|
العلم والدين : هل هما متناقضان ؟ - البيرت آينشتاين
عدنان عاكف
الحوار المتمدن-العدد: 2652 - 2009 / 5 / 20 - 08:49
المحور:
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
ترجمة عدنان عاكف
نشرت لأول مرة في Christian Register, june 1948. Published in Ideas and Opinion. 1954. هل حقا هناك تناقض مستعص بين الدين والعلم ؟ هل يمكن للعلم ان يحل محل الدين؟ لقد أثارت الإجابة على مثل هذه الأسئلة الكثير من الجدل المهم عبر القرون ، تخللته معارك عنيفة. وليس لدي أدنى شك في ان التفكير المتأني الهادئ بالموضوع سيقودنا الى جواب بالنفي. ان ما يعقد الموضوع هو حقيقة ان غالبية الناس تتفق حول مفهوم العلم، لكنهم يختلفون بشأن مفهوم الدين. يمكن تعريف العلم على انه " التفكير المنهجي الذي يسعى للعثور على الروابط المنتظمة بين تجاربنا الحسية ". العلم، بشكل مباشر ، ينتج المعرفة، وبشكل غير مباشر، أدوات الفعل. انه يؤدي الى عمل منهجي، عندما تكون الأهداف محددة سلفا. ان مهمة تحديد الأهداف وصياغة وتقديم المعطيات عن الأحكام تتجاوز مداها. واذا كان العلم قادر على ان يتوصل الى استنتاجات مهمة بشأن توافق وعدم توافق الأهداف والتقديرات، فان التوضيحات الأساسية والمستقلة، بشأن الأهداف والقيم تبقى وراء نطاق العلم . أما فيما يتعلق بالدين، بشكل عام، فيمكن للمرء أن يتفق على انه يتعامل مع أهداف وتقييمات، تتعلق بالتشكيل الروحي لفكر الإنسان وسلوكه، ما دامت هذه الأمور غير محتمة من خلال الميول الثابتة الموروثة للناس. الدين يتعلق بموقف الإنسان تجاه الطبيعة ككل، مع تنشئة مُثل الحياة الشخصية والحياة العامة، و موقفه مع العلاقات الإنسانية الطبيعية. ويحاول الدين بلوغ مثل هذه المُثل من خلال مسعاه للتأثير تربويا على التقاليد ومن خلال نشر وتطوير مختلف الأفكار البسيطة والمقبولة والروايات ( الملاحم والأساطير ) الميالة الى التقييم والفعل المؤثر باتجاه المُثل المقبولة. هذه هي العناصر الاسطورية، وأحيانا الرمزية ، التي تبدو بانها في تناقض مع العلم. ينشأ هذا التناقض عندما يشتمل المنبع الديني للأفكار على بيانات دوغماتية ثابتة بشأن مواضيع هي في حقيقة الأمر تعود الى المجال العلمي. لذا ، فمن أجل الحفاظ على سلامة الدين الحقيقي ينبغي التغلب على مثل هذه الخلافات عند ظهورها، والتي تنشأ من مواضيع، هي في الحقيقة ليست من المهمات الجوهرية للدين. عندما نتأمل مختلف الديانات الموجودة، من خلال متابعة أصولها الجوهرية فاننا سوف نجردها من أساطيرها، وعندها لا تبدو لي بأنها مختلفة من حيث الأساس عن بعضها البعض، كما يختلف أنصار النظرية النسبية مع بعضهم، أو كما هو الاختلاف القائم بين أنصار النظرية التقليدية....... وهذا على أية حال لأمر مدهش حقا. وبالنسبة لمواقف الناس الأخلاقية، التي تجد دعمها في الحاجة الدينية، فانها تسعى دائما لصيانة وتعزيز قدسية وحيوية المجتمع وأفراده. وبعكسه فان المجتمع مقبل على الهلاك. الذين يفضلون الكذب، الافتراء، الخداع، والجريمة غير قادرين على البقاء والاستمرار لفترة طويلة.. حين نقارن مع الحالة الخاصة فلن يكون بالأمر السهل ان نحدد بوضوح ماهو الشيء الجذاب، وما هو الشيء الذي ينبغي تجنبه، تماما مثل ما نجد صعوبة في تحديد الشيء الذي يجعل الصورة الزيتية جميلة والموسيقى عذبة. انه شيء ما يمكن الاحساس به عن طريق الحدس، أكثر من أن يفهم عقلانيا. وبطريقة مماثلة كان ملهمو الإنسانية الروحيون، بصيغة ما، عباقرة عظام في فن الحياة. بالاضافة الى معظم الوصفات الأولية المحفزة مباشرة من خلال المحافظة على الحياة وتفادي المعاناة غير الضرورية، هناك الوصفات الأخرى، التي لم نولها الاهتمام الضروري على الإطلاق، مع انها تبدو غير متكافئة ظاهريا مع الوصفات الأساسية. هل ينبغي، على سبيل المثال، البحث عن الحقيقة بدون قيود، حتى اذا كان بلوغها والوصول اليها يستلزم تضحيات كبيرة في الجهد والسعادة من قبل الجميع ؟ هناك الكثير من هذه الأسئلة المشابهة، التي من وجهة نظر الأفضلية العقلية، لا يمكن الإجابة عليها بسهولة، أو التي لا يمكن الاجابة عليها على الاطلاق. حتى الآن لا أحسب ان ما يُعرف بوجهة النظر " النسبية " صحيحة، حتى عندما تتعلق بأكثر القرارات الأخلاقية لطفا. عندما يتعلق الأمر بظروف الحياة الواقعية للحضارة الإنسانية المعاصرة- من وجهة نظر حتى أكثر التعاليم الدينية بساطة- فعلى المرء ان يجرب مرارة الألم العميق بسبب خيبة الأمل من ما يشاهده. لهذا نجد ان الدين يأمرنا بالمحبة الأخوية في العلاقة بين الأفراد والمجموعات...أين ما ذهبت، وفي أي مكان ، في الحياة الاقتصادية، كما هو في الحياة السياسية، تجد ان المبادئ المرشدة السائدة هي المساعي المحمومة، التي تهدف الى تحقيق النجاح على حساب الآخرين. وهذه الروح التنافسية تسود حتى في المدرسة وتؤدي الى خنق مشاعر الأخوة والتعاون بين الناس، وتقدم النجاحات ليست بكونها ثمار العمل الدءوب والإنتاج، بل بكونها نابعة من الطموح الشخصي والخوف من الرفض في المجتمع. يعتقد البعض من المتشائمين بأن مثل هذا الوضع أمر موروث ، ويكمن في الطبيعة الإنسانية؛ وهؤلاء الذين يحملون مثل هذه النظرة هم في الواقع أعداء الدين الحقيقي، لذا تجدهم يلمحون الى ان التعاليم الدينية عبارة عن مُثل اوتوبية ( خيالية ) ولا تصلح لأن تكون قواعد مرشدة بين الناس. ان دراسة العلاقات الاجتماعية لما يعرف بالحضارات البدائية، تشير الى عدم وجود ما يبرر مثل هذه الآراء الباطلة. كل المهتمين بهذه المعضلة ينصحون بدراسة الوصف الخاص بقبيلة Pueblo الهندية الوارد في كتاب " Ruth Benedict " . ما هو واضح ان هذه القبيلة وفي ظل أصعب الظروف الحياتية استطاعت أن تنجز المهمة الصعبة، المتمثلة في حماية أفرادها من وباء روح المنافسة وتربيتهم على روح الإعتدال، والسلوك التعاوني في الحياة، متحررين من الضغوط الخارجية، وبدون أي إحساس بكونهم يتنازلون بذلك عن جزء من السعادة. ان تفسير الدين وفق المفهوم الذي عرضناه هنا، يتضمن اعتماد العلم على الموقف الديني، في حين ان النتائج العلمية مستقلة تماما عن الاهتمامات الدينية والأخلاقية ( وهذه حقيقة لا يطالها الشك )، إلا ان الذين ندين لها بالانجازات العلمية الابداعية الكبرى كانوا جميعا قد تشربوا بالقناعة الدينية الحقيقية، بأن كوننا عبارة عن شيء ما متكامل، وحساس تجاه المساعي العقلية التي تبذل لمعرفته. واذا كانت هذه القناعة لا تبدو عاطفية بما فيه الكفاية، اذا كانت تلك المساعي، التي بذلت من أجل المعرفة، لم تكن ملهمة بأفكار سبينوزا، فانها من الصعب جدا ان تكون قادرة على أن تحتمل ذلك التفاني الذي لا حدود له والجهود التي لا تكل ، والذي يستطيع لوحده ان يمكن الإنسان من تحقيق انجازاته العظيمة......
#عدنان_عاكف (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
العلم من غير دين أعرج والدين من غير علم أعمى
-
قراءة في كتاب :- موضوعات نقدية في الماركسية والثقافة - !!
-
حول - الفساد - العلمي والفكري !!
-
لا أستطيع أن أتصور عالم عبقري بدون إيمان عميق
-
آينشتاين بين العلم و الدين :
-
الحياة الروحية في بابل
-
في ذكرى أول أيار فقراء العراق والانتخابات القادمة
-
حضارتنا المغدورة بين حماة الأصالة ودعاة الحداثة !!!
-
حوار يعوزه التمدن !!
-
ملف آينشتاين السري
-
ذكريات عبد الرزاق عبد الواحد عن السياب
-
آينشتاين عن الدين
-
الحكومات العراقية في الأربعينات والقضية الفلسطينية
-
خُصْيَة اليهودي
-
الباشا والقضية الفلسطينية - 1 -
-
جنة الملوك بين الواقع والتزييف
-
حدث في مثل هذا اليوم
-
الشاعر البابلي والحلم الطوباوي
-
عن السياب والشيوعيين مرة أخرى
-
لميعة عباس عمارة تكتب عن السياب والحزب الشيوعي
المزيد.....
-
الأنشطة الموازية للخطة التعليمية.. أي مهارات يكتسبها التلامي
...
-
-من سيناديني ماما الآن؟-.. أم فلسطينية تودّع أطفالها الثلاثة
...
-
اختبار سمع عن بُعد للمقيمين في الأراضي الفلسطينية
-
تجدد الغارات على الضاحية الجنوبية لبيروت، ومقتل إسرائيلي بعد
...
-
صواريخ بعيدة المدى.. تصعيد جديد في الحرب الروسية الأوكرانية
...
-
الدفاع المدني بغزة: 412 من عناصرنا بين قتيل ومصاب ومعتقل وتد
...
-
هجوم إسرائيلي على مصر بسبب الحوثيين
-
الدفاع الصينية: على واشنطن الإسراع في تصحيح أخطائها
-
إدارة بايدن -تشطب- ديونا مستحقة على كييف.. وترسل لها ألغاما
...
-
كيف تعرف ما إذا كنت مراقبًا من خلال كاميرا هاتفك؟
المزيد.....
-
كتاب رينيه ديكارت، خطاب حول المنهج
/ زهير الخويلدي
-
معالجة القضايا الاجتماعية بواسطة المقاربات العلمية
/ زهير الخويلدي
-
الثقافة تحجب المعنى أومعضلة الترجمة في البلاد العربية الإسلا
...
/ قاسم المحبشي
-
الفلسفة القديمة وفلسفة العصور الوسطى ( الاقطاعية )والفلسفة ا
...
/ غازي الصوراني
-
حقوق الإنسان من سقراط إلى ماركس
/ محمد الهلالي
-
حقوق الإنسان من منظور نقدي
/ محمد الهلالي وخديجة رياضي
-
فلسفات تسائل حياتنا
/ محمد الهلالي
-
المُعاناة، المَعنى، العِناية/ مقالة ضد تبرير الشر
/ ياسين الحاج صالح
-
الحلم جنين الواقع -الجزء التاسع
/ كريمة سلام
-
سيغموند فرويد ، يهودية الأنوار : وفاء - مبهم - و - جوهري -
/ الحسن علاج
المزيد.....
|