صعب- في حيفا جراء صواريخ حزب ال
...
-
مونشنغلادباخ وماينز يتألقان في البوندسليغا ويشعلان المنافسة
...
-
وزير الخارجية: التصعيد بالبحر الأحمر سبب ضررا بالغا للاقتصاد
...
-
الشعب السويسري يرفض توسيع الطرق السريعة وزيادة حقوق أصحاب ال
...
-
العراق: توقف إمدادات الغاز الإيراني وفقدان 5.5 غيغاوات من ال
...
-
تبون يصدّق على أكبر موازنة في تاريخ الجزائر
-
لماذا تحقق التجارة بين تركيا والدول العربية أرقاما قياسية؟
-
أردوغان: نرغب في زيادة حجم التبادل التجاري مع روسيا
-
قطر للطاقة تستحوذ على حصتي استكشاف جديدتين قبالة سواحل ناميب
...
-
انتعاش صناعة الفخار في غزة لتعويض نقص الأواني جراء حرب إسرائ
...
المزيد.....
-
الاقتصاد المصري في نصف قرن.. منذ ثورة يوليو حتى نهاية الألفي
...
/ مجدى عبد الهادى
-
الاقتصاد الإفريقي في سياق التنافس الدولي.. الواقع والآفاق
/ مجدى عبد الهادى
-
الإشكالات التكوينية في برامج صندوق النقد المصرية.. قراءة اقت
...
/ مجدى عبد الهادى
-
ثمن الاستبداد.. في الاقتصاد السياسي لانهيار الجنيه المصري
/ مجدى عبد الهادى
-
تنمية الوعى الاقتصادى لطلاب مدارس التعليم الثانوى الفنى بمصر
...
/ محمد امين حسن عثمان
-
إشكالات الضريبة العقارية في مصر.. بين حاجات التمويل والتنمية
...
/ مجدى عبد الهادى
-
التنمية العربية الممنوعة_علي القادري، ترجمة مجدي عبد الهادي
/ مجدى عبد الهادى
-
نظرية القيمة في عصر الرأسمالية الاحتكارية_سمير أمين، ترجمة م
...
/ مجدى عبد الهادى
-
دور ادارة الموارد البشرية في تعزيز اسس المواطنة التنظيمية في
...
/ سمية سعيد صديق جبارة
-
الطبقات الهيكلية للتضخم في اقتصاد ريعي تابع.. إيران أنموذجًا
/ مجدى عبد الهادى
المزيد.....
|