أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - علاء النصار - الانبياء وتاسيس الدولة المدنية















المزيد.....


الانبياء وتاسيس الدولة المدنية


علاء النصار

الحوار المتمدن-العدد: 2650 - 2009 / 5 / 18 - 08:43
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


صرخة الدم في فضاء التيه
تلك التي تقطع الفضاء ليولد الزمن ، في عملية مستمرة لأنتاج الأفكار والرموز وأجتثاث المفاهيم، لتهتز وتربت وتنبت أكثر صلابة أمام جموح الأنسان الباحث عن حدٍ يمكن أن يوقف ولهه باللامتناهٍ وجنونه بالكمال ، لذلك فقد شيد الحضارة وهي بدورها عملت على صياغة مفاهيه والتي خضعت جميعها لنمو ونضج الحضارة ذاتها وإندرجت كل ظهوراتها في دائرة الصراع الذي منحها جواز المرور عبر بواباتها المختلفة خاضعاً لأشتراطاتها بأعتبارها نتيجة طبيعية
(لفاعلية الوعي والتفكير والإدراك الإنساني )، ولاسيما مفهوم السلطة كقواعد مبنية على أُسس معينة من أجل تأمين التوافق بين المواقف والمصالح لتنفيذ هدف أعلى من وجهة نظر القائمين عليها ، حيث أخذت السلطة منذ نشؤ المجتمعات البشرية حتى يومنا هذا أشكالاً مختلفة وفقاً لدرجة التطور التأريخي لهذه المجتمعات ، فتطورت من سلطة (مباشرةٍ) تتخذ من التصورات الميثولوجية الراسخة في أذهان الشعوب البدائية وسيلة ضغط لأتباع القوانين ورادعاً يمنعها من مخالفة الطقوس المتماهية مع التشريع خوفاً من ثأر الالهة أو أللأجداد ،وتطبيقاً لقانون التطور الحتمي للمفاهيم ما لبثت أن تحولت هذه السلطة الى سلطةٍ (مجسدةٍ ) فأزاء الصراعات البدائية المستمرة لابد من بروز (شخص يمتاز عن غيره بالقدرة على القيادة فيأخذ زمام المبادرة ويقبض على السلطة متصرفاً بها وكأنها ملكاً له ، فلا يُخضع ممارسته لها لأي قواعد ألزامية وقد يتوارثها بنوه لفترة زمنية تحت نفس العنوان ، ،لكن سرعان ما يبلغ المجتمع مرحلة من التطور تصبح السلطة المجسدة غير قادرة على القيام بإعباء إدارة شؤون الجماعة ، فيبدأ المحكمون والحكام بالتفكير بسلطة تتمتع بالإستمرارية والديمومة وبطريقة لأنتقال الحكم وفق هذه الطريقة ، إن هذه المراحل هو كل ما يهمنا للولوج الى عالم إنتقال السلطة من( الملك ـ الأله) الى النبوات المؤسسة لـ ( الدولة المدنية) والتي فصلّت الموضوع برمته خلال مسيرتها المباركة ، بالرغم من إن جدران التأريخ لازالت تردد صدى تجسيد السلطة الالهية :
(إذا كان علّى ان أكون بطلكم
وأن أقهر ـ تيامات ـ وأنقذكم
إجتمعوا إذاً واعلنوا عن سلطتي العليا
إجلسوا فرحين في ( آبشوـ اكينا )
وأتركوني احدد المصير
وذلك عن طريق
الكلام الذي ينطق به فمي
وبهذه الطريقة
سوف لن يكون بالإمكان
أن يتغير أي شيء مما أُقرر
الأمر الذي اعطيه لايرد ولا يتغير
بهذا القول تفوه ـ مردوخ ـ أصغر الالهة البابلية في دعوته المجلس العام للإنعقاد لأختياره أو تفويضه ملكاً لتولي السلطة والتصدي للفوضى ) إذ بداء ( الملك ـ الاله) في إدخال البشرية مرحلة السلطة المجسدة أو الدينية كما يصطلح عليها في تلك الفترة ،أما في وادي النيل فقد كانت سلطة الملك مطلقة فحق الغزو جعله المالك لعموم البلاد والسيد لجميع الكائنات الحية بإعتباره متحدراً من اله حكم على الأرض فكان لذلك الهاً ، بالرغم من إن له جسماً من لحمٍ ودم ، فلم يكن إله رعيته فحسب ولكنه كان يحضر قرابينهم سوية مع قرابينه الى نفسه ، كانت مشيئة الملك هي مشيئة الاله وكانت أعماله هي خلاصة أفكار الاله وعند النظر الى شخص الاله كان الناس ينظرون اليه على انه اله ، لقد عُبد كاله محسن واله عظيم وحتى كاله صانعٍ للأشياء ، لذا فقد بنى معبداً لنفسه ثم عبد نفسه فيه كما فعل (امنحوتب الثالث ) في مدينة (سلب) وآخر لزوجته (تي) كإلاهةٍ وعبدها فيه ، في ذلك المكان وفي فترة ملوكية الآلهة البشرية يبداْ التطور يأخذ مجراه على يد الخارج من سجن عبدة الذات الفرعونية المقدسة متمثلاً بـ ( يوسف إبن يعقوب ) والذي نستطيع إعتباره أول من حقق عملية فصل الديني عن الدنيوي ، لاسيما بعد تأكيد الكتب المقدسة على ذلك ، فليس هناك أي إشارة عن محاولة (يوسف) لأدخال الدين الذي يراه حقاً في السياسية القائمة آنذاك ، حتى إنه لم يحاول عرض ديانته التوحيدية على فرعون مصر بالرغم من المعاجز التي جاء بها ، الاّ ما يهمنا قرآنياً آيتين (1) قال تعالى ( قال إجعلني على خزائن الأرض إني حفيظ عليم ){ يوسف}54 (2)قال تعالى ( وكذلك كدنا ليوسف ماكان ليأخذ أخاه في دين الملك الاّ أن يشاء الله){يوسف}75 ، اما الآية الأولى فتدل على البعد الإنساني الذي حاول النبي تحقيقه عن طريق إنقاذ الوثنيين من المجاعة المؤكدة بالرغم من وثنيتهم وكفرهم وعبادتهم لفرعون غير إن الآية الثانية تصرح بأنه لم يكن يجد بأساً من تطبيق السياسى الدنيوية (الفرعونية ) لأنتاج النتائج الصالحة وأن كانت خاصة ، الاّ إن التوراة تنظر الى الموضوع بمنظار مختلف ففي الفصل (41 ) من سفر التكوين نقرأ (وولد ليوسف إبنان قبل سنة من المجاعة وهما اللذان ولدتهما إسنات بنت فوطيفارع كاهن اون ) أذ ترى التوراة إن حضور يوسف لم يقتصر على المشهد السياسي وأضطلاعه بالعمل واضعاً حاجزاً بين دين آبائه وسياسة فرعون بل وصل الأمر الى حد مصاهرة عبدة فرعون وإنحيازه كما يرى مفسروا العهد القديم الى عائلته بقولهم (فبالرغم من يوسف كان يملك وظيفةً هامة ويعمل على انقاذ الشعب المصري تظهر في القصة( التوراتية) عناصر تلقي بظلال سوداء على زعامته فبينما كان يزوّد عائلته بكرم بكل ما تحتاج اليه بأذن فرعون كان يسوق المصريين الى عبودية فرعون) ، بيد إنه وبالرغم من التناقض الواضح في النص التوراتي الاّ إن كلا النصيين ( التوراتي والقرآني ) يؤكدان على إن يوسف نأى بدينه الأبراهيمي عن كل ماهو سياسي في مملكة فرعون ، الى هنا ينقطع الحضور النبوي عن المسرح السياسي حتى ظهور (موسى إبن عمران) ونكاد نلمس تطابقاً بين القرآن والتوراة حيث يقسم كلاهما الدعوة الموسوية الى اربعة مراحل (1) الهروب الى مدين (2) العودة الى مصر (3) الخروج الى التيه (4) الإستقرار في أرض كنعان ، لكن مدار الأحداث المهمة لاتكاد تخرج عن دائرة التيه واتي بلورت الديانة اليهودية ورسمت الخطوط الرئيسية لتأريخها ، في البدأ كانت المطالبة من قبل (موسى ) بأطلاق بني أسرائيل المستعبدين منذ وفاة (نبي الله يوسف ) حتى إن الأول لم تكن لديه خطط مستقبلية (مرحلة ما بعد الخروج) وهو مايدل عليه قوله تعالى (قال كلا إنه ربي سيهدين) لذلك فقد واجه مأزقاً حقيقياً في التيه ، وهو يقود أناس ذا أصول بدوية وتربية فرعونيةٍ ، وثنية مصر وهمجية البدو ، في ظل هكذا ظروف (التيه ) ومع هكذا شخصياتٍ خطرةٍ كان لابد من تشريعات توقف جماح الطمع بخزائن السماء وتخرس صرخة الدم البربرية في فضاء التيه وتقتلع جذور الإستعباد من نفوس هذه الأقوام البدائية الهائمة على وحهها في الصحراء ، في الوقت الذي لم يعلن صراخة قيام دولة دينية تنفيذاً لوصية نبوية أو أمر سماوية لتحقيق هذه الغاية غير إن إستدراكاً جاء بعد ذلك (بحسب التوراة) ( فالأرض كلها لي فأنتم تكونون لي مملكة كهنة وأمة مقدسة ){الخروج}19 وكأنه أستفاد من نصيحة (ثيرون ) التوراتي (شعيب ) القرآني حينما نصح موسى (إختر من الشعب كله رجالاً .....وولهم على الشعب ) الاّ إن كل ذلك كله لايعني وجود دولة وأن كان هناك تشابهاً مع بعض الطقوس المنتشرة في ذلك الزمان وتلك الأصقاع كما يذكر (واليس) في كتابه (الساكنون على النيل ) نقلاً عن كلمة لـ (ستيفن المارتير) بالقول ( إن موسى كان عليماً بجميع حكم المصريين وربما لانكون مخطئين كثيراً(كما يقول واليس ) اذ نحن نفترض بأنه فكر بأن موسى كان قد قرأ ودرس الأعمال المصرية الوطنية فيما يتعلق بالسحر والدين وأكتسب معرفة خاصة بالتعاليم المصرية والعقائد المتصلة بأصل العالم والالهة والإنسان والبعث والحياة بعد الموت ) لذلك لم يتمكن أن يكّون دولة ،لاسيما وهّم جماعة مرتحلة على الدوام لايستقر بها المقام في بقعة معينة تمكنهم على الأقل من حيازة رقعة جغرافية لها حدود ترمز لأستقلالها كدولة ، لكن حتى في هذه اللادولة فقد فصل نبي الله موسى بين السياسه التي جعل أمرها الى يشوع أبن نون (يوشع كما يطلق عليه المسلمون ) وبين الدين الذي أسند أمر حفظه الى لـ ( لعازر ابن هارون ) ( فقال الرب لموسى خذ يشوع أبن نون وأقمه بمحضر لعازرالكاهن (بعد أن مات هارون ) والجماعة خلفاً لك ) اذ بمجرد ان وجد موسى من يقوم بالوظيفة السياسية تنحى عنها ولم يتدخل في أي شأن من شؤونها ، لاسيما الغزو وأمر الحرب ويتضح ذلك في معركة( مديان) عندما ( عادوا الى موسى والعازر الكاهن وجماعة بني أسرائيل بالسبي والغنائم ) {العدد}3 فلا يجب أن يكون الحاكم السياسي نبياً أو مقدساً كما جاء على لسان موسى في سفر التثنيه ،اذا ماتوفرت فيه الشروط :
(1) أن يكون من بني أسرائيل (المواطنة)
(2) أن لايكثر من النساء (الضوابط الأخلاقية)
(3) أن تكون لديه نسخة من شريعة موسى (الألتزام بالدستور الوحيد الموجود آنذاك)
غير أن ما حصل هو عودة ذلك التداخل المتوارث بعد دخول يشوع ابن نون أرض كنعان مما ينفي بالتالي الحاجة الى وجود الكاهن مع الأخذ بالحسبان إن ذلك لم يكن من تعاليم موسى ولم يشر اليه أبداً . ولكي لايطول بنا المقال فسنضطرالى القفز من تشكيل الدولة الأولى التي أشبعت تنظيراً ميثولوجياً خاصة في عصرنبيي الله (داوود وولده سليمان )حوالي القرن العاشر قبل الميلاد الى أخر عشرين سنة قبل الميلاد وهي الفترة التي ولد فيها ( يحيى أبن زكريا ) في تلك الفترة أو بعدها بقليل حدثت ثورة المكابيون لأعادة أمجاد الدولة الدينية في أورشليم القدس والتي كانت تتمع بحكم ذاتي تحت سلطة الأمبراطورية الرومانية آنذاك غير إن هذه الثورة لم تحظى بأي تأييد نبوي من قبله ( فلم يكن يحيى معارضاً للدولة وفق التعريف الشائع كما كان الجمهوريون او المكابيون لأنه اذا ما عارض حكماً وجب أن يقدم له بديلاً وهو لم يكن مكلفاً بذلك ولامأموراً به بل إنه كان يحث الجباة ـ جباة الدولة ـ على أن لايأخذوا من الناس أكثر مما فرض عليهم ولم يدعوهم الى ترك وظائفهم ) ثم أن المؤرخ (يوسفيوس ) والذي عاصر تلك الفترة لم يصف يحيى الاّ بأنه كان واعظاً ثورياً أخلاقياً ولم يتطرق الى أي جانب سياسي من جوانب دعوته ، في حين كان لزاماً عليه ذلك لو مارس يحيى شكلاً من أشكال ( البولتيكا ) لأن ذلك سيكون تأييداً لهذا الأتجاه الحياتي بممارسته من قبل نبي عظيم ، ولكن حتى ذلك لم يكن ليزلزل عقيدة اليهود بحتمية عودة أمجاد الدولة الدينية والتي من المؤمل إنها ستعود حسب تلك العقيدة على يد المسيح المّخلص الاّ إنه الأخر قد حطم هيبتهم أمام أنفسهم بعد أن لم تقنعهم مئات السنين من الإذلال على تقبل ذلك لقد جعل حلمهم بالملك المخلص يتحول الى كابوس مرعب ، فبدل أن يعيد لهم مجد الملك داوود أوقل مجد المكابيين وسلطتهم تراه يحثهم على التخلي عن كل ما إعتقدوه وسيلة ناجعة لأعادة هذا المجد مردداً قوله (كما ترك لكم الملوك الحكمة فدعوا لهم الدنيا ) لذا فقد كان يدفع الجزية كما درج أسلافه في فصل المعتقد عما لايدخل في شأنه (اذاً اعطوا ما للقيصر للقيصر وما لله لله ) لأن غاية بعث المسيح كانت تتجه نحو تحقيق هدفين وليس السياسةأحدهما (1) إصلاح الديانة الموسوية (2) التهيئة للدين المحمدي ،( فخشونة الشريعة الموسوية اللازمة لردع بني أسرائيل من الإنتكاس لعبادة مصر القديمة أسىء فهمها ليتحول معظم أتباعها الى قشريين ومتعجرفين بشكل لايطاق أما الغاية الحقيقة من وراء تشريع الشرائع ووضع السسن فقد أهمل تماما ) لقد خيّب المسيح ظن اليهود وهو ما سيفعله خلفه نبي الإسلام بعد ذلك بستة قرون في( يثرب) ، غير إن خلاصة الدعوة كانت في (مكة) والتي بلغت قبيل الإسلام شيئاً من الرقي الحكومي ومنه القضاء كما يدلنا على ذلك توزيع الأعمال العشرة بالإضافة الى الإشناق (المغارم والديات ) ونحن أذا ما تتبعنا (الآيات المكية نجد إنها لاتكاد تتعرض لشيء من التشريع في المسائل المدنية والأحوال الشخصية والجنائية ، إنما تقتصر على بيان أصول الدين والدعوة إليها كالأيمان بالله واليوم الأخر والأمر بمكارم الأخلاق وتجنب المساوىء منها ولعل أوضح مايبين التعاليم التي كان يدعواإليها الإسلام في مكة هي (سورة الأنعام المكية ) أما التشريع في الأمور المدنية من بيع وإجارة وربا ونحوذلك والجنائية من قتل وسرقةٍ والأحوال الشخصية من زواج وطلاق فكان بعد أن هاجر النبي (ص) الى المدينة ، ولعل خير مايوضح هذا النوع من التشريع هما سورتا (البقرة والنساء المدنيتان ) وهذه الآيات القانونية أو كما يسميها الفقهاء آيات الآحكام ليست كثيره ففي القرآن نحو ستة آلاف آية ليس فيها ما يتعلق بالأحكام الاّ نحو مئتين آية وهو ما يكفي لتدبير شؤون مدينة صغيرة وبدائية كـ (يثرب ) بخلاف( مكة ) والتي كانت مركزا عالمياً اذا ما حكمناً بمقاييس الزمان والمكان كما يقول ( وليام بولك ) لقد كانت يثرب والتي عرفت بعد ذلك بـ (مدينة الرسول ) تشبه البلدات الصغيره المشتغلة بتربية قطعان المواشي في العراق خلال فترة( العبيديين ) قبل آلاف السنيين ،فلم تكن مدينة على الأطلاق الاّ بالكاد ، فقد كانت مجموعة متناثرة من المساكن البسيطة ولم تكن لديها مؤسسات حضرية كما هي مكة والتي كان لها (مجلس شيوخ ) متمثلاً في دار الندوة ( تجري فيه المناقشات والمباحثات في الأمور المهمة كالأشتراك في الحروب أو عقد المعاهدات والإتفاقيات وتجهيز القوافل وتنظيمها ، لكن عدم وجود سلطة تنفذ قرارات مجلس الشيوخ أدى الى غبن الضعفاء وكثرة المظلومين ، وقد أستفزت هذه الحالة الخطرة المجلس فكون ( حلف الفضول ) لمساعدة المظلومين غير إن مجيىء الإسلام عوض عنه وحل محله في العمل بعد ذلك . إزاء هكذا أوضاع مترديةٍ وغياب للقانون والإحتكام للسيف ودستور الدم لأتفه الأسباب وأسخفها كان لابد من أحكام تشريعية لازمة توقف سيل المعارك الطاحنة في ( المدينة) . إن السلوك السياسي النبوي يكشف الفرق الجوهري بين مجتمعي مكة والمدينة فعندماظهر النبي (ص ) في مكة قال (إنما بعثت لإتمم مكارم الأخلاق ) لكنه مالبث أن وصل المينة حتى أصدر الوثيقة التي سميت (دستور المدينة )ليغدوا نبياً وحاكماً، إن الموضوع هنا يدور حول الفرق بين (الواجب و الحق ) فبينما الأول /مفروض عليها (الأمة) وعليه (النبي ) سماوياً فإن الثاني يحتاج الى إجماع ألأمة عن طريق البيعة (الإنتخاب )، فعندما أرسل الله تعالى أنبيائه بالهدى ودين الحق جعل هذا الإرسال وظيفة غيبية غايتها الإبلاغ ترغيباً وترهيباً وشهادةً (إنا أرسلناك شاهداً ومبشراً ونذيراً وداعياً الى الله بأذنه وسراجاً منيراً ) إن هذه المهمة تنفي كل ما سواها من وظائف دنيوية إجباريةٍ غير الإبلاغ (ما على الرسول الاّ البلاغ ) فلو كان صلى الله عليه واله مأموراً بالحكم السياسي لما نفى الله عنه أهم المستلزمات السلطانية (فذكر إنما أنت مذكر لست عليهم بمسيطر ) ، إن حاكمية النبي في دولة المدينة جرت حسب ضوابط مدنية ذلك الزمان والتي إستلزمت البيعة فهي في حقيقتها جرت كعقد إجتماعي مبرم بين المحكوم والحاكم سواءً كان نبياً كـ (محمد) وأ (إماماً ـ حاكم شرعي ) كـ (علي ) ، إنها الولاية الدنيوية للأمة على نفسها والتي لابدلها من أمير بر أو فاجر كما جاء على لسان علي أبن أبي طالب ، حيث لم يحدد في ذلك العصمة كشرط واجب ، لأن الهدف من وجود الحاكم السياسي هو تسيير الشؤون الإدارية في البلاد (ومن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر) ، بشرط ألتزامه بالقوانين المرعية داخل المجتمع ، والتي تختلف بين الأزمنة والأمكنة بإعتبار حركتها الدائمة المرتبطة بحركة المجتمع ، بينما القواعد الدينية العامة (الكبرويات ) لايمكن ليّ عنقها لتلائم الزمن لأنها ثابتة ثبات الحلية والحرمة المسندة حمايتها الى الإمام المفروض سماوياً على الأمة المأمورة لأقامة العدل (ليقوم الناس بالقسط)[كما يعتقد الشيعة]، في الوقت الذي لايمكن فيه التغافل عن آيتي الشورى أو جرها الى طامورة التأويل القسري للنصوص في هذا الموضوع بالذات ، هذا من جهة ومن جهة أخرى فأن النص القرآني والأدبيات الدينية تُثبت إن تولي أمر ألخلافة واجب على الإمام المعصوم اذا ما بويع بينما الإضطلاع بمهام الإمامة واجب بالنص ، بمعنى إنه يمكن أن يكون الخليفة فاجر كما جاء على لسان أمير المؤمنين ويؤيده قوله تعالى ( قال إني جاعل في الأرض خليفة قالوا أتجعل فيها من يفسد ) أو براً كما في قوله تعالى ( ياداوود إني جاعلك للناس خليفة ) ولايتوهم إن الموضوع هنا يدخل حيز الجبر بل في دائرة الفعل الحقيقي للذات الالهية ، اما يجمع الآية الأولى والثانية فهو قوله تعالى ( هو الذي جعلكم خلائف في الأرض فمن كفر فعليه كفره ) . اذاً فالخلافة صفة للمجتمع البشري إنما تحرز بالبيعة والإنتخاب بخلاف الإمامة التي هي منصب إلهي تندرج الخلافة تحت طاعته ، والى ذلك يشير السيد محمد باقر الصدر (قده ) في كتابه ( دور الأئمة في حياة الأمة ) صفحه 296 بقوله ( ونحن اذا تتبعنا الحركة الشيعية نلاحظ إن القيادة المتمثلة في أئمة أهل البيت (ع) كانت تؤمن بأن تسلم السلطة وحد لايكفي ولايمكن من تحقيق عملية التغيير إسلامياً ما لم تكن هذه السلطة مدعمة بقواعد شعبية واعية تعي أهداف تلك السلطة وتؤمن بنظريتها في الحكم وتعمل في سبيل حمايتها وتفسير مواقفها للجماهير وتصمد في وجه الأعاصير وفي نصف القرن الأول بعد وفاة النبي (ص) كانت القيادة الشيعية بعد إقصائها من الحكم تحاول بأستمرار إسترجاع الحكم بالطرق التي تؤمن بها لأنها تؤمن بوجود قواعد شعبية واعية او في طريق التوعية من المهاجرين والأنصار والتابعين بإحسان) ، لذلك فأن حتى الإمام الثاني عشر عند الشيعة [الغائب] يحتاج الى بيعة تخوله تولي الحكم السياسي ففي حديث النبي (ص) مُخبراً جابر إبن عبد الله الأنصاري عن أحوال الإمام المهدي يقول ( ياجابر إلزم الأرض .......ـــ الى أن يقول ــ .....فيجمع الله عليه أصحابه ثلاثمائة وثلاثةعشر رجلاًويجمعهم الله له على غيرميعاد كقزع الخريف وهي ياجابر الآية التي ذكرها الله في كتابه ( أين ما تكونوا يأت بكم الله جميعاً إن الله على كل شيء قدير فيبايعونه بين الركن والمقام ) فأصحابه إنما يبايعونه كخليفة بينما لايحتاج الى بيعة كإمام . غير أنه يبقى جهداً مضني ٍ ذلك الذي نحتاجه لتشذيب الجذور الغائرة في اللاوعي وشجاعةٍ فريدةٍ لعرض ذواتنا الإسلامية أمام مرآة العقل الذي اُ مرنا بإتباع حقيقة وجوده (نحن أصحاب الدليل اينما مال نميل ) ، وراء تلك الأسوار التي أصبحت مدينة محرمة في أرض ٍ حضرموتية ، منذ قرون بفعل الممارسات السياسية القسرية الأصل والتي مافتأت تصرخ بالكل للأصطفاف في طابور تقديم التبريرات الدينية لأفعالها الدنيوية ، مما أحالها الى بثور سرعان ما أصبحت جزءً من أجسادنا المعرفية النحيلة آن لها اليوم أن تستأصل بذات الأدوات المخبئة تحت الصناديق المقفلة للتراث المقدس، لنشر ثقافة ٍ آفنى الأنبياء سنيهم في ترسيخها وقضى الأئمة نحبهم سعياً ورائها ونظّر الفلاسفة العظام والحكماء لتأصيلها ، فهل لذلك من مجيب الاّ صوت ٌ يتردد في أرجاء التيه : كنت أسمعت لوناديت حياً ولكن لاحياة لمن تنادي ، ودموع تنساب على خده الشريف وهو ينشد :
يارب جوهر علم لو ابوح بـــه لقيل لي أنت ممن يعبد الوثنا
ولأستحل رجال مسلمون دمي يرون أقبح أفعالهم حســــــنا
فهل من مجيب غير صرخة الدم في فضاء التيه.



#علاء_النصار (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- حوارية الأسلمة والعلمنة
- (قراءة نقدية للإسلام) أو هكذا سُميت
- تجار مقدسون
- ايها الليبراليون..نقطة نظام


المزيد.....




- المقاومة الاسلامية بلبنان تستهدف قاعدة حيفا البحرية وتصيب اه ...
- عشرات المستوطنين يقتحمون المسجد الأقصى
- مستعمرون ينشرون صورة تُحاكي إقامة الهيكل على أنقاض المسجد ال ...
- الإعلام العبري: المهم أن نتذكر أن السيسي هو نفس الجنرال الذي ...
- ثبتها فوراً لأطفالك.. تردد قناة طيور الجنة 2024 على نايل سات ...
- الجنائية الدولية تسجن قياديا سابقا في أنصار الدين بمالي
- نزع سلاح حزب الله والتوترات الطائفية في لبنان.. شاهد ما قاله ...
- الدعم الأميركي لكيان الاحتلال في مواجهة المقاومة الإسلامية
- إيهود باراك يفصح عما سيحدث لنتنياهو فور توقف الحرب على غزة
- “ألف مبروك للحجاج”.. نتائج أسماء الفائزين بقرعة الحج 2025 في ...


المزيد.....

- مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي / حميد زناز
- العنف والحرية في الإسلام / محمد الهلالي وحنان قصبي
- هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا / محمد حسين يونس
- المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر ... / سامي الذيب
- مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع ... / فارس إيغو
- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل
- الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5 / جدو جبريل


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - علاء النصار - الانبياء وتاسيس الدولة المدنية