|
هل اغتيال الرنتيسي الثمن الأخير لتحقيق وحدة وطنية
إبراهيم عبد العزيز
الحوار المتمدن-العدد: 812 - 2004 / 4 / 22 - 07:41
المحور:
القضية الفلسطينية
كاتب وصحافي فلسطيني عملية اغتيال الدكتور عبد العزيز الرنتيسي" زعيم حركة "حماس" ، والتي أيدها معظم الوزراء الإسرائيليين، دونما استثناء، خلافاً لما جرى عند اغتيال الشيخ أحمد ياسين "الزعيم الروحي" للحركة قبل حوالي الشهر، والتي أشرف عليها رئيس الوزراء الإسرائيلي آريئيل شارون شخصياً، حيث عارضها اثنين، هما ممثلا حزب "شينوي" العلماني، أعادت من جديد طرح تساؤلات جمة، لاسيما وأنها تأتي بعد زيارة شارون إلى واشنطن وحصوله على تعهدات من الرئيس بوش، بدعم خطته للإنفصال من جانب واحد عن الفلسطينيين. يحضرني هنا سؤال كما يحضر كل متابع للأوضاع على الساحتين الفلسطينية والإسرائيلية، هل اغتيال الدكتور "الرنتيسي"، وهدم البيوت والاعتقالات سيحقق الأمن للإسرائيليين؟ من المؤكد إن استمرار إسرائيل في انتهاج سياسية اغتيال الكوادر الفلسطينية، لن يجلب الأمن للإسرائيليين، وهو بمثابة صب الزيت على النار، ويعني العودة إلى المربع الأول من الصدام المسلح، ومن شأنه أن يدخل الشعبين الفلسطيني والإسرائيلي والمنطقة بأسرها في جولة جديدة من العنف. عملية اغتيال الدكتور "الرنتيسي"، كما كل عمليات الاغتيالات السابقة التي نفذت بحق قادة وكوادر فلسطينيين سواء سياسيين أو عسكريين، والتي تجسدت باغتيال الشيخ ياسين ومن ثم الرنتيسي، هدفت في جوهرها، إلى محاولة ضرب الاستقرار المستقبلي ووحدة الإجماع الفلسطيني، المستعد لمتطلبات واستحقاقات المرحلة القادمة، مستندين بذلك إلى أن "خطة الانسحاب" المزعومة من القطاع ما هي إلا بالون اختبار هدفها الأساسي تمزيق وحدة الصف الفلسطيني. فقد أحبط الوعي الفلسطيني سلطة وأحزاب وحركات كل محاولات بث الفرقة والصراع على "جلد الدب" قبل اصطياده، الأمر الذي يجعل من من مواصلة اسرائيل لعمليات الاغتيال، إعادة لخلط الأوراق داخل الساحة الفلسطينية أولاً ومزيداً من التشدد في التعامل مع ما يطرح إسرائيلياً ثانيةً، بهدف إظهار الموقف الفلسطيني بأنه الرافض إزاء عروض السلام الإسرائيلية المزعومة. أن مايجري على الأرض، يؤكد النهج الدموي الذي يمارسه أقطاب السياسة الإسرائيلية، من خلال القتل ونسف المنازل ونهب الأراضي والاعتداء الوحشي اليومي على الفلسطينيين، وأننا إزاء عقلية إسرائيلية لا تعرف إلا لغة الإرهاب والدمار، ولا تقيم وزناً للجهود الدبلوماسية المبذولة من أكثر من جهة وعلى أكثر من صعيد لدفع عملية السلام. أصبح من الواضح للجميع أن الحكومة الإسرائيلية، تصعد من عدوانها وتغتال الفلسطينيين وتقصف المدن، هادفةً من وراء اعتداءاتها واستفزازاتها المتكررة والمتوالية، تحويل حوار القيادة الفلسطينية مع فصائل المعارضة، والتي بدأ بعد اغتيال الشيخ أحمد ياسين يأخذ منحى جاد وحقيقي، على طريق تحقيق وحدة وطنية شاملة، إلى حرب أهلية، ينشغل فيها الشعب الفلسطيني بالاقتال الداخلي، بدلاً من المطالبة بحقوقهم الوطنية المشروعة، وينسى العالم كذلك ما يسببه من معاناة وألم للشعب الفلسطيني، جراء استمرار الاحتلال وويلاته، وهذا الغول الاستيطاني الإسرائيلي الزاحف، الذي يبتلع الأرض الفلسطينية. أوضحت التطورات الأخيرة بصورة جلية لا تشوبها شائبة، أن الأزمة في الواقع هي أزمة رفض إسرائيلي عملي لتطبيق خارطة الطريق، أو أي مبادرات للتسوية، فقد بات معروفاً أن إسرائيل تسعى دوماً لنقل أزمة عملية التسوية السياسية إلى الجانب الفلسطيني، للتملص من الاستحقاقات المطلوبة منها في إطار خطة "خارطة الطريق" ولتوسيع دائرة الخلاف بين السلطة الفلسطينية والمعارضة، وتهميش دور القيادة الفلسطينية التاريخية للشعب الفلسطيني، وإظهارها دولياً وإقليمياً بمظهر العاجز، وجر الفلسطينيين إلى ردات فعل توظفها كمبررات لإطلاق "رصاصة الرحمة" على أية بوادر للتسوية وإعادة الهدوء ولاستقرار إلى المنطقة. لجأ شارون ومجلس أمنه المصغر، إلى ذلك بعد أن تيقن أن أحدا لن يشتري منه خطته للفصل الأحادية الجانب، لذا اعتقد أن اغتيال الكوادر الفلسطينية، قد يولد آلية بيع للخطة السياسية الكاسدة ,أو آلية إفساد فلسطينية لها من طريق العودة إلى مربع العمليات العسكرية اليومية. وحتى يتمكن من بيع خطته داخل حزب "ليكود", وأن يقلص المسافة بينه وبين المتشددين بالاقتراب من مواقفهم وتأييد الاغتيال. تتحمل الولايات المتحدة مسؤولية التدهور الحاصل ، حيث كان من المفترض أن تكون راعٍ نزيه لعملية السلام، إلا أنها جارت المخططات الإسرائيلية، فهي تتحمل المسؤولية الكبرى عن استئناف دوامة العنف من جديد، وعودة الأمور إلى نقطة الصفر مرة أخرى. وبصرف النظر عما إذا كانت واشنطن علمت بقرار جريمة اغتيال الدكتور "الرنتيسي" أم لا, إلا أن الموقف الأميركي يتعارض مع الضرورات الأساسية والجوهرية لدعم عناصر التسوية في المنطقة. أن استمرار اسرائيل في عمليات اغتيال الكوادر الفلسطينية، يؤكد من جديد حقيقة أن الشعب الفلسطيني، يمر بمرحلة حساسة وحرجة من تاريخه، الأمر الذي يستوجب من جميع القوى الفلسطينية، سواء كانت في السلطة أو في المعارضة وقفة صادقة مع النفس، واستيعاب اللحظة السياسية الراهنة، وتوحيد جهودها ومواقفها لتفويت هذه الاستهدافات وإفشالها، وذلك بتحقيق أقصى قدر ممكن من التوافق السياسي والميداني. وأن تبذل كافة التنظيمات جهداً مضعافاً من أجل ترسيخ الوحدة الوطنية كممارسة على الأرض وليس كشعار تتشدق به، وان تدرك أن أي شق في وحدة الصف الفلسطيني، سيفتح الباب واسعاً أمام إسرائيل لتحقيق مراميها في تحويل الصراع إلى فلسطيني- فلسطيني، بما يمكنها من تنفيذ كل مخططاتها التي أخفقت في تحقيقها طوال السنوات الماضية. كنت أشارت في عدة مقالات سابقة، إلى أن أي فصيل فلسطيني، كائناً من كان، يخطئ إذا اعتقد أنه يستطيع أن يدير الصراع مع إسرائيل، من خلال رؤية سياسية خاصة به، وأن برامجه السياسية ورؤيته هي الزاوية الوحيدة والناجعة لإدارة الصراع. كما يجب على الجميع أن يأخذوا بالحسبان ظروف الصراع المعقدة، وأن يقدم الجميع التنازلات لخدمة المشروع الوطني الفلسطيني، وإعلان موقف سياسي بعيد عن التشنج وردات الفعل الانفعالية، وهذا يمكن تحقيقه فقط من خلال قيادة موحدة، تتفق على الأقل مبدئياً على برنامج سياسي مؤقت، لحين إجراء انتخابات سياسية عامة، تتولى القيادة المنبثقة عنها اعتماد استراتيجية نضالية تحظى على موافقة جميع القوى السياسية. أرى من الضروري بمكان التذكير هنا، أنه بات من الضروري جداً، والملحّ أكثر من أي وقت مضى، أن يتم التعامل مع قضية الصراع الفلسطيني - الإسرائيلي على أساس عدم انفراد أي طرف بممارسة استراتيجيته الخاصة، مما يمزق الوحدة الوطنية، ويتيح المجال أمام ضعف وانهيار الجبهة الداخلية.. وإنما يجب التعامل مع هذه القضية على أساس الاستفادة من إنجازات الصمود الشعبي العظيم وتحويلها إلى حقائق سياسية، والتحلي بالرؤية الدقيقة للواقع المحلي والتوازنات الدولية، وإبراز قضيتنا كقضية شعب في مواجهة احتلال ظالم، وليس كمسألة صراع وقتال بين جيوش وقوى عسكرية متكافئة. تتحمل الإدارة الأميركية مسؤولية كبرى تجاه ما يمكن أن تقود إليه الأوضاع من تدهور خطير في المنطقة بأسرها، فهي لم تقدم على خطوات حاسمة لإلزام حكومة إسرائيل بتطبيق بنود "خارطة الطريق"، ولم تكتفي بأن تكون مواقفها خجولة وغير كافية ولا ترتقي لمستوى يؤهلها لأن تكون راعياً نزيهاً لعملية السلام، بل لم تدافع عن الخارطة التي تبنتها، وتبنت الموقف الإسرائيلي تماماً، وساهمت في خدمة المخططات الإسرائيلية الرامية إلى خلق حقائق جديدة على الأرض واستباق مفاوضات الوضع النهائي. [email protected]
#إبراهيم_عبد_العزيز (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
صورة قلمية:الطفل القارئ قائد المستقبل
-
فراغ سياسي ينذر بالشؤم
-
شارون في عزلة
-
موقع منفتح على كل الأفكار والتيارات الفكرية والسياسية ، يتحت
...
-
شارون يلعب في الوقت الضائع
-
مرغم اخاك لا بطل
-
تياران متنازعان يحكمان اسرائيل
-
ماذا ينتظر شارون وائتلافه الحاكم
-
تصريحات يعلون بداية الانقسام في القيادة الحالية لإسرائيل
-
زفاف علي
-
لمصلحة من -الفيتو-؟
-
هل ستقع الإدارة الأميركية في الفخ الإسرائيلي؟
-
هل أضاعت الرباعية الفرصة الأخيرة؟
-
صحوة ضمير أم سحابة صيف سرعان ما تتلاشى؟
-
-أبو عمار- إلى القدس
-
حوزير بتشوفاة
-
رؤية سياسية وقيادة موحدة
المزيد.....
-
الحوثيون يزعمون استهداف قاعدة جوية إسرائيلية بصاروخ باليستي
...
-
إسرائيل.. تصعيد بلبنان عقب قرار الجنايات
-
طهران تشغل المزيد من أجهزة الطرد المركزي
-
صاروخ -أوريشنيك-: من الإنذار إلى الردع
-
هولندا.. قضية قانونية ضد دعم إسرائيل
-
وزيرة الخارجية الألمانية وزوجها ينفصلان بعد زواج دام 17 عاما
...
-
حزب الله وإسرائيل.. تصعيد يؤجل الهدنة
-
مراسلتنا: اشتباكات عنيفة بين مقاتلي -حزب الله- والقوات الإسر
...
-
صافرات الانذار تدوي بشكل متواصل في نهاريا وعكا وحيفا ومناطق
...
-
يديعوت أحرونوت: انتحار 6 جنود إسرائيليين والجيش يرفض إعلان ا
...
المزيد.....
-
الحوار الوطني الفلسطيني 2020-2024
/ فهد سليمانفهد سليمان
-
تلخيص مكثف لمخطط -“إسرائيل” في عام 2020-
/ غازي الصوراني
-
(إعادة) تسمية المشهد المكاني: تشكيل الخارطة العبرية لإسرائيل
...
/ محمود الصباغ
-
عن الحرب في الشرق الأوسط
/ الحزب الشيوعي اليوناني
-
حول استراتيجية وتكتيكات النضال التحريري الفلسطيني
/ أحزاب اليسار و الشيوعية في اوروبا
-
الشرق الأوسط الإسرائيلي: وجهة نظر صهيونية
/ محمود الصباغ
-
إستراتيجيات التحرير: جدالاتٌ قديمة وحديثة في اليسار الفلسطين
...
/ رمسيس كيلاني
-
اعمار قطاع غزة خطة وطنية وليست شرعنة للاحتلال
/ غازي الصوراني
-
القضية الفلسطينية بين المسألة اليهودية والحركة الصهيونية ال
...
/ موقع 30 عشت
-
معركة الذاكرة الفلسطينية: تحولات المكان وتأصيل الهويات بمحو
...
/ محمود الصباغ
المزيد.....
|