أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - يوسف اليوسفي - الحافلة














المزيد.....

الحافلة


يوسف اليوسفي

الحوار المتمدن-العدد: 2655 - 2009 / 5 / 23 - 08:21
المحور: الادب والفن
    


الصيف كائن عدواني....خصوصا لمن لا يملك تمضيته بين الرمال و الماء الازرق المنعش
و هو عدواني أكثر اذا كنت تنتظر الحافلة....في منطقة جرداء...دون واق او ظل ظليل...و هناك كنت
تحت نار الشمس...و في رحمة الحافلة التي قد تخلصني من انصباب كل هذا اللهب فوق رأسي....لكنني كنت اعلم انني احلم...فرحمة الحافلة بطيئة كسلحفاة عجوز...و انتظارها قد يدوم لساعات طوال...و لا مفر
لا وسيلة نقل اخرى...الامل سراب يختفي ما ان تقترب منه
الانتظار....الانتظار...الانتظار
انا هنا أترقب الحافلة الاسطورية...الموظف ينتظر أخر الشهر او ترقية وهمية...المراهقة تنتظر فارس أحلامها...الشاب ينتظر شفتين أو فخدين يدخل بينهما...الزوجة تنتظر بعلها في قاع البيت....الزوج ينتظر النادل ليطلب بيرة أخرى...العاهرة تنتظر زبونا متخما بالمال....المؤمن ينتظر الفرج...العجوز ينتظر الموت
كلنا ننتظر شيئا...و الانتظار في الشرق اللعين مهنة و فلسفة حياة...طريقة عيش سوداء ترضى بالزمن الذي لا يرضى باحد
في محطة الوقوف كنت واقفا...منتصبا كنخلة...كان بجانبي رجل خمسيني يحمل على وجهه زمنا من البؤس...و امرأة سمينة مع ابنها الذي بدى لي اصفر اللون بشكل مرعب
كنا مستسلمين لعطف مصلحة الحافلات الوطنية...نرقبها كالبراق الذي قد يحملنا الى الجنة...و الجنة في هاته اللحظة كانت كل مكان ليست فيه الشمس...حتى لو كان مرحاضا او قبرا
اقترب مني الرجل ببطئ ...جبهته تلتمع بحبيبات العرق المالح...سألني
هل تعلم يا بني متى سيأتي الطوبيس؟
أسنانه مسوسة و شفتاه زرقاوان...يبدو انه مدمن على الكيف...اجبته
لا يا حاج...توقيت الطوبيس عشوائي..و يمكن ان يتأخر طويلا
...نظر الى الارض...و زفر زفرة شممت فبها رائحة الموت الاكلينيكي و قال
شكرا يا بني...ماذا سنفعل..لننتظر
لو كنت رساما لاتخدت هذا الرجل المنهوك مثالا على البؤس و الاستسلام في العالم
الاستسلام...انه دائنا العضال...فكرت
الثورة..او حتى الاحتجاج...شيء مجهول في أراضينا...لا نعرف له طعما او لونا او رائحة...ربما لانه في كل تاريخنا نادر..او مطموس...لا احد يريده او يرغب حتى ان يفكر فيه
احذر المخزن...احذر معلمك...احذر من أبيك...احذر من الله
و الحذر هنا مرادف للخوف...و الخوف عشيق الاستسلام...اخوه في الرضاعة الوجودية
ليس في الامكان أروع من ما كان....و مادمت فقيرا موبوئا منهوكا منكوحا من الزمن و الكون...فتلك رغبة الله او طبيعة الامور...ارضى بها و لك الجنة..و احمد الله صبحا و عشية...و قل اللهم لا نسألك رد القضاء بل نسألك اللطف فيه
لا احد يريد رد القضاء...لا احد يريد أن يقول لماذا هدا القضاء علينا نحن فقط؟لماذا يختصنا نحن فقط بالمعاناة و الصبر المرير؟ في حين ان هناك من يتمتع و يعيش دون حسيب أو رقيب؟دون قضاء و قدر
علمونا الخنوع...فصرنا كائنات ناعمة لا تحتج و لا تقول و لا تجرؤ...صرنا قططا أليفا ترضى بالفتات طمعا في الجنة...و التنويم الديني عقار فعال في تخدير الناس
مدد يا قضاء مدد
أفقت من هواجسي على حركة الرجل و هو يتقدم...الحافلة قادمة...أخيرا
توقفت بعيدة عن المحطة بمئتي متر...جرينا لنلحق بها...تعرقت ...ركبت
كانت ممتلئة عن اخرها...علبة سردين أخرى تمشي في شوارع من ملح
أخرجت دراهمي من جيبي و مددت عنقي لأبحث عن الجابي...عرفته عندما صرخ..
تقدموا الى الامام ...الحافلة فارغة من الامام..دعوا الناس يركبون
كان بجابني..و كان حاقدا على الكون و البشرية و كل الحشرات التي تسمى مجازا بالناس
مددت يدي بصعوبة لامده بثمن التذكرة...اخدتها ...أشتريت تذكرة لكي أحشر بين اكوام اللحم البشري...الناس العادية في المجتمعات العادية تدفع نقودها لترتاح و نحن هنا ندفع نقودنا لنعاني
مدد يا قضاء مدد
الحافلة مختلطة...و فيها من كل الالوان
الرجل الذي كان امامي كان يتحرك بطريقة غريبة...تضايقت لانه داس على قدمي أكثر من مرة...ماذا يفعل هذا الكائن؟
اوو...هناك فتاة امامه...فتاة محتجبة..شابة لم تتجاوز الخامسة و العشرين على أكثر تقدير...و المهم انها ذات مؤخرة محترمة...كان الرجل ملتصقا بها كليا...و لا حظت أيضا انه يضع يده اليمنى على جزء من فخدها
اللعنة...الفتاة لا تقول شيئا...تنظر امامها فقط...يبدو انها تستمتع أيضا أو انها تريد ذلك
الرجل ملتصق دائما...تبا لماذا لا تنهره..ألا يسمى هذا تحرشا؟
اللعنة على هذا الكبت؟لو كان هذا الرجل او هاته الفتاة شبعانين جنسيا لما تناكحو بسطحية في قلب الحافلة...اللعنة على هذا الحرمان الذي ينهك الشباب...اللعنة على سبب الحرمان
تذكرت الزواج...و تكاليفه..و متطلباته التي تكاد تكون خرافية...لماذا الزواج؟لماذا لا يتمتع الناس ببعضهم بدون عقد و هموم؟لا احد يدري...او بالاحرى الكل يدري..لكن لا احد يجرؤ على الجواب
الله حرم الزنى...او الجنس بين غير المتزوجين...لكن أليس حراما و جرما أن يبقى الشاب محروما و الزواج شبه مستحيل قبل الثلاثين؟ أليس حراما ان تبقى الفتاة المتفجرة بالرغبة سجينة سريرها الفارغ في انتظار العريس الذي قد لا ياتي؟
مدد يا قضاء مدد
الرجل لازال ملتصقا...ما بين فخديه منتفخ...الفتاة صامتة و تابثة
النكاح الفوقي مستمر...انه يستمتع...انها تستمتع...او هكذا ظننت...الم يقولوا الصمت علامة الرضى...انها راضية
و الحافلة تمضي
تمضي
و انا أحس بالذوبان...و الاندثار



#يوسف_اليوسفي (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295


المزيد.....




- بلاغ ضد الفنان محمد رمضان بدعوى -الإساءة البالغة للدولة المص ...
- ثقافة المقاومة في مواجهة ثقافة الاستسلام
- جامعة الموصل تحتفل بعيد تأسيسها الـ58 والفرقة الوطنية للفنون ...
- لقطات توثق لحظة وصول الفنان دريد لحام إلى مطار دمشق وسط جدل ...
- -حرب إسرائيل على المعالم الأثرية- محاولة لإبادة هوية غزة الث ...
- سحب فيلم بطلته مجندة إسرائيلية من دور السينما الكويتية
- نجوم مصريون يوجهون رسائل للمستشار تركي آل الشيخ بعد إحصائية ...
- الوراقة المغربية وصناعة المخطوط.. من أسرار النساخ إلى تقنيات ...
- لبنان يحظر عرض «سنو وايت» في دور السينما بسبب مشاركة ممثلة إ ...
- فيديو.. -انتحاري- يقتحم المسرح خلال غناء سيرين عبد النور


المزيد.....

- فرحات افتخار الدين: سياسة الجسد: الديناميكيات الأنثوية في مج ... / محمد نجيب السعد
- أوراق عائلة عراقية / عقيل الخضري
- إعدام عبد الله عاشور / عقيل الخضري
- عشاء حمص الأخير / د. خالد زغريت
- أحلام تانيا / ترجمة إحسان الملائكة
- تحت الركام / الشهبي أحمد
- رواية: -النباتية-. لهان كانغ - الفصل الأول - ت: من اليابانية ... / أكد الجبوري
- نحبّكِ يا نعيمة: (شهادات إنسانيّة وإبداعيّة بأقلام مَنْ عاصر ... / د. سناء الشعلان
- أدركها النسيان / سناء شعلان
- مختارات من الشعر العربي المعاصر كتاب كامل / كاظم حسن سعيد


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - يوسف اليوسفي - الحافلة