أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العولمة وتطورات العالم المعاصر - محمد سمير عبد السلام - العولمة ، و الاختلاف















المزيد.....

العولمة ، و الاختلاف


محمد سمير عبد السلام

الحوار المتمدن-العدد: 2653 - 2009 / 5 / 21 - 03:11
المحور: العولمة وتطورات العالم المعاصر
    


لا يمكن فصل سياق العولمة المعاصر عن قضايا الإبداع ، و إعادة تكوين الدال النصي ، أو الحضاري ، أو الفرد المتحرر ، و كذلك قضايا الأنا ، و الآخر ، و ما تحويه من علاقات التفاعل ، و التداخل ، و التعارض ، و الاختلاف .
فهل تعيد العولمة إنتاج الاختلاف في سياقات اتصالية ؛ إعلامية ، و لغوية ، و نصية جديدة ؟
هل تصير تحويلا جماليا للفرد / المكان المختلف ، و المتداخل مع الآخر ضمن ذاتيته ؟
إن خاصية التفرد الجمالي للدال تحمل بحد ذاتها القدرة على الطيران ، و الخروج من البنية الواحدة في اتجاه العالمية ؛ فالنزعة الإبداعية تتواتر ، و تتكرر في نطاق الاختلاف ، و لكن التقدم في الكشف عنها ، و نشرها يمنحها حضورا لا مركزيا عالميا يتجه إليه العالم الآن .
و لننظر إلى المواقع الإلكترونية التي تهتم بنشر تاريخ الفن منذ مرحلة ما قبل التاريخ ، و ما أحدثته من بروز جديد لنقوش الطوطم ؛ مثل الثور ، و الحصان ، و الفيل ، أو الأيدي الصغيرة كأثر للقبيلة ، أو أعضاء الأنوثة ، و غيرها ؛ هذا البروز الجديد يحول الكهف إلى مكان مضيء في الوعي الإنساني ، يستطيع من خلاله قراءة وجوده من منظور إبداعي – تاريخي .
و سيقوم النقد بدور كبير في إحداث الطفرة الإبداعية / الاتصالية في سياق العولمة المعاصر ؛ فمن خلال قراءة الدال الحضاري ، أو النصي سيكتسب بعدا إنسانيا جديدا يخرجه من سياقه المحلي ؛ مثل قراءة هيلين سيكسو لدال الميدوزا ضمن التناقضات الأنثوية في المدرسة الفرنسية ، و قراءة إيهاب حسن للفضاءات العالمية المتخيلة في رواية موبي ديك لميلفيل ، و قراءات دريدا الإبداعية لفوكوياما ، و ماركس ، و جان جينيه و غيرها .
و مازالت حركة الكشف ، و من ثم النقد ، و إعادة إنتاج الأثر مستمرة ؛ و لهذا تتضخم في سياق العولمة ، و تقضي على أشباح المركزيات المطلقة التي تعوق التواصل الخلاق بين الأنا ، و الآخر .
و رغم اتجاه الكتابات الجديدة عن العولمة إلى تحليل ما حدث بالفعل من طيران للمأكولات ، و الفنون ، و أنماط الحياة ، فإنها تسعى إلى التجاوز المستمر للخبرات الجزئية ، أو اتساع نطاق التفاعل بين المحلي ، و العالمي بصور مختلفة ، و يبدو هذا واضحا في كتابات أنتوني جيدنز ، و إيهاب حسن .
يرتكز جيدنز على قدرة العولمة على إحداث تغير أصلي في طبيعة العنصر المحلى ، و مساره الخاص ، و نمط الحياة فيه ، بينما ينطلق إيهاب حسن من الأدب إلى تحقق العالمية الحضارية دون مركز يتعارض مع الآخر .
إن علاقة العولمة بالاختلاف ، و الإبداع ، و علاقتهما بتقدم الاتصالات تتواتر في الكتابات الجديدة عن العولمة ، و هي بحاجة إلى نمو على مستوى التطبيق النقدي ، و الحضاري لكي تتضح أبعاد التواصل التي تجمع بين الكلية ، و التفرد الإبداعي الجزئي .
إننا لا يمكن أن نؤول الدال الذي انتقل إلى العالمية إلا من خلال جمالياته ، و قدرته الذاتية على عبور نفسه من جهة ، و سياقه من جهة أخرى .
هل يكون البعد العالمي إذا مضافا ؟ أم أنه يكمن في بعض الدوال / أو الأفراد دون الآخر ؟
لا يمكن تحديد ذلك إلا من خلال حدوث عملية التجدد في الجزئي التي تحدث عنها أنتوني جيدنز في كتابه ( العالم المنفلت ) Runaway World ؛ إذ يرى أن توحيد المعايير الثقافية عنصر جوهري من عملية العولمة ، و لكن التأثير الأعمق لها يكون في التنوع الثقافي المحلي الكبير الذي لا يتسم بالتجانس ، كما أن العولمة تميل إلى تعزيز التجدد في الهويات الثقافية المحلية (1) .
إن طفرة الاتصال عند جيدنز مجرد بداية لعملية تفاعل أصلية تكمن في الجزئي ، أو المحلي ، و لكن اللاتجانس الذي يتوقعه يعود بنا إلى الأصالة مرة أخرى ، و لكن في سياق اتصالي لا يمكن حدوثه إلا بتنمية النزعة الإبداعية في المحلي نفسه ، و التي أرى أنها ستعزز من الاختلاف ، و التواصل الكوني / العالمي في آن ، و من أفضل الأمثلة على ذلك الوصف الإبداعي لأهالي الطيبة في رواية النهايات لعبد الرحمن منيف فهم متميزون بشدة ، و لكن أحزانهم تكمن في اللاوعي الإنساني .
و نلاحظ أمرين حول كتابة جيدنز عن تجدد المحلي :
الأول : دينامية العمل الثقافي في علاقته بالمكان ؛ فقد تحدث في المصدر نفسه عن انفلات الموسيقى الشعبية ، و الأفلام الغربية ، و برامج التليفزيون من الحدود الجغرافية ؛ و من ثم فالدال الإبداعي في الثقافات الإنسانية بوجه عام سيميل بالضرورة إلى العالمية بالطريقة نفسها من التواصل بقدر ما يحمل في بنيته من حضور إنساني عالمي .
الثاني : التغير في البنية ، لابد أن يعقبه لامركزية ، و لكنها تأتي في إطار عمليات النقل ، و القبول لا المحو ، و هنا تكمن خطورة التواصل لأنها تحمل أبعادا غير متوقعة ، و احتمالات عديدة ، و لكن عملية التغير بحد ذاتها تفتح بابا جديدا للعولمة عند جيدنز ، و أرى أن التفاعل النصي ، أو الفني سيكون أسبق من غيره في عملية التجدد ، و بخاصة في الكتابات العربية الجديدة التي يبدو فيها الحس العالمي بالدوال الثقافية الجزئية .
و إذا كان جيدنز قد رصد انفلات الثقافة الشعبية في الغرب ؛ فقد اتخذ إيهاب حسن من دوال الأدب ، و شخصياته مدخلا للنزعة العالمية في مقاله ( العالمية ، و الساخطون عليها ) Globalism and Its Discontents ؛ إذ يرى أن الخصوصية المفرطة تعوق التقدم الذاتي ، كما توقف التعاطف الإنساني الذي بدونه لن يحدث التبادل الحضاري ، و الثقافي . كما يشير إلى مقاومة النصوص الأدبية لسياقاتها المحلية ، و لولا هذه العملية ، ما تمكنا من قراءة هوميروس ، و دانتي ، و شكسبير ، و أوستن ، و جلجامش (2) .
و أتفق مع حسن في أهمية المدخل الأدبي لفهم تطور النزعة العالمية في المجتمع الإنساني ؛ فنحن نتحدث عن ظاهرة موجودة بالفعل ، و تتطور بشكل عابر للزمان ، و المكان ، و من جهة أخرى فهي تتطور في اتجاه إيجابي للتعاطف الإنساني الذي يهدف إليه حسن ، و يتوقعه عندما تنمو النزعة العالمية ، و تتغلب على الصراع بين الأنا ، و الآخر .
و نلاحظ نقطتين حول واقع العالمية ، و مستقبلها عند إيهاب حسن :
الأولى : تأسيس النزعة العالمية على أساس الحوار بين الثقافات من جهة ، و مجالات المعرفة الإنسانية من جهة أخرى مثل جمعه بين الإبداع ، و التاريخ ، و الدراسات السياسية ، و الحضارية ، و مثل هذا الحوار سيقوض البنى المغلقة في العلوم الإنسانية ، و التعارض الجذرى غير المبرر بين الأنا ، و الآخر .
الثانية : يقوم إيهاب حسن بتفكيك الصراع عن طريق الكشف عن التعاطف داخل الدال الأدبي نفسه ، و من ثم تتحلل بنية التعارض المغلقة في النص ، و الواقع معا .
إن حسن يفجر السخط الأرضي العالمي فيما يتجاوزه ، و هو لا يهدف إلى المحو ، و إنما إلى النقل ، أو الانفلات الذي يميز العالمية ، و هو يستشهد بأمثلة قابلة للتكرار ، و الاستبدال الدائم من قبل عناصر ثقافية أخرى .
و أرى أن إيهاب حسن من المفكرين العالميين المعتدلين الذين يحرصون على إيجاد عملية تقدم إبداعية إيجابية للجنس البشري ، تتجاوز العنف ، و صراع الثقافات دون مركز .
و نستطيع – من خلال النقد الأدبي – أن نقدم نماذج جزئية تتجاوز حدودها الزمانية ، و المكانية انطلاقا من كمون النزعة الإبداعية في صورتها الكونية بداخلها ، و سأقدم تحليلا لحدث في رواية الأيام للمبدع الدكتور طه حسين يؤكد عمليتي التكرار ، و الاستبدال في العالمية المعاصرة .
* مدخل نقدي في الأيام لطه حسين :
في الجزء الأول من كتابه ( الأيام ) يصف طه حسين حدث وفاة أخيه – الذي انتسب إلى مدرسة الطب – نتيجة لوباء الكوليرا في سياقه الشخصي / المحلي ، ثم يعيد إبداع الحدث بشكل دلائلي في ذاته ، و من ثم يتجلى البعد الإنساني / العالمي في الحدث ، و الشخصية بمستوييها التاريخي ، و الخيالي .
لقد تواترت علة الأخ / الكوليرا ، و ولدت بداخل الراوي تكرارا لحزن عميق غير مبرر ، و بشكل مضاد ظلت صورة الميت تلح عليه في وعيه ، و لاوعيه ، مما أكسب الحدث ، و الشخصية حضورا فلسفيا ، و طيفيا جديدا ؛ هذا الحضور يعيد بحث الوجود ، و العدم ، و البعث ، و الإبداع ، و طاقة الموتى المتجددة في الأسطورة ، و الأحلام .
يقول :
" و منذ ذلك اليوم عرف الصبي الأحلام المروعة ؛ فقد كانت علة أخيه تتمثل له في كل ليلة ، و استمرت الحال كذلك أعواما ، ثم تقدمت به السن ، و عمل فيه الأزهر عمله ، فأخذت علة أخيه تتمثل له من حين إلى حين ، و أصبح فتى و رجلا ، و تقلبت به أطوار الحياة ، و أنه لعلى ما هو عليه من وفاء لهذا الأخ ، يذكره ، و يراه فيما يرى النائم مرة في الأسبوع على أقل تقدير " (3) .
لقد تجردت العلة ، و خرجت عن سياقها المحلي ، و صارت إنسانية مجردة ، تهدد الوجود ، و تعيد إنتاج الحزن المجرد المتنامي في الجنس البشري ، في لقائه الغامض بالموت .
إن دال موت الأخ يصير عودة للوباء ، و الحزن ، و الموت ، و البعث ، و الحياة معا في وعي الراوي ، و المتلقي ، فهو يحقق اندماجا في تواريخ ، و سير جديدة مكملة للسياق المحلي ، من خلال نقله إلى المستوى العالمي ، و الروح العالمية .
و نلاحظ في هذا المقطع ثلاث نقاط تتعلق بتجدد الأبنية الجزئية في النص :
الأولى : طيران الدال النصي في الآخر الذي يعاين للتو الحدث من داخل لقائه السري به في اللاوعي ، فحدث الموت عن طريق الكوليرا يستعيد مخاوف الموت في المتلقي ، و من ثم فهناك جزء أصلي من دلالة الجزئي يتداخل مع الآخر .
الثانية : دائما ما يستدعي أدب السيرة طابعا إنسانيا عالميا من خلال خصوصيته المميزة ، فعلامته تؤكد الخصوصية ، و تنفلت من حدودها ؛ لأنها تستعاد في صور تمثيلية جديدة في الآخر .
الثالثة : يكشف المقطع التناقضات الإبداعية الأصيلة التي ساهمت في نقل الحدث من المحلي إلى العالمي ؛ فالراوي يستعيد الموت ، و بعث الأخ معا بالقدر نفسه ، كما يتداخل في وعيه الماضي ، و المستقبل ، فالموت لم يحدث بصورة كاملة ، كما أن الحياة معلقة ؛ لأنها طيفية ، فهو يشبه صورة أخيه الجديدة دون حسم كامل لبنية الحدث ، أو الشخص .
• قراءات حول العولمة ، و الثقافات المحلية :
من أهم الكتابات التي تناولت علاقة العولمة بالثقافات المحلية كتاب ( العولمة ، و الثقافة ) للدكتور جون توملينسون ، ترجمة د إيهاب عبد الرحيم محمد ، و قد صدر عن المجلس الوطني للفنون ، و الآداب بالكويت 2008 .
و قد ناقش توملينسون علاقة العولمة بالثقافات المحلية ، و دور الوسائط المختلفة في تقريب الأماكن ، و الفضاءات التمثيلية ، و عملية اللاتوطين في العولمة ، ثم عن احتمالية الإنسان العالمي ، أو الكوني ، و مميزاته بين الحاضر ، و المستقبل .
و سوف أتناول أهم القضايا التي أثارها الكتاب على مستوى المناقشة ، أو العرض التحليلي ؛ و هي :
أولا : علاقة الحياة المحلية ، بتقدم الاتصالات .
ثانيا : عملية اللاتضمين ، و مدي تجسدها في الحياة اليومية .
ثالثا : التناول الإبداعي لقضايا العولمة .
رابعا : مميزات الإنسان الكوني .
مازالت – إذا – أبحاث العولمة ترتكز على المدى الواسع للعلاقات بين الأماكن ، و البشر ، و المنتج الثقافي ، و العادات و التقاليد في صورتيها الجزئية ، و الكونية ، و هذا المدى قد يتحقق بشكل أكبر ، أو يقف عند تقدم الاتصالات دون نتائج حاسمة حتى الآن .
أولا : علاقة الحياة المحلية بتقدم الاتصالات :
يرى توملينسون أنه على الرغم من أن الحياة المحلية تشغل معظم الزمان ، و المكان ، فإن المرتبطية المعقدة Complex Connectivity قد أحدثت مزيدا من عمليات الانتقال المادية ، و التمثيلية ، كما أنها تهدف أيضا إلى تغيير طبيعة النواحي المحلية نفسها من خلال الاتصالية .
و لا يمكننا فهم تطور الفكر العالمي في السياق الذي يشير إليه توملينسون إلا من خلال إعادة تشكيل البنى من خلال حوار خلاق يؤكد ثراء الذات ، و قدرتها على ولوج الآخر ، و العكس ، و كذلك قدرة الاتصالية التكنولوجية على التفاعل المنتج مع السياق المحلي .
ثانيا : عملية اللاتضمين ، و مدى تجسدها في الحياة اليومية :
يرتكز توملينسون على تحليل أنتوني جيدنز لعملية اللاتضمين في سياق العولمة ؛ إذ يصفه بأنه نقل العلاقات الاجتماعية من السياقات المحلية للتفاعل ، ثم إعادة تشكيلها في نطاقات غير محددة من الزمان ، و المكان ، ثم يشير توملينسون إلى عملية اللاتضمين في مجال الغذاء ؛ فقد قوضت العولمة العلاقة المادية الوثيقة بين مصدر الطعام ، و الناحية المحلية ، من حيث التنوع ، و الوفرة المستمرة .
و أرى أنه ثمة تحولات ثقافية ، و إبداعية ، و نقدية كبيرة تصاحب طيران الطعام ، و إعادة تشكيله ، منها :
أولا : على المستوى الثقافي تقاوم الصورة الأرضية للطعام عملية البزوغ المفاجئ القديمة في الربيع ، و من ثم إمكانيات العدم في المستقبل ، فقد أجلت الحضور المستعاد المتكرر ، و الاختفاء معا ، و ازدوجت بالجوانب التمثيلية ضمن بنيتها المادية ؛ فثمة أزمنة ، و أماكن أخرى طائرة تكمن فيها .
ثانيا : هل يمكننا قراءة الوفرة من خلال الدوال الجمالية البهيجة للتفاح ، و الكمثرى ، و الأشجار في لوحات سيزان ؟
إن الوفرة الجمالية التمثيلية في لوحات سيزان تستعيد الحضور الآخر للمادة من حيث الاستمرارية الجمالية الكامنة في المادي .
من هنا تأتي الأطباق المعاصرة كتحف فنية تشبيهية في معرض يومي واقعي في آن واحد .
ثالثا : يذكرنا اللاتضمين بعملية طيران النصوص بصورة غير واعية في دراسات الأدب ، فيما عرف بالتناص ، أو فيما بعد بالقراءات المنتجة ، و لكن الطيران الحر مازال في نطاق نصي إنساني ، أما في المجالات اليومية فثمة حوار بين الأنا و الآخر يحدثه تقدم الوسيط التكنولوجي .
ثالثا : التناول الإبداعي لقضايا العولمة :
مازالت نتائج الفكر العالمي غامضة ، و غير محسومة ، و لكن ضمن سياق الدوال الثقافية ، و الإبداعية نراها تتخذ صورا نصية تمثيلية ضمن التحليلات الاجتماعية ، و السياسية ؛ مما يعكس أهمية النظرة الإبداعية للعالم في تشكيل المستقبل ، و قد رأينا هذا من قبل في كتابات حسن التي جمعت بين ما بعد الحداثة ، و ما بعدها ، و الفكر العالمي الجديد من خلال امتزاج الأدب ، و الجغرافيا السياسية .
و من المقاطع الإبداعية في تناول توملينسون للعولمة ، إعادة تشكيله لعملية ولوج الحيز المنزلي المعاصر ، بأنها تمثل انتصارا لهرمس Hermes على هستيا Hestia ؛ أي غلبة دال الاتصال على دال المحلية ، أو الشعلة المنزلية المقدسة في ثقافتي اليونان ، و الرومان .
لقد ازدوجت الأسطورة بنمو الوعي الإبداعي العالمي ، فتغيرت العلاقات القديمة بين دوالها ، و كأن الفكر العالمي قام بتفكيك المدلول الأول ، ليحدث وعيا أكبر بالذات ، بالمدلول العالمي نفسه في سياق تشبيهي جديد ، و هو انتصار هرمس .
لقد تضاعفت عالمية هرمس ، و صار مناهضا لمحليته الخاصة ، فضلا عن اتحاده المحتمل بهستيا ؛ إذ أعاد تشكيل المحلي في علاقة تعارض جديدة تفقده مركزيته المغلقة .
رابعا : مميزات الإنسان الكوني :
يجمع توملينسون في وصفه للمواطن العالمي المحتمل Citizen Of The World بين دمج الهوية المحلية ، و الاهتمام بالقضايا التي توحد البشر دون انفصال ، أو آخرية ، و قبوله للتنوع الثقافي ، و لكن في إطار الحوار بين الأنا ، و الآخر القريب بفعل الثورة الجديدة في الاتصال .
و أرى أن الكتابات حول العولمة ، و الأفكار الجديدة حول الوسائط مازالت تعيد إنتاج العنصر الثقافي في اتجاه الاختلاف الإبداعي المضاف للإحساس بالتداخل بين الأنا و الآخر ، و الدليل على ذلك استخدام توملينسون لحدث وفاة الأميرة ديانا بوصفه حدثا عالميا احتمل قصصا تأويلية عديدة بين البشر ذوي الرؤى ، و الثقافات المختلفة .
إن هذا الحدث الذي ارتكز عليه الكاتب مازال يفتح حوارا حول الحب ، و الموت ، و الغرائز ، و الإبداع التأويلي دون نهاية ، و الأهم أن الحدث تشكل أولا بصورة عالمية ثم إعيد إنتاجه في اتجاه الاختلاف الإبداعي .
و أخلص من هذه الدراسة عن العولمة ، و الاختلاف إلى أربعة نقاط :
الأولى : ثمة عمليات تأجيل ، و إكمال ، و إعادة إنتاج مستمرة لعلاقة الأنا بالآخر في الأبحاث العالمية الجديدة ، فضلا عن حضور المختلف بدرجات كثيرة متنوعة ، و تجمع في تصورها بين الماضي ، و المستقبل ، و الاجتماعي ، و الإبداعي .
الثانية : لدينا دوال مصرية ، و عربية أصيلة تماثل في حضورها العالمي موسيقى بيتهوفن ، و فيردي ، و شتراوس ، و روايات جراس ، و ماركيز ، و مسرح العبث ، و غيرها ؛ مثل إيزيس التي انتقلت إلى روما في العالم القديم ، و يعاد استخدامها في النصوص الجديدة ، و تناول نجيب محفوظ الإبداعي / الإنساني لزقاق المدق ، و أشياء البحيرة الفريدة عند محمد البساطي ، و خصوصية مفضي المبدعة في مدن الملح عند منيف ، و تصوير شادي عبد السلام للمومياء و غيرها ، و لا يمكن اختزال هذه الدوال ضمن حدود مغلقة ؛ إذ يكمن فيها الكوني / الآخر بشكل أساسي .
الثالثة : يشتبك نطاق الفكر العالمي المعاصر بمجالات فكرية ، و ثقافية ، و فنية عديدة ، مثل الحداثة ، و ما بعد الحداثة ، و ما بعدها ، و الدراسات الاجتماعية ، و الحضارية ، و التاريخية ، و الفنية ، و غيرها دون مركز واضح .
الرابعة : مازالت الدراسات العالمية تكتشف الدوال المحلية ، و تعيد إبداعها في إطار إنساني يجدد الوعي بالأنا .
• هوامش /
1- Read : Anthony Giddens / Runaway World /Taylor , Francis 2003 p.xxiv
2 – Read : Ihab Hassan / Globalism and Its Discontents on :
http://www.ihabhassan.com/globalism_its_discontents.htm
3- راجع / د طه حسين / الأيام ج1 / هيئة الكتاب المصرية 1994 ص 137 .
محمد سمير عبد السلام – مصر



#محمد_سمير_عبد_السلام (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- شهوة الكتابة ، و نشوة الغياب .. قراءة في الرغام ل علاء عبد ا ...
- الأنا ، و إيحاءات الأشياء الصغيرة .. قراءة في اسمي ليس صعبا ...
- التأويل الإبداعي ، و دراسة التاريخ .. قراءة في دروس التاريخ ...
- الانتشار الإبداعي ، و التناقض في قضايا النوع
- تجدد الحياة في صمت النهايات .. قراءة في مواسم للحنين ل محمد ...
- صراع ضد الحتميات السائدة .. قراءة في نقطة النور ل بهاء طاهر
- دراسة الهوية الثقافية تتميز بالتعقيد ، و التداخل
- وهج البدايات النصية .. قراءة في حجر يطفو على الماء ل رفعت سل ...
- انطباعات حسية تقاوم العدم .. قراءة في نصوص منى وفيق
- الصوت في نشوء متكرر .. قراءة في إلى النهار الماضي ل .. رفعت ...
- مرح الغياب .. قراءة في كزهر اللوز أو أبعد ل .. محمود درويش
- السينما .. فن الأشباح
- الأخيلة المجردة للجسد .. قراءة في الطريق إلى روما ل شريفة ال ...
- عن الفوتوغرافيا
- الرغبة في تخييل العالم .. قراءة في قارورة صمغ ل فاطمة ناعوت
- القوة الخلاقة للرعب و التمرد في كتابة هنري ميلر
- سحر توفيق تستعيد الرجل بلغة أنثوية
- هارولد بلوم .. و إعادة إنتاج الأثر الشعري
- تجدد الثقافة الشعبية
- تعدد الدلالات و الأصوات .. قراءة في اخلص لبحرك لمسعود شومان


المزيد.....




- تحليل لـCNN: لماذا سيكون -فك الارتباط- بين أمريكا والصين -طل ...
- مصير-غامض- لسفينة محملة بالقمح في طريقها إلى اليمن بسبب تخفي ...
- -قدم أوزمبيك-.. أثر جانبي جديد يثير القلق
- بحثًا عن التوازن بين واشنطن وطهران
- ZTE تعلن عن واحد من أجمل الهواتف وأكثرها تطورا
- -تنين الشعلة-.. جيمس ويب يكتشف -توأما- غامضا لدرب التبانة من ...
- الجيش اللبناني يعلن توقيف لبنانيين وفلسطينيين في قضية إطلاق ...
- روبيو وويتكوف يزوران باريس لبحث الحرب في أوكرانيا
- المغرب حصل عليها مؤخراً: ما هي منظومة ستينغر الأمريكية قاتلة ...
- اقتحامات بأنحاء الضفة واشتباكات بين فلسطينيين وأجهزة السلطة ...


المزيد.....

- Express To Impress عبر لتؤثر / محمد عبد الكريم يوسف
- التدريب الاستراتيجي مفاهيم وآفاق / محمد عبد الكريم يوسف
- Incoterms 2000 القواعد التجارية الدولية / محمد عبد الكريم يوسف
- النتائج الايتيقية والجمالية لما بعد الحداثة أو نزيف الخطاب ف ... / زهير الخويلدي
- قضايا جيوستراتيجية / مرزوق الحلالي
- ثلاثة صيغ للنظرية الجديدة ( مخطوطات ) ....تنتظر دار النشر ال ... / حسين عجيب
- الكتاب السادس _ المخطوط الكامل ( جاهز للنشر ) / حسين عجيب
- التآكل الخفي لهيمنة الدولار: عوامل التنويع النشطة وصعود احتي ... / محمود الصباغ
- هل الانسان الحالي ذكي أم غبي ؟ _ النص الكامل / حسين عجيب
- الهجرة والثقافة والهوية: حالة مصر / أيمن زهري


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العولمة وتطورات العالم المعاصر - محمد سمير عبد السلام - العولمة ، و الاختلاف