جهاد علاونه
الحوار المتمدن-العدد: 2660 - 2009 / 5 / 28 - 09:05
المحور:
العولمة وتطورات العالم المعاصر
شعار الذين لا يريدون التطور لبلدانهم (القديم قائمٌ على قِدمِهِ) .
اللغة كائن حي , يمرض ويتعافى , واللغة أيضاً تمرض وتتعافى , وتصاب بالزكام , وتتطور فتتجدد حياتها ويرجع لها شبابها , وإن لم تتجد فإن العفن والأمراض والشيخوخة سيتسلطان عليها , هكذا تبدو أي لغة في العالم , والتطور اللغوي يرافق التنمية الشاملة , فلا توجد تنمية شاملة , موضوعة بين فاصلتين , أو أنها مفصولة في بعض نواحيها عن النواح الأخرى , فلا يمكن أن ندعي أننا نسلك طريق التنمية في الطب والهندسة , وبنفس الوقت نرفض التنمية والتطور في الجغرافيا , واللغة , فالتنمية ليست بمجال محدود وإنما هي في كل المجالات وعلى كافة الصعد .
التنمية الشاملة والتطور يكونان في الشارع والحدائق العامة والسينما , والطب والعلوم والآداب العامة والفنون ومعامل البحث والتطور والتكنولوجيا ,ولا يمكن للشعب العربي أن يحصل على حقوق جديدة , طالما كانت اللغة التي يطالب بها بحقوقه قديمة قدم الإنسان الأول , واللغة مثلها مثل أي علوم أخرى , إنها تتشابه مع الطب , فالطبيب بحاجة لأدوات معرفية جديدة لكي يتمكن من إعادة الحياة إلى المرضى , فالمرضى ما كانوا مرضى بل كانوا أصحاء , ولكن ظروف الحياة جعلتهم غير أصحاء لذلك إعتلت صحتهم , وبدأ الطبيب يشعر بعد فحصهم أنهم بحاجة للعلاجات بأدوات متطورة , لأن التطور في الحياة قد ظهرت معه أمراض جديدة , وهذه الأمراض يجب أن تعالج بطرق جديدة أيضاً , وأيضاً اللغة يجب أن تتطور , فالله لم يخترع لغة واحدة , فمرة كان يجكي عبري ومرة كنعاني ومرة بابلي ومرة سرياني ومرة روماني ومرة لاتيني ومرة عربي ومرة إنكليزي وألماني وسويدي وفرنسي , بل إخترع كثيراً من اللغات , هذا طبعاً إذا كانت اللغة وقفية على الله .
اللغة التي نكتب بها مقالاتنا لغة ميتة منذ قرون , وهي غير صالحة لأنها بمجملها خردوات ولا تحترم المواطن الحديث , لذلك المواطن العربي لا يشعر بقيمة النصوص الأدبية المكتوبة , لأن لغته في الواقع تختلفُ عن اللغة التي يقرؤها في الكتب , الكاتب يكتب بلغة تختلف عن اللغة التي يفهمها المواطن العربي ,
بل هي تحترم المواطن الذي لا يريد التنمية الشاملة لوطنه , فالتطور كما قلنا ليس في اللغة , بل في اللغة وغير اللغة , في الحضارة والمدنية , يجب أن نتطور وإن لم نتطور فإننا سنفنى عن بكرة أبينا , لأن الكوليرا اللغوية ستنتشر بيننا وستعدي الأصحاء منا .
حين ترجم (تاندال) الإنجيل لأول مرة , قال للأساقفة والبطارقة: سأجعل الصبي الذي يدز المحراث يفهم في الإنجيل أكثر منكم , فانزعج الذين لا يريدون التنمية الشاملة , لأن التنمية تهدد مصالحهم , فإن عرف الصبي الذي يدز المحراث الإنجيل فإن طبقة المرتشين والمستفيدين من الدجل على المسيح سينقرضون وستحل محلهم طبقة جديدة من المتنورين , وهذا ما يحصل مع المتنورين العرب اليوم .
يجب أن نهجر اللغة العربية الفصحى لأنها لغة ميتة , كتابها ميتون منذ زمن , والذين ساهموا بتقعيد نحوها وصرفها , ما كانت في زمنهم الأدوات التي نملكها اليوم , إننا يجب أن نسكن الأحرف وأن نبدأ مشواراً جديداً من التنمية الشاملة في اللغة والصناعات .
حين زار فولتير إنكلترا دب بينه وبين مؤيدي شكسبير نقاشاً ساخناً قالوا له : يقول شكسبير : ما تحرك فئر , حين دخل الملك لير على الجنود-هذا تعبير مجازي يشبه قولنا في العامية (إبتسمع رنة الإبرة )-فرد عليهم فولتير قائلاً : هذا القول بسيط يستطيع أي جندي فرنسي أن يقوله , وليس شكسبير .
كان فولتير من أنصار عدم التطور لأنه كان يعيش بمعية إمبراطور فرنسي مستبد لا يريد الخير لشعبه , بل كان يريدُ أن يستأثر بكل شيء لنفسه , كان الإنبراطور يعارض التطور في اللغة , وكذلك موظفوا قصره كانوا مثله ومن طبقته وكانوا يختارون بعضهم البعض ويستبعدون من القصر المتنورين ,لأنه كان يعارض أيضاً التطور في الحقوق والواجبات والديمقراطية , فلم تكن لديه نية للتغيير , لذلك كان يحب أن تبقى اللغة كلاسيكية , والقديم قائمٌ على قدمه ,والحرية كلاسيكية والمرأة كلاسيكية , والأطفال كلاسيكيون , والشوارع إكلاسك , والأدب كلاسك , وكل شيء يجب أن يبقى كما هو , فالتغيير والتطور ليس بصالحه , أو ليس من صالحه , فالتطور والتنمية الشاملة يهددان مصالح الإنبراطور , لذلك كان الإنبراطور يقوم بدعم كل قديم لكي تبقى فرنسا قديمة , ومن أجل أن يبقى الكاتب الفرنسي فرنسياً , لم يكن يريد للكاتب الفرنسي أن يصبح أوروبياً .
وهذا هو حال بعض الحكام العرب فهم يريدون أن يبقى كل شيء إكلاسيكي , اللغة يحبونها كلاسيكية , لذلك هم يدعمون العقول القديمة ويحرضونها على الكتّاب والمبدعين من أجل أن يبقى كل شيء على قدمه (القديم قائم على قدمه) هذا شعار قانوني وكل متخصص بالبناء مثلي يعرفه , هو قانون عدم التطور , يجب أن يبقى كل شيء كما هو , الشوارع يجب أن تبقى هكذا بدون تنظيمات جديدة , والمدارس يجب أن لا تدخلها طرق جديدة للتدريس , يجب أن تبقى عصا المعلم معلقة على باب الصف .
في دولنا العربية الوضع يشبه وضع فولتير , ولكن فولتير عاد واستسلم للتطور , وكتابنا العرب ما زالوا يتلقون دعمهم من السلاطين شريطة أن لا يتطوروا فيجب أن تبقى الصحافة شللية , في كل عامين مقال لكل كاتب , والكتاب الأعمدة الإسبوعية والشهرية ما زالوا هم هم , لن يتغيروا ولم يتغيروا حتى وإن نخرهم السوس .
اللغة حين تتطور فإنها لا تتطور في الأدب بل في شكل الخطاب السياسي وفي الحوارات الثقافية والديموقراطية , اللغة تتطور من الشارع ومن المدرسة ومن مجلس النواب و والبرلمان , تتطور في إسلوب التعامل بين الأستاذ والطالب , يبدأون بالحوار والنقاش وتبادل الأراء بدل تبادل العصي , اللغة تتطور بين المواطن والمسؤول وبين كل أشكال الإستبداد القديمة وحوار الطرشان والعميان , وفي مجلس النواب , وبدل أن يضرب أحد النواب نائبة في البرلمان بالمزهرية والمتكة , يبدأ بقبول رأيها بتعدد الأزواج أو أي شيء , ويبقى الرأي لصاحب الرأي .
#جهاد_علاونه (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟