|
السلطة والجنسانية في الشرق الأوسط (٢/٢)
جمال بارافي
الحوار المتمدن-العدد: 2656 - 2009 / 5 / 24 - 06:20
المحور:
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
بقلم بروس دان، ترجمة جمال بارافي
مقدمة: (المترجم)
إن الجزء الأول من هذا المقال و المترجم من قبل السيد أحمد جميل حمودي كان قد أعطى لمحة تاريخية عن العلاقات الجنسية في الشرق الأوسط والغرب و تطورهم، وهاهو الجزء الثاني من المقال يتعمق في نظرة المجتمع العربي و الاسلامي للجنس و للفوقية الذكورية السائدة في هذه المجتمعات منذ العصور الوسطى والآثار المترتبة على ذلك.
اعادة الانتاج الإيديولوجي:
إن اعادة انتاج الادوار الجنسية الايديولوجية الاسلامية في العصر الحديث رافقته تحولات هائلة، بما فيها ظهور أنظمة الدولة الحديثة و التدخل الاستعماري الغربي، ومختلف الإصلاحات والحركات القومية. هذه العمليات المعقدة مثلت تحديا كبيرا للقيم الأبوية مما أضعف النظام الجنسي واعاق قدرة الدول والنخب و المجموعات السياسية على نشر ودعم الخطابات العلمانية والإسلامية. تركت السلطات الاستعمارية العلاقات القائمة بين الجنسين إلى حد كبير دون تغيير، وكذلك فعلت إصلاحات الطبقة الوسطى والحركات القومية. في حين أن القوانين العلمانية التي تم اعتمادها في كثير من البلدان، قد لجأت عموما للسلطة الدينية في شؤون الأسرة أو قوانين الأحوال الشخصية. كل من الخطابات القومية والإسلامية لجأت إلى المثل العليا للأخلاق الإسلامية والأصالة الثقافية للسيطرة والتغيير.
ازدياد الفرص الاقتصادية والتعليمية للمرأة وازدياد الانماط السكنية ذات الأسرة النواتية أدت إلى تآكل هياكل الأسرة الابوية، فعلى سبيل المثال، الانماط القديمة من الزيجات الرتيبة/ المنظمة لا تفسح المجال لعناصر الارتباط الرومانسي، فقد اقترح والتر أرمبرست و غاراي مينيكوشي في فلمهما مناقشات في هذا الموضوع، وقد أظهر أن وسائل الإعلام الشعبية تعيد التأكيد باستمرار على أن مصالح الأسرة ومعيارية السلوك الجنسي تأخذ الأسبقية على التطلعات الفردية الرومانسية. وعلاوة على ذلك، ولأن النظم تربط شرعيتها بالدفاع عن الأخلاق والنظام الجنسي المشروع، فإن جماعات المعارضة والناس العاديين يلفتون الانتباه إلى وجود السلوك الجنسي المخل لينتقدوا جانبا من سياسات الحكومة. وهكذا، فإن العلاقات السابقة للزواج و علاقات مثليي الجنس بين الشباب المغربي، التي قد طرحت في سياق مناقشات الوقاية من الايدز من قبل عبد الصمد ديالمي، عزيت إلى فشل الحكومة في توفير فرص العمل، وبالتالي الوصول إلى الزواج والعلاقات الجنسية المشروعة.في الحقيقة إن كل الخطابات الرسمية و المعارضة تؤكد المعايير الجنسية.
العلاقات الجنسية، سواء بين من كانوا "أسوياء" جنسيا أو من كانوا مثليي الجنس، تفهم باستمرار على أنها علاقات قوية مرتبطة بأحكام جنسية قاسية. في تركيا، ومصر، والمغرب، الرجال الذين هم "نشطين" في علاقات جنسية مع رجال آخرين لا يعتبرون من مثليي الجنس، حتى أن هيمنة الرجال الآخرين الجنسية قد تشير إلى حالة من الفوقية الذكرية .
إن الانثروبولوجي مالك شبل، يصف المغرب ب " الرجولة المبالغ فيها"حيث أن معظم الرجال الذين يمارسون أفعال مثليي الجنس هم عمليا ثنائيي الجنس، بل إنهم يستخدمون الرجال كبدائل عن النساء-المحتقرات من قبلهم. ويضيف : إن معظم المغاربة يعتبرون أن وجود الحب أو العاطفة أو المساواة بين المشاركين هي أسوأ من المشاركة في أعمال مثليي الجنس . هناك، المساواة في العلاقات الجنسية، سواء كانوا أسوياء جنسيا أو كانوا مثليي الجنس يهدد نظام "الفوقية الذكرية".
قواعد الجنس متداخلة بشكل عميق. دراسة حديثة للسلوك الجنسي بين النساء في الريف المصري وجدت أنهم يرون أن ختان الإناث هو شكل من أشكال التجميل وليس من العنف،بل هو وسيلة لتعزيز الاختلاف الجنسي بين الرجال والنساء وبالتالي إظهار هوية المرأة. دراسة غير رسمية للرجال في مصر وجدت أن التطلعات "لمفاهيم الهيمنة الذكورية" معروفة كعملية مستمرة من التفاوض على طبيعة الذكورة - القدرة على التوفير المادي للأسر أو ممارسة الرقابة على المرأة كاستجابة لتدهور الاحوال الاقتصادية.
إن استمرار فكرة أن المرأة تحتاج للرقابة الجنسية يوفر النطاق الواسع و العقاب الاجتماعي للعدوانية الجنسية للرجل. وغالبا المرأة وحدها تتحمل مسؤولية النتائج الوحشية لما يسمى بجرائم الشرف، حتى عند افتراض تورطهن في أنشطة جنسية غير مشروعة. سوزان روجي تلاحظ في هذه القضية أن جرائم الشرف قد تكون مسؤولة عن 70 في المئة من حالات قتل المرأة الفلسطينية. جرائم الشرف أيضا مشهورة في مصر والأردن والمغرب.
يبدو أن العنف الموجه ضد مثليي الجنس من الذكور على ازدياد. وصلات الأداء للراقصون من الرجال المخنثين المعروفين كخاوالس كانوا مشهورين شعبيا في مصر في القرن 19. اليوم هذه العبارة تعتبر اهانة، مرادفة ل "شاذ جنسيا" .ربما خوالس القرن ال 19 قد لا يتمتعون بالاحترام ك"رجل" ولكن لا توجد أدلة تذكر على أنهم كانوا يتعرضون للعنف. العداء لأفعال مثليّ الجنس كان جزءا من التراث السياسي والثقافي للاستعمار الأوروبي.
اليوم، رؤية الثقافة العالمية للتنوع الجنسي ولحقوق الإنسان الجنسية شجعت على تشكيل ثقافات فرعية من "مثليي الجنس" في مدن الكوزموبوليتية الكبيرة كالقاهرة وبيروت واسطنبول وعلى تشكيل حد معيّن من النشاط السياسي، وخاصة في تركيا. ورغم أن الشذوذ الجنسي لا يشكل جريمة في تركيا، مثليّو الجنس ، مثليات وثنائيي الجنس، المتخنثون و المتحولون تعرضوا لمضايقات واعتداء من قبل الشرطة، وأحيانا "للطرد" لأسر بكاملها أو للعامل من قبل أرباب العمل : فمثليو الجنس الاتراك قد استهدفوا على وجه التحديد. إن البغايا الذكور المخنثين المعاصرين في المغرب وصفوا بأنهم جماعة هامشية، والنبذ والرفض كان أيضا من قبل عائلاتهم، ويعيشون في خوف من الشرطة ومن بلطجيي مثليي الجنس (ضاربيّ المخنثون). بالنسبة للبعض، كما هو الحال بالنسبة للمتخنثين الأتراك، البغاء يمثل واحدا من عدد قليل من الطرق التي يمكن أن يعيشوا بها حياتهم الجنسية. العديد من مثليي بلدان الشرق الأوسط قد التمسوا اللجوء الى الغرب هروبا من الاضطهاد الرسمي. "الشذوذ" في الشرق الأوسط
العلاقات الجنسية المتساوية لا تمثل خطرا على النظام الجنسي السائد، يعترف مالك شبل بالصمت الكامل الذي يحيط بحقيقة النطاق الواسع لمثليي الجنس النشيطين من الذكور في مجتمعات الشرق الأوسط والمفترض أنه أكثر انتشارا من وجود الشريك السلبي في العلاقة. ديميت ديمير، وهي ناشطة سياسية ومتحدثة باسم المخنثين الأتراك، تضع يدها على التناقض الموجود عندما تقول، مع الإشارة إلى شعبية البغايا من المخنثين في اسطنبول : "هؤلاء الاشخاص الذين هم لعنة علينا خلال النهار يعطوننا المال ليضطجعوا معنا ليلا." هل هذه "الوظيفية" و"الازدواجية"الكارهة للنساء التي وصفها شبل هي مجرد استبدال لرجل بآخر، نقصد رجل متوفر لعدم وجود امرأة متوفرة؟ هذا الرأي، الذي ممكن بصعوبة أن يفسر اختيار الذكر أو المخنث بدلا من البغاء النسائي، يتفق تماما ويدعم الإيديولوجية القائلة بأن الوظائف العامة أو المرموقة أو الرجال المعروفين هم جنسيا مسيطرين.
إن اهتماما بسيطا كان قد أعطي لتعابير الرغبة الجنسية للذكور، والتي، كما لاحظت دينيز كاندريوتي، أنها"جمع" بين طائفة واسعة من الذكورة والأنوثة، وهناك أيضا، كما تفترض، أبعادا مؤسسية وفي الأجيال لإنتاج هويات ذكورية. وهكذا، الرجال الذين يتوقع أن يكونوا "المهيمنون" في جهة معينة ممكن أن يتعرضوا للتبعية والعجز والذل من جهة أخرى، على سبيل المثال بالنسبة للعلاقة مع أبائهم، والرؤساء في المدرسة وكذلك الحال مع الرؤساء في المدرسة أو في الخدمة الاجتماعية . كيف يتغير معنى " الرجولة" في هذه الحالات المختلفة؟ تعقد المسائل الجنسية والهوية والسلطة تم اكتشافها من قبل يائيل بن تسفي التي تجد نفسها، في إسرائيل، في وقت واحد متميزة بوصفها يهودية اشكنازية ومهمشة باعتبارها مثليه. فالهدف إذا من "الشذوذ" هو التعرف على هوية مفتوحة بشكل دائم والاستخدام السياسي للكلمة و تشجيع مواجهة الشعب للاختلافات الموجودة ونشر الثقافة التي يكون فيها تعدد الأصوات والاهتمامات مسموعا.
ينشر بالتعاون مع فريق الترجمة في شبكة العلمانيين العرب http://www.3almani.org
للاطلاع على الجزء الأول :
السلطة والجنسانية في الشرق الأوسط (١) ( ترجمة أحمد جميل حمودي)
#جمال_بارافي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
المزيد.....
-
كاميرا منزل ترصد تصرفات منفذ هجوم نيو أورليانز أمام شقته
-
عشاق الحيتان يرصدون عجل حوت قاتل حديث الولادة.. لِمَ بعث هذا
...
-
الدفاعات الروسية تسقط 61 مسيرة أوكرانية غربي البلاد
-
مسيرة ترصد بالصدفة حادث انفجار الألعاب النارية في هونولولو ا
...
-
تقرير يكشف عن أفضل الأنظمة الغذائية لعام 2025 للحفاظ على الص
...
-
دهسوا بعد دقائق على نشرهم هذه الصور.. آخر لحظات مسرح الجريمة
...
-
سوريا تعلن بدء استقبال الرحلات الجوية الدولية بمطار دمشق
-
هل تنجح المفاوضات بين حماس وإسرائيل هذه المرة في التوصل لوقف
...
-
الداخلية الألمانية: على بعض السوريين العودة لبلادهم في ظل اس
...
-
بلينكن يؤكد لعبد العاطي دعم واشنطن للعملية الانتقالية في سور
...
المزيد.....
-
تداولية المسؤولية الأخلاقية
/ زهير الخويلدي
-
كتاب رينيه ديكارت، خطاب حول المنهج
/ زهير الخويلدي
-
معالجة القضايا الاجتماعية بواسطة المقاربات العلمية
/ زهير الخويلدي
-
الثقافة تحجب المعنى أومعضلة الترجمة في البلاد العربية الإسلا
...
/ قاسم المحبشي
-
الفلسفة القديمة وفلسفة العصور الوسطى ( الاقطاعية )والفلسفة ا
...
/ غازي الصوراني
-
حقوق الإنسان من سقراط إلى ماركس
/ محمد الهلالي
-
حقوق الإنسان من منظور نقدي
/ محمد الهلالي وخديجة رياضي
-
فلسفات تسائل حياتنا
/ محمد الهلالي
-
المُعاناة، المَعنى، العِناية/ مقالة ضد تبرير الشر
/ ياسين الحاج صالح
-
الحلم جنين الواقع -الجزء التاسع
/ كريمة سلام
المزيد.....
|