أحمد عائل فقيهي
الحوار المتمدن-العدد: 2650 - 2009 / 5 / 18 - 08:25
المحور:
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في الخليج والجزيرة العربية
باستثناء أسماء قليلة قدمت أعمالاً ثقافية وأدبية وفكرية لافتة في بلادنا ينبغي عدم التقليل منها ومن أهميتها, قد لعبت دوراً تنويرياً لا يمكن تهميشه والتغاضي عنه. أذكر هنا على سبيل المثال لا الحصر محمد حسن عواد وحمزة شحاتة وأحمد السباعي وحمد الجاسر وعبدالله القصيمي وعبدالله عبدالجبار من جيل -التأسيس- وغازي القصيبي ومحمود سفر وأسامة عبدالرحمن وعبدالله الغذامي وتركي الحمد وإبراهيم البليهي من جيل -ما بعد مرحلة التأسيس-. باستثناء هذة الأسماء مع أسماء أخرى يمكن القول إن ثمة غياباً لافتاً لمشروع ثقافي وتنويري يذهب بعيداً وعميقاً في إعادة النظر في السائد من الأفكار والمتداول من موروث الثقافة وجعلها تخضع لقراءة علمية تقوم بتفكيك الفكر المعيق لحركة التقدم لمجتمع يقف في منتصف الطريق بين محافظ على هويته الدينية والتاريخية والاجتماعية إلى حد الإفراط وإلى درجة الشوفينية وبين الانخراط في كل ما له صلة بتجليات العولمة ومظاهر العصر والدخول في لحظة الحداثة من نافدة ما هو أدبي وشعري, لا من نافدة ماهو علمي وفكري ومن خلال ما هو استهلاكي وهامشي.
من هنا فإن غياب هذا المشروع الثقافي التنويري من شأنه أن يؤسس لمرحلة جديدة واستثنائية في المشهد الاجتماعي السعودي وذلك من أجل الدخول إلى زمن جديد ولحظة جديدة ولكن كيف يمكن لهذا المشروع أن يخرج للنور وللناس؟ وللإجابة على هذا السؤال يقتضي أن نفهم طبيعة وتركيبة المجتمع الذي لازال في بعض من تجلياته ومظاهره تؤثر فيه تلك الذهنية السائدة والثقافة التقليدية التي تتخد من الدين غطاء لها ولممارساتها عبر فكر جماعات تعادي الدولة وتخاصم المجتمع بحثاً عن دولة إسلامية مزعومة على نموذج دولة طالبان وتجد في حالة الالتجاء والاحتماء بالدين سندأً ومرتكزاً لها.
لذلك لابد اليوم من صياغة رؤية كبيرة ينهض بها أولو العزم من المؤمنين بضرورة التطوير والتغيير والذين يرون في تبني هذة الرؤية الدخول في تاريخ اجتماعي جديد يؤمن إيماناً مطلقاً بقيم الحداثة وقيم المجتمع المدني, فاتحة لكتابة السطور الأولى في هذا التاريخ الاجتماعي الجديد من أجل كما قلت في البدء إعادة النظر فيما هو سائد في حياتنا من طغيان الرؤية الواحدة والرأي الواحد.
إن تدمير وتخريب البنية التحتية وكل ما يشير ويرمز إلى البناء وإعمار الأرض هو ما يسكن عقليات وأدبيات الأصولية المتطرفة في حين أن إعمار الأرض يقوم عليه أسس الدين وتعمل على أساسه فكرة إعلاء كلمة وإعلاء كرامة الإنسان. ومن هنا فإن المطلوب في وسط هذا التحول الاجتماعي والتاريخي ووسط هذا السجال الذي نقرأه يومياً بين قوى التحديث وقوى الممانعة إرساء قيم الحوار والتفكير الحر. وهنا ينبغي أن لا يكون الدور محصوراً في النخبة الطليعية فقط, أي عبر أولئك الذين يؤمنون بقيم الفكر الليبرالي وقيم الحداثة والتجديد ولكن ينبغي أن ينهض بهذا الدور أصحاب الفكر الديني المستنير ممن يملكون فكراً حضارياً يرسخ قيم ومبادئ المجتمع المدني وأن الدين ليس ضد المدنية.
لماذا ادعو دائماً إلى ضرورة الاشتغال على القضايا الفكرية التي من شأنها أن تقوم ببناء خطاب فكري جديد في بلادنا, لأن الفكر لا يجابه إلا بالفكر وترميم العقول لا يتم إلا بالبناء الصحيح والوعي الخلاق. والدعوة إلى مشروع تنويري ثقافي في مواجهة الفكر الظلامي لا ينهض به النخبة من مثقفين وأصحاب فكر ورجال دين مستنيرين فقط, ولكن هذا الدور ينبغي أن ينهض به ويقوم على تعميمه وتكريسه وصياغته الجامعات والمؤسسات الثقافية في بلادنا ليس من أجلنا وأجل الوطن فقط, ولكن من أجل أن يكون المستقبل أكثر اطمئناناً وأماناً لأجيالنا القادمة أيضاً. ومن أجل تغيير مسار نظرتنا باتجاه أنفسنا وباتجاه العالم والثقافات والديانات الأخرى. ولن اذيع سراً إذا قلت إن هناك من ينتمي إلى مجتمع النخبة من هو أكثر رجعية وأكثر تخلفاً وأكثر عدائية وخصومة لكل الثقافات والديانات والمذاهب الأخرى وكل ما هو مختلف وقادم من الغرب. وهناك شريحة من المتعلمين والمثقفين تقف في وجهة أي مشروع تنويري وتثقيفي في المجتمع وتقف في خندق الممانعة ومجابهة ومواجهة كل جديد. ومن هنا فلا يمكن أن تتأسس في بلادنا ثقافة جديدة إلا بوجود فكر مختلف وثقافة مختلفة مهمتها إيجاد تحول حقيقي في المجتمع حتى لا يتحول الثابت إلى مؤسسة, وجعل هذة المؤسسة هي التي تفكر بالنيابة عن الناس وبدلاً عن المجتمع.. إذ لابد أن يتأسس هذا المجتمع على الحراك والتحول والحرية.
ولكي يصبح مجتمعنا مجتمع الحراك الدائم والدائب والتحول المستمر والحرية المستحقة أو الفريضة الغائبة والمغيبة, لابد من تغيير تلك الصورة النمطية عن المجتمع السعودي وانه مجتمع عصي على التغيير في ظل وجود جماعات في الداخل تعمل ضد قوى التحديث...
هل نحن مجتمع تحول الثابت فيه إلى مؤسسة حقا؟ هذا هو السؤال.
#أحمد_عائل_فقيهي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟