|
العولمة ، و الاختلاف
محمد سمير عبد السلام
الحوار المتمدن-العدد: 2653 - 2009 / 5 / 21 - 03:11
المحور:
العولمة وتطورات العالم المعاصر
لا يمكن فصل سياق العولمة المعاصر عن قضايا الإبداع ، و إعادة تكوين الدال النصي ، أو الحضاري ، أو الفرد المتحرر ، و كذلك قضايا الأنا ، و الآخر ، و ما تحويه من علاقات التفاعل ، و التداخل ، و التعارض ، و الاختلاف . فهل تعيد العولمة إنتاج الاختلاف في سياقات اتصالية ؛ إعلامية ، و لغوية ، و نصية جديدة ؟ هل تصير تحويلا جماليا للفرد / المكان المختلف ، و المتداخل مع الآخر ضمن ذاتيته ؟ إن خاصية التفرد الجمالي للدال تحمل بحد ذاتها القدرة على الطيران ، و الخروج من البنية الواحدة في اتجاه العالمية ؛ فالنزعة الإبداعية تتواتر ، و تتكرر في نطاق الاختلاف ، و لكن التقدم في الكشف عنها ، و نشرها يمنحها حضورا لا مركزيا عالميا يتجه إليه العالم الآن . و لننظر إلى المواقع الإلكترونية التي تهتم بنشر تاريخ الفن منذ مرحلة ما قبل التاريخ ، و ما أحدثته من بروز جديد لنقوش الطوطم ؛ مثل الثور ، و الحصان ، و الفيل ، أو الأيدي الصغيرة كأثر للقبيلة ، أو أعضاء الأنوثة ، و غيرها ؛ هذا البروز الجديد يحول الكهف إلى مكان مضيء في الوعي الإنساني ، يستطيع من خلاله قراءة وجوده من منظور إبداعي – تاريخي . و سيقوم النقد بدور كبير في إحداث الطفرة الإبداعية / الاتصالية في سياق العولمة المعاصر ؛ فمن خلال قراءة الدال الحضاري ، أو النصي سيكتسب بعدا إنسانيا جديدا يخرجه من سياقه المحلي ؛ مثل قراءة هيلين سيكسو لدال الميدوزا ضمن التناقضات الأنثوية في المدرسة الفرنسية ، و قراءة إيهاب حسن للفضاءات العالمية المتخيلة في رواية موبي ديك لميلفيل ، و قراءات دريدا الإبداعية لفوكوياما ، و ماركس ، و جان جينيه و غيرها . و مازالت حركة الكشف ، و من ثم النقد ، و إعادة إنتاج الأثر مستمرة ؛ و لهذا تتضخم في سياق العولمة ، و تقضي على أشباح المركزيات المطلقة التي تعوق التواصل الخلاق بين الأنا ، و الآخر . و رغم اتجاه الكتابات الجديدة عن العولمة إلى تحليل ما حدث بالفعل من طيران للمأكولات ، و الفنون ، و أنماط الحياة ، فإنها تسعى إلى التجاوز المستمر للخبرات الجزئية ، أو اتساع نطاق التفاعل بين المحلي ، و العالمي بصور مختلفة ، و يبدو هذا واضحا في كتابات أنتوني جيدنز ، و إيهاب حسن . يرتكز جيدنز على قدرة العولمة على إحداث تغير أصلي في طبيعة العنصر المحلى ، و مساره الخاص ، و نمط الحياة فيه ، بينما ينطلق إيهاب حسن من الأدب إلى تحقق العالمية الحضارية دون مركز يتعارض مع الآخر . إن علاقة العولمة بالاختلاف ، و الإبداع ، و علاقتهما بتقدم الاتصالات تتواتر في الكتابات الجديدة عن العولمة ، و هي بحاجة إلى نمو على مستوى التطبيق النقدي ، و الحضاري لكي تتضح أبعاد التواصل التي تجمع بين الكلية ، و التفرد الإبداعي الجزئي . إننا لا يمكن أن نؤول الدال الذي انتقل إلى العالمية إلا من خلال جمالياته ، و قدرته الذاتية على عبور نفسه من جهة ، و سياقه من جهة أخرى . هل يكون البعد العالمي إذا مضافا ؟ أم أنه يكمن في بعض الدوال / أو الأفراد دون الآخر ؟ لا يمكن تحديد ذلك إلا من خلال حدوث عملية التجدد في الجزئي التي تحدث عنها أنتوني جيدنز في كتابه ( العالم المنفلت ) Runaway World ؛ إذ يرى أن توحيد المعايير الثقافية عنصر جوهري من عملية العولمة ، و لكن التأثير الأعمق لها يكون في التنوع الثقافي المحلي الكبير الذي لا يتسم بالتجانس ، كما أن العولمة تميل إلى تعزيز التجدد في الهويات الثقافية المحلية (1) . إن طفرة الاتصال عند جيدنز مجرد بداية لعملية تفاعل أصلية تكمن في الجزئي ، أو المحلي ، و لكن اللاتجانس الذي يتوقعه يعود بنا إلى الأصالة مرة أخرى ، و لكن في سياق اتصالي لا يمكن حدوثه إلا بتنمية النزعة الإبداعية في المحلي نفسه ، و التي أرى أنها ستعزز من الاختلاف ، و التواصل الكوني / العالمي في آن ، و من أفضل الأمثلة على ذلك الوصف الإبداعي لأهالي الطيبة في رواية النهايات لعبد الرحمن منيف فهم متميزون بشدة ، و لكن أحزانهم تكمن في اللاوعي الإنساني . و نلاحظ أمرين حول كتابة جيدنز عن تجدد المحلي : الأول : دينامية العمل الثقافي في علاقته بالمكان ؛ فقد تحدث في المصدر نفسه عن انفلات الموسيقى الشعبية ، و الأفلام الغربية ، و برامج التليفزيون من الحدود الجغرافية ؛ و من ثم فالدال الإبداعي في الثقافات الإنسانية بوجه عام سيميل بالضرورة إلى العالمية بالطريقة نفسها من التواصل بقدر ما يحمل في بنيته من حضور إنساني عالمي . الثاني : التغير في البنية ، لابد أن يعقبه لامركزية ، و لكنها تأتي في إطار عمليات النقل ، و القبول لا المحو ، و هنا تكمن خطورة التواصل لأنها تحمل أبعادا غير متوقعة ، و احتمالات عديدة ، و لكن عملية التغير بحد ذاتها تفتح بابا جديدا للعولمة عند جيدنز ، و أرى أن التفاعل النصي ، أو الفني سيكون أسبق من غيره في عملية التجدد ، و بخاصة في الكتابات العربية الجديدة التي يبدو فيها الحس العالمي بالدوال الثقافية الجزئية . و إذا كان جيدنز قد رصد انفلات الثقافة الشعبية في الغرب ؛ فقد اتخذ إيهاب حسن من دوال الأدب ، و شخصياته مدخلا للنزعة العالمية في مقاله ( العالمية ، و الساخطون عليها ) Globalism and Its Discontents ؛ إذ يرى أن الخصوصية المفرطة تعوق التقدم الذاتي ، كما توقف التعاطف الإنساني الذي بدونه لن يحدث التبادل الحضاري ، و الثقافي . كما يشير إلى مقاومة النصوص الأدبية لسياقاتها المحلية ، و لولا هذه العملية ، ما تمكنا من قراءة هوميروس ، و دانتي ، و شكسبير ، و أوستن ، و جلجامش (2) . و أتفق مع حسن في أهمية المدخل الأدبي لفهم تطور النزعة العالمية في المجتمع الإنساني ؛ فنحن نتحدث عن ظاهرة موجودة بالفعل ، و تتطور بشكل عابر للزمان ، و المكان ، و من جهة أخرى فهي تتطور في اتجاه إيجابي للتعاطف الإنساني الذي يهدف إليه حسن ، و يتوقعه عندما تنمو النزعة العالمية ، و تتغلب على الصراع بين الأنا ، و الآخر . و نلاحظ نقطتين حول واقع العالمية ، و مستقبلها عند إيهاب حسن : الأولى : تأسيس النزعة العالمية على أساس الحوار بين الثقافات من جهة ، و مجالات المعرفة الإنسانية من جهة أخرى مثل جمعه بين الإبداع ، و التاريخ ، و الدراسات السياسية ، و الحضارية ، و مثل هذا الحوار سيقوض البنى المغلقة في العلوم الإنسانية ، و التعارض الجذرى غير المبرر بين الأنا ، و الآخر . الثانية : يقوم إيهاب حسن بتفكيك الصراع عن طريق الكشف عن التعاطف داخل الدال الأدبي نفسه ، و من ثم تتحلل بنية التعارض المغلقة في النص ، و الواقع معا . إن حسن يفجر السخط الأرضي العالمي فيما يتجاوزه ، و هو لا يهدف إلى المحو ، و إنما إلى النقل ، أو الانفلات الذي يميز العالمية ، و هو يستشهد بأمثلة قابلة للتكرار ، و الاستبدال الدائم من قبل عناصر ثقافية أخرى . و أرى أن إيهاب حسن من المفكرين العالميين المعتدلين الذين يحرصون على إيجاد عملية تقدم إبداعية إيجابية للجنس البشري ، تتجاوز العنف ، و صراع الثقافات دون مركز . و نستطيع – من خلال النقد الأدبي – أن نقدم نماذج جزئية تتجاوز حدودها الزمانية ، و المكانية انطلاقا من كمون النزعة الإبداعية في صورتها الكونية بداخلها ، و سأقدم تحليلا لحدث في رواية الأيام للمبدع الدكتور طه حسين يؤكد عمليتي التكرار ، و الاستبدال في العالمية المعاصرة . * مدخل نقدي في الأيام لطه حسين : في الجزء الأول من كتابه ( الأيام ) يصف طه حسين حدث وفاة أخيه – الذي انتسب إلى مدرسة الطب – نتيجة لوباء الكوليرا في سياقه الشخصي / المحلي ، ثم يعيد إبداع الحدث بشكل دلائلي في ذاته ، و من ثم يتجلى البعد الإنساني / العالمي في الحدث ، و الشخصية بمستوييها التاريخي ، و الخيالي . لقد تواترت علة الأخ / الكوليرا ، و ولدت بداخل الراوي تكرارا لحزن عميق غير مبرر ، و بشكل مضاد ظلت صورة الميت تلح عليه في وعيه ، و لاوعيه ، مما أكسب الحدث ، و الشخصية حضورا فلسفيا ، و طيفيا جديدا ؛ هذا الحضور يعيد بحث الوجود ، و العدم ، و البعث ، و الإبداع ، و طاقة الموتى المتجددة في الأسطورة ، و الأحلام . يقول : " و منذ ذلك اليوم عرف الصبي الأحلام المروعة ؛ فقد كانت علة أخيه تتمثل له في كل ليلة ، و استمرت الحال كذلك أعواما ، ثم تقدمت به السن ، و عمل فيه الأزهر عمله ، فأخذت علة أخيه تتمثل له من حين إلى حين ، و أصبح فتى و رجلا ، و تقلبت به أطوار الحياة ، و أنه لعلى ما هو عليه من وفاء لهذا الأخ ، يذكره ، و يراه فيما يرى النائم مرة في الأسبوع على أقل تقدير " (3) . لقد تجردت العلة ، و خرجت عن سياقها المحلي ، و صارت إنسانية مجردة ، تهدد الوجود ، و تعيد إنتاج الحزن المجرد المتنامي في الجنس البشري ، في لقائه الغامض بالموت . إن دال موت الأخ يصير عودة للوباء ، و الحزن ، و الموت ، و البعث ، و الحياة معا في وعي الراوي ، و المتلقي ، فهو يحقق اندماجا في تواريخ ، و سير جديدة مكملة للسياق المحلي ، من خلال نقله إلى المستوى العالمي ، و الروح العالمية . و نلاحظ في هذا المقطع ثلاث نقاط تتعلق بتجدد الأبنية الجزئية في النص : الأولى : طيران الدال النصي في الآخر الذي يعاين للتو الحدث من داخل لقائه السري به في اللاوعي ، فحدث الموت عن طريق الكوليرا يستعيد مخاوف الموت في المتلقي ، و من ثم فهناك جزء أصلي من دلالة الجزئي يتداخل مع الآخر . الثانية : دائما ما يستدعي أدب السيرة طابعا إنسانيا عالميا من خلال خصوصيته المميزة ، فعلامته تؤكد الخصوصية ، و تنفلت من حدودها ؛ لأنها تستعاد في صور تمثيلية جديدة في الآخر . الثالثة : يكشف المقطع التناقضات الإبداعية الأصيلة التي ساهمت في نقل الحدث من المحلي إلى العالمي ؛ فالراوي يستعيد الموت ، و بعث الأخ معا بالقدر نفسه ، كما يتداخل في وعيه الماضي ، و المستقبل ، فالموت لم يحدث بصورة كاملة ، كما أن الحياة معلقة ؛ لأنها طيفية ، فهو يشبه صورة أخيه الجديدة دون حسم كامل لبنية الحدث ، أو الشخص . • قراءات حول العولمة ، و الثقافات المحلية : من أهم الكتابات التي تناولت علاقة العولمة بالثقافات المحلية كتاب ( العولمة ، و الثقافة ) للدكتور جون توملينسون ، ترجمة د إيهاب عبد الرحيم محمد ، و قد صدر عن المجلس الوطني للفنون ، و الآداب بالكويت 2008 . و قد ناقش توملينسون علاقة العولمة بالثقافات المحلية ، و دور الوسائط المختلفة في تقريب الأماكن ، و الفضاءات التمثيلية ، و عملية اللاتوطين في العولمة ، ثم عن احتمالية الإنسان العالمي ، أو الكوني ، و مميزاته بين الحاضر ، و المستقبل . و سوف أتناول أهم القضايا التي أثارها الكتاب على مستوى المناقشة ، أو العرض التحليلي ؛ و هي : أولا : علاقة الحياة المحلية ، بتقدم الاتصالات . ثانيا : عملية اللاتضمين ، و مدي تجسدها في الحياة اليومية . ثالثا : التناول الإبداعي لقضايا العولمة . رابعا : مميزات الإنسان الكوني . مازالت – إذا – أبحاث العولمة ترتكز على المدى الواسع للعلاقات بين الأماكن ، و البشر ، و المنتج الثقافي ، و العادات و التقاليد في صورتيها الجزئية ، و الكونية ، و هذا المدى قد يتحقق بشكل أكبر ، أو يقف عند تقدم الاتصالات دون نتائج حاسمة حتى الآن . أولا : علاقة الحياة المحلية بتقدم الاتصالات : يرى توملينسون أنه على الرغم من أن الحياة المحلية تشغل معظم الزمان ، و المكان ، فإن المرتبطية المعقدة Complex Connectivity قد أحدثت مزيدا من عمليات الانتقال المادية ، و التمثيلية ، كما أنها تهدف أيضا إلى تغيير طبيعة النواحي المحلية نفسها من خلال الاتصالية . و لا يمكننا فهم تطور الفكر العالمي في السياق الذي يشير إليه توملينسون إلا من خلال إعادة تشكيل البنى من خلال حوار خلاق يؤكد ثراء الذات ، و قدرتها على ولوج الآخر ، و العكس ، و كذلك قدرة الاتصالية التكنولوجية على التفاعل المنتج مع السياق المحلي . ثانيا : عملية اللاتضمين ، و مدى تجسدها في الحياة اليومية : يرتكز توملينسون على تحليل أنتوني جيدنز لعملية اللاتضمين في سياق العولمة ؛ إذ يصفه بأنه نقل العلاقات الاجتماعية من السياقات المحلية للتفاعل ، ثم إعادة تشكيلها في نطاقات غير محددة من الزمان ، و المكان ، ثم يشير توملينسون إلى عملية اللاتضمين في مجال الغذاء ؛ فقد قوضت العولمة العلاقة المادية الوثيقة بين مصدر الطعام ، و الناحية المحلية ، من حيث التنوع ، و الوفرة المستمرة . و أرى أنه ثمة تحولات ثقافية ، و إبداعية ، و نقدية كبيرة تصاحب طيران الطعام ، و إعادة تشكيله ، منها : أولا : على المستوى الثقافي تقاوم الصورة الأرضية للطعام عملية البزوغ المفاجئ القديمة في الربيع ، و من ثم إمكانيات العدم في المستقبل ، فقد أجلت الحضور المستعاد المتكرر ، و الاختفاء معا ، و ازدوجت بالجوانب التمثيلية ضمن بنيتها المادية ؛ فثمة أزمنة ، و أماكن أخرى طائرة تكمن فيها . ثانيا : هل يمكننا قراءة الوفرة من خلال الدوال الجمالية البهيجة للتفاح ، و الكمثرى ، و الأشجار في لوحات سيزان ؟ إن الوفرة الجمالية التمثيلية في لوحات سيزان تستعيد الحضور الآخر للمادة من حيث الاستمرارية الجمالية الكامنة في المادي . من هنا تأتي الأطباق المعاصرة كتحف فنية تشبيهية في معرض يومي واقعي في آن واحد . ثالثا : يذكرنا اللاتضمين بعملية طيران النصوص بصورة غير واعية في دراسات الأدب ، فيما عرف بالتناص ، أو فيما بعد بالقراءات المنتجة ، و لكن الطيران الحر مازال في نطاق نصي إنساني ، أما في المجالات اليومية فثمة حوار بين الأنا و الآخر يحدثه تقدم الوسيط التكنولوجي . ثالثا : التناول الإبداعي لقضايا العولمة : مازالت نتائج الفكر العالمي غامضة ، و غير محسومة ، و لكن ضمن سياق الدوال الثقافية ، و الإبداعية نراها تتخذ صورا نصية تمثيلية ضمن التحليلات الاجتماعية ، و السياسية ؛ مما يعكس أهمية النظرة الإبداعية للعالم في تشكيل المستقبل ، و قد رأينا هذا من قبل في كتابات حسن التي جمعت بين ما بعد الحداثة ، و ما بعدها ، و الفكر العالمي الجديد من خلال امتزاج الأدب ، و الجغرافيا السياسية . و من المقاطع الإبداعية في تناول توملينسون للعولمة ، إعادة تشكيله لعملية ولوج الحيز المنزلي المعاصر ، بأنها تمثل انتصارا لهرمس Hermes على هستيا Hestia ؛ أي غلبة دال الاتصال على دال المحلية ، أو الشعلة المنزلية المقدسة في ثقافتي اليونان ، و الرومان . لقد ازدوجت الأسطورة بنمو الوعي الإبداعي العالمي ، فتغيرت العلاقات القديمة بين دوالها ، و كأن الفكر العالمي قام بتفكيك المدلول الأول ، ليحدث وعيا أكبر بالذات ، بالمدلول العالمي نفسه في سياق تشبيهي جديد ، و هو انتصار هرمس . لقد تضاعفت عالمية هرمس ، و صار مناهضا لمحليته الخاصة ، فضلا عن اتحاده المحتمل بهستيا ؛ إذ أعاد تشكيل المحلي في علاقة تعارض جديدة تفقده مركزيته المغلقة . رابعا : مميزات الإنسان الكوني : يجمع توملينسون في وصفه للمواطن العالمي المحتمل Citizen Of The World بين دمج الهوية المحلية ، و الاهتمام بالقضايا التي توحد البشر دون انفصال ، أو آخرية ، و قبوله للتنوع الثقافي ، و لكن في إطار الحوار بين الأنا ، و الآخر القريب بفعل الثورة الجديدة في الاتصال . و أرى أن الكتابات حول العولمة ، و الأفكار الجديدة حول الوسائط مازالت تعيد إنتاج العنصر الثقافي في اتجاه الاختلاف الإبداعي المضاف للإحساس بالتداخل بين الأنا و الآخر ، و الدليل على ذلك استخدام توملينسون لحدث وفاة الأميرة ديانا بوصفه حدثا عالميا احتمل قصصا تأويلية عديدة بين البشر ذوي الرؤى ، و الثقافات المختلفة . إن هذا الحدث الذي ارتكز عليه الكاتب مازال يفتح حوارا حول الحب ، و الموت ، و الغرائز ، و الإبداع التأويلي دون نهاية ، و الأهم أن الحدث تشكل أولا بصورة عالمية ثم إعيد إنتاجه في اتجاه الاختلاف الإبداعي . و أخلص من هذه الدراسة عن العولمة ، و الاختلاف إلى أربعة نقاط : الأولى : ثمة عمليات تأجيل ، و إكمال ، و إعادة إنتاج مستمرة لعلاقة الأنا بالآخر في الأبحاث العالمية الجديدة ، فضلا عن حضور المختلف بدرجات كثيرة متنوعة ، و تجمع في تصورها بين الماضي ، و المستقبل ، و الاجتماعي ، و الإبداعي . الثانية : لدينا دوال مصرية ، و عربية أصيلة تماثل في حضورها العالمي موسيقى بيتهوفن ، و فيردي ، و شتراوس ، و روايات جراس ، و ماركيز ، و مسرح العبث ، و غيرها ؛ مثل إيزيس التي انتقلت إلى روما في العالم القديم ، و يعاد استخدامها في النصوص الجديدة ، و تناول نجيب محفوظ الإبداعي / الإنساني لزقاق المدق ، و أشياء البحيرة الفريدة عند محمد البساطي ، و خصوصية مفضي المبدعة في مدن الملح عند منيف ، و تصوير شادي عبد السلام للمومياء و غيرها ، و لا يمكن اختزال هذه الدوال ضمن حدود مغلقة ؛ إذ يكمن فيها الكوني / الآخر بشكل أساسي . الثالثة : يشتبك نطاق الفكر العالمي المعاصر بمجالات فكرية ، و ثقافية ، و فنية عديدة ، مثل الحداثة ، و ما بعد الحداثة ، و ما بعدها ، و الدراسات الاجتماعية ، و الحضارية ، و التاريخية ، و الفنية ، و غيرها دون مركز واضح . الرابعة : مازالت الدراسات العالمية تكتشف الدوال المحلية ، و تعيد إبداعها في إطار إنساني يجدد الوعي بالأنا . • هوامش / 1- Read : Anthony Giddens / Runaway World /Taylor , Francis 2003 p.xxiv 2 – Read : Ihab Hassan / Globalism and Its Discontents on : http://www.ihabhassan.com/globalism_its_discontents.htm 3- راجع / د طه حسين / الأيام ج1 / هيئة الكتاب المصرية 1994 ص 137 . محمد سمير عبد السلام – مصر
#محمد_سمير_عبد_السلام (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
شهوة الكتابة ، و نشوة الغياب .. قراءة في الرغام ل علاء عبد ا
...
-
الأنا ، و إيحاءات الأشياء الصغيرة .. قراءة في اسمي ليس صعبا
...
-
التأويل الإبداعي ، و دراسة التاريخ .. قراءة في دروس التاريخ
...
-
الانتشار الإبداعي ، و التناقض في قضايا النوع
-
تجدد الحياة في صمت النهايات .. قراءة في مواسم للحنين ل محمد
...
-
صراع ضد الحتميات السائدة .. قراءة في نقطة النور ل بهاء طاهر
-
دراسة الهوية الثقافية تتميز بالتعقيد ، و التداخل
-
وهج البدايات النصية .. قراءة في حجر يطفو على الماء ل رفعت سل
...
-
انطباعات حسية تقاوم العدم .. قراءة في نصوص منى وفيق
-
الصوت في نشوء متكرر .. قراءة في إلى النهار الماضي ل .. رفعت
...
-
مرح الغياب .. قراءة في كزهر اللوز أو أبعد ل .. محمود درويش
-
السينما .. فن الأشباح
-
الأخيلة المجردة للجسد .. قراءة في الطريق إلى روما ل شريفة ال
...
-
عن الفوتوغرافيا
-
الرغبة في تخييل العالم .. قراءة في قارورة صمغ ل فاطمة ناعوت
-
القوة الخلاقة للرعب و التمرد في كتابة هنري ميلر
-
سحر توفيق تستعيد الرجل بلغة أنثوية
-
هارولد بلوم .. و إعادة إنتاج الأثر الشعري
-
تجدد الثقافة الشعبية
-
تعدد الدلالات و الأصوات .. قراءة في اخلص لبحرك لمسعود شومان
المزيد.....
-
بعد أن فرضتها أمريكا على الصين وكندا والمكسيك.. ما هي الرسوم
...
-
بسبب بطة.. رجل يتعرض لموقف مرعب بينما كان يحاول اللحاق بكلبه
...
-
ظهور الشرع في -سدايا- للاطلاع على أهم الجهود ضمن -رؤية السعو
...
-
الرئيس الألماني يزور الشرق الأوسط لبحث الوضع في سوريا
-
قائد عربي جديد ينضم إلى قائمة مهنئي الشرع بتنصيبه رئيسا لسور
...
-
ستارمر يضغط لإحلال السلام في فلسطين بصيغة السلام في إيرلندا
...
-
أمريكا.. مظاهرات ضد خطط الترحيل الجماعي (فيديو)
-
إصابة عشرات الأشخاص على الأرض في حادث طائرة فيلادلفيا
-
قمة للاتحاد الأوروبي والناتو وبريطانيا حول الإنفاق الدفاعي ي
...
-
قلق صالات الـ-جيم-.. لماذا يخشى البعض الذهاب إلى النادي الري
...
المزيد.....
-
Express To Impress عبر لتؤثر
/ محمد عبد الكريم يوسف
-
التدريب الاستراتيجي مفاهيم وآفاق
/ محمد عبد الكريم يوسف
-
Incoterms 2000 القواعد التجارية الدولية
/ محمد عبد الكريم يوسف
-
النتائج الايتيقية والجمالية لما بعد الحداثة أو نزيف الخطاب ف
...
/ زهير الخويلدي
-
قضايا جيوستراتيجية
/ مرزوق الحلالي
-
ثلاثة صيغ للنظرية الجديدة ( مخطوطات ) ....تنتظر دار النشر ال
...
/ حسين عجيب
-
الكتاب السادس _ المخطوط الكامل ( جاهز للنشر )
/ حسين عجيب
-
التآكل الخفي لهيمنة الدولار: عوامل التنويع النشطة وصعود احتي
...
/ محمود الصباغ
-
هل الانسان الحالي ذكي أم غبي ؟ _ النص الكامل
/ حسين عجيب
-
الهجرة والثقافة والهوية: حالة مصر
/ أيمن زهري
المزيد.....
|