عارف علي العمري
الحوار المتمدن-العدد: 2657 - 2009 / 5 / 25 - 08:05
المحور:
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في الخليج والجزيرة العربية
يمر الوطن اليوم بأزمات خانقة, ومتعددة بعدد محافظاته الشاسعة, فمن صعدة في اقصى الشمال, إلى المهرة في اقصى الجنوب, يبدوا الوضع على صفيح ساخن, فهناك حرب سادسة تقرع طبولها بين الحوثيين والدولة في شمال الشمال, وهناك دعوات الانفصال التي تتزايد يوما بعد أخر في جنوب الجنوب, والتي أتت كولادة طبيعية للحراك الجنوبي, وهناك تحالف جديد في محافظات الصحراء ( الجوف, مأرب, شبوة ,حضرموت ),على الدولة أن تعيره الاهتمام الكافي قبل أن يتحول الى سم زعاف .
لم تكن كل هذه الأزمات والحروب الا ردة فعل على فعل لم يعد خافياً على احد, لكن عند عرض المشاكل بغرض السعي لإيجاد حلول مناسبة لها, تصر الدولة على أن الأمور على ما يرام، والأوضاع على أحسن ما يكون، وليس ثمة ما يستوجب كل هذا السخط والتبرم والضيق الذي يبديه الناس والمعارضة! الناس تُبالغ، والمعارضة تُهوّل، والمانحون يُرجفون بتقاريرهم المغلوطة، وكلهم يتآمر على حكومة المؤتمر، فالأزمات لا وجود لها سوى في رؤوس المأزومين الحاقدين الذين أغاظتهم إنجازات البرنامج الانتخابي للرئيس والتي تحقق منها 80% في ظرف عامين فقط. إذا فما الذي دفع الرئيس إلى القول أن اليمن قد يتحول إلى الصوملة والعرقنة في حالة المساس بالوحدة ؟؟
ما الذي جعل من اليمن مسرح للازمات :
تشخيص الأزمة السياسية القائمة اليوم, كما يراها اللقاء المشترك والذي يضم التجمع اليمني للإصلاح, والحزب الاشتراكي اليمني , والتنظيم الوحدوي الناصري , وحزب الحق , واتحاد القوى الشعبية , وحزب البعث ( جناح سوريا ) تبدوا كما يعتقد المشترك فيما يلي:-
- إيغال السلطة القائمة في إفساد هامش الممارسة الديمقراطية، وإجهاض المشروع الوطني الديمقراطي، وتسويق الخيارات المناهضة له، وسعيها في إعادة إنتاج نفسها عبر احتكار السلطة والثروة، وتسخير الوظيفة العامة والمال العام، وكل إمكانات الدولة ومقدرات المجتمع لصالح تكريس استمرار وديمومة حكم الفرد.
- غياب الدولة الوطنية المؤسسية، وإلغاء الشراكة الوطنية بسبب غياب حاملها الحقيقي وهو الدولة، وبسبب ضرب الوحدة السلمية التي كانت هي القادرة وحدها على الاضطلاع بخلق شروطها.
- استبدال الشراكة الوطنية بنظام من الولاءات يقوم فيه مركز السلطة بتأسيس قاعدة لمعايير سياسية واجتماعية ومناطقية جهوية يتم وفقاً لها بناء الحزام الآمن للنظام، بحيث يحصل منتسبو هذا الحزام على نصيب الأسد من ثروة البلاد ومن المناصب العليا والوظائف الأساسية، وهو ما عطل بالتالي من الشراكة السياسية الوطنية.
- غياب الرؤية الوطنية لدى السلطة في معالجة الأوضاع في الجنوب، وعدم الاعتراف بالقضية الجنوبية كقضية وطنية تمس كافة أبناء اليمن، والتباطؤ في التعاطي مع هذه القضية ومعالجة أسبابها وجذورها السياسية والحقوقية.
- أحدثت الحروب المتكررة في محافظة صعده جرحاً نازفاً وعميقاً في اللحمة الوطنية، وأنتجت مقدمات خطيرة لانقسامات يجري استدعاؤها من خارج التاريخ الوطني، بل ومن خارج الحاجة الفعلية لشعب يتطلع إلى المستقبل ويحرص على أن لا يخسره كما خسر الماضي.
- تفاقم الأزمة الاقتصادية الخانقة والارتفاع الجنوني في الأسعار وتدهور الأوضاع الاقتصادية والمعيشية للمواطنين في ظل فساد أكل الأخضر واليابس، فأضحت البطالة والفقر المدقع في تصاعد مضطرد، بالإضافة إلى ما يتعرض له المواطنون من انتهاكات صارخة في حقوقهم الاقتصادية والاجتماعية كنتيجة طبيعية لاستمرار الفساد والنهب المنظم للمال العام، وفقدان الإحساس بالمسئولية، مقابل تعاظم ثراء القلة المتنفذة في السلطة ومواقع القرار.
- هشاشة المؤسسات الدستورية وعجزها عن إنتاج آلية مناسبة لاتخاذ القرارات الكبرى ذات الطابع الوطني جراء الإعاقة المتعمدة لبناء أسس ومقومات الدولة، والإضعاف الممنهج للمؤسسات، وانتهاك الدستور والقانون لتحل محلها توجيهات الفرد وأمزجته وقراراته.
- إن الممسكين بالسلطة قد أصروا على الانفراد بصناعة القرار، وتجاوز مؤسسات الدولة، وانتهاك الدستور والقانون، وعلى تسخير سلطات الدولة وإمكانياتها في الاستقواء على القوى السياسية الأخرى، والتأثير على نزاهة الانتخابات وحريتها، رافضين التخلي عن عادتهم في المراوغة والمغالطة، وعن أسلوبهم في إفشال الجهود المخلصة وكل محاولات المشترك لإقامة حوار جاد ومثمر، وإفراغ كل المبادرات والاتفاقيات من مضامينها الجادة، وأمام اتساع الخرق واستحكام الأزمات التي تراكمت حتى تضخمت وأصبحت تشكل خطراً داهماً وكارثة وشيكة .
الوضع القائم وان اختلفت تشخيصات مشاكله من فئة إلى أخرى إلا أن الجميع يعترف بعمق الأزمة التي نمر بها اليوم فالتشاور الوطني ارجع أسباب الأزمة, الى الاتي :-
1. فشل السلطة في إدارة مشروع الوحدة وإصرارها على التعامل مع أوضاع وتحديات ما بعد حرب 94م بخفة وتعالٍ، ورفض أي مشروع سياسي وطني يأخذ بعين الاعتبار تصفية أثار الحرب ومعالجة جروحها، وإصرارها على تقويض أسس التعددية السياسية والحزبية ومرتكزات الشراكة الوطنية التي قامت عليها الوحدة السلمية في 22 من مايو 1990م و التي كانت هي وحدها القادرة على الاضطلاع بخلق شروطها وحماية البلاد من التفكك السياسي والعرقي والطائفي، بل ذهبت السلطة تسرح عشرات الآلاف من أبناء المحافظات الجنوبية مدنيين وعسكريين دون مراعاة للحد الأدنى من حقوقهم المشروعة وجرى خصخصة مؤسسات القطاع العام من خلال عملية نهب فاسدة كان المتنفذون هم المستفيد الوحيد منها وقذف بالغالبية فيها الى سوق البطالة بدون حقوق وبالمثل طرد الفلاحون من أراضيهم وصودرت مزارع الدولة وأعيد توزيعها على حفنة من الملاك الجدد ونهبت أراضي الدولة لصالح فئة صغيرة من المتنفذين . وفي مجرى هذه الممارسات، وتداعيات الأزمة الاقتصادية، والسياسية والاجتماعية، نشأت حالة غليان جماهيرية غير مسبوقة في المحافظات الجنوبية وتبلور هذا الغليان إلى حراك سياسي واجتماعي يطرح بقوة موضوع القضية الجنوبية كتعبير عن حاجة حقيقية لتسوية تاريخية تعيد بناء منظومة الحكم على أساس شراكة وطنية حقيقية في السلطة وفي الثروة تضع هذا الجزء من الوطن في المكان الملائم كطرف في المعادلة الوطنية الأمر الذي يوجب وضع القضية الجنوبية في صدارة الأولويات التي يتم الحوار الوطني حولها بإشراك القوى الفاعلة في الحراك السياسي.
2. قضية صعدة والحروب المتكررة هناك وما رتبته الوقائع من حقائق على الأرض وما خلفته تلك الحروب من دمار وآثار مأساوية مادية ومعنوية تتطلب معالجة شاملة لآثارها وتعويض المتضررين وإعادة الإعمار، واتخاذ كافة المعالجات التي من شأنها أن تنزع فتائل وذرائع وأسباب تجدد القتال ودورات العنف، وعليه فلا بد من وضع قضية صعدة على طاولة حوار وطني شامل يكون الحوثيون طرفا فيه بحيث لا تظل هذه القضية بينهم وبين السلطة فقط فالجميع معنيون بمستقبل هذا الوطن ومنه هذا الجزء الذي هو صعدة.
3. ضرب المشروع الديمقراطي، ومقومات الحياة المدنية وشق الأحزاب والمنظمات واستنساخها والتضييق على الحريات وخنق الصحافة الحرة، وملاحقة الصحفيين وتعريضهم للاعتقالات والحبس، ومصادرة الحقوق وقمع الفعاليات السياسية السلمية ، وإفراغ المؤسسة التشريعية والرقابية من محتواها بحيث أصبحت من أدوات الحاكم الفرد بإضفاء شرعية شكلية على نظام يدير البلد بواسطة دورات انتخابية تم تكييفها لإعادة إنتاج نفسه، وتعطلت بالتالي كل أدوات التغيير عبر انتخابات حرة ونزيهة وعادلة.
4. مصادرة الدور الوطني للقوات المسلحة والأمن، كمؤسستان معنيتان بحماية الحياة السياسية الديمقراطية الداخلية للبلاد، لا يجوز استخدامهما أو التلويح باستخدامهما أو الاستقواء بهما في العمل السياسي من قبل أي طرف، وما تمارسه السلطة اليوم من إقحام القوات المسلحة و الأمن في مهام خارج إطار دورهما وواجبهما الدستوري إنما يعكس أزمة النظام السياسي الذي فقد الحيلة في طرح مشروع سياسي وطني لحل أزمة البلاد ، وهذا ما يدعونا إلى التحذير أولا: من أن القوات المسلحة والأمن هي حصان الرهان الوطني الذي لا يجوز للسلطة أن تعبث به أو توظفه في مناورتها السياسية والزج بها في صراعات سياسية داخلية مكانها المؤسسات السياسية و التأكيد ثانياً على ضرورة ترسيخ نظم وقواعد بنائها على أسس وطنية ومهنية، وتحسين الظروف المعيشية لأفرادها بما يليق ويتفق مع مكانتها ووظيفتها وإتباع نظام للترقي والقيادة يعيد لها هيبتها وشخصيتها كأحد أهم القوى المجسدة للشخصية الوطنية وهيبة الدولة.
5. ما تظهره المؤشرات الاقتصادية الرئيسية من تدهور مريع ومتسارع في الحقوق الاقتصادية والاجتماعية الأساسية للمواطنين، وحقهم في الحياة الحرة الكريمة،التي أهدرتها السلطة، بتماديها في تنفيذ السياسات الاقتصادية الفاشلة والخاطئة ، وتحميل المجتمع الأعباء المترتبة عليها ، مقابل استحواذ متنفذيها على أقصى المكاسب والمنافع والثروة والدخل واهدار المال العام والتعامل مع رجال الأعمال و المستثمرين بمنهجية انتهازية وتمييزية تعكس تحيز السلطة لأهوائها السياسية وللمصالح الضيقة لمتنفذيها على حساب المصالح الوطنية ، الأمر الذي اضر بمناخ الاستثمار وأدى إلى نزوح رؤوس الأموال الوطنية إلى الخارج، فأنتج هذا المسار الفاشل للسلطة مزيداً من الفقر والبطالة وسحق الطبقة الوسطى والقضاء على تكافؤ الفرص وتفاقم التفاوت في توزيع الدخل والثروة وبشكل أصبحت القلة تستحوذ على الجزء الأعظم من الثروة والدخل بينما تعاني الكثرة في المجتمع من الفاقة والفقر والبطالة ، وانسداد سُبل العيش وفقدان أبسط الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والحرمان من الخدمات الأساسية اللائقة بالإنسان كإنسان .
6. الثقافة التفكيكية التي كرستها السلطة لمواجهة المشروع الوطني ودورها السيئ وبالغ الأثر في تهيئة الظروف لإعادة تجميع وحث العوامل المحبطة للنهوض الوطني بما في ذلك تشجيع قيم الفساد وإضعاف الروابط الوطنية لصالح ثقافة تتجه بالولاء نحو السلطة بما يترتب عليه من إنتاج حوافز التمسك بالبنى ما دون الدولة جهوية وقبلية وطائفية وعرقية، لقد بات من الخطورة بمكان أن نرى الثقافة التفكيكية وقد غدت مكوناً لوعي المجتمع في الجزء الأكثر تأثيراً من حيث صلته بالانتماء إلى هذه البنى على نحو أقوى من الانتماء إلى الدولة ، وهو ما يجعل المعالجة بالمشروع السياسي لأوضاع البلاد مسألة في غاية التعقيد مالم يصمم هذا المشروع في إطار ثقافي وطني يعيد بناء الحوافز الوطنية للشعب على قاعدة الشراكة الوطنية التي تستلهم مضامين التسوية التاريخية الجديدة.
7. اعتماد السلطة-في مواجهة كل أشكال النضال السلمي ومختلف الفعاليات الاحتجاجية والمطلبية السلمية- نهجاً متطرفاً يقوم على القوة والعنف قد أدى إلى توليد وتغذية تطرف أخر من حملة المشاريع الصغيرة وجماعات الإرهاب يقوم هو الأخر على نهج القوة والعنف ، فأصبحت السلطة نفسها البؤرة الأكبر لإنتاج وتفريخ واستفحال الأزمات.
تشخيص الأزمة من دار الرئاسة
السياسي البارع,والمستشار الرئاسي , الدكتور عبد الكريم الارياني وصف بان مستقبل اليمن سيكون صعباً,واعتبر الإرياني في حوار مع صحيفة (الغد) الأردنية أن مشكلات اليمن تنحصر في البطالة وارتفاع مستوى الفقر وهما سبب عمليات الاحتجاج المطلبي في المحافظات الجنوبية.
تشخيص من حرم الجامعة
أستاذ العلوم السياسية بجامعة صنعاء الدكتور عبد الله الفقيه أكد في منتدى الأحمر أن ما يحصل في المحافظات الجنوبية هو حصيلة تراكمات بعضها تاريخي، والبعض الآخر يرجع – بقوله - إلى الطريقة التي تمت بها الوحدة وإلى الصراعات والسياسات التي سادت الفترة الانتقالية، إلا أنه أرجع الكثير من الأسباب إلى السياسات التي تمت في مرحلة مابعد حرب 1994م.
واعتبر الفقيه أن من أهم الأسباب لما يجري حاليا في المحافظات الجنوبية هو التهميش الاقتصادي، وتمثل في اتخاذ سياسات سعرية تم تبنيها بمعزل عن سياسات الإصلاح المالي والإداري وتطوير نظام الحماية الاجتماعية.
وقال: لقد تم سحب الدعم كليا عن المواد الأساسية بما في ذلك القمح والدقيق وتم بعد ذلك رفع الدعم جزئيا عن المشتقات النفطية، وبدلا من استخدام المبالغ التي تم توفيرها من الدعم في التنمية حدث العكس واستخدمها الفاسدون.
وأشار إلى أن نهب الأراضي، وسياسة (دعه يدبر نفسه) بالإضافة إلى التوجه إلى عمل تنمية بعيدة عن البشر كان من ضمن عوامل التهميش الإقتصادي التي أسهمت في ما هو حاصل في الجنوب.
وأكد أستاذ العلوم السياسية بجامعة صنعاء أن من ضمن الأسباب هو التهميش السياسي المتمثل في إخراج عناصر الإشتراكي من مواقعهم أو إخرجهم وإحلال شماليين محلهم، وكذا تصفية بنية الدولة، وسياسة (خليك في البيت).
وأشار إلى وجود تهميش ثقافي تمثل في طمس كل ما يذكر بدولة الجنوب، مثل تغيير أسماء المدارس والمعسكرات والمراكز واسم قناة عدن، ووصل إلى محاولة توحيد الثورتين في ثورة واحدة مما أسهم في تعميق المشاكل في الجنوب.
نظرة ثاقبة من قاعة البرلمان
البرلماني عن الحزب الاشتراكي اليمني الدكتور فضل النقيب قال : لا يوجد تباين في الظلم في الشمال والجنوب، وإنما المواطن في الجنوب كان قبل الوحدة لديه تعليم مجاني وصحة مجانية وغذاء مجاني ، وهو الآن يشعر بأنه خسر كل ذلك.
وأضاف: هناك فوارق اقتصادية في الجنوب بسبب الانتقال من نظام كان يتكفل بتوفير كل شيء إلى نظام السوق المفتوح، وربما الاشتراكي أذنب في أنه لم يؤهل أبناء الجنوب على الانتقال من النظام الاشتراكي إلى نظام السوق الحر، كما أنه وبعد حرب 94م انتقلت الملكيات المؤممة ليس إلى الدولة وإنما إلى يد الباسطين والناهبين، وهذا جعل الناس العاديين يحملون السلطة المسئولية وأعادوا ذلك إلى الوحدة.
وأكد رئيس كتلة الاشتراكي البرلمانية أن الخلل جذري، وليست في المطالب المرفوعة حاليا.
وقال: لقد جرى تحويل الوحدة والديمقراطية إلى فيد، كما أن السلطة عاقبت كل أبناء الجنوب ولم تكتف بمعاقبة الحزب الاشتراكي.
هكذا يشخصون الداء, لكن ما ينقصنا هو معرفة الدواء, الذي يضمد الجراح, ويعيد للروح عافيته, وللوطن سلامته, وهذا ما سنناقشه في العدد القادم مع مفكرين وعلماء وصحفيين ومثقفين وسياسيون وقادة رائي من داخل اليمن وخارجه .
#عارف_علي_العمري (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟