وجدان عبدالعزيز
الحوار المتمدن-العدد: 2659 - 2009 / 5 / 27 - 09:15
المحور:
الادب والفن
الشعر مساحات من حدائق تختفي فيها الكثير من الأسرار ويظل البحث عنوان للجهد الفكري والذهني عسى أن يكون هناك عثور على خيوط من هذه الأسرار ، حتى أن هذا الجهد تتذوق فيه ثمرة الجمال وأنت تقتفي الأثر ، وقد تظمأ أثناء الطريق ، فتشرب كأسا من رحيق أزهار الشعر ، وهكذا كلما توغلت في هذه الحدائق كلما تذكرت الشاعرة ضحى بوترعة وهي تهمس لك ..
(بحجم الرحيل فتحت المدى تحت يديك
تذيبان قيود الفضة)
والرحيل هنا له معنيان :
الأول :لحظات اكتشاف
والثاني :عاطفة أخفتها الشاعرة بعفة الأنثى التي تمشي على استحياء ...
لتقول وتصرح بأشياء وتضمر أخرى تجعلها تقطر حياءا وعفة
ف(ليس لكل رحيل مسافات
ولا لكل واقف ساقان ...
لم أزل كما أنا ...)
إذن مهما كانت الارتحالات ومهما كانت المسافات سواء انعدمت عند اللقاء أو امتدت إلى حيث الافتراق ، فان ذات الشاعرة الواعية تقف عند المفترق حذرة متمتعة بجمال الحب وأزهار الشعر الباثة رحيق المشاعر ورهافة الإحساس وانتقاء المسافة وانتقاء موضع القدم رغم ذوبان الشاعرة باللاوعي مع إحساس الحب المتصاعد في أنوثتها تقول أنا :
(غيمة في اللغة البكر
لم أزل كما أنا حلم يوثق النوم والعشاق
استحي من موعد عاطفي وزر يتطاير من قميص)
هكذا ظلت في مسافات التوتر بين نقاط الافتراق ونقاط الالتقاء وهي تغرق حبيبها برذاذ الشعر الجميل ..
(لكأنك ميلاد قمر في حوض النرجس
يقطر بين أصابعك العشب
كأرض تعيد حلمها القديم)
وقلبت المعادلة ، الأرض ذكر والغلة المزروعة أنثى ، وحينما تكون في لحظة الوعي تكون الأرض هي الأنثى التي تستقبل البذار لتصنع الحياة بالورد والأزهار والأقاحي كي تعمرها بالجمال وديمومة الحياة ، ثم لا تألو الشاعرة جهدا في دعوة الحبيب الى مائدة النوافذ المشرعة تقول :
(واقتبس الموج الذي يتدفق من النافذة
كضوء ينتظر انتهاء الليل)
هذا العطاء الثر في المقابلات الضدية التي تخلق التوهج في توالد المعنى فالضوء والليل يحملان أكثر من معنى هنا كما هي العنونة جاءت ذات حمولة من المعنى المختفي في نقاء الإنسان داخل الشاعرة ضحى بوترعة فهي تقول :
(جربت أن ارتدي لون يديك )
فهي تحاول الاقتراب من الحبيب اقترابا روحيا لا مرئيا ، فمن شدة الوجد ارتدت اللون وترفعت عن ماهو حسي وظلت تحلق بعيدا لتسمو بأفكارها إلى الأعلى وهذا ديدن الشعر يرفع الأشياء إلى حد السمو والرقي في أعلى درجات الشفافية خالقا من هذه المسافات جماليات الحياة في البحث عن السعادة الأرضية المفقودة ، لذا فان الشاعرة ضحى بوترعة تبحر في مركب الرحيل قاطعة المسافات ، وحينما تصل تكتفي بارتداء ألوان اللقاء (.. ارتدي لون يديك) .
/ قصيدة (جربت أن ارتدي لون يديك)
الشاعرة التونسية ضحى بوترعة
#وجدان_عبدالعزيز (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟